“الحمد لله ربنا أكرمني واتكرمت كتير في مسيرتي الفنية.. ولكن أكبر تكريم اني إتشرفت وحصلت على جنسية وباسبور بلاد الحرمين الشريفين.. شكرًا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولى العهد على هذا الشرف والتكريم لشخصي ومسيرتي الفنية…”، بتلك التغريدة أعلن الفنان المصري محمد هنيدي حصوله على الجنسية السعودية، موجهًا شكره لرئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ “الذي يقدر الفن المصري والعربي”، على حد وصفه.
وبذلك ينضم هنيدي إلى قائمة مطولة من مشاهير الفن والإعلام تم تجنسيهم سعوديًا خلال الآونة الأخيرة على أيدي “سمسار التجنيس” آل الشيخ، وأبرزهم الإعلامي عمرو أديب والموسيقار هاني فرحات والموسيقار وليد فايد، بجانب السيناريست صلاح الجهيني، فضلًا عن مشاهير عرب آخرين على رأسهم الفنان السوري محمد القس.
وأثارت تغريدة هنيدي – كما تصريحات أديب في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي – بشأن حصوله على الجنسية السعودية موجة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، مزيج من الغضب والسخرية، فلماذا تهرول المملكة لاستقطاب وتجنيس مشاهير الفن والرياضة والإعلام في العالم؟
الحمد لله ربنا أكرمني واتكرمت كتير في مسيرتي الفنية .. ولكن أكبر تكريم اني إتشرفت وحصلت على جنسية وباسبور بلاد الحرمين الشريفين … شكرا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولى العهد على هذا الشرف والتكريم لشخصي ومسيرتي الفنية .. شكرا للمملكة العربية السعودية.
وبالمناسبة بستغرب جدا من…— Mohamed Henedy 👶 (@OfficialHenedy) January 25, 2024
مهرجان التجنيس والاستقطاب
مهرجان الاستقطاب الذي فتحته المملكة بقيادة متعهدها، المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان، لم يتوقف عند حاجز منح الجنسيات لبعض المشاهير، لكنه حاول توسيع رقعة السعودية بمنح ما يسمى بـ”الإقامات الذهبية” لعدد آخر من رموز القوى الناعمة، كما حدث مع الفنانين المصريين أنغام وتامر عاشور خلال مشاركتهما في موسم الرياض قبل أيام.
وتحاول الرياض جلب أكبر عدد ممكن من رموز القوى الناعمة في الفن والرياضة والإعلام، بجانب المشاهير في مجالات ريادة الأعمال والفكر الاقتصادي، علاوة على أصحاب المواهب وأفضل العقول في المنطقة، مستخدمة في ذلك ما لديها من قدرات مادية كبيرة لإقناع كل هؤلاء بالانضمام إلى قافلة السعودة، سواء كان ذلك من خلال منح الجنسية أم الإقامات الذهبية.
عاجل:
لحظة إعلان حصول الفنانة أنغام والفنان تامر عاشور على الاقامة الذهبية السعودية ❤️🇸🇦https://t.co/ZdfyB9AA9L
— Gorgeous (@gorgeous4ew) January 25, 2024
وكان مركز الإقامة المميزة في السعودية قد أعلن قبل أيام عن إطلاق 5 منتجات للإقامة المميزة في السعودية والذي يهدف “إلى تعزيز مكانة المملكة لتكون مركزًا عالميًا يحتضن أفضل العقول والمواهب والاستثمارات، ولتمكين الاقتصاد الوطني من خلال إيجاد الوظائف، ونقل المعرفة”، حسبما أعلن رئيس مجلس إدارة المركز ماجد بن عبد الله القصبي، وهي: إقامة كفاءة استثنائية، وإقامة موهبة، وإقامة مستثمر أعمال، وإقامة رائد أعمال، وإقامة مالك عقار، حيث يرى أن هذا التحرك “يشكل تعبيرًا عمليًا لتوجهات المملكة المستقبلية نحو اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والاستثمار في قطاعات جديدة”.
شراء قوى ناعمة جاهزة
منذ تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد في يونيو/حزيران 2017 تهرول المملكة – عبر أذرع الأمير الشاب – لخلق منظومة جديدة من القوى الناعمة لتكون القطار السريع نحو تعميق نفوذ السعودية في المنطقة تحديدًا وفي العالم بصفة عامة، وفُتحت لأجل هذا الهدف خزائن الدولة النفطية بلا سقوف محددة.
وفي ظل افتقار السعودية للأسماء والرموز المؤثرة في مجالات القوى الناعمة، كذلك ما تحتاجه من وقت طويل لبناء منظومة وطنية خالصة، كان اللجوء للحل الأسهل والأسرع، وذلك باستيرادها من الخارج، إما بتجنيسها وإما منحها إقامات مميزة أو الحصول على خدماتها من خلال عقود عمل مغرية، هذا بخلاف دعوة من يصعب معه كل ما سبق لحضور الفعاليات والأنشطة الترفيهية والفنية والإعلامية التي تقيمها البلاد بين الحين والآخر.
وكان الرئيس الحاليّ لهيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، هو رأس حربة ابن سلمان في تلك المهمة التي تنقل فيها بين الرياضة والإعلام والفن، باذلًا الجهود المضنية لاحتضان المملكة حزمة من المشاهير والأعلام في المجالات المختلفة، ومنحها صفة “المواطن السعودي” وهي الصفة التي يعتبرها البعض جواز السفر الأسرع نحو خلق عهد جديد من القوى الناعمة السعودية التي تستطيع من خلالها سحب البساط من تحت أقدام القوى التقليدية في المنطقة التي كانت تهيمن على المشهد لعقود طويلة كالمصرية والسورية والعراقية واللبنانية.
الفنان المصري الجميل محمد هنيدي يعلن حصوله على الجنسية السعودية
ليصبح لدينا الإعلامي السعودي عمرو اديب و الفنان السعودي محمد هنيديطال عمره بيشتري القوى الناعمة المصرية 👇🏻 #محمد_هنيدي#السعودية_تايلاند #الجنسية_السعودية pic.twitter.com/rtfP7u5cfb
— Osama Gaweesh (@osgaweesh) January 25, 2024
واستغل آل الشيخ الوضعية الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها بعض البلدان كمصر لاستقطاب قواها الناعمة الفنية والإعلامية والرياضية، ففتح أمامها الأبواب على مصراعيها لتقديم أعمالها وإبداعاتها بمقابل مادي كبير، ساعده على ذلك القبضة الأمنية المشددة والاحتكار المخابراتي لخريطة الفن والدراما والرياضة والإعلام في مصر، ما زج بعشرات النجوم نحو مستنقع البطالة، وحولها إلى بلد طارد للفنانين والمبدعين في مختلف المجالات، وهو المشهد الذي وظفته المملكة لصالحها بشكل كبير.
ومن ثم تحول موسم الرياض وملاعب المملكة وشاشاتها الفضائية خلال الأعوام الأخيرة إلى قبلة عريضة للصف الأول من مشاهير ونجوم العالم في مختلف المجالات، فأنفقت المملكة لأجل ذلك عشرات المليارات من أجل الحصول على تلك المشاهد التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة بهدف الإيحاء بأن السعودية تحت ولاية أميرها الشاب على مشارف مرحلة جديدة ومختلفة تمامًا عما كانت عليه قبل 2017.
انقلاب على الثوابت.. المملكة بحلة جديدة
يصب هذا الحراك بتفاصيله الدقيقة تلك في خطة ابن سلمان التي يطمح من خلالها نحو تجميل صورة بلاده الإقليمية والدولية، بما يتقاطع شكلًا ومضمونًا مع نمطية الصورة السابقة التي تتخذ من الهوية الدينية للمملكة ركيزتها الأساسية، وهي الهوية التي يهرول الأمير الشاب نحو طمسها بشتى السبل، وتمرير صورته كأمير إصلاحي تنويري يقود بلاده نحو عصر جديد من الانفتاح غير المشروط.
تلك الخطة التي بدأت بعصرنة المملكة عبر التجرد من كل ما يمت للقديم بصلة، والقفز على كل المرتكزات، الدينية والوطنية، وهو ما خلق في النهاية صورة مغايرة تمامًا للمملكة عن الصورة التقليدية التي استمدت منها ثقلها الإقليمي والدولي قديمًا كزعيمة للعالم الإسلامي.
يتسق هذا الطرح مع سياق عام وأشمل يؤكده، فلأول مرة تعلن المملكة أنها ستفتح متجرًا في الرياض لبيع المشروبات الكحولية، وهو أول متجر من نوعه منذ 70 عامًا، في تحول وإن لم يكن مستغربًا، لكن يؤكد المؤكد ويرسخ المرسخ بطبيعة الحال.
خلال ال72 ساعة الماضية، وبينما العالم مشغول بغزة واليمن، اتخذت السلطات السعودية 4 إجراءات مثيرة:
1. سمحت ببيع الخمور في بلاد الحرمين الشريفين.
2. منحت جنسيتها للممثل المصري محمد هنيدي.
3. منحت الإقامة الذهبية للمغنية المصرية أنغام.
4. بدأت الترويج التمهيدي لتغيير عطلة نهاية…
— الهاشمي – ALHACHIMI (@MALHACHIMI) January 26, 2024
وبعيدًا عن الدوافع التي ساقتها المملكة لتبرير تلك الخطوة التي تمثل قفزة كبيرة في السياسة الداخلية السعودية، كون الأمر يقتصر على الموظفين الدبلوماسيين الذين كانوا يستوردون الكحوليات في عبوات رسمية مغلقة تعرف باسم الحقائب الدبلوماسية، هناك من يعتبرها بداية الطريق نحو مرحلة شرعنة الخمور في السعودية وتداولها بشكل رسمي قانوني، ما ينسف كل الثوابت القديمة.
وفي سياق التغريب التدريجي ذاته، بدأ الترويج التمهيدي لتغيير عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة وهي العطلة الرسمية للبلدان الإسلامية إلى النظام الأمريكي والفرنسي حيث السبت والأحد كما فعلت الإمارات من قبل.
وتزامنًا مع تلك الأجواء التي تفوح منها رائحة الانقلاب على الثوابت، كانت المملكة تسابق الزمن لاستقطاب مشاهير الرياضة والفن والإعلام، واحتضان العقول النابغة والمتميزة في مختلف المجالات، أملًا في بناء منظومة ثابتة وصلبة من القوى الناعمة القادرة على ترجمة خطة ابن سلمان ورؤية 2030 التي يأتي في صدارتها بطبيعة الحال الرموز المصرية.
مما سبق بات من الواضح أن الدولة المصرية على مشارف مرحلة جديدة من التفريط، لكن ليس التفريط في أصولها الثابتة للخروج من مأزقها الاقتصادي كما هو الآن، إنما التفريط في أصولها الناعمة التي نجحت على مدار عقود طويلة في الإبقاء على صورة مصر والترويج لثقافتها وحضورها عربيًا ودوليًا.
يبدو أنه كما سحبت المملكة البساط من تحت أقدام الثقل المصري ومكانة القاهرة السياسية والإقليمية بعدما تقزم دورها خلال العقد الأخير تحديدًا، ها هي تسير بنفس الوتيرة لسحب بساط قواها الناعمة وتجريدها من رموزها بعدما تحولت إلى بلد طارد للمواهب، لتوشك مصر على فقدان ما تبقى من أسلحتها.