حصلت تونس بداية الأسبوع الحالي، على قرض بقيمة 500 مليون دولار أمريكي من البنك الدولي كان قد أُعلن عنه في شهر يونيو الماضي، بهدف دعم الموازنة العامة للبلاد التي تشكو من عجز كبير، والقيام بالاصطلاحات الاقتصادية اللازمة للخروج من أزمتها التي طال أمدها وأضرت بالمواطن التونسي فضلا عن صورة البلاد في الأسواق العالمية.
عجز في الموازنة
وفق موازنة العام الحاليّ البالغة نحو 13 مليار دولار حسب قانون المالية التونسي، فإنه من المتوقع تسجيل عجز بنحو 5.4 %، سبب استمرار هبوط قيمة الدينار التونسي وتراجع الإنتاج وتفاقم العجز التجاري المستمر، ولتغطية هذا العجز أظهرت الموازنة أن تونس تتوقع قروضا أجنبية بقيمة 2.78 مليار دولار أي نحو ضعفي الاحتياجات التمويلية للعام الماضي التي توقعت قروضا أجنبية بواقع 1.45 مليار دولار.
تضاعف عجز الميزان التجاري الغذائي خلال النصف الأول من سنة 2017، حيث بلغ 728.5 مليون دينار مقابل 367.6 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016
وخلال النصف الأول من السنة الحالية، بلغ عجز الميزان التجاري التونسي 7535.2 مليون دينار مقابل 6034.1 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016 وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة حكومية). كما تضاعف عجز الميزان التجاري الغذائي خلال النصف الأول من سنة 2017، حيث بلغ 728.5 مليون دينار (ما يمثل 9.7% من إجمالي عجز الميزان التجاري) مقابل 367.6 مليون دينار خلال نفس الفترة من سنة 2016، وفقًا لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري.
كما سجّل معدل إنتاج النفط تراجعًا إلى ما دون 30 ألف برميل في اليوم في الفترة الأخيرة،، بسبب الاحتجاجات التي تشهدها مناطق تحتوي على حقول نفط، وكانت وزارة الطاقة والمناجم قد أشارت سابقًا إلى أن تونس تتكبد يوميًا نتيجة تعطل الإنتاج، خسائر بقيمة 3.4 مليون دينار فيما تقدر الخسائر أسبوعيًا بما يعادل 25 مليون دينار.
ارتفاع احتياطات البلاد من العملة الصعبة
مباشرة إثر حصول تونس على هذا القرض الجديد من البنك الدولي، كشفت بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزي التونسي أمس الخميس ارتفاع احتياطيات البلاد من العملة الأجنبية إلى 13.22 مليار دينار (نحو 5.43 مليار دولار)، بما يغطي واردات 103 أيام، بعد أسبوع من هبوط الاحتياطي إلى مستوى غير مسبوق في نحو ثلاثة عقود.
وخلال الأسبوع الماضي تراجع الاحتياطي التونسي من العملة الصعبة إلى 11.59 مليار دينار، بما يغطي واردات 90 يوما، وذلك للمرة الأولى منذ 1986. لكن أرقام البنك المركزي بموقعه على الإنترنت أمس الخميس كشفت ارتفاع الاحتياطيات التي ما زالت أضعف من مستواها قبل عام، عندما كانت تغطي واردات 117 يوما.
تراجع فيمة الدينار التونسي نتيجة تراجع احتياطي العملة الصعبة
ويشكل تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة إلى هذا المستوى، حسب العديد من الخبراء، تهديدًا لقدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها واستيراد احتياجاتها من المواد الأساسية والطاقة، وواصل الدينار هبوطه إلى مستويات غير مسبوقة مقارنة باليورو والدولار، وقال البنك المركزي على موقعه يوم الخميس إنه يجري تداول اليورو مقابل 2.84 دينار والدولار مقابل 2.46 دينار.
اصلاحات مرتقبة
للخروج من أزمتها الحالية وضمان ثقة المقرضين الدوليين وأبرزهم صندوق النقد الدولي الذي وافق العام الماضي على إقراض تونس 2.8 مليار دولار، لا بدّ لتونس من القيام بحزمة من إصلاحات في العديد من القطاعات. ويرتكز برنامج الإصلاحات التي تسعى الحكومة التونسية لتطبيقه في الفترة المقبلة بإيعاز من المقرضين الدوليين على خصخصة قطاعات حكومية تعاني من مشاكل وأزمات مالية، وإجراء تعديلات على البرنامج الضريبي لجذب الاستثمارات الأجنبية في مسعى من الحكومة لنشل مؤشرات الاقتصاد المتداعية منذ فترة.
يصل العجز المالي لتلك المؤسسات خلال الثلاث سنوات الماضية نحو 3 مليارات دينار تونسي أو نحو مليار وربع دولار
وتدرس الحكومة التونسية تطبيق حزمة من الإصلاحات تمس المؤسسات الحكومية كبيع حصص في 3 بنوك على سبيل الخصخصة بالإضافة إلى خطوط الطيران التونسية مؤسسات أخرى، ويوجد في تونس نحو 400 مؤسسة حكومية تقدم خدماتها في أكثر من 25 قطاع ومن أبرز تلك المؤسسات شركات النقل البري والجوي والسكك الحديدية وشركات الكهرباء والغاز والمياه والملاحة والتلفزة والإذاعة والطباعة والنشر والصيد البحري وشركات عقارية والمصارف وغيرها.
يتراوح العجز المالي لتلك المؤسسات خلال الثلاث سنوات الماضية نحو 3 مليارات دينار تونسي أو نحو مليار وربع دولار حسب أرقام رسمية للحكومة التونسية، لتجد الحكومة نفسها مضطرة للتعامل مع ذلك العجز من خلال الاقتراض من مؤسسات دولية وحكومات، وهو ما يساهم في رفع عجز الميزانية العامة للبلاد.
ارتفاع كتلة أجور الموظفين تربك اقتصاد البلاد
ومن بين الاصلاحات الأخرى، تسعى تونس إلى إقناع أكثر من خمسين ألف موظف في الوظيفة العمومية، من خلال عرض حوافز لهم من بينها حصولهم على رواتب لمدة سنتين ومساعدتهم في الحصول على قروض لدى البنوك لفتح مشاريع خاصة بهم، بمغادرة الوظيفة بشكل طوعي بدءًا من 2017 بهدف خفض كتلة الأجور المرتفعة، ويعتبر معدل كتلة الأجور في تونس من أعلى المعدلات في العالم.
ويشغل القطاع العام في تونس قرابة 650 ألف موظف، وفق إحصائيات رسمية، وبين عامي 2010 و2016، زاد عدد الموظفين بنسبة %50 وتضاعفت كتلة الأجور بنسبة %100 وفق نفس الإحصائيات. وكان صندوق النقد الدولي قد اشترط على تونس للحصول على أقساط من قروض مالية، تخفيض عدد العاملين بالقطاع العام، بحيث لا يتجاوز عدد الموظفين حدود 500 ألف موظف وتخفيض كتلة الأجور إلى نسبة 12%من ميزانية الدولة بحلول سنة 2020، عوض 13.5% حاليًا.
إلى جانب ذلك، تنوي الحكومة بيع عدد من المؤسسات المصادرة من قبل عائلة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في قطاعات الاتصالات والإعلام والخدمات، وتتوقع الحكومة أن تجني نحو 300 مليون دولار من بيع بعض تلك الشركات.