عقد مساعد قائد الجيش السوداني شمس الدين كباشي اجتماعات في يناير/كانون الثاني الحاليّ مع نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم حمدان دقلو، في العاصمة البحرينية المنامة، بهدف التوصل إلى تفاهمات قبل استئناف التفاوض بين طرفي القتال في منتصف فبراير/شباط المقبل.
وتقول صحيفة الأحداث إن اجتماعات كباشي وعبد الرحيم ستتوج بلقاء بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في البحرين، مشيرة إلى أن منبر المنامة يُعد تجاوزًا لوساطة الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية “إيقاد”.
تبدو خطوة اجتماعات المنامة اختراقًا، باعتبارها أول لقاء يجمع قادة كبار من طرفي الحرب منذ اندلاعها في 15 أبريل/نيسان 2023، لكنها لن تحدث فرقًا كبيرًا في سبيل وقف النزاع سلميًا إلا إذا ابتعدت عن مناقشة أي ترتيبات سياسية تفضي إلى تسليم السلطة للمدنيين، وهذا ما عطل مبادرة الإيقاد.
صحيح. عشان كده الكباشي سافر البحرين يوم السبت 20 يناير https://t.co/AsGhhWIYlV
— Wasil Ali – واصل علي (@wasilalitaha) January 26, 2024
عودة إلى الوراء
في 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، قالت إيقاد إن البرهان وحميدتي وافقا على عقد لقاء ثنائي بينهما، وخططت أن يُجرى في 28 من ذات الشهر بجيبوتي التي ترأس الدورة الحاليّة للمنظمة، قبل أن يُؤجل لتعذر وصول حميدتي الذي كان يقوم في ذلك الوقت جولة إقليمية شملت عددًا من الدول الإفريقية.
كان من المتوقع إفشال جهود “إيقاد” الخاصة بإنهاء الحرب عبر التفاوض، لأن هدفها النهائي الانتقال لقيادة مدنية
وبعد ذلك، دعت منظمة “إيقاد” البرهان وحميدتي لحضور القمة الاستثنائية التي عُقدت في عاصمة أوغندا كمبالا في 18 يناير/كانون الثاني الحاليّ، إلا أن وزارة الخارجية الخاضعة للجيش استبقت القمة وأعلنت عن تجميد السودان التعامل مع المنظمة فيما يخص معالجة أزمة الحرب، احتجاجًا على دعوة حميدتي للمشاركة في القمة.
لم تكترث إيقاد لإعلان وزارة الخارجية، ودعت في خاتمة اجتماعاتها قائدي الجيش والدعم السريع لعقد لقاء بينهما في غضون 14 يومًا، لأنها تسعى إلى وقف إطلاق النار والأعمال العدائية، تمهيدًا لتسهيل حوار سياسي يُشارك فيه طرفا القتال والقوى السياسية المؤيدة للديمقراطية، هدفه النهائي إعادة السلطة إلى المدنيين.
ورغم إعلانات قادة الجيش والدعم السريع، منذ تنفيذهم انقلابًا على حكومة الانتقال المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، المتكررة استعدادهم لتسليم السلطة إلى المدنيين، فإن رغبة كل طرف في الانفراد بالحكم تدفعه لفعل أيّ شيء بما في ذلك الحرب، وهذا ما تؤكده التجارب.
وكان من المتوقع إفشال جهود “إيقاد” الخاصة بإنهاء الحرب عبر التفاوض، لأن هدفها النهائي إعادة الانتقال لقيادة مدنية، فموافقة الجيش والدعم السريع على وساطتها كان أمرًا مؤقتًا لتلافي الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، في انتظار الفرصة المتاحة لإظهار تنصلهما من مبادرتها.
لماذا فشل التفاوض سابقًا؟
وأتت محاولات إيقاد بعد أن قررت الوساطة السعودية الأمريكية تعليق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع لأجل غير مسمى، لإخفاقهما في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري في المدن.
وتشير تسريبات إلى أن الوساطة السعودية الأمريكية تعتزم دعوة الطرفين لاستئناف التفاوض، دون أن يُعلن ذلك رسميًا، إلا أنه لا يتوقع حال جرى الاستئناف أن يتوصل الجيش والدعم السريع لاتفاق رغم أن التفاوض ينحصر في القضايا العسكرية.
يعمل قائد الدعم السريع على تسويق نفسه ساعيًا لإنهاء الحرب، لإدراكه أن تطويل أمدها ليس في صالحه
ويشترط الجيش خروج عناصر الدعم السريع من منازل المواطنين والمنشآت المدنية والانسحاب من المدن وإعادة ما نهبته من ممتلكات المدنيين والمؤسسات العامة قبل استئناف التفاوض، بينما تتمسك الدعم السريع بالإبقاء على وجودها العسكري في المناطق الخاضعة لسيطرتها واحتجاز قادة النظام السابق.
ويظهر من تصميم الطرفين على وضع الشروط التعجيزية أمام الحلول السلمية، عزمهما المؤكد على استمرار العمليات العسكرية، مع غض الطرف عن الآثار المروعة الناجمة عن ذلك على السودانيين.
ولا تزال قوات الدعم السريع تحشد المزيد من المقاتلين للهجوم على المدن، فتحاول منذ عدة أيام السيطرة على مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، بعد هيمنتها على ولاية الجزيرة التي تحاول فيها تجنيد المدنيين مقابل الحماية، من أجل تنفيذ هجمات على ولايات وسط وشمال وشرق السودان.
وبالتوازي مع محاولات الدعم السريع، يعمل الجيش على تسليح المدنيين بما عُرف بـ”المقاومة الشعبية” من أجل الدفاع عن المناطق الخاضعة لسيطرته والانفتاح في مناطق جديدة، خاصة في العاصمة الخرطوم، في وقت يزداد حدة الاستقطاب الأهلي.
خيار صعب
يعمل قائد الدعم السريع على تسويق نفسه ساعيًا لإنهاء الحرب، لإدراكه أن تطويل أمدها ليس في صالحه لعدة أسباب: أولهما الاحتمال المرجح لحدوث خلافات وسط قادة قواته، وثانيهما عدم القدرة على الصرف على الجنود والعتاد العسكري، وثالثهما تزايد الاتهامات لقواته بارتكاب جرائم إبادة جماعية وارتكاب انتهاكات فظيعة.
قد يوافق الجيش على الانخراط في مفاوضات، لكنه سيضع عراقيل من قبيل الشروط التعجيزية حتى يضمن استعادة سيطرته على بعض المناطق التي استولت عليها قوات الدعم السريع، وربما يحدث ذلك بعد سنوات عديدة.
ويستطيع حميدتي التحايل على الجرائم في الوقت الراهن بإعلان استعداده التعاون مع لجان التحقيق التي شكلتها الأمم المتحدة، لكنه لا يملك رفاهية بروز قادة حرب وسط قواته، خاصة أن معظمهم انضموا إليه بعد نشوب الحرب أملًا في المكافأة، مثل أبو عاقلة كيكل الذي عينه قائدًا لفرقة الجيش في ولاية الجزيرة بعد سيطرة الدعم السريع عليها في نهاية العام السابق.
ويحاول الجيش استغلال نقاط ضعف قوات الدعم السريع بالعمل على إطالة أمد الحرب، عبر اتباع تكتيك يتيح له الحفاظ على قواته البشرية وعتاده العسكري بالبقاء في قواعده دون تنفيذ هجمات واسعة النطاق، مكتفيًا بالغارات الجوية ومحاولات الانفتاح في مناطق جديدة بالعاصمة الخرطوم.
ويرجح أن الجيش أيضًا يعمل على الاستفادة من ميزة تشتت قوات الدعم السريع في بقاع واسعة، ما يضعف من قدرتها على التجمع ويسهل الانتصار عليها متفرقة بأقل جهد حربي.
ولا تستطيع قوات الدعم السريع، في ظل السخط الشعبي عليها جراء الانتهاكات التي ترتكبها عناصرها، غير توسيع نطاق انفتاحها في مناطق جديدة لإجبار الجيش على التفاوض، لكن الجيش يعرف أن هذا الانفتاح يعني فناء قوات الدعم السريع، وبالتالي سيضع مزيدًا من الشروط التعجيزية أمام أي مساعٍ لإنهاء الحرب في ظل الوضع الحاليّ.
وفقد الجيش، الذي يملك شرعية الدفاع عن الدولة والمواطنين، السيطرة على أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة و4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور ومناطق في كردفان الكبرى؛ وهذا يضعف موقفه في التفاوض حال جرت محادثات جادة لإنهاء الحرب، سواء في منبر المنامة الجديد أم منبر جدة.
وكل هذا يعني أن الجيش قد يوافق على الانخراط في مفاوضات، لكنه سيضع عراقيل من قبيل الشروط التعجيزية حتى يضمن استعادة سيطرته على بعض المناطق التي استولت عليها قوات الدعم السريع، وربما يحدث ذلك بعد سنوات عديدة.
إن الخاسر الأكبر من الحرب هو الشعب السوداني الذي يعيش الملايين من سكانه مشردين في دول الجوار ومراكز النزوح الداخلي، بعد أن خسروا ممتلكاتهم وسبل عيشهم، بينما تواصل العملة المحلية الانخفاض وتنعدم فرص العمل بعد التدمير الواسع للأنشطة الاقتصادية.