السعودية سترحل قرابة نصف مليون إثيوبي، ماذا تقول منظمات حقوق الإنسان؟
أعلنت السعودية أنها بصدد إعادة المهاجرين الذين يعيشون فيها بشكل غير قانوني بحلول أمس الخميس 24 أغسطس/آب الجاري، وكانت السلطات السعودية ذكرت سابقَا أن “هناك زهاء 400 ألف إثيوبي يعملون بشكل غير شرعي في المملكة”، في حين تقول وزارة الخارجية الإثيوبية إنها لم تتمكن من تسجيل سوى 130 ألفًا فقط. وعاد آلاف الإثيوبيين إلى بلادهم من السعودية بعد أن طالبت الحكومة من العمال المقيمين بشكل غير شرعي بمغادرة البلاد أو التعرض لعقوبة.
في الأثناء دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش“، اليوم الجمعة، السعودية إلى وقف ترحيل نحو نصف مليون إثيوبي، عقب إعلان المملكة خطط ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وقالت منظمة رايتس ووتش إن “45 ألف إثيوبي فقط سجلوا لدى السلطات السعودية وعادوا طوعًا إلى ديارهم بحلول نهاية يونيو/حزيران الماضي، بينما امتنع الآخرون لأسباب بينها الخوف من السلطات الإثيوبية”. وتزامنت مسارعة الإثيوبيين للعودة مع بلوغ المهلة التي منحتها الحكومة السعودية للعمالة الوافدة المقيمة بشكل غير شرعي، والتي استمرت 90 يومًا، نهايتها في 25 يوليو/تموز.
تعرضوا للتعذيب ببلادهم
البيان الصادر عن المنظمة حذر أن كثيرًا من الإثيوبيين قد يتعرضون للأذى بسبب احتمال إعادتهم قسرًا إلى ديارهم، لأن السعودية ليس لديها قانون للاجئين، وليست طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين. حيث كانت السعودية طردت في عام 2013 نحو 160 ألف إثيوبي تعرّض كثير منهم للتعذيب في بلادهم عقب اعتقالهم في معسكرات احتجاز كما أشارت لذلك المنظمة.
في العام 2013 قُتل عدد من الإثيوبيين، في مصادمات مع قوات الأمن السعودية، التي كانت تجمعهم من أجل ترحيلهم
وكان وزير الإعلام الإثيوبي نيغري لينشهو، ذكر في يونيو/حزيران الماضي إن 35 ألفا فقط، مما يقدر بنحو نصف مليون إثيوبي يقيمون في السعودية بطريقة غير قانونية، قد عادوا للبلاد. حيث يذكر أن السعودية أطلقت حملة “وطن بلا مخالف” منذ شهور لمساعدة من يرغب في إنهاء مخالفته ومغادرة المملكة مقابل إعفائه من أي عقوبة للمخالفة.
في العام 2013 قُتل عدد من الإثيوبيين، في مصادمات مع قوات الأمن السعودية، التي كانت تجمعهم من أجل ترحيلهم، ويُذكر أن العمال الإثيوبيين يدخلون إلى السعودية بشكل شرعي لكنهم يخالفون فيما بعد شروط إقامتهم بتغيير أعمالهم، ويجري تهريب البعض عبر الحدود أو يأتون كمعتمرين ثم لا يعودون لبلدهم.
العديد من الإثيوبيين يذهبون إلى السعودية لأسباب اقتصادية، لكن عددًا كبيرًا منهم فروا من الانتهاكات الخطيرة على أيدي حكومتهم، خصوصًا من منطقة الأورومو، كما أشار بيان المنظمة. ويقدر عدد الإثيوبيين المقيمن في السعودية نحو 750 ألف إثيوبي فروا من الفقر المتفشي في بلادهم، يعمل معظمهم في وظائف منخفضة الأجور، في قطاعات البناء والتشييد، وتتجه النساء منهم للعمل خادمات في المنازل.
من جهته قال ميليس عليم، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية إن “الحكومة تعمل على توفير وظائف للعائدين”. وأضاف عليم في تصريحات سابقة أن “الحكومة لديها صناديق دوارة لتوفير فرص عمل لمواطنينا الشباب في البلاد، لخلق فرص عمل.
وتابع المتحدث باسم الخارجية أنه المواطنون العائدون من السعودية سيكونون جزءًا من هذه المبادرة، وما لا شك فيه عودة هذا العدد سيمثل تحديًا بالنسبة لإثيوبيا من حيث تأمين فرص العمل بالأخص أن معظم من سيعودون من السعودية هم من الشباب في سن العمل. وكانت السعودية أوقفت استقدام العمالة المنزلية الإثيوبية منذ تموز/يوليو 2013، بسبب تورط بعضها في سلسلة جرائم، وفي مايو/ أيار الماضي ألغت السلطات السعودية الحظر الموجود على استقدام العمالة المنزلية من إثيوبيا بشرط ألا تكون العمالة المرشحة للعمل من أصحاب السوابق الجنائية، وأن تكون مؤهلة ومدربة على الأعمال المنزلية، وتثقيفها بعادات وتقاليد المملكة.
ومن شأن خطط الترحيل التي أعلنت عنها السعودية اتخاذ خطوات كانت مصادر أمنية سعودية صرحت بها في الأعوام السابقة، حيث ذكروا أنهم سوف يبدأون بحملات أمنية جديدة لضبط العمالة الوافدة من المخالفين لنظام الإقامة والعمل في المملكة على ثلاث مراحل، وقد نشرت وقتها الصحف السعودية أن المرحلة الأولى سوف تستهدف تجمعات العمالة الوافدة في الطرق خارج الأحياء، حيث تجمع عديد من المخالفين، وهم عمال يعملون بنظام الأجر اليومي في المقاولات.
بينما تستهدف المرحلة الثانية من الحملات ضبط المخالفين من العمال لنظام الإقامة والعمل من داخل المواقع التي يعملون فيها، سواء في الشركات أو المؤسسات أو المحال التجارية بشكلٍ عام، وذلك من خلال الفرق الأمنية الميدانية التي ستعمل على ضبط العمال الوافدين في المواقع التي يعملون بها.
قدرت تقارير عدد العمالة الأجنبية التي ستغادر السعودية مع بدء تطبيق رسوم المرافقين بنحو 670 ألفًا حتى العام 2020
وستركز المرحلة الثالثة من الحملات، على مداهمة المنازل والمواقع التي يسكن بها العمال الأجانب للبحث عن المخالفين، وذلك من خلال تحريات الجهات الأمنية عن تلك المساكن، سواء في الأحياء العشوائية أو الاستراحات خارج المدينة أو غيرها من المواقع، التي من الممكن أن يتخذها العمال سكنًا لهم بعيدًا عن أعين الجهات الأمنية.
وسبق أن دعت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، سارة ليا ويتسن، أنه على السعودية أن تتعامل مع جميع الوافدين باحترام وكرامة أكثر من ذلك، بغض النظر عن وضعهم، كما دعت السلطات السعودية أن توفر عملية قانونية نزيهة تشمل الحق في الطعن على ترحيلهم، أو دمجهم في نظام قانوني يسمح لهم توفيق أوضاعهم القانونية داخل البلاد.
ضغط على العمالة الوافدة في السعودية
الواقع أن هذا القرار ترافق مع تسارع وتيرة مغادرة آلاف المقيمين في السعودية من السودانيين والأردنيين واليمنيين وغيرهم، مع بدء فرض الرياض لسلسة من الضرائب والرسوم مطلع الشهر الماضي يوليو/تموز، ولقرب انتهاء المهلة الممنوحة للمخالفين لتصحيح أوضاعهم في سجلات الإقامة.
فمنذ مطلع الشهر الماضي سرى قرار مرافقي العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، بات الوافد يدفع 100 ريال سعودي (26.6 دولارًا) شهريًا عن كل مرافق بحيث يكون ذلك مقدمًا وبشكل سنوي اعتبارًا من الأول من شهر يوليو/تموز الماضي.
ويرتفع الرسم الشهري عن كل مرافق إلى 200 ريال (53.3 دولارًا) من يوليو/تموز 2018، و 300 ريال (80 دولارًا) في العام التالي، ثم 400 ريال (106.6 دولارات) في 2020. والجدير بالذكر هنا، أن هذه الخطة تندرج تحت رؤية المملكة 2030 التي تستهدف التخلص من إدمان البلاد على النفط وزيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى ترليون ريال بحلول العام 2030 من 163 مليار ريال حاليًا.
انسحاب العمالة الوافدة بصورة مفاجئة قد يؤدي إلى تعطل حركة الاقتصاد، نظرًا للأرقام الكبيرة التي ستغادر البلاد وسط غياب واضح للبديل
ارتفاع تكاليف الإقامة في السعودية دعى الكثير من الوافدين إلى مغادرة البلاد لعدم القدرة على الاستمرار في العمل أو إعادة عائلاتهم لتجنب الرسوم الجديد بعدما تبين لهم أن بقاءهم هناك أصبح غير مجد، في الوقت الذي توقع فيه مختصون أن تسهم الرسوم الجديدة المفروضة على المقيمين ومرافقيهم في خفض معدلات البطالة وسط المواطنين من 12 إلى 9% بحلول 2020.
إذ سترفع تلك الرسوم من تكلفة العمالة الوافدة وستقلص نسبة استقدامها وتقصر الاستقدام في حالات خاصة وملحة، وهو ما يدعو أصحاب العمل لتفضيل العمالة الوطنية على الوافدة بحسب كلام مختصين في الموارد البشرية، في حين يشكك خبراء بهذا الكلام نظرًا للنقص الحاصل في العمالة المحلية من حيث العدد والنوع.
انسحاب العمالة الوافدة بصورة مفاجئة قد يؤدي إلى تعطل حركة الاقتصاد، نظرًا للأرقام الكبيرة التي ستغادر البلاد وسط غياب واضح للبديل. إذ قدرت تقارير عدد العمالة الأجنبية التي ستغادر السعودية مع بدء تطبيق رسوم المرافقين بنحو 670 ألفًا حتى العام 2020 وأشار التقرير أن رسوم المرافقين ستوفر نحو 20 مليار ريال في السنوات الثلاث المقبلة. إلى جانب، أن استمرار تعامل السعودية مع العمالة الإثيوبية بهذه الطريقة سيعرضها إلى أسئلة كثيرة وتحذيرات من قبل منظمات المجتمع الدولية المعنية بحقوق الإنسان.