تسعى الحكومة الجزائرية الجديدة برئاسة أحمد أويحي للخروج من الأزمة الاقتصادية للبلاد التي كانت انطلاقتها منتصف سنة 2014، نتيجة تراجع أسعار النفط بالأسواق العالمية في السنوات الأخيرة، عبر تعبئة موارد الجزائر المالية المقدرة بعشرات المليارات من الدولارات التي لا تستفيد منها الدولة في الوقت الراهن.
تجنب الانهيار
مؤخرًا، أعلنت الحكومة الجزائرية، على إثر اجتماع تشاوري جمعها مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر نقابة موالية في البلاد) و9 من أبرز منظمات أرباب العمل، لبحث تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ ثلاثة أعوام، عزمها تعبئة مواردها المالية عبر طرق غير تقليدية بالتعاون مع أرباب العمل واتحاد العمال.
في هذا الشأن، قال الوزير الأول الجزائري أحمد أويحي، إن الحكومة أطلعت شركاءها على المصاعب المالية التي تمر بها البلاد، وعرضت عليهم تصورها الذي وضعته بتوجيهات رئيس البلاد عبد العزيز بوتفليقة لتجاوز الأزمة.
بوتفليقة: “أمام تحديات الساعة وفي مقدمتها الانهيار الرهيب لأسعار النفط منذ 3 سنوات يجب التحلي بالتضامن والتجانس”
وكان بوتفليقة قد دعا في رسالة له بمناسبة إحياء ذكرى يوم المجاهد، الحكومة وشركاءها الاجتماعيين والاقتصاديين إلى “التضامن والتجند ورص الصفوف بهدف كسب معركة التنمية وذلك من أجل الحفاظ على استقلال الجزائر ماليًا وعلى سيادتها الاقتصادية”، وأشار الرئيس بوتفليقة حينها إلى أنه “أمام تحديات الساعة وفي مقدمتها الانهيار الرهيب لأسعار النفط منذ 3 سنوات يجب التحلي بالتضامن والتجانس بين جميع فاعلي معركة التنمية من حكومة وشركائها الاجتماعيين والاقتصاديين”.
سندات محلية
لئن لم تذكر حكومة أويحي أي تفاصيل بشأن الخطة الموضوعة لتنفيذها بالتعاون مع شركائها، فإن تقارير اقتصادية وإعلامية عديدة تحدّثت عن عزم الجزائر إطلاق سندات محلية جديدة دون فوائد وهو نموذج تطمح الحكومة إلى أن يجذب مشاركة أكبر من الشعب الجزائري لمساعدتها في تعويض انخفاض عائدات النفط والغاز.
تمثل السندات المحلية إحدى أليات تعبئة الموارد
وكانت الحكومة قد أطلقت أول سند محلي في أبريل 2016 لكنها واجهت انتقادات شديدة من جانب أئمة وأكاديميين وحتى من وزير الشؤون الدينية الذي قال إنه لم تتم استشارته بشأن إصدار السند، وجمعت الجزائر ما يعادل 5.8 مليارات دولار تقريبًا من بيع تلك السندات في العام الماضي.
رجال الأعمال
إضافة إلى إطلاق السندات المحلية، من المنتظر أن تتوجه الحكومة الجزائرية للمصالحة مع مبيضي الأموال الفارين من الجزائر أسوة بما طرح سنة 1999 ضمن مشروع “الوئام المدني” عقب التحارب الداخلي المسلح أو مشروع “المصالحة الوطنية” سنة 2004، لتعبئة الموارد المالية.
يقدّر الخبراء أن تكون عائدات مثل هذه المصالحة في حدود 3700 مليار دينار جزائري
ويرى خبراء اقتصاديون جزائريون أن تمضي الحكومة الجديدة في برنامج للمصالحة الاقتصادية يشمل رجال المال والأعمال الفارين إلى الخارج والمتورطين في التهرب من الضرائب وجرائم تبييض الأموال بهدف فتح الباب أمامهم لضخ أموالهم في خزينة الدولة والبنوك مع معاملتهم كما يعامل “الإرهابي التائب” في إشارة لما تم تطبيقه في مشروع الوئام المدني.
ويقدّر الخبراء أن تكون عائدات مثل هذه المصالحة والتي تستوجب أن تغض السلطات الطرف عن التجاوزات التي ارتكبها بعض الأطراف في السابق في حدود 3700 مليار دينار جزائري، وهو ما يمكن أن يمنح الحكومة أريحية في التعاطي مع أزمة البترول، خاصة إذا ما فعّلت ما يعادل الـ400 مليار دولار متوزعة بين احتياطي الصرف وصناديق الاستثمار المتنوعة والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك.
السوق الموازية
إلى جانب ذلك، من المنتظر أن تعمل الحكومة الجزائرية على السيطرة على السوق الموازية بعد أن كانت تتجاهلها في أغلب الأوقات وتراقبها في بعضها، وتشير تقديرات سابقة لخبراء ومختصين جزائريين، بوجود كتلة نقدية متداولة في السوق الموازية تتراوح قيمتها بين 40 إلى 60 مليار دولار.
وأطلقت الحكومات الجزائرية السابقة، عدة مبادرات في محاولة لاستقطاب هذه الكتل المالية النائمة، لكنها لم تحقق الأهداف المرجوة، لأسباب أهمها عدم رغبة أصحاب هذه الأموال في إيداع أموالهم داخل بنوك تجارية نتيجة تحقيقهم فوائد أكثر في السوق غير الرسمية.
تجنب الاقتراض الخارجي
هذه المساعي الحثيثة للحكومة الجزائرية لتعبئة موارد الدولة المالية الهدف منها إلى جانب الخروج من الأزمة الاقتصادية، عدم التوجه إلى الاقتراض الأجنبي لأنه يرهن سيادة الجزائر للدائنين، حسب قول الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون.
وسبق أن دعا صندوق النقد الدولي الجزائر إلى دراسة خيار الاقتراض الخارجي، وفي نوفمبر الماضي، عادت الجزائر إلى الاقتراض الخارجي، بعد 11 سنة من قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وقف الاستدانة من الخارج، من أجل تمويل مشاريعها في ظل عجز خزينتها العامة، وأوقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سنة 2005 الاستدانة من الخارج، وقرر الدفع المسبق للديون الخارجية بعد الزيادة المالية التي شهدتها البلاد جراء ارتفاع أسعار النفط، وتراجعت بذلك ديون الجزائر إلى نحو 4 مليارات دولار أمريكي في العام 2016 بعدما كانت في حدود 30 مليار دولار في 1999.
تراجع احتياطي الجزائر من العملة الصعبة يزيد إرباك الاقتصاد
وحملت الأشهر الأخيرة إشارات من الحكومة بإمكانية عودتها إلى الاستدانة الخارجية من جديد، بسبب تراجع دخل النفط إلى نحو الثلثين بين 2014 و2015، وتفاقم العجز في الميزانية إلى جانب تراجع احتياطي الجزائر من العملة الصعبة، حيث أعلن الوزير الأول الجزائري أحمد أويحي، في نوفمبر 2016، عندما كان يشغل منصب مدير ديوان الرئيس، أن الجزائر ستضطر للاستدانة من صندوق النقد الدولي ما يعادل 5 مليارات دولار سنويًا ابتداءً من السنة المقبلة، وذلك إذا تواصل انهيار سعر برميل النفط.
وكان بنك الجزائر قد كشف في تقريره عن التوجهات المالية والنقدية خلال الثلث الأول من العام الحالي أن احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة سجل تراجعًا حادًا، حيث بلغ 159.9 مليار دولار نهاية مارس/آذار الماضي مقابل 179.9 دولارا عند نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014.
وعزا البنك أسباب تراجع احتياطي الصرف بعشرين مليار دولار في ظرف ثلاثة أشهر إلى الصدمة الخارجية الناتجة عن التراجع المعتبر في أسعار النفط، وتعتمد الجزائر، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، على عائدات النفط والغاز بنسبة كبيرة في موازنتها، كما أن المحروقات تمثل نسبة 96% من صادراتها، وانخفضت عائدات الجزائر من النفط والغاز سنة 2016 إلى حدود 27.5 مليار دولار بعد أن كانت 35.7 مليار دولار في 2015، و60 مليار دولار في 2014، بحسب التقديرات الأولية للحكومة.