هناك الكثير من الأفكار التي يتم مناقشتها حول ما سيبدو عليه المستقبل وكيف يمكن للبشرية التأقلم ومواكبة هذه التغيرات الجوهرية مع الزمن ويحاول العالم أن يجد صورة مقربة لما قد تكون عليه الأمور في العقود القادمة حتى يحجز كلًا منهم مقعدًا لهم في هذا العالم المزدحم وسريع التقدم، ومن أكثر الأمور التي أثارت قلق العالم في الآونة الأخيرة هي احتمالية استحواذ الآلات الذكية على وظائف البشر، وخاصة المهمات الروتينية التي لا تتطلب إضافة إبداعية أو أفكار تطويرية.
ففي دراسة حديثة نشرتها الصحيفة البريطانية ذا غارديان تقول إن 30% من الشركات ستقوم الروبوتات بقيادتها خلال عام 2019، وأن 56% من الوظائف سيتم خسارتها بسبب سيطرة الروبوتات عليها، كما أشارت إلى أن هناك ما يقارب 5 مليون وظيفة في 15 دولة في العالم سيكون الموظف فيها هو “الروبوت” وليس الإنسان.
وصلت الروبوتات إلى غرف العمليات ليعملوا بديلًا عن أطباء الجراحة والتشخيص والتمريض، بجانب عملهم في قيادة الطائرات وغيرها من الوظائف التي تحتاج إلى دقة عالية أو التي تحتاج معايير عالية من السلامة بسبب المهمات الخطرة التي تقوم بها. أما مؤخرًا وخلال المؤتمر الأخير لشركة جوجل العملاقة تم مناقشة مستقبل الأخبار في العالم، وأوضحت الشركة أنها تستثمر الملايين في إعادة تشكيل وسائل الإعلام والتي ستعمل على دعمها وتطويرها في السنوات القادمة، لكن ما علاقة الروبوتات بهذه الخطة؟
قامت الصحيفة البريطانية “بريس اسوسياشين” بالحفاظ على مقعدها في مستقبل الأخبار، فلقد خصصت حوالي 700 ألف يورو لتمويل خدمة إخبارية جديدة يمكنها أن تنتج 30 ألف مادة إخبارية محلية شهريًا.
والصحفيين في هذه الحالة هم “الروبوتات”. كما تقول الصحيفة البريطانية أنها قامت بالفعل باستبدال بعض من موظفيها الصحفيين “البشريين” بالروبوتات والتي ساعدت في زيادة عدد مواد الإخبارية وبالتالي ارتفاع حجم مبيعاتها بنسبة 10 أضعاف، وتضيف الصحيفة أن الروبوتات لا ترتكب الأخطاء التي يرتكبها الصحفيون البشر بسبب الخوارزميات التي يتم تطويرها باستمرار خلال عملية تصنيعها وبرمجتها.
أما بالنسبة إلى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية فإنها تستخدم بعض الروبوتات لنشر نتائج الانتخابات والأخبار الرياضية، إضافة إلى صحيفة الأخبار لوس أنجلس تايمز فأنها تستخدم روبوت يمكنه إرسال تحذيرات في حال حدوث زلزال. حيث نجح هذا الروبوت قبل 3 أعوام بتغطية هزة أرضية أصابت ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويعود الفضل إلى الصحفي والمبرمج الأمريكي كين شوينكي الذي ابتكر هذا البرنامج الذي يكتب بشكل آلي قصة خبرية خلال ثلاث دقائق عند وقوع زلزال.
هذا ويقول المبرمج شوينكي “لن يحل الروبوت الصحفي محل البشر فدوره تكميلي وليس رئيسيًا، فهو يعمل على إنتاج القصص التي تحتاج إلى دقة عالية، والمميز في دوره هو أنه يقوم بهذه المهمة بشكل سريع معتمد على مصادر موثوقة في تجميع المعلومات، كما أن تنسيق الروبوت للقصة الخبرية جيد جدًا”. وتابع “وظيفة الروبوت تقتصر على نشر المعلومات الأساسية والأكثر أهمية وليس التحليلية. كما أنه لا داعي للقلق من الصحفى الآلي فهو سيجعل العمل في الغرف الإخبارية أكثر متعة وسهولة”. وذلك وفقًا لمقابلة نشرتها مجلة سلايت.
جدير بالذكر أن صحيفة لوس أنجلس تعتمد على الهيئة الأمريكية للمسح الجيولوجي كمصدر موثوق بمعلوماتها عن الزلازل ومن ثم تقوم بوضع هذه المعلومات بقوالب معينة حتى تكون جاهزة لصناعة قصة خبرية.
يتم استخدام هذه الروبوتات بالاعتماد على محركات البحث وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تساعد “الصحفيين الآليين” على صناعة الأخبار المحلية ونشرها. بالاتفاق بين شركتي جوجل وفيسبوك يمكن للروبوتات معرفة 60% من الأخبار التي يعتبرها المستخدم جذابة ومثيرة لاهتمامه وبهذه الطريقة يمكنها صنع أخبار تنسجم مع ميول القارئ.
تعاني وسائل الإعلام في الوقت الحالي من ضغوط تجارية ولتوفير نظام إخباري فعال من حيث الكمية والتكلفة والجودة يمكن الاعتماد على هذه الروبوتات الذكية
وهذه التحولات في عالم الوكالات الإخبارية يجعل العالم يتساءل بحيرة عن مستقبل الإعلام الذي تحول إلى خدمة محدودة في هذا العالم الرقمي، وللإجابة عن سبب لجوء هذه الأطراف إلى إدخال الذكاء الاصطناعي في هذا المجال هو أنه يوجد كمية ضخمة من البيانات والقصص والحوادث التي تنتظر أن يُكتب عنها أو أن تنشر للعالم ويمكن تغطية هذه القصص والزوايا من خلال استخدام الأدوات التكنولوجية المتاحة بشكل كبير يُمكن العالم من الانفتاح على المعلومات الموجودة.
الصحفي الآلي أم البشري؟
يقول الصحفي والمحرر البريطاني ديفيد هيجرسون في مقال له على موقع “لينكد إن” إن “لا أستغرب زوال الصحفيين من البشر من مواقعهم الحالية بسبب وصول الروبوتات إلى مقاعدهم. إن اعتبرنا أن الصحافة المحلية هي عبارة عن ملأ الصفحات بالأخبار ونشر القصص فيمكن استنتاج حقيقة استحواذ الروبوتات على هذه الوظائف”.
ويضيف “تقاس قيمة الأخبار المحلية في العالم الرقمي ليس بالكم أو العدد، بل بالطريقة الأنسب لجذب الجمهور للتفاعل معها، والروبوتات المبرمجة على تحليل البيانات وتوزيعها ستصبح أكثر فهمًا للقارئ وللأحداث المحلية”.
الخوارزميات قد تساعد الروبوتات على تقديم معلومات أكثر دقة ولكن ليس أكثر تفصيلًا، فهذه الآلات لا يمكنها النزول على أرض الواقع لإجراء مقابلات أو تحقيقات صحفية
كما قال رئيس التحرير في “بريس اسوسياشين” بيت كليفتون أن “وسائل الإعلام تعاني في الوقت الحالي من ضغوط اقتصادية ولتوفير نظام إخباري فعال من حيث الكمية والتكلفة والجودة يمكن الاعتماد على هذه الروبوتات الذكية” وأضاف “الصحفيين المهرة سيحافظون على مكانهم في هذه المنافسة الشديدة، مع العلم أن هذه التقنية الحديثة ستسمح لنا بتسخير الذكاء الاصطناعي للتوسع في عدد القصص والأخبار المحلية”.
ومن وجهة نظر نيل ثورمان وهو محاضر في التواصل والاتصال يقول: “أجد صعوبة في معرفة كيف ستساعد الأتمتة في تغطية الأخبار لأنه هناك الكثير من الأخبار السياسية والتحقيقات التي لا يمكن صناعتها من خلال برمجة البيانات بالشكل الذي تستوعبه هذه الآلات الحديثة”.
ويشير إلى أن الخوارزميات قد تساعد الروبوتات على تقديم معلومات أكثر دقة ولكن ليس أكثر تفصيلًا، فهذه الآلات لا يمكنها النزول على أرض الواقع لإجراء مقابلات أو تحقيقات صحفية ولا يمكنها أيضًا أن تقيم حجم الضرر البالغ في أي حادثة كانت، والأهم من ذلك أنها لا تستطيع تحديد الزوايا الأكثر أهمية والمحاور الأكثر إثارة للاهتمام في القصة الإخبارية.
هذه الآلات الذكية لم تستطع أن تحل مكان موظفي التحرير في قسم المرئيات لحتى الآن، كما أنها أوضحت أن هذه البرامج لم تستطع أن تقدم أي أعمال صحفية إبداعية بعد.
وفي نهاية حديثه يقول ثورمان لا يمكن أن تتخلى الغرف الإخبارية عن المحررين والصحفيين والمراسلين الذي يمتلكون “عقل بشري”، لكنه ليس من المستبعد أن تطور هذه المؤسسات الإعلامية للروبوتات الصحفية لتبتكر “أدمغة آلية” لهم.
أما بالنسبة إلى “بريس اسوسياشين” التي استبدلت عددًا من موظفيها مقابل تشغيل الروبوتات الصحفية مكانهم، فلقد استنتجت أن هذه الآلات الذكية لم تستطع أن تحل مكان موظفي التحرير في قسم المرئيات لحتى الآن، كما أنها أوضحت أن هذه البرامج لم تستطع أن تقدم أي أعمال صحفية إبداعية بعد.
الرؤية المستقبلية الحاسمة لاستحواذ الروبوتات على المجال الصحفي
في هذا الخصوص، يقول المحرر الصحفي المتخصص في مجال التكنولوجيا، ويل أورمس، إن “يمكن ملاحظة إيجابيات وسلبيات هذه الروبوتات، كما يمكننا قياس قدرتها الحالية عن إتمام المهمات التحريرية المطلوبة، لكن في ظل التقدم السريع والفجع البشري في تطوير هذه الكائنات الآلية يمكن أن نؤكد على الخطر الذي ينتظر هذا المجال الإعلامي” ويتابع “لن أستغرب رؤية الصحفيين الآليين يجلسون بالمكاتب المجاورة لمكتبي وتستعد كل صباح للبحث عن قصة إخبارية تكتب عنها وتقوم بنشرها. دون أي إندهاش”.
وهذا بالفعل ما أكدته المذيعة والصحفية باربرا جيل والترز عندما قالت أن هذه الآلات تهدد العمل الصحفي بصورته الحالية، وتعتقد أن التطور المستمر سيساعد هذه الخوارزميات في النهاية على جمع المعلومات لكتابة قصة إخبارية دون أي نقص أو خلل.