لو لم يكن عندك “حساسية مفرطة” تجاه أي نوع من أنواع القيود فربما ترى أن كلماتي القادمة كلها نوعاً من المبالغة التي لا حاجة إليها إلا لزيادة التعاطف من النوع الذي لا أحبه أنا ..
رسالتي تلك هي أمرٌ إنساني بحت ، ليست رسالة من حقوقية أو ناشطة سياسية أو حتى فتاة ثورة كما كانوا يقولون يوماً ما ..رسالتي تلك هي رسالة زوجة خُطِف منها زوجها قسراً لمدة تخطت أشهراً ستة ..
عبد الله الشامي ، مراسل الجزيرة الذي يتحاكى الناس اليوم عن بطولته و صموده و خوضه لمعركة الأمعاء الخاوية حتى وصل لليوم الثلاثين و هو مستمر فيها ..البطل الذي تملأ صوره أركان مواقع التواصل الاجتماعي و تكتب عنه الصحف العالمية ،المراسل الذي أبدى أتم استعداده أن يفعل من أجل عمله و ما عاهد عليه نفسه من نقل للحقيقة كل شيء ،،كل شيء ، بما في ذلك تقديم حياته ..!
كل ذلك قد عُرٍف ..
ما لم يُعرف بعد هو عبد الله الشامي الرجل “الحر” الإنسان ..
عبد الله عمره خمسة و عشرون عاماً ، يحب اكتشاف كل جديد ، يعشق المعرفة ، اجتهد في سني عمره الأخيرة ألا يمضي عليه شهراً واحداً على أرض ثابتة .. كثير التنقل ، يحب أن يطلق عليه رحالة ..يحب دائماً أن يكتشف كل ما هو جديد ، عنده خطة لأن يسافر حول العالم كله ، و ألا يترك مكاناً دون أن يأخذ منه جديد أو يعطي له مما عنده ..
يكره الظلم ، و يكره معايشته و يكره رؤيته ..!
و يكره أيضاً ألا يشارك في رفعه ..
أحد أهم أسباب ارتباطنا ، هو كراهيتنا المشتركة للقيود ، كل القيود ،تعاهدنا أن نطيح بكل قيدٍ يمر علينا ، و أن يكون في ارتباطنا حرية ، لنا و لمن نعرف من البشر ،
ارتبطنا بعد انتفاضة ظنناها ثورة ، كنت أنا في ميادين القاهرة و هو تحت الرصاص في مصراطة ، و جمعتنا سوياً فكرة الثورة و الحرية و رفع الظلم ..
كان مفهومي لفكرة الوطن ضيق الأفق حتى قابلته ، فعلمني أن وطن الإنسان يشمل كل ما على الأرض ، دون حدود أو مسميات ، و أن قضيتنا ليست مصر أو بلاد العرب فقط ، بل هي كل مكان وقع فيه ظلم !
منذ ارتباطنا و أنا يزاولني شعور أنني يوماً ما سأفتقده بسبب اعتقال ، مالم أفكر به قط ، أن يكون اعتقاله هنا ، على أرض مصر !
تمر الأيام و الأشهر و سنوات قليلة و يتحقق اعتقاله هنا في سجون بلده الأم !!
و تمر الشهور و يبدأ عبد الله إضراباً مفتوحاً عن الطعام ، و يخفق قلبي كل يوم أكثر ، و يُسأل في الداخل و أُسأل أنا في الخارج عما إن كان إضرابه بسبب سوء الأوضاع ، فينفجر هو غضباً لمثل هذا السؤال !
لأنه دخل هذا الإضراب رفضاً منه لفكرة اعتقاله من الأساس لا لتحسين الأوضاع ! فأمر اعتقاله أصلا غير قانوني و غير سليم و ليس له أي أساس ..
عبد الله في حبس احتياطي منذ 197 يوماً !دون قضية !!
عبد الله مقيد في زنازينهم ، لكنه حراً رغماً عنهم !فالحرية روح لا جسد ، و إن كانوا يظنون أنه هكذا سيخرج يعلن تبرؤه من جهة عمله أو أنه سيكف أن ينقل الحقيقة أو غير ذلك فهم واهمون ، و إن كانوا يظنون أن امرأة مثلي يحدث هذا لزوجها فتثنيه أن يكمل في طريق حق اختاره فهم غافلون !
عبد الله سيخرج أكثر إصراراً و أنا أكثر دعماً له ،، و قيود الظلم التي يستخدمونها في تكبيل حرية من شاؤوا ستنقلب عليهم و تكبل أيديهم و أعناقهم ..
عبد الله و زملاؤه سيخلدهم التاريخ ..أما هؤلاء ، فلا ذاكر لهم ..
و أما عني و عنه ، فإنا قد جمعتنا ثورات تحرر العرب .. و لم يكن لمن جمعته ثورة ، أن يفرقه انقلاب ..