رغم ما تعرفه الحكومة التونسية من فراغ في 3 حقائب وزارية، لم يعلن رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بعد تعديل تركيب حكومته التي تسلمت السلطة في 27 من أغسطس 2016، نتيجة الصراع الذي بينه وبين مكونات الائتلاف الحاكم، فضلًا عن التوترات الداخلية التي يشهدها الائتلاف الحكومي.
انطلاق المشاورات
الأربعاء الماضي، قال المستشار الإعلامي لرئاسة الحكومة مفدي المسدي إن مشاورات رئيس الحكومة يوسف الشاهد مع الأحزاب بشأن التعديل الوزاري المرتقب انطلقت، ولفت المسدي إلى أنه لم يُحدد بعد موعد إعلان هذا التعديل رسميًا ، وقبلها بيوم صرح الشاهد لوسائل إعلام أن موعد إجراء تعديل وزاري قد حان فعلًا، وسيُعلن عندما تكون القائمة جاهزة”.
ويضم الائتلاف الحاكم كل من حزب حركة نداء تونس (ليبرالي/58 مقعدًا برلمانيًا)، حركة النهضة (إسلامية/69 مقعدًا)، آفاق تونس (ليبرالي/10 مقاعد)، الحزب الجمهوري (وسط/مقعد واحد)، حزب المسار (يساري بلا مقاعد برلمانية)، وتتألف حكومة الشاهد التي انبثقت عن “وثيقة قرطاج” أواخر أغسطس/آب الماضي، من 26 وزيرًا و14 كاتب دولة (موظف حكومي برتبة وزير).
رغم كون البيان لم يحدد بشكل دقيق الملفات التي ناقشها الطرفان، فإن العديد من المراقبين أكدوا أن ملف التعديل الوزاري كان حاضرًا
وكانت حركة نداء تونس (59 مقعدًا في البرلمان من مجموع 217) التي ينتمي إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد أول الداعين إلى إجراء تعديل وزاري، حيث دعا حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للحركة، نهاية يونيو الماضي، إلى إجراء تعديل وزاري على الحكومة الحالية، وشاركتها في ذلك حليفتها في الحكم وصاحبة المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية الأخيرة حركة النهضة، حيث طالبت هي الأخرى بتعديل وزاري في حكومة الشاهد، إلا أنها ترفض أن يكون التعديل على أساس المحاصصة الحزبية وتقسيم المناصب.
واجتمع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الإثنين بقصر قرطاج، برئيس الحكومة يوسف الشاهد لتدارس الأوضاع العامة بالبلاد والتقدم الحاصل في إعداد مشروع ميزانية الدولة لسنة 2018 ومستجدات العمل الحكومي، بحسب ما جاء في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، ورغم كون البيان لم يحدد بشكل دقيق الملفات التي ناقشها الطرفان، فإن العديد من المراقبين أكدوا أن ملف التحوير الوزاري كان حاضرًا.
ثلاث وزارات شاغرة
هذا التعديل الوزاري المرتقب يأتي في وقت تعرف فيه الحكومة التونسية فراغًا في 3 حقائب وزارية، بعد أن أعلن وزير التنمية والتعاون الدولي التونسي محمد الفاضل عبد الكافي، استقالته من منصبه الجمعة الماضية لوجود تضارب في المصالح، وقال الوزير الذي يشغل أيضًا حقيبة المالية بالنيابة منذ أبريل الماضي، إنه قدم استقالته لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بعد جلسة تشاور معه، وبرر مقربون لعبد الكافي طلب الاستقالة الذي طالبه به البعض من قبل، كونه يأتي رفعًا للحرج عن الوزير والحكومة التي ينتمي إليها بحكم تضارب المصالح بين صفته لوزير للمالية بالنيابة وطرفًا في نزاع مع الدولة على خلفية الحكم الصادر ضده.
حكومة يوسف الشاهد
وقال عبد الكافي إن استقالته تأتي على خلفية مثوله أمام القضاء في 4 من سبتمبر القادم بعد الاعتراض الذي كان قد تقدم به بتاريخ 10 من أغسطس الحالي على حكم صادر ضده ويقضي بسجنه وتغريمه مبلغ مليون و800 ألف دينار تونسي (نحو 900 ألف دولار)، وأشار إلى أن القضية تعود إلى شكوى تتعلق بمعاملات مالية للشركة التي يمثلها قانونيًا، كانت رفعتها ضده الإدارة العامة للجمارك.
تواجه بذلك حكومة الشاهد فراغًا في وزارتي المالية والتنمية والتعاون الدولي، إلى جانب الفراغ في منصب وزير التربية
وقبل ذلك أعفى رئيس الحكومة التونسية وزيرة المالية لمياء الزريبي من منصبها، على خلفية تصريحات قالت فيها إن البنك المركزي التونسي سيقلص تدخلاته في ضخ العملة الأجنبية بالسوق وسيخفض قيمة الدينار تدريجيًا، لكنه لن يسمح بانزلاق كبير للعملة المحلية مثلما حدث في مصر عندما جرى تعويم الجنيه، وكانت تصريحات الزريبي، حسب العديد من الخبراء، سببًا في انهيار قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية.
ورافقت إقالة الزريبي إقالة وزير التربية ناجي جلول من منصبه، بعد أشهر عديدة من الشد والجذب بين رئيس الوزراء التونسي والنقابات التعليمية في البلاد، وتزامنت إقالة ناجي جلول مع احتفال عمال تونس بالعيد العالمي للعمال الموافق للفاتح من مايو، ويؤكد مراقبون أن قرار الإقالة مثل هدية لاتحاد الشغل من رئيس الوزراء لكسب ود وتأييد المركزية النقابية في البلاد بعد أن فشل في كسب تأييد سياسي لحكومته، في ظل الانقسام الذي يشهده حزب نداء تونس الذي ينتمي إليه جلول وتراجع دعم حركة النهضة للحكومة بسبب فشلها في تحقيق الإصلاحات المرجوة منها.
وتواجه بذلك حكومة الشاهد فراغًا في وزارتي المالية والتنمية والتعاون الدولي، إلى جانب الفراغ في منصب وزير التربية، حيث يشغل حاليًا وزير التعليم العالي سليم خلبوس المنصب بالنيابة منذ إقالة ناجي جلول في أبريل الماضي، مما يجعل الشاهد أمام حتمية إجراء تعديل على حكومته
خلافات كبيرة
مشاورات الشاهد تصطدم بخلافات كبيرة بين أحزاب الائتلاف الحاكم بشأن طبيعة التعديل، بين من يرى وجوب أن يكون جزئيًا ومن يرى ضرورة أن يكون شاملاً، حيث يطالب حزب “نداء تونس” التي يديره حافظ قائد السبسي نجل الرئيس السبسي بتقييم شامل لكل الحقائب، وتعديل حكومي في العمق، كما يصفه، وذلك بهدف تعزيز حضورها في الحكومة.
اجتماع تشاوري بين حركتي النهضة ونداء تونس
في مقابل ذلك تفضل حركة “النهضة” تعديلًا جزئيًا يشمل المناصب الشاغرة وتأجيل التعديل الكبير لما بعد الانتخابات البلدية وإقرار موازنة العام المقبل، وجاء بيان “النهضة” الأخير ليؤكد هذا الطلب، وليكشف أيضًا عن حجم هذه الخلافات، فحركة النهضة ترى أنه ليس هناك داع للاستعجال في إجراء التعديل الشامل وأن الحكومة عليها أن تحافظ على أكبر قدر من الاستقرار، وهو ما يتعارض مع رؤية “النداء” للموضوع.
التعديل الثالث
من المنتظر أن يكون التعديل القادم على حكومة الشاهد، الثالث في حكومته منذ تسلمها الحكم، فقد أجرى يوسف الشاهد تعديلات جزئية على تركيبة حكومة الوحدة الوطنية في مناسبتين، وأواخر أبريل/نيسان الماضي شهدت الحكومة التونسية تعديلًا جزئيًا تمثّل في إقالة وزير التربية ناجي جلول ووزيرة المالية لمياء الزريبي، من مهامهما، وتعيين سليم خلبوس وزيرًا للتربية بالإنابة، وفاضل عبد الكافي وزيرًا للمالية بالإنابة أيضًا.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قرر الشاهد إقالة وزير الشؤون الدينية، عبد الجليل بن سالم، من مهامه، وذلك لعدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية، وفق بيان رئاسة الحكومة في حينه، وتعويضه لاحقًا بأحمد عظّوم، كما ألغت الحكومة التونسية مطلع آذار/مارس الماضي وزارة الحوكمة والوظيفة العمومية، على خلفية رفض خليل الغرياني نائب رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) المكلف بالملف الاجتماعي، هذا المنصب، خلفًا لعبيد البريكي.
ويخشى تونسيون أن يطول أمد المشاورات بشأن التعديل الوزاري المرتقب نتيجة اختلاف الرؤى بين النهضة والنداء، ما من شأنه التأثير على العمل الحكومي الذي يتسم بالبطء منذ فترة طويلة، والذي ساهم بدوره في ارتفاع حدة الأزمات التي تواجهها تونس على رأسها الأزمة الاقتصادية والأزمة الاجتماعية.