أنهى نادي برشلونة صفقة انتقال عثمان ديمبيلي من نادي بروسيا دورتموند مقابل 105 ملايين يورو إضافة إلى 40 مليون يورو كمتغيرات، أي أن إجمالي الصفقة يصل إلى 145 مليون وهو أكثر من نصف ما دفعه باريس سان جيرمان من أجل عيون نيمار.
من عثمان ديمبيلي؟
لاعب دولي فرنسي من أصول موريتانية ولد في الخامس عشر من مايو عام 1997، أي أنه يبلغ من العمر 20 عامًا، ولد في مدينة فيرون الفرنسية، طوله 1.78 سم ووكيله أخوه الأكبر، تكوّن عثمان في مدرسة نادي إيفرو المحلي حيث لعب للفئات السنية الأصغر من عام 2004 وحتى عام 2009، ثم في عام 2010 تم تصعيده إلى الفريق الأول لتخطف موهبته أنظار كشافي نادي رين الفرنسي وينضم لفريق تحت 19، لكن موهبة كتلك التي يمتلكها ديمبيلي لم تكن تحتاج سوى لموسم واحد حتى يتم تصعيده للفريق الأول موسم 2015- 2016 وهو ابن الثامنة عشر.
وفي موسمه الأول في دوري الدرجة الأولى الممتاز الفرنسي أبهر عثمان ديمبيلي الجميع بمشاركته في 24 هدفًا خلال الموسم، حيث سجل 12 هدفًا وصنع 12 ليكون هدفًا لكبار الأندية الأوروبية، وبالفعل انتقل في موسم 2016-2017 إلى نادي بروسيا دورتموند في صفقة كلفت خزينة النادي الألماني 15 مليون يورو، وكان ديمبيلي قد رفض حينها عرضًا مقدم من نادي برشلونة لأن مكانه كان محجوزًا بالفعل في أروقة النادي الكتالوني إضافة إلى رغبته في اللعب بشكل أساسي، بدلًا من الجلوس على دكة البدلاء وانتظار فرصة المشاركة.
أين أزمة برشلونة؟
رحل نيمار وفجر رحيله أزمات داخل أروقة الفريق، رأى الجميع أثرها في مباراتي السوبر المحلي التي كان بإمكان ريال مدريد الفوز بهما حتى ولو شارك بالصف الثاني من اللاعبين، كان برشلونة فريقًا مهلهلاً ليس له أي معالم على الإطلاق عدا أن الجميع على أرضية الملعب في حالة عجز كامل ويبحثون عن ميسي ليصنع كل شيء وحده كما فعل أغلب أوقات الموسم الماضي.
الأزمة ليست في غياب نيمار عن الفريق في أرضية الميدان ولكن في الطريقة التي رحل بها، فالنادي الكتالوني كان قد فاز بالفعل على الغريم التقليدي دون نيمار في نهاية الموسم المنصرم على أرضية البرنابيو بنتيجة 3-2، لكن الطريقة التي رحل بها جعلت الشك يدب في نفوس اللاعبين وتزعزع ثقتهم بأنفسهم، فعندما يرحل نجم كنيمار من صفوف برشلونة إلى باريس سان جيرمان يبدأ اللاعبون في التساؤل عن ماهية المشروع الذي تمتلكه إدارة النادي تجاه فريق كرة القدم.
إضافة إلى مدرب جاء “من الدار إلى النار” وما زال يتحسس خطواته من أجل أن يضع يده على مكامن الخلل ونقاط الضعف في الفريق ويحاول أن يحل مشاكل الفريق القديمة في وسط الملعب تحديدًا، ليجد نفسه دون ضلع من ضلوع الثلاثي الأمامي ولاعبين لا يملكون الثقة بأنفسهم، كل هذا جعل الفريق يظهر بذلك المظهر الباهت في مباراتي السوبر الإسباني.
رحيل نيمار بهذه الطريقة كان جزءًا وتتويجًا للأزمة الكبيرة التي يعاني منها برشلونة على المستوى الإداريّ تحديدًا، لكن وجود نيمار على المستوى الفني كان مشكلة لا يمكن غض الطرف عنها، ربما يستغرب البعض كيف يمكن للنجم البرازيلي أن يكون جزءًا من المشكلة وهو الذي فعل كل شيء من أجل الفريق في مباراة الريمونتادا وفترات غياب ميسي، لكن الحقيقة أن المشكلة كانت تكمن في رأس نيمار نفسه ورغباته.
في الموسم المنصرم، كان يرفض نيمار انتظار الكرة في الثلث الأخير من الملعب وكان يعود إلى نصف ملعب برشلونة ليستلم الكرة بدلًا من الثقة في زملائه الذين يدفع لهم النادي الملايين من أجل الخروج بالكرة
في كرة القدم التي أعرفها، يمتلك الفريق ثلاثة خطوط، خط دفاع وخط وسط وخط هجوم، كل خط لها أدوار ومهام بعينها والذي أعرفه أن نيمار لم ينتم يومًا إلى خط الوسط أو الدفاع وأعرف أن أحد المهام الأساسية لخط الوسط نقل الكرة إلى ثلث الملعب الأخير أي إلى لاعبي خط الهجوم.
في الموسم المنصرم، كان يرفض نيمار انتظار الكرة في الثلث الأخير من الملعب وكان يعود إلى نصف ملعب برشلونة ليستلم الكرة بدلًا من الثقة في زملائه الذين يدفع لهم النادي الملايين من أجل الخروج بالكرة من مناطقهم وإيصالها لقدم نيمار.
في الوقت نفسه كان ميسي يوجد أمام ثلاثي خط الوسط ليلعب دور صانع الألعاب بعدما ابتعد عن الجناح الأيمن، وفي حالة عودة نيمار إلى خط الوسط يبقى سواريز وحيدًا في المقدمة محاصرًا بقلبي دفاع.
وجود نيمار في خط الوسط يعني أن المنظومة الهجومية أصابها خلل واضح، فوجود نيمار وميسي على نفس الخط العرضي يعني أن التمريرات العرضية بلا هدف ولا رؤية محددة ستكون أكثر مما يعني إعطاء فرصة أكبر للخصم للتمركز الدفاعي وتشديد الرقابة على لاعبي برشلونة، ويعني أيضًا أن الفريق لن يعتمد سوى على الحلول الفردية للاعبيه في الاختراقات أو التمريرات البينية لا أكثر ولا أقل.
هذا إضافة إلى إلغاء كامل لدور جوردي ألبا الهجومي حيث يستلم نيمار الكرة مباشرة من بوسكيتس أو أومتيتي مما يعني أن الخروج بالكرة صار معتمدًا على حالة البرازيلي فقط الذي سيحاول أن يراوغ كل من يواجهه حتى يصل إلى ثلث الملعب الأخير وتبدأ الخطورة، هذا إن لم تقطع منه الكرة، فنيمار صاحب أعلى معدل فقدان للكرة في الدوريات الأوروبية الموسم الماضي وبالتالي سبب هذا تشويهًا في منظومة برشلونة الجماعية في حالة الهجوم، فأدوار إنيستا وألبا صارت محصورة في تسليم الكرة لنيمار الذي سيفعل كل شيء وحده لأنه لا يرى أنه من الجيد التمرير لألبا ولا يثق كثيرًا في قدرات إنيستا!
هذا جعل الجبهة اليسرى رهينة لنيمار وفي الجهة المقابلة فإن سيرجي روبيرتو لم يكن قادرًا على تعويض غياب داني ألفيس فأصبح الفريق مرهون طول الوقت بقدرة كل من ميسي، الذي أدى موسم يمكن أن أقول أنه الأفضل في مسيرته من حيث التسجيل فحصل على الحذاء الذهبي ومن حيث صناعة الأهداف والتمرير وخلق الفرص، ولكن حالة الفريق بأكمله لم تسعفه للفوز بالألقاب عدا كأس الملك، ونيمار الذي أدى واحدًا من أسوأ مواسمه منذ وطئت قدماه القارة العجوز، في ظل تراجع عطاء إنيستا وانهيار مستوى راكيتيتش وبوسكيتس وأن أطراف الفريق صارت شبه مبتورة.
إذًا، لماذا عثمان ديمبيلي؟
أولًا سنه الصغيرة وقدرته على التطور التي أومن أن جزءًا صغيرًا فقط قد ظهر منها ورغبته في الفوز بالألقاب إضافة إلى إعلانه السابق أنه يتمنى اللعب لبرشلونة يجعلانه استثمارًا جيدًا للغاية للفريق البرشلوني.
لعب عثمان في ثلاثة مراكز أساسية وأدى في أغلبها بشكل مقبول جدًا وهي الجناح الأيمن، الجناح الأيسر، صانع ألعاب، وشغل المركز الأخير تحت قيادة توخيل في بروسيا دورتموند.
ما أعنيه أن النسخة الحالية من ديمبيلي ليست الأخيرة منه ولكنه قادر على التطور والتكيف بشكل ممتاز حسب احتياجات الفريق.
أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه مشجعو برشلونة مقارنتهم للصغير الفرنسي بنيمار ووضع الضغط عليه طول الوقت واعتباره مجرد شبيه أو كومبارس لنيمار
ثانيًا قدرته الفائقة على اللعب بكلتا قدميه يجعل منه حلًا ممتازًا على الأطراف التي كانت تعاني في الموسم الماضي حال هبوط مستوى نيمار، هذا يقودنا إلى حل هجومي غائب عن الفريق البرشلوني منذ قرابة العامين وهو العرضيات، فعثمان صنع الموسم الماضي 12 هدفًا، 9 منها جاءت عبر عرضياته سواء من الجهة اليمنى أو اليسرى وإذا ما قارناه بنيمار سنجد أن الأخير كان يبحث أغلب الوقت عن تعديل الكرة على قدمه اليمنى محاولًا التسديد أو التمرير لميسي وسواريز فقط دون غيرهما من اللاعبين.
ثالثًا الفرنسي الصغير لن يبحث عن صناعة اللعب، فصانع الألعاب الأفضل في العالم موجود بالفعل في الملعب، مما يعني أن وجوده في منطقة العمق المفضلة حاليًا للملك الأرجنتيني لن تكون مزدحمة وسيكون قادرًا على فتح الجهة اليمنى أو اليسرى مما يعني تقليل الضغط المفروض على ميسي.
كما أن ديمبيلي يبحث أغلب الوقت عن الحل الجماعي لا الفردي وهذا ما اكتسبه عندما دخل منظومة بروسيا دورتموند التي لا يوجد بها نجم أوحد يقوم بكل شيء، هذا يقودني إلى القول بأن ديمبيلي لا يبحث عن أن يكون السوبرهيرو الذي يضع بصمته على الكرة في كل هجمة مثلما فعل نيمار الموسم الماضي حيث كان أكثر من لمس الكرة في الفريق.
أخيرًا، أكبر خطأ يمكن أن يقع فيه مشجعو برشلونة مقارنتهم للصغير الفرنسي بنيمار ووضع الضغط عليه طول الوقت واعتباره مجرد شبيه أو كومبارس لنيمار وعليه أن يؤدي كل شيء بنفس طريقة البرازيلي لأن ببساطة هذا لن يحدث وإن حدث فإن الفريق بأكمله لن يستفيد منه وستكون الـ105 ملايين يورو قد ضاعت هباءً في محاولة خلق نفس المشكلة من جديد.
أمر آخر وهو أن قدوم ديمبيلي لن يكون العصا السحرية التي ستحل مشاكل الفريق الكتالوني كلها، فالمشكلة الأكبر في خط الوسط ما زالت موجودة، الفريق غير قادر على الخروج بالكرة بشكل مريح وسليم وعندما تطبق الفرق ضغطًا عاليًا على بوسكيتس تحديدًا يظهر الفريق في مظهر العاجز تمامًا في ظل تدهور مستوى راكيتيتش.
ولكن يبقى انتقال ديمبيلي حلاً لمشكلة كبيرة يعاني منها الفريق حاليًا شريطة ألا تتم محاولة “نيمرته”.