“هدم المكتبة فعل يعود إلى أقدم العصور، ظهر مدمرو المكتبات بالتزامن مع ظهور الكتب نفسها”، هذا ما يثبته الكاتب الفرنسي لوسيان بولاسترون في كتابه “كتب تحترق.. تاريخ تدمير المكتبات”.
يُسطر الكتاب تاريخ العمليات الكبرى لتدمير المكتبات، فعلى مر العصور، كانت هناك رغبة صريحة في تدمير المكتبات دون إبقاء أي أثر لها، ويرى لوسيان أن سر هذه الرغبة يكمن في أنه لا يمكن الهيمنة على الشعب المتعلم المثقف.
مكتبة الإسكندرية
سطا الرومان على مصر في نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ولكن عندما رأى يوليوس قيصر أنه وقع في مطب بعيدًا عن روما بقواته المحدودة، قرر أن يدمر الأسطول المعادي الموجود في الميناء، وهو أسطول تلقى المدد من خمسين باخرة أخرى وصلت على عجل لمساعدة أعدائه، وقد اشتعل الحريق الكبير حتى انتشر إلى أبعد مكان، وانتقلت النيران بسرعة البرق فوق السطوح والجدران، وعلى هذا النحو تم تدمير مكتبة الإسكندرية الكبرى عام 48م.
مكتبة القسطنطينية
أسس الإمبراطور قسطنطين الكبير مكتبة القسطنطينية عام 330م، وكانت ضخمة وغنية بالكتب، حيث كانت تحتوي على 7 آلاف كتاب، ولم تكن كلها مسيحية، وبعد مئة عام من تأسيسها وصل عدد الكتب إلى 120 ألف كتاب، وهو رقم لا يمكن تجاوزه عام 475م، حيث كانت أكبر مكتبة في العالم آنذاك.
حظ المكتبة العاثر شاء أن يستولي على السلطة بشكل غير شرعي شخص قليل الكفاءة يُدعى بازيليسكوس، ودامت سلطته بضعة أشهر فقط انتهت بالفوضى واندلاع الشغب في الشارع، مما أدى إلى اندلاع حريق كبير في المدينة أتى على المكتبة كلها وحولها إلى ركام من الأنقاض.
مكتبات بغداد
في أواسط القرن الثالث عشر، كانت توجد 36 مكتبة في العاصمة العباسية، هجمت عليها عصابات هولاكو واستباحتها، وحرقت قوات المغول كل مكتبات بغداد، ورمت خلال أسبوع في نهر الفرات عددًا مهولًا من الكتب، لدرجة أن قوات المشاة من الجنود والفرسان اتخذتها جسرًا تمر عليه، وأصبحت مياه النهر سوداء قاتمة بسبب حبر الكتب والمخطوطات.
كتب اليهود
تعرضت كتب اليهود في القرون الوسطى لتنكيل مستمر، حيث كان يعتقد أباطرة وباباوات المسيحية أنها تحتوي على تلميحات سلبية تجاه العذراء وابنها المسيح.
رمت قوات المغول خلال أسبوع في نهر الفرات عددًا مهولًا من الكتب، لدرجة أن قوات المشاة من الجنود والفرسان اتخذتها جسرًا تمر عليه، وأصبحت مياه النهر سوداء قاتمة بسبب حبر الكتب والمخطوطات
الملك السوري أنطيوشوس بدأ تلك الملاحقات، ولكن الشخص الذي بالغ فيها هو البابا غريغوار التاسع، حيث حرض ملوك ومطارنة فرنسا وإنجلترا والبرتغال وإسبانيا والبرتغال لجمع كتب اليهود وتسليمها إلى رهبان المسيحية، وفي 1242م، انطلق الفرنسيون قبل غيرهم وحرقوا حمولة 14 عربة من الكتب في الساحة العامة بباريس على رؤوس الأشهاد، ثم أتبعوا ذلك بحرق حمولة 10 عربات أخرى في يوم آخر.
محاكم التفتيش في الغرب
في عصر محاكم التفتيش، كانت تُصلى بالنار أجساد الرجال والنساء أكثر مما يجري من حرق للمكتبات، كما أخبرنا فولتير.
وفي 1515م أعد مجمع لاتران القرار البابوي الذي أمر بإتلاف الكتب المترجمة من اليونانية والعربية والعبرية والكالدية إلى اللغة اللاتينية، وكذلك الكتب التي تحتوي على مغالطات في الإيمان أو تلك التي تدعو لـ”العقائد المفسدة”، كذلك الكتب التي تسيء للشخصيات المرموقة.
كتب الصين
في 1772م، أمر الإمبراطور الصيني كيان لونغ بضرورة البحث في المحفوظات العامة والخاصة، طوعًا وعنوة، عن جميع كتب الصين النادرة من مخطوطات أو مطبوعات، بحجة جمعها في موسوعة شاملة، وبالفعل جرت مصادرة 79.337 لفافة في 6 سنوات، لكن بعد جمع هذا العدد الهائل، أمر “لونغ” بحرق أي كتب لمعارضيه.
وفي 11 من يونيو 1778م، شهدت بكين تنظيم عملية حرق هائلة للعديد من نسخ الكتب المصادرة.
مكتبة الكونجرس الأمريكي
على الرغم من ادعاء الولايات المتحدة الأمريكية أنها لم تتعرض لاعتداء على أراضيها قبل 11 من سبتمبر 2011، فإن التاريخ يخبرنا أن ذلك غير صحيح، ففي عام 1800م أنشا الكونغرس الأمريكي مكتبته بعد أن حصلت على أول دفعة كتب من لندن تمثلت بـ740 عنوانًا، وفي 24 أغسطس 1814، أضرم جيش الغزو البريطاني النار في الكونجرس والثلاثة آلاف كتاب التي كانت تحتويها المكتبة آنذاك.
المكتبة الفرنسية
اندلعت الحرب الفرنسية البروسية في أغسطس 1870م، وأُجبرت مدينة ستراسبورغ الفرنسية على الاستسلام بعد سقوط 193 ألف قنبلة بروسية عليها، ولكن كانت المكتبة الفرنسية قد احترقت وبداخلها 400 ألف كتاب.
هولوكوست الكتب
مساء 10 من مايو 1933م، وبعد وصول هتلر للسلطة بأربعة أشهر، تجمع وفد كبير من الطلبة الألمان بساحة دار الأوبرا في برلين، كان الطلبة يرتدون لباس مهرجانات اتحاداتهم ويحملون المشاعل بأيديهمـ وجُلبت لهم شاحنات الكتب التي اعتبرها النازيون مخالفة لأيدولوجيتهم، حيث تم سحبها من مكتبات ألمانيا قبل هذا اليوم بعدة أسابيع.
في 25 من أغسطس 1992م، دكّ الصربيون بقنابلهم الفوسفورية مدينة فيجكنيكا التي كانت تحتوي على مكتبة ضخمة ظلت تحترق لمدة 3 أيام كاملة
في تلك الليلة، أضرم الطلبة النيران في أكثر من 20 ألف كتاب.
مكتبة ليتوانيا الوطنية
تأسست المكتبة الوطنية في ليتوانيا عام 1919م، وضمت 20 ألف مجلد عام 1941م أتلف الجيش الألماني منها 19.175 مجلد، ثم احتل الاتحاد السوفييتي البلاد، وجرت عمليات تخريب في إطار عملية “تخليص المكتبات من المطبوعات الخطيرة أيدولوجيًا”، هكذا تم إرسال 37 طنًا من الكتب إلى مصنع لعجينة الورق خلال عام 1950م وحده.
مكتبات كمبوديا
سيطرت عصابات “الخمير الحمر” على الحكم في كمبوديا عام 1975م، وخلال 3 سنوات من الحكم الدموي المطلق، تم قتل ثلث السكان، ودُمرت 5857 مدرسة و1987 معبدًا بوذيًا و108 مساجد وكنائس و796 مستشفى، وأُعلنت الحرب ضد الورق، إذ أُلغيت العملة ووثائق الهوية، وأصبح امتلاك صورة عقوبته الموت، وبالطبع في هذه الأجواء الدموية لم ينجُ الكتاب من الهلاك، حيث انقضّت تلك العصابات على المكتبات وفي مقدمتها المكتبة الوطنية، وتحول 70 ألف مجلد إلى رماد وفتات، والحال نفسه بالنسبة لكليات الآداب والعلوم والتربية عندما أُحرقت أكداس هائلة من الكتب بالقرب من قاعات المحاضرات.
مكتبة سريلانكا
في 31 من مايو 1981، هجمت شرذمة من رجال الشرطة في سريلانكا على مكتبة “جافنا”، وأحرقوا مبناها المؤلف من طابقين، بمجلداتها الـ97 ألف المكتوبة على الورق والألواح، من بينها 150 دراسة عن تاريخ “جافنا” اختفت كلها في اللهب.
مكتبة البوسنة
في 25 من أغسطس 1992م، دكّ الصربيون بقنابلهم الفوسفورية مدينة فيجكنيكا التي كانت تحتوي على مكتبة ضخمة ظلت تحترق لمدة 3 أيام كاملة، ورغم الخطر الكبير كان الناس يخرجون من بيوتهم للمشاركة في درء المأساة دون جدوى، حيث تحولت أعمال الشعراء والنقاد والكتب الدبلوماسية وكل ما كانت تحتويه المكتبة إلى غبار، ويبدو أن المعتدين لم يكونوا يأبهون بكتبهم نفسها عندما أحرقوا أيضًا رفوف الكتب الكرواتية والصربية داخلها.
مكتبة كابول
ازدهرت مكتبات أفغانستان خلال السبعينيات، كان كل مترجم كاتبًا والعكس في أثناء الحقبة السوفيتية، هذا كله تغير على يد “طالبان”، ففي 1996م دمر التنظيم مكتبة كابول العامة التي كانت تحتوي على 55 ألف مؤلَّف.
مكتبات العراق
هبت رياح الجنون على العراق في أبريل 2003م، وتم نهب متاحف بغداد والموصل، وأكثر من 10 آلاف موقع أثري، بخلاف المعابد، باختصار تم نهب العراق.
بالطبع لم تسلم مكتبات العراق من هذا التخريب، حيث تم تدمير المكتبة الوطنية العراقية التي تأسست عام 1961م في بغداد، وكانت تضم في الثمانينيات 417 ألف مجلد و2618 مجموعة من الصحف والدوريات و4412 كتابًا نادرًا، وقُدرت مقتنياتها عشية الغزو الأمريكي بمليوني مطبوعة رقمية، من بينها أكبر مجموعة في العالم من الصحف العربية.
بعد الغزو، لم يبق من المكتبة الوطنية العراقية سوى طبقة سمكية من الغبار يمكن لليد أن تلجها دون أي مقاومة، كما تعرضت للنهب والحرق في الوقت نفسه مكتبة الأوقاف الواقعة على بُعد 500 متر من المكتبة الوطنية.