أنت إخوان .. جريمة لا يمكن أن يمارى فيها مصري حاليًا بعدما أصبح مستساغًا للغاية اتهام أي متذمر أو صاحب مظلمة عمالية بها، ومن تطاله هذه الخطية يصبح متهماً بلا دفاع ومحكوماً عليه بلا استئناف.. آخر من واجهه شبح القتل المعنوي بالسلاح الباتر لهذه المقصلة هم “سائقي قطارات السكك الحديدية المصرية” الذين يصرون حاليا على تطبيق كافة معايير السلامة في العربات قبل تحركها من المحطات، وخاصة بعد كارثة تصادم قطارين في منطقة خورشيد شرقي الإسكندرية قبل أسبوعين، والتي راح ضحيتها 49 قتيلا و117 جريحا، وقررت النيابة العامة إثر ذلك حبس سائق القطار المتجه إلى القاهرة .
رحلة معاناة يومية مع القطارات
أحد المحررين بالمواقع المحلية المصرية رصد قبل أيام توابع أزمة إصرار السائقين على تطبيق معايير السلامة بحذافيرها، وتابع مسار القطار رقم 2009 vip المتجه من الصعيد إلى القاهرة، والذي لم يجد ركابه مفرًا من استكمال رحلتهم سيرًا على الأقدام، بعد أن تعطّل قطارهم بالقرب من محطة سكك حديد الجيزة بقرابة 5 كيلو مترات، حيث كان من المفترض أن يبدأ القطار رحلته من نجع حمادي فى الحادية عشر مساءً، ولكنه تأخر قرابة 3 ساعات، وانطلق فى الثانية صباحًا، وتعطّل مرة أخرى بالقرب من محطة سكك حديد الجيزة وتحديدًا بالقرب من مدينة «أبو النمرس»، لمدة قاربت ساعتين، مما دفع الركاب إلى ترك القطار واستكمال الرحلة سيرًا على الأقدام، الأمر الذي تسبب في مشقة كبيرة للركاب خاصة العجائز منهم.
معايير السلامة التي يرفض أن يبرح السائقين قوانينها ، كانت وراء البطء الشديد في تحركات القطارات، وما نتج عنها من تأخيرات تجاوزت الساعات في بعض الحالات الأمر الذي أثار حالة من التذمر بين الركاب ولجأ بعضهم للتظاهر على قضبان السكك الحديدية، خاصة أن التضارب والتأخير في المواعيد يتساوي فيه كافة درجات الخدمة سواء المميزة أو العادية، وهو ما حمل بعض نواب البرلمان وخاصة الموالين للحكومة إلى ترجمة التصعيد في أبعد من كونه إجراءات حماية شخصية للسائقين تقيهم المحاكمة حال حدوث كارثة أخرى، لن يكون لهم الذنب الأكبر فيها، أو على أقصى تقدير ربما يكون إحساس كبير بالظلم وتحول إلى حالة من التضامن مع زميلهم سائق القطار المحبوس، خاصة أن التطبيق الصارم لمعايير السلامة لا يُصر عليه إلا سائقي القاهرة دون غيرهم، ما دعا الهيئة إلى الاستعانة بسائقين من الوجه القبلي لتغطية العجز.
التمسك بمعايير السلامة وراء البطء الشديد في تحركات القطارات وما نتج عنها من تأخيرات تجاوزت الساعات مما أثار حالة من التذمر بين الركاب ولجأ بعضهم للتظاهر على قضبان السكك الحديدية
النائب محمد الكوراني، عضو مجلس النواب عن دائرة مينا البصل بالإسكندرية، كان صاحب السبق في إعادة إنتاج فزاعة “الأخونة” وفصلها على مقاس الأزمة، وشن هجوما شرسًا على سائقي القطارات الذين أضربوا لتطبيق معايير السلامة، وأشار إلى انتماء بعضهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، دون أن يقدم حقائق أو أسماء أو أدلة على اتهاماته، وخاصة أن مثل هذه التهمة تضيف قوة هائلة للجماعة المحاصرة سياسيًا واقتصاديا في مصر، وهو بذلك يعطى لها ــ دون أن يقصد ــ ضخامة وتأثير مضاعف بالمجان.
“فزاعة الإخوان” السهل الممتنع لحل الأزمة
على نفس النغمة، سار النائب محمد بدوي دسوقي عضو اللجنة الذي طالب هو الأخر ومعه عدد من زملاءه أعضاء لجنة النقل، بمحاسبة الداعين إلى تنظيم الإضرابات مهما كان الهدف خلفها، وبدلا من سن تشريعات واضحة تهدف إلى معالجة الأخطاء الكارثية فى هيئة السكك الحديدية، وممارسة دوره الذي جاء من أجله، طالب النائب بتدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتباره الوحيد فى مصر حاليا القادر على إيجاد حلول سريعة لكافة الأزمات، خوفا من شيوع لغة الإضراب التي زادت عن حدها مع أنها صارت من المحرمات واللجوء إليها من أحد الأطراف لإسماع صوته لا يعد إلا “مؤامرة إخوانية” بامتياز، خاصة أن جماعة الإخوان هي التى تجتاح الشوارع وحدها منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.
السكة الحديد من جانبها، يبدو أنها لجأت إلى تفويت الفرصة على السائقين الذين أحرجوها أمام الرأي العام، وقامت بتغليظ العقوبات واعتمدت قرارًا بالجزاءات التي سيتم توقيعها على سائقي القطارات ومساعديهم وخفراء المزلقانات، حال مخالفة لائحة تشغيل السكة الحديد، وذلك تطبيقًا لمبدأ الثواب والعقاب وتجنبا لوقوع أي حادث، بحسب مصادر الهيئة الإعلامية التي وزعت قراراها على الصحف المصرية كرد فعل حاسم على إضراب السائقين.
وينص القرار الجديد للجزاءات على أنه حال تجاوز السائق الإشارات «السيمافور» أو دخوله على البلوك دون إخطاره بإخلاء الشريط، سيتم توقيع عدة عقوبات على السائق تبدأ بتحويله إلى الكشف الطبى، وفى حالة عدم إثبات كفاءته ولياقته الصحية سيتم رفعه عن القيادة لمدة 6 أشهر، يقضيهم فى العمل داخل الورش مع إيقاف صرف الحوافز له، وفى حال تكرار نفس الأخطاء يتم رفعه نهائيًا من جدول التشغيل.
نائب مينا البصل بالإسكندرية صاحب السبق فى إعادة إنتاج فزاعة «الأخونة» وتفصيلها على مقاس الأزمة.
كما تضمن قرار الجزاءات أنه فى حال إغلاق جهاز التحكم الآلي للقطار الــatc وتجاوز السرعة أو المحطة المقرر الوقوف بها، سيتم خصم 15 يوما من راتب السائق، وفي حالة تكرار نفس الخطأ يرفع من القيادة لمدة 6 أشهر ويعمل بورش الهيئة، كما تضمن القرار توقيع جزاءات على خفير المزلقان، الذي يترك موقعه دون حراسة تصل إلى خصم 15 يوما وحرمانه من الحوافز لمدة 3 أشهر، وفي حالة تكرار نفس الخطأ تتم مضاعفة العقوبة.
وأعطت الهيئة لنفسها بموجب القرار الجديد حرية اتخاذ أي إجراء تأديبي مع السائقين أو المساعدين أو خفراء المزلقانات، سواء بالإيقاف عن العمل أو الإحالة إلى التحقيق والمحاكمة التأديبية
متعاطف مع الإخوان .. تهمة رسمية في كشوف عفو الرئيس
حتى أشهر قليلة ماضية كانت تهمة «الأخونة» والتعاطف مع جماعة الإخوان من الجُمّل ذات الحمولة الدلالية التى تتضمن اختزالا مانعا لأدنى جهد فى التفكير بشأنها باعتبارها تهمة هلامية لا محل لها من الإعراب، حتي أظهرت كشوف رسمية خاصة بلجان العفو الرئاسى المصرية، أن التعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين أصبح تهمة يعاقب مرتكبها بالسجن بمدد قد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة “25 عاماً”.
بدلاً من سن تشريعات واضحة تهدف إلى معالجة الأخطاء الكارثية فى هيئة السكك الحديدية طالب النواب بتدخل السيسي باعتباره الوحيد في مصر حاليا القادر على إيجاد حلول لكافة الأزمات.
وبحسب الكشوف التي نشرتها الجريدة الرسمية للدولة المصرية فى مارس الماضي، جاء التصنيف السياسي لـ”200″ ممن شملهم العفو تحت بند متعاطف، في إشارة إلى التعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين، وكانت المرة الأولى التي يجرى فيها تداول هذا التصنيف للمتهمين، وكانت المرة الأولى أيضا في قوائم عفو الرئيس السيسي التي تظهر فيها تصنيفات أمنية، بعدما كانت الأجهزة الأمنية تتداول مثل هذه التصنيفات فيما بينها بشكل سري، وكانت أبرز الاتهامات الموجهة للمشمولين بالعفو هي “الانتماء إلى جماعة” غير أنها لم تحدد ماهية هذه الجماعة.
وشكلت السلطات الحاكمة في مصر منذ أكتوبر من العام الماضي ما يسمى بـ”لجنة العفو الرئاسي”، والتي جاءت ضمن ثمار مؤتمر الشباب الأول الذي جمع السيسي بعدد من الشباب المصري لبحث الأوضاع السياسية والاقتصادية، وهو التقليد الذي يحرص عليه السيسي شهريا للاقتراب من الشباب، في ظل حالة الجفاء التي سيطرت على الطرفين طوال مدة حكمه.
وعلى مدار أشهر كان يحرص أعضاء لجنة العفو الرئاسى خلال تصريحاتهم للإعلام المصري، على تأكيد عدم إدراج أعضاء جماعة الإخوان على قوائم العفو التي تدخل ضمن صلاحيات اللجنة، مرجعين ذلك إلى تصنيف الإخوان “جماعة إرهابية”، وهو سبب كاف جدًا لعدم اختصاصهم في هذا الشان، حتى لو كان ضمن الإخوان من يصارع أمراض الشيخوخة، أو تلك التي تعصف بأعمار الإنسان، ففي نظر أى سلطة حاكمة ببلدان الشرق الأوسط هناك فارق واضح بين عدل ممنوح وآخر مستحق.