ترجمة وتحرير نون بوست
تعتبر “باث أوت” لعبة فيديو عمل على تطويرها عبد الله كرم، وهو شاب سوري سعى جاهدا إلى تحقيق هذا الهدف منذ سنة 2014.
في الواقع، يشعر الكثير من البالغين بالقلق إزاء الشباب الذين غالبا ما لا يفرقون بين الواقع والواقع الإفتراضي. لكن، في هذه الحالة ستساهم لعبة فيديو بالتأكيد في لفت أنظار العديد من الشباب إلى الواقع الحقيقي الذي يعيشه اللاجؤون. وبالتالي، ستتيح لهم هذه اللعبة فرصة عيش مغامرة استثنائية تقتضي الهروب من الحرب في محاولة للوصول إلى أوروبا، مهما كلف الثمن.
تنطلق أحداث هذه اللعبة من منزل واقع في وسط سوريا في سنة 2011، حيث يعيش طفل مع عائلته من دون كهرباء. في هذه اللعبة، تتوجه أم بطل المغامرة لطفلها قائلة: “الحكومة بصدد بيع الكهرباء من جديد لفائدة اللبنانيين، تحل بالصبر”. ومن هذا المنطلق، كلفت الأم طفلها بالمهمة الأولى ضمن هذه اللعبة، حيث ينبغي أن يسارع للبحث عن قارورة غاز كي تتمكن والدته من طهي الطعام. في الوقت نفسه، تسعى الأم لإلهاء طفلها عن ما تعتزم القيام. في الأثناء، رددت الأم قائلة: “هؤلاء الأشخاص سخيفون جدا بالفعل، يجب أن أخرج إلى الشارع للاحتجاج ضد هذا الوضع تماما مثل أخي”.
في حين كان الطفل يبحث عن قارورة غاز في الظلام الحالك، عثر على صورة لقلعة في أوروبا، ومن هناك أخذ الهدف الأساسي يتبلور في ذهنه. من جهته أوضح عبد الله قائلا: “لقد مررت بكل تلك الأحداث التي عرضتها اللعبة في الحياة الواقعية. لازلت أذكر اليوم الذي فكرت فيه للمرة الأولى في إمكانية ترك كل ما يربطني ببلادي، كنت آنذاك أستبعد أن يكون الفرار أمرا ممكنا”.
شدد عبد الله على أنه “لم يكن وقع تذكر كل الأحداث التي عشتها صعبا بالنسبة لي، بل على العكس تماما. لقد كان ذلك بمثابة علاج ووسيلة لاسترجاع كل التفاصيل التي عشتها آنذاك
وتجدر الإشارة إلى أن عبد الله كرم كان يحب الرسم كثيرا، وقد قدم إلى النمسا حاملا العديد من رسوماته في حقيبته. في الواقع، كان كرم يرسم حتى يتمكن من تجسيد تجاربه الشخصية، حيث سرعان ما تحولت هذه الرسومات إلى ركيزة لعبة الفيديو، التي أنتجتها وعملت على تطويرها الشركة الألمانية، “كوزا كرييشن”،”Causa Creations”. ويقع مقر هذه الشركة في مدينة كارلسروه في ألمانيا، علما وأنها متخصصة في إنتاج الألعاب التي ترمي إلى تناول المسائل الاجتماعية الراهنة.
عموما، يتعين على بطل اللعبة التغلب على العديد من العقبات مرورا بمختلف مستويات اللعبة، سواء المطاردات، أو الجنود، أو الرقابة وحقول الألغام، إلى غير ذلك للوصول إلى وجهته في أوروبا. تعتمد هذه اللعبة على رسوم متحركة ثنائية الأبعاد، بمنظور غير متناظر، تماما مثل الذي اعتدنا على مشاهدته في لعبة بوي نينتندو، التي تعيد إنتاج أو تجسيد صور مناطق الصراع، والبحار والطرقات الوعرة.
في الأثناء، وعلى امتداد مغامرته، يتعين على اللاعب أن يهب إلى مساعدة أشخاص آخرين، فقدوا بدورهم كل شيء. فضلا عن ذلك، ينبغي أن يحافظ على حياته من خلال الاحتماء بالمباني التي دمرتها القنابل، وذلك لجمع أقصى قدر من النقاط لإرسالها إلى أسرته التي تركها في المنزل.
في هذا السياق، أوضح مدير المشروع، المطور الألماني، جورج هوبير أنه “عندما اطلعت على الرسومات، كانت مؤثرة للغاية، وأدركت حقا أنني قد حظيت على ركيزة للعبة فيديو، يمكن للشخص الذي يلعبها أن يتأثر بأحداث القصة ويعيشها تماما مثلما عاشها الأطفال الذين أُجبروا على الفرار من أراضيهم للبحث عن مستقبل أفضل في مكان آخر”.
وأضاف هوبير قائلا: “لقد تعرفت على عبد الله في سالزبورغ خلال عرض مسرحي، بعد أسبوعين فقط من قدومه إلى النمسا. وعندما رأيت رسوماته فكرت أنه يجب علينا الاستفادة منها بطريقة أو بأخرى. ربما كان عبد الله يفكر في استغلال هذه الصور في عمل فكاهي، لكنني كنت مقتنعا أن لعبة الفيديو ستكون الخيار المثالي الذي يليق بتجسيد هذه الصور. وقد أكدت لي ردود الفعل الأولى من قبل الجمهور أنني لم أكن مخطئا على الإطلاق”.
تتوفر لعبة الفيديو “باث أوت”، الآن في نسختها التجريبية فقط. وفي تشرين الأول/أكتوبر المقبل، من المتوقع أن يتم إصدار النسخة النهائية.
من جهة أخرى، شدد عبد الله على أنه “لم يكن وقع تذكر كل الأحداث التي عشتها صعبا بالنسبة لي، بل على العكس تماما. لقد كان ذلك بمثابة علاج ووسيلة لاسترجاع كل التفاصيل التي عشتها آنذاك، فعند حدوث تلك الوقائع، بالكاد تجد وقتا للتفكير. في الواقع، إنك في حاجة لتقبل كل شيء عشته في تلك اللحظة، حيث غالبا، وفي خضم كل تلك المخاطر، لا تكون واعيا بما يجري تحديدا، كل ما تشعر به هو رغبة قوية في المضي قدما”.
في حقيقة الأمر، تكمن الفكرة الرئيسية للعبة في السماح للاعب بالمشاركة في هذه التجربة، دون التعاطي معها على اعتبارها دراما، حيث أن المؤامرة التي تقوم عليها اللعبة تتخللها جرعات كبيرة من الفكاهة والعديد من المفاجآت الأخرى. ومن هذا المنطلق، سمح المصممون بإضافة عناصر خيالية إلى اللعبة، على غرار وجود جمل أمام منزل الطفل بدلا من سيارة. من جانبه، دعا عبد الله إلى الإستمتاع بهذا الشريط من الصور الاستثنائية، على الرغم من أن مبتغاه الحقيقي يتمثل في دفع الشباب الأوروبي إلى تفهم كل ما يحدث في البلدان التي تعيش في ظل الحروب، فضلا عن سبب توافد عدد كبير من اللاجئين إلى بلدانهم.
في هذا السياق، صرح عبد الله لفائدة أحد المواقع الألمانية قائلا: “أنا أحب سوريا. أتمنى أن أعود يوم ما إلى هناك. لقد غادرت البلاد استجابة لرغبة أبي وأمي، لأنهما كانا خائفين جدا خاصة في أعقاب تورط أخي في معركة محتدمة خلال مظاهرة ضد الرئيس بشار الأسد. لا تعتبر هذه القصة حكرا عليّ، فقد شهد العديد من الأطفال الآخرين تجارب مماثلة لما تحملته من مصاعب. في الوقت الراهن، نحن نرغب في أن نروي لكل العالم كل التجارب القاسية التي مررنا بها في حياتنا”.
على العموم، ، تتوفر لعبة الفيديو “باث أوت”، الآن في نسختها التجريبية فقط. وفي تشرين الأول/أكتوبر المقبل، من المتوقع أن يتم إصدار النسخة النهائية. وفي هذا الصدد، أورد عبد الله كرم مازحا: “سوف نستغني عن هذه النسخة من لعبة الفيديو في حال تمكنا يوما ما من العودة إلى سوريا واللعب بين ربوعها. حينئذ سيتعين علينا تطوير لعبة فيديو أخرى يكون فيها بطل الرواية أحد اللاجئين في أوروبا يحاول أن يتعامل مع البيروقراطية والفقر والحرائق في مخيمات اللاجئين، والتغلب على عائق اللغة أيضا…”. وفي النهاية، أضاف عبد الله مبتسما: “ستكون لعبة فيديو صعبة حقا ومشوقة للغاية!”.
المصدر: أ بي ثي