عانى الشعب السوري بفئاته المختلفة من أجواء الحرب التي امتدت لزهاء 7 سنوات، وكان من هذه الفئات أصحاب الإعاقات أو ذوو الاحتياجات الخاصة، الذين فقدوا الرعاية اللازمة، والتي كانت نوعاً ما متوفرة في ظل الأوضاع المستقرة قبل اندلاع الثورة.
والذي فاقم الأزمة أكثر هو ما تعرض له الشعب السوري من قصف مستمر من قبل النظام وحلفائه، وهو ما ساهم في ازدياد خطير في أعداد المصابين بعاهات دائمة، فمنهم من فقد عضواً من أعضائه ومنهم من فقد أحد حواسه كالسمع والبصر، ومنهم من تعرض لأمراض نفسية مزمنة نتيجة الصدمة والخوف الشديد، وقد وثق تقرير منظمة الصحة العالمية ومنظمة الإعاقة الدولية والذي صدر عام 2015، ثمانين ألف حادثة إعاقة ناتجة عن استهداف المدنيين بين عامي 2012 و2015، وكان لمدينة حلب وريفها النصيب الأكبر من عدد المعاقين، حيث تعرض أهالي المدينة لحملة واسعة من القصف بالبراميل المتفجرة والقنابل الفتاكة مع بداية عام 2014.
ومع كل هذه الحقائق نستطيع أن ندرك حجم المأساة، فهذا العدد الكبير من الإعاقات وازدياد نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يُقابل بتحرك جدي من قبل المجتمع الدولي، أولاً: لوضع حد للتدمير والقصف الممنهج الذي يتعرض له الشعب السوري وهو ما يعني ازدياد يومي في عدد المعاقين. وثانياً: لتقديم الرعاية المناسبة لتحسين وضع ذوي الاحتياجات الخاصة كإنشاء مراكز للأطراف الصناعية أو إنشاء مدارس للصم والبكم أو فاقدي البصر بهدف احتضانهم وتقديم ما يلزم لهم من احتياجات حياتية، وتعليمية ورعاية نفسية لدمجهم في المجتمع.
لم يتحرك المجتمع الدولي بشكل جدي لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة
وقد بذلت العديد من المنظمات الإنسانية وسعها في تقديم الدعم النفسي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فأُسست مدرستين في مدينة حلب لتضم هذه الفئة التي أضيف إلى معاناتها بسبب الاعاقة معاناة جديدة بالعيش ضمن أجواء القصف والدمار التي تعرضت لها المدينة، والتي أدت في نهاية المطاف إلى تهجير كافة أهلها وسيطرة النظام على كامل مدينة حلب.
وكان من هذه المدارس التي أسست في حلب “مدرسة الجسر الذهبي لذوي الاحتياجات الخاصة” التي لم يستسلم القائمون عليها لظروف التهجير فأعادوا افتتاح المدرسة في مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي في أيار/ مايو 2017، وأعادوا احتضان هذه الفئة المهمشة من المجتمع، عاملين جهدهم لتقديم الرعاية الخاصة لهم.
أما الأمراض النفسية المزمنة التي تعرض لها الأطفال نتيجة الحرب، كالرهاب والانعزالية أو العدوانية والتي يمكن أن تعالج ويتماثل الطفل بعدها للشفاء، فقد عملت عدة منظمات على تقديم الدعم النفسي المنظم من خلال خلط الأطفال المصابين بأقرانهم السليمين، ضمن أجواء من اللعب والمرح والأنشطة المفيدة، حيث أدت هذه الطريقة إلى نتائج إيجابية جداً، وخاصة مع توقف القصف وهدوء الأجواء وعودة هؤلاء الأطفال بشكل تدريجي لوضعهم الطبيعي.
بذلت العديد من المنظمات الإنسانية وسعها في تقديم الدعم النفسي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
أما أصحاب الإعاقات الجسدية وفاقدي الأعضاء وخاصة الأرجل الضرورية للحركة، فلا يجدون أطرافاً صناعية تعينهم على المشي مجدداً إلا نادراً حيث يكاد يكون الدعم المقدم لمراكز الأطراف الصناعية شبه معدوم، فلا يبقى أمام صاحب الإعاقة إلى التوجه إلى دول الجوار مثل تركيا للحصول على الطرف الصناعي، وهنا يجد المعاق نفسه أمام باب مسدود تماماً مع إغلاق الحدود أمام الحالات المرضية الباردة والسماح فقط للحالات الإسعافية الساخنة أو الحالات المرضية التي تهدد حياة المريض بالدخول إلى الأراضي التركية.
أما الفئة التي تعتبر فئة منسية في تقديم الرعاية الإنسانية لها، فهي فئة الصم والبكم وخاصة الكبار منهم، حيث كانت تحظى هذه الفئة في السابق بنوع من الاهتمام من خلال مدارس خاصة تعنى بها، ولكن مع انقسام مناطق السيطرة وأوضاع الحرب التي عمت سوريا، لم يجد الصم والبكم من يقدم لهم يد العون، مع ما يواجهونه من صعوبات جمة في التكيف مع المحيط الذي يعيشون فيها، ومعانتهم من مشكلة التواصل مع الآخرين من أبناء شعبهم الأصحاء.
وقد قام مؤخراً عدد من الناشطين بخطوة إيجابية أولى في مسيرة دعم هذه الفئة المهمشة، فقاموا بإنشاء جمعية للصم والبكم في المناطق المحررة، انطلقت من بلدة التوامة بريف حلب الغربي، ومن الملفت للنظر أن رئيس هذه الجمعية واسمه ناصر الدقس هو أصم وأبكم أيضاً، شأنه كشأن باقي الأعضاء الأربعين الذين انضموا للجمعية مع انطلاقتها.
الفئة المنسية والتي لم تحظى باهتمام المنظمات الإنسانية كانت فئة الصم والبكم
ويشارك الدقسَ أولادُه الأصحاء الذين يعملون على مد جسر للتواصل مع العالم الخارجي من خلال ترجمة لغة الاشارة التي يتقنونها، فيساعدون والدهم في إدارة شؤون الجمعية.
ويؤكد المدير التنفيذي للجمعية فاروق شومان وهو متطوع في الجمعية، أن هدفهم إيصال صوت هذه الفئة المنسية إلى العالم، بحيث يأملون أن تساهم المنظمات الإنسانية والإغاثية بدعم الصم والبكم من خلال إنشاء مدرسة خاصة لهم، يتعلمون فيها لغة الإشارة العالمية بشكل صحيح، وكذلك نطق بعض الكلمات التي تعينهم على تحسين آلية التواصل مع المجتمع المحيط بهم، بالإضافة لتقديم التدريب المهني الذي يعين هؤلاء الشبان على دخول سوق العمل، فكثير منهم متزوج ولديه أولاد ومسؤوليات عائلية، توجب عليهم السعي لطلب الرزق وتأمين لقمة العيش لعوائلهم.
وفي الختام، لا شك أن الحل الجذري لمشكلة ذوي الاحتياجات الخاصة يكمن في وقف القتل والتدمير، والقصف العشوائي الممنهج، الذي تتعرض له الأراضي السورية، ومن ثم تأسيس دولة تعنى بشؤون جميع المصابين وتقدم الرعاية الكاملة لهم، وتأمن احتياجاتهم الأساسية من مأكل وملبس ومأوى، بالإضافة لتأمين فرص عمل مناسبة ليشعروا أنهم جزء من المجتمع، ويكونوا فاعلين ومنتجين ومساهمين في نهضة أمتهم على جميع الصعد والمستويات.