في أحدث موجة عنف تستهدف مسلمي الروهينغا في إقليم أراكان (راخين) غرب ميانمار (بورما)، سقط نحو 90 شخصًا على يد جيش ميانمار الذي يتفنّن منذ سنوات في قتل المسلمين العزّل هناك، في محاولة لإبادتهم حسب تقارير حقوقية دولية وأممية.
هجمات منظمة
الهجوم على مسلمي الروهينغا تم هذه المرة إثر تعرض مواقع للشرطة وقاعدة للجيش لهجمات من قبل مسلحين حسبما قالت السلطات التي أضافت أن 24 موقعًا للشرطة كانوا هدفًا لهجمات المسلحين، في حين تحدث الجيش عن مقتل 12 جنديًا، وكثيرًا ما تدعي حكومة ميانمار تعرض قواتها الأمنية والعسكرية لهجمات مسلحة من قبل مسلحين مسلمين لتشرعن العنف الممارس ضد الأقلية المسلمة في ذلك البلد الآسيوي.
والروهينغا جماعة إثنية تستوطن ولاية آراكان في ميانمار بشكل رئيسي، تصنفهم الأمم المتحدة “الأقلية الدينية الأكثر تعرضًا للاضطهاد في العالم”، يتميزون باستخدامهم للغة الروهينيجيا واعتناقهم للإسلام، تمثّل هذه الجماعة أقلية مسلمة في بلد يدين أغلبها بالبوذية.
إلى جانب ذلك، ذكرت تقارير إعلامية عن شهود عيان أن مئات من مسلمي الروهينغا محاصرون داخل منطقتهم من قبل جيرانهم البوذيين في قرية بغرب ميانمار، ورغم اقتصار العنف إلى حد كبير حتى الآن على المنطقة الشمالية التي تقطنها أغلبية من الروهينغا في ولاية راخين المجاورة لبنغلادش، فإن عديد من المراقبين وموظفي الإغاثة يشعرون بقلق من احتمال تفجر العنف في المنطقة.
ذكر سكان وموظفو إغاثة لرويترز أن المسلمين في قرية زاي دي بين مُنعوا من الذهاب إلى أعمالهم أو جلب طعام
وولاية راخين ممزقة منذ فترة طويلة بين البوذيين ومسلمي الروهينغا، ويعيش نحو 1.1 مليون من الروهينغا في الولاية ولكنهم محرمون من الجنسية ويواجهون قيودًا فيما يتعلق بالسفر لأن بوذيين كثيرين في شتى أنحاء ميانمار يعتبرونهم مهاجرين غير شرعيين من بنغلادش المجاورة.
وذكر سكان وموظفو إغاثة لرويترز أن المسلمين في قرية زاي دي بين مُنعوا من الذهاب إلى أعمالهم أو جلب طعام وماء خلال الأسابيع الثلاث الأخيرة على الرغم من أنه سُمح لعدد صغير بتجاوز الحصار لشراء مؤن يوم الثلاثاء، فيما قالت الشرطة إن القرويين البوذيين في راخين يفرضون قيودًا على كمية الطعام التي يمكن للروهينغا شراؤها ولكنهم يمنعون تنقلهم في القرية والذهاب إلى العمل.
معاناة متواصلة
يخشى العديد من الحقوقيين أن تتسبّب هذه الحملة الأمنية الأخيرة ضد مسلمي الروهينغا في تكرار أعمال العنف الطائفية التي تفجرت في مدينة سيتوي عاصمة ولاية راخين في 2012، مما أدى إلى سقوط نحو 200 قتيل وتشريد نحو 140 ألف شخص معظمهم من الروهينغا المسلمين ليعيشوا في الدول المجاورة التي نزحوا إليها في مخيمات بالية وظروف صعبة.
وفي يونيو من العام 2012 بدأت شرارة العنف العنصري ضد مسلمي الروهنيغا، واشتدت أعمال العنف البوذي من أقلية الراخين البوذية ضد مسلمي الروهينغا مما أوقع مئات القتلى والجرحى وآلاف المشردين، وأعقب ذاك إعلان من الحكومة بإغلاق المئات من مساجد الروهينغا، ومنعهم من أداء الشعائر الدينية، وظلت السلطات من حينها ترفض منح مسلمي الروهينغا تراخيص لإعادة بناء مساجدهم، حتى تلك التي تتضرر من الفيضانات التي تشهدها البلاد مؤخرًا، ويكون مصير من يحاول ترميمها الملاحقة الأمنية من السلطات.
يعيش مسلمو الروهينغا كالسجناء في مخيمات أو قرى معزولة
وتعتبر الحكومة الميانمارية مسلمي الروهينغا دخلاءً بلا جنسية جاؤوا من بنغلاديش المجاورة ولا تعتبرهم عرقية أصيلة في البلاد، مما جعلهم عرضة للاضطهاد والتمييز العنصري وإساءة المعاملة، رغم أن بعضهم يعيش في ميانمار منذ قرون، فتمنحهم بطاقات بيضاء بدل الهوية الوطنية التي منعوا من اقتنائها منذ فرض قانون المواطنة في العام 1982، والذي بموجبه انتزعت الجنسية من مسلمي الروهينغا، البطاقات البيضاء الصالحة مدة عامين فقط كتب عليها أن حملها لا يعني المواطنة، وحاملها يمكن أن يخضع للتحقيق في هويته، ومن لا يحملها مهدد بالطرد كما يمنع من التنقل بين الأحياء والقرى المجاورة، وتحاول السلطات بتلك الهويات أن تسحب اعتراف من حامليها أنهم محض دخلاء غير شرعيين.
المسلمون بالأراضي الميانمارية كذلك لا يحظون بحق تملك عقاراتهم وأراضيهم، ويضيق عليهم في ممارسة أعمال التجارة خاصتهم، وتصادر الحكومات المتعاقبة أراضيهم وممتلكاتهم وقوارب الصيد خاصتهم دون سبب، كما تمنعهم من تطوير مشاريعهم الزراعية، ويحرمون من تقلد وظائف بهيئات حكومية وكذا الجيش، وبالطبع حق تكوين وتأسيس المنظمات أو ممارسة الأنشطة السياسية ليس من نصيب هؤلاء.
فيعيشون كالسجناء في مخيمات أو قرى معزولة، مقيديين الحركة منها وإليها، كما تمنع كل أسرة من تربية أكثر من طفلين، بالإضافة إلى تحديد إقامتهم لمجموعة من السجون المفتوحة وإجبار كل رجل على العمل مجانًا ليوم من كل أسبوع لصالح الجيش أو الحكومة.
أزمة حادة في حقوق الإنسان
أعمال العنف هذه جاءت بعد إصدار لجنة برئاسة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان سلسلة من التوصيات إلى مستشارة الدولة أونغ سان سو تشي عن كيفية استجابة الحكومة للتوترات، وجاء في التقرير أن “وضع المسلمين في إقليم راخين يعكس أزمة حادة في حقوق الإنسان” على خلفية انعدام حصولهم على أي جنسية والتمييز الشديد الذي يتعرضون له.
بحسب لجنة تقصى الحقائق المكونة من 9 أعضاء بينهم 3 أجانب، يعيش في ميانمار “10% من عديمي الجنسية
وقال عنان الذي يرأس اللجنة التي عينتها مستشارة الدولة في ميانمار أون سان سو تشي، العام الماضي: “يتعين على الحكومة الميانمارية إعادة النظر في الربط القائم بين المواطنة والعرقية”، وتابع “لم يعد هناك الوقت لنخسره، الوضع في أراكان أصبح أكثر خطورة“.
وطالب عنان، حكومة ميانمار بالتخلي عن “القوة المفرطة” في تعاملها مع أزمة مسلمي الروهينغا بإقليم أراكان، ومراقبة أداء قوات الأمن كأحد أساسيات حل الأزمة، وأجرت اللجنة مقابلات شخصية مع 1000 شخص على مدار 12 شهرًا، وكان من بينهم سياسيون وشريحة كبيرة من السكان البوذيين والمسلمين.
مطالب محتشمة للتصدي للانتهاكات ضد مسلمي الروهينغا
وبحسب لجنة تقصى الحقائق المكونة من 9 أعضاء بينهم 3 أجانب، يعيش في ميانمار 10% من عديمي الجنسية، ويشكل مسلمو الروهينغا أكبر جماعة من عديمي الجنسية في العالم، وخلال السنوات الخمسة الماضية، احتجز نحو 120 ألفًا من مسلمي الروهينغا في مخيمات النزوح، دون منحهم حق المغادرة إلا بإذن، أو الحصول على الخدمات الرئيسية كالرعاية الصحية والتعليم.
وأدت حملة أمنية أطلقتها السلطات في أكتوبر في مونغدو بإقليم أراكان، حيث تشكل الروهينغا الأغلبية، إلى صدور تقرير أممي عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبتها قوات الأمن هناك، أشار إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ووثقت الأمم المتحدة أعمال اغتصاب جماعي وعمليات قتل شملت أطفالًا وممارسات ضرب وحشي واختفاء بحق مسلمي الروهينغا في ميانمار، ويقول ممثلو الروهينغا إن نحو 400 شخص لقوا حتفهم خلال تلك العملية.