ترجمة وتحرير نون بوست
خلال هذا الشهر، أخبرني أحد سكان العوامية، وهي محافظة تقع شرق السعودية، عن الأوضاع المزرية التي يعيشونها. وفي هذا الصدد، صرح هذا المواطن السعودي، قائلا: “كنا نشعر بالخوف من مغادرة منازلنا، في حين كانت معظم المحلات مغلقة أو تم احراقها. وفي الأثناء، بات أي شيء يتحرك عرضة للاستهداف”. كان الرجل في الحقيقة يتحدث عن أعمال العنف التي جدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة بين رجال الأمن وسكان المحافظة ذات الأغلبية الشيعية.
نشبت هذه الأزمة في أيار/ مايو، على خلفية شروع قوات الأمن في تنفيذ مخطط يقضي بإزالة الموقع التاريخي في حي المسورة، علما وأنه في الظاهر، كان الهدف من ذلك بناء مشاريع تنموية. في الأثناء، واجهت الشرطة مقاومة مسلحة من قبل بعض الرجال مجهولي الهوية، بعضهم ملاحق من قبل السلطات منذ سنة 2012، حيث تتعلق بهم تهمة التظاهر العام. من جانبها، بادرت الشرطة بالرد باستخدام القوة، مما أدى إلى تنامي مستوى العنف، لتعلن السلطات غلق المدينة في26 من تموز/ يوليو.
في هذا الصدد، أجرت المنظمة العالمية “هيومن رايتس ووتش” مقابلة مع خمسة سكان في العوامية، أبدوا رفضهم التام لاستخدام السلاح من قبل بعض المنشقين. وفي الوقت نفسه، ألقى هؤلاء المتساكنون باللوم على القوات الحكومية التي دفعت بالمدينة إلى دوامة من العنف من دون موجب فعلي. فضلا عن ذلك، اتهم هؤلاء الأفراد قوات الأمن السعودية بأنها عمدت إلى اطلاق النار بشكل عشوائي في حين لم تتوان عن اعتقال أي شخص يغادر منزله، حتى المواطنين الذين يقطنون في أماكن بعيدة عن حي المسورة، والذين لم تكن لهم يد في أحداث العنف الأخيرة.
الصراع الإقليمي الذي تخوضه السعودية ضد إيران قد تجلت معالمه من خلال معاملة المملكة لسكانها الشيعة
في الوقت الذي سارعت فيه الحكومة السعودية إلى توجيه أصابع الاتهام “للإرهاب” عقب الأحداث الأخيرة في العوامية، تظل الأسباب الحقيقية وراء ذلك أكثر عمقا. وفي هذا الإطار، أشار ناشطون حقوقيون سعوديون إلى أن هذه الأحداث تعد بمثابة استهداف واضح من قبل الدولة السنية للشيعة في البلاد الذين يمثلون بين 10 إلى 15 بالمائة من مجموع سكان المنطقة الشرقية. علاوة على ذلك، شدد الناشطون على أن هذا الأمر من شأنه أن يوقظ الفتنة الطائفية في البلاد، فضلا عن أنه يعتبر مواصلة لمسلسل العنف بين قوات الأمن والمتظاهرين.
من جانب آخر، يتجاوز العنف الذي تمارسه الدولة السعودية، والدعم الحكومي للمؤسسات السنية على حساب نظيرتها الشيعية، مجرد كونه تعصبا دينيا. فقد ساهمت الاضطرابات الجيوسياسية، التي لعبت السياسة الخارجية للسعودية دورا هاما فيها، في تنامي حدة العداء والتوتر الطائفي في الداخل. فعلى سبيل المثال، قادت السعودية تحالفا في اليمن ضد مجموعة مسلحة من الشيعة الزيدية التي تعرف بأنصار الله أو الحوثيين. وفي الأثناء، تسبب قصف طيران التحالف في إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين اليمنيين.
لعل أخطر ما في الأمر أن الصراع الإقليمي الذي تخوضه السعودية ضد إيران قد تجلت معالمه من خلال معاملة المملكة لسكانها الشيعة. في الواقع، ما فتئت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ترددان الصريحات عينها، التي تحيل إلى أن المخططات الإيرانية تلقي بظلالها على المنطقة، على غرار اليمن وبعض دول الخليج الأخرى. وقد لقيت هذه التصريحات صدا واسعا في صفوف خلايا التفكير في واشنطن، التي تقتات بالأساس على الدعم المالي الذي توفره هاتان الدولتان.
في داخل المملكة، أشار بعض المسؤولون الحكوميون إلى طبيعة علاقة شيعة السعودية بإيران. وفي هذا الصدد، صرح الأمير سعود بن نايف آل سعود، حاكم المنطقة الشرقية، في 15 من نيسان/ أبريل، عقب مقتل شرطيين في القطيف، المدينة التي تتسم بغالبية شيعية، أنه “في الوقت الذي تمر فيه بلادنا بالكثير من الصعاب، مما يستوجب أن نقف مع بعضنا كالبنيان المرصوص، نكتشف أن أحفاد الصفوي المارق عبد الله ابن سبأ يحاولون زعزعة وحدة ذلك الصف”.
أصدرت المحكمة العليا في البلاد قرارا يقضي بتنفيذ أحكام بالإعدام في حق 14 شيعيا، على خلفية اتهامهم “بجريمة” التظاهر، بالإضافة إلى ارتكاب أعمال عنف ضد دوريات الشرطة ومقراتها بالاعتماد على المسدسات وقنابل البنزين
والجدير بالذكر أن الدولة الصفوية قد حكمت إيران في الفترة الممتدة بين القرن 16 و18، وأشرفت على تحول البلاد إلى الإسلام الشيعي. وفي هذا السياق، أورد بعض الشيعة السعوديون، الذين تحاورت معهم المنظمة الحقوقية، أن تصريحات الأمير السعودي تعد بمثابة اتهام لهم بأنهم “الطابور الخامس” لإيران.
تاريخيا، استثنت المملكة العربية السعودية الشيعة من العمل في القطاع العام وتولي المناصب السياسية العليا. ولعل أبرز دليل على ذلك أنه، وإلى حد اليوم، لا يوجد أي دبلوماسي شيعي أو ضابط عسكري رفيع المستوى. ففي الواقع، تتم عملية تصفية في صفوف الطلبة، حيث ترفض مطالب الشيعة للانضمام للأكاديميات الأمنية أو العسكرية أو الحصول على عمل داخل القوات الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، يجبر الشيعة السعوديون على تلقي مناهج دراسية تحط من قيمة معتقدات الشيعة وما يؤمنون به فضلا عن ممارساتهم.
في الوقت الراهن، لجأ “نظام العدالة الجنائية” إلى أداة تعسفية لتسليط جملة من العقوبات الوحشية على الشيعة من خلال إخضاعهم لمحاكمات ظالمة. وفي هذا السياق، أصدرت المحاكم السعودية أحكاما جائرة فيما يتعلق بالعشرات من القضايا ضد مواطنين شيعة شاركوا في المظاهرات، بلغت حد الحكم بالإعدام وتنفيذه.
ومؤخرا، أصدرت المحكمة العليا في البلاد قرارا يقضي بتنفيذ أحكام بالإعدام في حق 14 شيعيا، على خلفية اتهامهم “بجريمة” التظاهر، بالإضافة إلى ارتكاب أعمال عنف ضد دوريات الشرطة ومقراتها بالاعتماد على المسدسات وقنابل البنزين. كما أثبتت المحكمة التهم الموجهة لكل المدانين بالاستناد على اعترافات المدعى عليهم فقط، على الرغم من أنهم قد شددوا على أن السلطات أجبرتهم على الاعتراف تحت قسوة التعذيب.
ومن المثير للاهتمام أن هذه القضايا تتبع نمطا قديما تقليديا، حيث تناولت منظمة هيومن رايتس ووتش بالبحث 10 محاكمات نفذتها المحكمة الجزائية المتخصصة في الفترة الممتدة بين سنة 2013 وسنة 2016، في حق متظاهرين شيعة وجهت لهم تهمة “جريمة التظاهر”. وفي إطار معظم تلك المحاكمات، كان المتهمون ينكرون ما نسب لهم من إفادات مؤكدين أنها سحبت منهم قسرا تحت وطأة التعذيب، على غرار تعرضهم للضرب والحبس الانفرادي لفترات طويلة.
تساند الحكومة الدعاة السنة المؤيدين لها، الذين يستغلون الدعم الشعبي لهم، لتبرير الممارسات المجحفة بحق الشيعة في السعودية
في سياق متصل، وفيما يتعلق بقضية الإعدام في حق 14 شيعيا، رفضت المحكمة ادعاءات المدانين الذين أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب، من دون أن تحقق في الأمر. وفي الأثناء، تجاهلت المحكمة مطالب المدعى عليهم بعرض فيديو من السجن يثبت تعرضهم للتعذيب أو استدعاء المحققين للإدلاء بشهادتهم حول السبل التي اعتمدوها للحصول على اعترافات المعتقلين.
عموما، كان مجتبى السويكت أحد المعتقلين الأربعة عشر. وقد اعتقلته السلطات السعودية في 12 من آب/ أغسطس سنة 2012، وهو يهم بركوب طائرة متوجهة إلى الولايات المتحدة، على أمل مواصلة دراسته في جامعة ميشيغان الغربية. فضلا عن ذلك، فقد منير الأدم، جراء التعذيب القدرة على السمع على مستوى إحدى أذنيه، وذلك وفقا لما أكده بعض الناشطين السعوديين.
في المقابل، تساند الحكومة الدعاة السنة المؤيدين لها، الذين يستغلون الدعم الشعبي لهم، لتبرير الممارسات المجحفة بحق الشيعة في السعودية، فضلا عن تأليب الرأي العام ضدهم من خلال توظيف خطاب الكراهية. ففي العديد من المناسبات، يعمد بعض الدعاة، الذين يتابعهم الملايين من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى وصف الشيعة بعبارات تنم على الازدراء وتهدف إلى الحط من معتقدهم وممارساتهم.
علاوة على ذلك، يدين هؤلاء الدعاة الاختلاط بين السنة والشيعة في الحياة العامة، ويحرمون الزواج بين الطائفتين السنية والشيعية. بالإضافة إلى ذلك، يستند المنهج الدراسي في السعودية على خطاب يحط من قيمة الممارسات الدينية الشيعية في حين يصفها بالشركية، وأن أتباع المذهب الشيعي خالدون في النار.
تعتقد الحكومة السعودية أن اعتماد سياسة “القبضة الحديدية” في إطار التعاطي مع المناطق الشيعية، فضلا عن رفع شعار محاربة الإرهاب وقتل “الإرهابيين” وإعدام المعارضين بعد محاكمات ظالمة من شأنه أن يحل الأزمة
في الواقع، يحمل هذا الخطاب بين طياته آثارا مدمرة. فقد استخدمته القاعدة وتنظيم الدولة من قبل لتبرير استهدافهم للشيعة. فمنذ منتصف سنة 2015، شن تنظيم الدولة عمليات إرهابية ضد ستة مساجد شيعية ومراكز دينية في المنطقة الشرقية، مما أدى إلى مقتل 40 شخصا على الأقل. في أعقاب ذلك، ردد التنظيم الإرهابي من خلال نشرته الإخبارية تصريحات دعاة الحكومة السعودية، معتبرا أنه بصدد دك “صروح الشرك”.
في خضم هذا الصراع المحلي والحروب الإقليمية في المنطقة، أكد شيعة السعودية أن الحل الوحيد للمعضلة التي يواجهونها يتمثل في التعاطي معها على الصعيد الوطني المحلي. وفي حوار لصالح منظمة هيومن رايتس ووتش، صرح بعض المواطنين السعوديين الشيعة أن كل ما يطمحون إليه يتمثل في الاندماج التام في الدولة السعودية واعتبارهم مواطنين لهم حقوق المواطنة.
في الأثناء، تعتقد الحكومة السعودية أن اعتماد سياسة “القبضة الحديدية” في إطار التعاطي مع المناطق الشيعية، فضلا عن رفع شعار محاربة الإرهاب وقتل “الإرهابيين” وإعدام المعارضين بعد محاكمات ظالمة من شأنه أن يحل الأزمة. ومما لا شك فيه أن هذه السياسة ستقحم المملكة في دوامة صراع قد لا تنتهي. وبالتالي، يتمثل الحل الوحيد بالنسبة للمملكة العربية السعودية في التعاطي مع هذه المشكلة بشكل جذري وفعال، على غرار وقف عمليات القمع التي تطال المواطنين الشيعة، في المقام الأول.
المصدر: فورين بوليسي