يكفي تصفح حسابها على تويتر لنسيان أنها من كبار مسؤولي إدارة ترامب. بين الهجوم على روسيا، ولعب كرة القدم مع اللاجئين، ومحادثاتها المباشرة على شبكات التواصل الاجتماعي بشأن حقوق الإنسان، ظهرت نيكي هيلي المبعوثة الأمريكية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كأبرز وجوه الإدارة الأمريكية الحالية وأكثرها قبولًا. ولذلك كانت هيلي موضوع تحقيق مطول لموقع فوكس Vox الذي رشحها كرئيس للولايات المتحدة.
اختار الرئيس ترامب هيلي في وقت مبكر، قبل اختيار ريكس تيلرسون وزيرًا للخارجية أو جيمس ماتيس وزيرًا للدفاع، ولا يزال اختياره لها مفاجئًا منذ ذلك الحين لإقدامها على سلوكات يترفّع الرئيس ترامب عن معظمها. انتُخِبت مرّتين لمنصب حاكم ولاية ساوث كارولاينا، وتتمتع بخبرة سياسية عالية بين نظرائها في الحزب الجمهوري. وكابنة لمهاجرين هنديين يبدو وجود هيلي نشازًا وسط إدارة تُدار من البيض بشكل أساسي. وتملك ذكاءً حادًا لا يمكن تجاهله عند المقارنة مع زملائها في الإدارة.
كان أداء هيلي في شهورها السبعة الأولى على رأس البعثة الأمريكية في الأمم المتحدة مذهلًا، خاصة أن الرئيس ترامب بنى حملته الانتخابية على قاعدة “أمريكا أولًا” وأن على الولايات المتحدة تجنب التورط في صراعات غير ضرورية في أنحاء العالم وأن تركز على مصالحها القومية بدلًا من تعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إلا أن هيلي اتبعت سياسة معاكسة؛ من خطابها الحازم تجاه موسكو إلى دعوتها لتغيير النظام السوري، مبتعدةً عن مواقف ترامب ومناقضةً لها في قضايا رئيسية للسياسة الخارجية. ليصفها أحد أبرز صقور السياسيين الجمهوريين السيناتور لينزي غراهام بأنها تشبهه أكثر من ترامب.
أكثر الميزات إثارة لتعيين هيلي كان قرار الرئيس ترامب إبقاء السفير لدى الولايات المتحدة كمنصب على مستوى الحكومة
ربما تعكس مواقفها ما هو أكثر من الاختلافات في السياسة. ففي حين ينتاب عدد من الجمهوريين القلق بشأن إكمال ترامب سنواته الأربعة، ويسودهم جو من الخشية من تلطخ مسيرتهم المهنية في حال محاكمته أو إقالته، تبدو هيلي واحدة من قلة من المسؤولين في الإدارة قادرين على الاستمرار في السنوات الأربعة. أكثر من ذلك، شغلت هيلي المحللين والخبراء بالحديث عن قدرتها على الترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
هيلي مفاجأة الإدارة للإدارة
عند ترشيحها من قبل الرئيس لمنصب السفير لدى الأمم المتحدة، بدا الأمر وكأنه تعيين في منصب هامشي. ملأ ترامب حملته الانتخابية بالهجوم على فكرة التعاون الدولي والمساهمة في تعزيز حقوق الإنسان أو المُثُل الديمقراطية، الأمر الذي تتولى هيلي المسؤولية عنه أمام بعثات الدول الأخرى في الأمم المتحدة. ويُعتقد أن اختيارها كان محاولة لتنويع طاقم الإدارة المليء بالرجال البيض. إلا أنها كانت أكثر من مجرد صوت هامشي في فريق السياسة الخارجية.
أكثر الميزات إثارة لتعيين هيلي كان قرار الرئيس ترامب إبقاء السفير لدى الولايات المتحدة كمنصب على مستوى الحكومة، كما كان الأمر في إدارة أوباما. وليست هذه الميزة معتادة في الإدارات الجمهورية، فقد جرّد الرئيسان جورج بوش الأب وجورج دبليو بوش منصب السفير لدى الأمم المتحدة من الموقع الحكومي. فيما يميل الديمقراطيون إلى مزيد من الدبلوماسية والتعاون مع المجتمع الدولي، ولذلك يفضلون إبقاء المنصب على مستوى الحكومة. وبالنظر إلى الخطاب الانعزالي لترامب في حملته الانتخابية، فوجئ مراقبو الأمم المتحدة بقرار ترامب إبقاء هيلي في الحكومة.
تتمتع هيلي كذلك بعضوية لجنة المدراء، أعلى لجان مجلس الأمن القومي الأمريكي. مما يعني أنها تملك صوتًا في أهم مجالس صنع القرار وتقديم المشورة للرئيس ترامب في أهم شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية
يقول روب بيرشينسكي نائب الرئيس لشؤون حقوق الإنسان والمستشار السابق للسفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة سامنثا باور: “إن خطاب إدارة ترامب حول “أمريكا أولًا” والازدراء العام للدبلوماسية متعددة الأطراف تناقض مع حقيقة سابقة تعيين السفيرة هيلي عضوًا كامل العضوية في الحكومة (الأمريكية)”. لم يكن الأمر شهامة من ترامب، فقد فاوضت هيلي بنجاح للحصول على منصبها في الحكومة، الذي يمنحها سلطة أكبر في الأمم المتحدة وسطوة أكبر في مداولات الحكومة.
تتمتع هيلي كذلك بعضوية لجنة المدراء، أعلى لجان مجلس الأمن القومي الأمريكي. مما يعني أنها تملك صوتًا في أهم مجالس صنع القرار وتقديم المشورة للرئيس ترامب في أهم شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، إلى جانب كبار مستشاري الأمن القومي ومسؤولي الحكومة في اللجنة. وقد صعّد دخول هيلي إلى لجنة المدراء في نيسان/ أبريل الماضي موقعها في الإدارة ومثّل نصرًا لفكر مؤسسة الحزب الجمهوري. أضيفت هيلي إلى المجموعة التي أُقصي منها كبير استراتيجيي البيت الأبيض السابق ستيف بانون. كان بانون من دعاة النظرة العالمية “أمريكا أولًا” وعدم التدخل في سوريا بعد استخدام بشار الأسد أسلحة كيميائية ضد أبناء شعبه. وبعد أيام من خروج بانون وإعادة هيكلة اللجنة، هاجم الرئيس ترامب قاعدة الشعيرات في سوريا بصواريخ كروز، وكانت هيلي أقوى المدافعين عن الهجوم المفاجئ.
هيلي تواجه روسيا
تركت هيلي بصمتها الفارقة على عدد من تحديات إدارة الرئيس ترامب، وأهمها روسيا. بدت السفيرة مستعدةً لتبني موقف وخطاب جمهوري متشدد تجاه التهديد الذي يمثله الكرملين. وفي جلسة الاستماع الخاصة بتعيينها، اتّهمت روسيا بارتكاب جرائم حرب في سوريا. قالت هيلي: “لا أعتقد أن بإمكاننا أن نثق بالروس… لقد ارتكبوا دون شك فظائع مروعة”. كانت نبرة السفيرة متناقضة مع خطاب وزير الخارجية تيلرسون الذي كان ألطف تجاه روسيا أثناء جلسة الاستماع الخاصة بتعيينه، حين رفض الإجابة على سؤال “هل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجرم حرب؟”، مع أنه قال صراحة إنه لن يؤيد أجندة ترامب لتحسين العلاقات مع روسيا.
في ظهورها الأول بمجلس الأمن الدولي في شباط/ فبراير الماضي، أدانت هيلي بشدة تدخل روسيا في شرق أوكرانيا وضمّها لشبه جزيرة القرم. يقول ريتشارد غوان الخبير في شؤون الأمم المتحدة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “لم تكن سياسة الرئيس ترامب تجاه روسيا والقرم واضحة حتى بدأت هيلي بالحديث… حدّدت السفيرة مسار الإدارة في هذه الملف بقولها: كلا، إن احتلال القرم ما زال غير قانوني”.
رد فعل هيلي على الهجوم الكيميائي في سوريا أقرب إلى المحافظين الجدد منه إلى مجموعة “أمريكا أولًا”، بتركيزها الحاد على معاناة الناس ودعوتها إلى التدخل العسكري لتخفيف هذه المعاناة.
جاءت تصريحات هيلي بعد أيام من اتصال هاتفي ودود بين ترامب وبوتين مرّ فيه الزعيمان على أوكرانيا مرور الكرام. نقلت شبكة سي أن أن عن مصدر لم يذكر اسمه إنّ هيلي لم تأخذ موافقة البيت الأبيض على تصريحاتها، ويقول غوان: “كانت هناك شائعات قوية على أن موقف هيلي المتشدد تجاه القرم لم يكن مُرتّبًا مع كبار المسؤولين في البيت الأبيض”.
استمرت شدّة هيلي تجاه روسيا في مجلس الأمن وخارجه. فبعد استخدام الأسد أسلحة كيميائية ضد مدنيين سوريين في ربيع 2017، اتّهمت هيلي روسيا بتزعّم حملة التعتيم حول المجزرة الوحشية ووبّخت الروس على امتعاضهم من الموقف الدولي تجاهها. قالت هيلي إن الروس تدخلوا “بكل تأكيد” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، خلافًا لخطاب ترامب الذي يتجاهل المسألة وينفيها بعبارة “لا أحد يعرف”. دعمت هيلي بحماس تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر في العلاقة المحتملة بين موظفي حملة ترامب الانتخابية وروسيا في أثناء الانتخابات، التحقيق الذي يصفه ترامب بمطاردة لأوهام.
ليست من جمهوريي ترامب
تعود مواقف هيلي المناقضة لمواقف ترامب إلى ما هو أبعد من روسيا. في شباط/ فبراير الماضي، زعمت هيلي أن الولايات المتحدة “قد تقف مع حل الدولتين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، بعد يوم من إعلان ترامب موقفًا غامضًا تجاه المسألة.
روّجت هيلي لمجموعة من القيم مختلفة عن قيم رئيسها وخاصة في تعاطيها مع مسألة اللاجئين. انشغل ترامب في الشهور الأولى من رئاسته في محاولة حظر دخول اللاجئين إلى الولايات المتحدة، وخفض حصة الدعم الإغاثي الخارجي من الميزانية، كما قلّص البرامج التي تدعمها الولايات المتحدة في الخارج بمقدار الثلث. لكن هيلي وعدت اللاجئين أثناء زيارتها لمخيم الزعتري في الأردن في أيار/ مايو الماضي بأنها لن توقف تمويل برامج الإغاثة الموجهة لهم، وقالت: “نريدكم أن تشعروا أن الولايات المتحدة تقف معكم”.
وفضلًا عن تأكيد هيلي على أهمية حقوق الإنسان، فقد شكّلت إدارتها للجلسة الأولى من نوعها بشأن حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان بشهر نيسان/ أبريل الماضي سابقة. يقول بيرشينسكي: “كانت هذه المرة الأولى التي يخصص فيها المجلس اجتماعًا لمفهوم الارتباط الوثيق للسلم والأمن وحقوق الإنسان… وقد عكس الاجتماع رغبة السفيرة هيلي الحقيقية واعتقادها بأن هناك رابطًا مباشرًا بين معاملة الحكومة لشعبها وبين السلم والأمن الدوليين”. كانت هيلي أول سفيرة أمريكية في الأمم المتحدة تتحدث في مجلس حقوق الإنسان. ورغم انتقادها لإدانات المجلس المتكررة لإسرائيل، إلا أنها فاجأت كثيرين بقولها إن الولايات المتحدة ستظل عضوًا فيه. قاطع الرئيس جورج دبليو بوش المجلس الذي تشكّل في عام 2006، وانضمت الولايات المتحدة إليه في عهد الرئيس أوباما.
بدا رد فعل هيلي على الهجوم الكيميائي في سوريا أقرب إلى المحافظين الجدد منه إلى مجموعة “أمريكا أولًا”، بتركيزها الحاد على معاناة الناس ودعوتها إلى التدخل العسكري لتخفيف هذه المعاناة. وبعد إطلاق الصواريخ الأمريكية باتجاه سوريا قالت هيلي إن الإدارة نظرت في الإطاحة ببشار الأسد كـ”أولوية” من أولوياتها. وفي حديثها مع جيك تابر مذيع سي أن أن قالت هيلي: “إنّنا لا نرى سلامًا في سوريا بوجود الأسد”، واصفةً تغيير النظام بأنه أمر لا مفر منه “وذلك لأن كل الأطراف سترى أن بشار ليس القائد الذي تحتاجه سوريا”. كان هذا الموقف الأقوى من الإدارة الأمريكية في هذه المسألة، وهو متناقض صراحة مع عدم اهتمام ترامب المعلن بفكرة الإطاحة ببشار.
لم يكن خروج هيلي عن خط ترامب نتيجة قلة انضباطها أو عدم قدرتها على التعاون مع الآخرين، فقد كانت محبوبة وناجحة في منصبها كأول حاكمة امرأة ومن أقلية في عالم سياسات ولاية ساوث كارولاينا المُتقلّبة
ينفي مكتب هيلي عدم اتساق مواقفها مع الرئيس. وفي حديث لفوكس يقول متحدث باسم البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: “تعكس السفيرة هيلي دائمًا سياسات الإدارة في الأمم المتحدة، سواء عند فوزها بعقوبات موسعة على كوريا الشمالية، أو إدانتها لاستخدام الدكتاتور السوري بشار الأسد أسلحة كيميائية، أو صراعها من أجل صرف أكثر فعالية لأموال الضرائب الأمريكية على برامج الأمم المتحدة، أو في عدد من المسائل الأخرى”. صحيح أن هناك الكثير من السياسات التي يبدو ظاهريًا وجود توافق بشأنها بين هيلي وترامب، إلا أن تكرار المواقف التي لا يتفقان بشأنها وصل إلى درجة غير مُعتادة.
يقول مسؤول كبير سابق في البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة رفض ذكر اسمه بسبب حساسية المسألة واستمرارها في الوقت الراهن: “إن ما تقوله هيلي لا يبدو أنه يمت بصلة إلى سياسة الإدارة الأمريكية، يبدو أنها تتصرف باستقلالية أكثر”. وفي بعض الحالات، يبدو ذلك لأن الإدارة الأمريكية ينقصها أصلًا الموظفون والتنظيم خاصة في صنع السياسة والتواصل، وهيلي بكل بساطة تملك استقلالية أكبر تمكنها من العمل وسط الفوضى. لكن اختراقات هيلي في مسائل مثل روسيا وسوريا لم تمر دون عواقب. في النهاية تبدو كل خلافاتها أكثر منطقية إذا فُهِمت على أنّها مُرتّبة مسبقًا.
السفيرة تلعب لعبة طويلة الأمد
لم يكن خروج هيلي عن خط ترامب نتيجة قلة انضباطها أو عدم قدرتها على التعاون مع الآخرين، فقد كانت محبوبة وناجحة في منصبها كأول حاكمة امرأة ومن أقلية في عالم سياسات ولاية ساوث كارولاينا المُتقلّبة، ولم يكن كذلك بسبب مجموعة من القناعات العميقة تجاه السياسات الدولية، وخلافًا لمعظم السفراء الأمريكان لدى الأمم المتحدة تُعدّ هيلي مبتدئة في مشهد السياسة الخارجية وتتعلم مع استمرارها في العمل. لكن مواقفها الخارجة عن المألوف تبدو وكأنّها تمهد الطريق للمستقبل.
يقول مسؤول أمريكي سابق لموقع فوكس: “إن حقيقة كونها أكثر انتقادًا لروسيا من بقية مسؤولي الإدارة تسمح لها بالابتعاد قليلًا عن الإدارة، ويبدو هذا الأمر محسوبًا بدقة… يبدو أنها تضع رجلها على طريق ترشح مستقبلي”. إذا انتهى الأمر بسقوط إدارة ترامب في حال كشف علاقاتها مع روسيا، فإن هيلي قد حجزت لها تأمينًا ضد السقوط مع الإدارة، يمكنها دائمًا أن تقول بكل مصداقية إنّها لم تُبد أي تعاطف تجاه موسكو.
عملت هيلي على بناء سمعة بين كبار شخصيات مؤسسة الحزب الجمهوري، سواء كانوا مانحين أو خبراء أو مُشرّعين مثل السيناتور لينزي غراهام، من خلال استعداد ثابت لاتخاذ مواقف مبدئية جريئة في إدارة تفضّل الولاء على كل شيء. يقول غوان: “إنها تفعل العجائب لسجلها الشخصي، وتبني قاعدة صلبة لكونها صوتًا جديًا لفكر السياسة الخارجية للتيار العام في الحزب الجمهوري… إنها تضع عينيها على أفق سياسي أكبر”.
نفت هيلي في نيسان/ أبريل الماضي وجود طموحات رئاسية لديها، وقالت: “لا يمكنني تخيل الترشح للبيت الأبيض”. لكن مناوراتها الواضحة غذّت الشكوك حول رغبتها في ذلك. أثارت سلوكاتها الهادئة أسئلة كذلك، فقد اختارت لتعليمها خيوط السياسة الخارجية شخصًا قليل الخبرة يُدعى جون ليرنر، في منصب نائب السفيرة، والحقيقة أن ليرنر كان المخطط الاستراتيجي لحملة “NeverTrump” (التي تعني بتصرف: لن نقبل ترامب أبدًا) في عام 2016. كما طوّرت علاقات مع ممولين في نيويورك يلعبون دورًا مهمًا في الانتخابات.
يبدو أن هيلي أجرت حسابات دقيقة استنتجت منها أن الوقوف في موقف معاكس لترامب أمر يستحق المخاطرة، أو على الأقل فيه مخاطرة أقل من أن تبدو امرأة طيّعة في إدارة يقود فيها ترامب إحدى أكثر الإدارات إثارة للجدل في التاريخ الحديث
فإذا كانت هيلي ترغب في الوصول إلى البيت الأبيض، أو على الأقل الإبقاء على هذا الاحتمال، فإن لديها مهمة صعبة. ينبغي أن تتصرف باستقلالية دون أن تبدو غير آبهة بالرئيس الذي يعتمد الولاء معيارًا أساسيًا. إنها بحاجة في هذه الحالة إلى عزل نفسها عن اتهامات الإذعان لروسيا، وفي الوقت نفسه أن لا تحطّ من قدر التزام الرئيس بتطوير العلاقات مع موسكو. كما عليها أن تنفذ أجندة ترامب “أمريكا أولًا”، وتُمثّل في الوقت نفسه أفقًا عالميًا أكثر تقليديةً لنخب الحزب الجمهوري وخبرائه الذين سيكونون عقبةً في مستقبلها كمرشحة للبيت الأبيض.
في نيسان/ أبريل الماضي، تحدث ترامب مازحًا عن طرد هيلي، ولم يبدُ حديثه مزحة بقدر ما كان مؤشرًا على عدم رضاه عن صعود نجمها. قال ترامب في فعالية في البيت الأبيض مع سفراء مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة: “هل تحبون نيكي؟… إذا لم تعجبكم يمكن استبدالها بسهولة، أليس كذلك؟ لا، لن نفعل ذلك. أعدكم أننا لن نفعل ذلك. إنها تقوم بعمل رائع”. وفي ربيع هذا العام، طلبت وزارة الخارجية من هيلي إيضاح مواقفها تجاه قضايا كبرى للوزارة مسبقًا، في ردة فعل على سلوكها المستقل. هناك جو أقل ما يوصف به بأنه “قلق” في الإدارة الأمريكية تجاه جرأتها عند استلامها أي منصة للحديث.
ولكن يبدو أن هيلي أجرت حسابات دقيقة استنتجت منها أن الوقوف في موقف معاكس لترامب أمر يستحق المخاطرة، أو على الأقل فيه مخاطرة أقل من أن تبدو امرأة طيّعة في إدارة يقود فيها ترامب إحدى أكثر الإدارات إثارة للجدل في التاريخ الحديث. يقول تشيب فيلكيل الاستراتيجي الجمهوري من ولاية ساوث كارولاينا: “سيذوب الثلج ويبان المرج، لكن هذا النوع من المناصب إمّا أن يقود إلى فرصة أخرى أو أن يقضي على المسيرة المهنية برمّتها”.