ثبت أخيرا أن شعور بالقلق عند الابتعاد عن الهاتف الذكي حقيقة لا جدال فيها، إلى درجة أن هذا القلق مُنح اسما علميا وهو “النوموفوبيا”. وقد ذكر هذا المصطلح لأول مرة سنة 2012، وأضيف إلى القواميس سنة 2016. وتعرف النوموفوبيا بأنها ذلك الشعور المزعج الذي يسببه عدم توفر الهاتف الجوال في متناول اليد، وعدم القدرة على إجراء تواصل افتراضي كالمعتاد.
في هذا السياق، أجريت دراسة حديثة، نشرت في مجلة سايبر سايكولوجي، وبيهايفر، وسوسيال نتوركينغ، لمعرفة مدى تأثير النوموفوبيا على الأشخاص المتعلقين كثيرا بهواتفهم الذكية، ووفرت لنا نظرة عامة حول طبيعة الأشخاص الذين طوروا علاقة غير صحية مع هواتفهم.
في إطار هذه الدراسة الجديدة، أجرى العلماء استطلاع آراء شمل 201 طالب جامعي من كوريا الجنوبية تتراوح أعمارهم بين 18 و37 سنة. وكانت الأسئلة التي طرحت عليهم حول مدى موافقتهم أو معارضتهم على المعلومات المتعلقة بما يسمى بالذاكرة الإيجابية، واستخدامهم اليومي للهواتف الذكية، وسلوكياتهم، ومشاعرهم المتعلقة بالهواتف الذكية.
من خلال هذا الاستطلاع، تبين أن الشعور الشائع بين الناس يتمثل في تعلقهم الشديد بهواتفهم الذكية، وتعاملهم معها على أنها امتداد لهم. وفي هذا الإطار، أفاد كي جون كيم، الأستاذ المساعد في مجال تعدد الوسائط والتواصل في جامعة مدينة هونغ كونغ، “أن هذا الشعور يلازم خاصة أولئك الذين يستخدمون الهواتف الذكية لتخزين الصور وتبادلها بغرض استرجاع الذكريات الشخصية التي تعكس بواطنهم”.
لا يعتبر القلق المرتبط باستخدام الهواتف الذكية بالأمر الجديد، فقد كشفت دراسات سابقة أن الابتعاد عن أجهزتنا العزيزة علينا قد يسبب زيادة في نبضات القلب، وارتفاعا في ضغط الدم
وفقا للمعطيات لمذكورة آنفا، استنج معدّو هذا البحث أن الاستخدام المفرط للهاتف قد ساهم في تطوير المستخدمين لشعور “البحث المتواصل عن الهاتف”، ويتمثل ذلك عادة في الحاجة الدائمة لهاتف جوال بالقرب منهم، ما نتج عنه ظهور رهاب النوموفوبيا.
كما أظهرت الدراسة أيضا أن تعلق المستخدمين بهواتفهم الذكية يختلف باختلاف مستوى النوموفوبيا لديهم. وفي هذا السياق، لوحظ أن العديد ممن شاركوا استطلاع الآراء قد اعتمدوا مفردات متقاربة لوصف حاجتهم للهواتف الذكية، مثل “يؤلم”، “وحيد”، “يريد”، بينما أظهر البعض الآخر تعلقا أقل بهواتفهم فاستخدموا عبارات مثل “ألعاب”، “مريح”، “رسالة نصية قصيرة”، و”فعال”.
حيال هذا الشأن، صرح المصابون بالنوموفوبيا بأنهم يعانون من آلام في المعصم والرقبة، فضلا عن أنهم أفادوا بأنهم يشعرون بالإلهاء وبتشتت الذهن في مواقع عملهم أو دراستهم. وفي هذا الصدد، قال كيم “حذرت هذه الدراسة من المخاطر المحققة التي قد يسببها الاستخدام المفرط للهواتف الذكية على صحة الإنسان والتأثير السلبي على كل جوانب حياته”.
مما لا شك فيه، لا يعتبر القلق المرتبط باستخدام الهواتف الذكية بالأمر الجديد، فقد كشفت دراسات سابقة أن الابتعاد عن أجهزتنا العزيزة علينا قد يسبب زيادة في نبضات القلب، وارتفاعا في ضغط الدم. لذلك، اعتبر كيم أن هذه الدراسة الحديثة تدعم سابقاتها، وتؤكد أن النوموفوبيا حقيقة لا جدال فيها.
في شأن ذي صلة، ذكر معدو الدراسة، بعد أن اطلعوا على الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، وبعد الرجوع إلى علماء النفس والأطباء النفسيين، أن النوموفوبيا “قد تكون مؤشرا على الإصابة باضطرابات اجتماعية أو رهاب لدى بعض الأشخاص الذين يعتمدون بشكل كبير على التواصل الافتراضي”.
“النوموفوبيا” و”الخوف من فقدان الأشياء” و”الخوف من عدم التواصل الافتراضي “كلها مخاوف مشروعة يمكن التعامل معها على أنها رهاب تقليدي
بالإضافة إلى ذلك، أكد كيم أن النوموفوبيا ستصبح أكثر انتشارا في المستقبل، خاصة في ظل تواصل تطور التكنولوجيا، التفاعلية، والميسرة. زد على ذلك، تحول أجهزتنا الذكية أكثر فأكثر إلى هواتف شخصية يمكن تعديلها وفق رغبة المستخدم عبر التطبيقات والبرامج، التي تصنف الصور آليا وتصنع تلقائيا الأعمال الفنية ومقاطع الفيديو، التي تصور الحياة اليومية للمستخدم وذكرياته الخاصة”.
من هذا المنطلق، أشار الباحثون إلى أن استحالة منع التكنولوجيا من التطور يجعلنا أمام خيار واحد، ألا وهو أن نمنع أنفسنا على الأقل من استخدام الهواتف الذكية كامل الوقت وأن نحاول تخفيض اعتمادنا عليها قدر المستطاع. وبالتالي، اعتبر كيم أن معرفة الآثار السلبية للنوموفوبيا قد تكون الخطوة الأولى نحو معالجة الخوف من فقدان الأشياء والتواصل معها، حيث أورد “تتمثل الخطوة الثانية في أن نمنح أنفسنا الفرصة بغلق هواتفنا الذكية وأن نبقى من دونها لبعض الوقت”.
في تقرير صحفي، أقرت رئيسة تحرير المجلة، بريندا وايدرهولد، بأن “النوموفوبيا” و”الخوف من فقدان الأشياء” و”الخوف من عدم التواصل الافتراضي “كلها مخاوف مشروعة يمكن التعامل معها على أنها رهاب تقليدي. وتابعت وايدرهولد قائلة، “يمكن في هذه الحالة معالجة النوموفوبيا من خلال استخدام العلاج بالمواجهة، أي بغلق الأجهزة الذكية بعض الوقت وبشكل منتظم. وقد ينجح هذا في تخفيف حدة القلق لدى الشخص ويجعله أكثر ارتياحا أثناء فترة قطع الاتصال”.
المصدر: التايم