هناك أنظمة عربية متغطرسة يسير قادتها على لا منطقية بحتة لاستثمار الشعوب والسيطرة عليها وذلك من خلال التدخل في شؤون حكوماتها والنيل من إرادة سلطاتها، فمنطق هؤلاء يقول: هذا البلد إما معنا وإما أن يدمر، وذاك إما معنا وإما أن يحاصر! هذه الروح السلطوية ومتلازمة الغطرسة أصبحت معدية بشكل جنوني بحيث لا تبقي ولا تذر ولا تعرف أخًا شقيقًا ولاصديقًا حميمًا!
ومن ضحايا هذه السياسية الأنانية لبعض قادة الدول الخليجية، باكستان التي أصبحت “كبش فداء” لأهواء زعمائها السياسيين، هذا البلد الذي يعتبره البعض “مظلة وقاية للمملكة السعودية”، فالعلاقات المتبادلة بين البلدان مستحسنة مباركة محترمة ولكن العلاقة أحادية الجانب، حيث يفرض فيها بلد ما مطالبه على جاره بأشكال مختلفة فهذه ليست علاقة بل نوع من السلوك العدواني وممارسة الضغط على الآخرين.
“نواز شريف” رجل السعودية المفضل، تم إقصاؤه من منصبه بسبب تهم الفساد التي وجهتها إليه محكمة باكستان العليا، هذا الرجل – وأمثاله الكثيرون – يدين بحياته وأمواله ومنصبه للسعوديين الذين أنقذوا حياته وأغدقوا عليه المال ونصبوه على رأس السلطة رغم أنوف الشعب، “الرئيس المرؤوس” الذي أصبح لعبة بيد القادة السعوديين ولا يعمل شيئًا إلا بإشارة منهم.
رفضت السلطات الباكستانية طلب المملكة مقاطعة الدوحة، مؤكدة أنها ستواصل علاقتها مع قطر وتتعهد بتنفيذ اتفاق الغاز الموقع بين البلدين
ولكن في الآونة الأخيرة جرت أحداث أثبتت للسعودية أن نواز لم يعد صالحًا ليكون “رجلها المفضل” وذلك بعدما رفض البرلمان الباكستاني دعوة المملكة العربية السعودية لانضمامه إلى التحالف ضد الحوثيين، وأمام هذا القرار وقف شريف متفرجًا ولم يحرك ساكنًا لتغيير موقف البرلمان مما أدى إلى استياء السعوديين، إذ إنهم كانوا يتوقعون موقفًا باكستانيًا داعمًا لهم من دون شروط أو تردد.
والحدث الثاني الذي أثار حفيظة السعودية جاء بعد رفض السلطات الباكستانية طلب المملكة مقاطعة الدوحة، مؤكدة أنها ستواصل علاقتها مع قطر وتتعهد بتنفيذ اتفاق الغاز الموقع بين البلدين.
يرى المحللون أن الحدث الأخير كان نقطة تحول في علاقات نواز شريف بالبيت السعودي حيث يتوقعون أن الرجل قد انتهى أمره بالنسبة لهم وأخذوا يبحثون عن بديل أكثر فاعلية، وفي هذا السياق كتبت صحيفة عكاظ السعودية أن “شهباز شريف” سيخلف شقيقه نواز، وأكدت الصحيفة أن شهباز رجل “أكثر صرامة من شقيقه ويعتبر رجلاً عمليًا”، وهذا إشارة واضحة إلى أن السعودية تبحث عن رجل يعمل بجدية لتلبية مطالبهم وتحقيق نواياهم في أرض باكستان.
وجاء على لسان مسؤولين سعوديين “إننا قدمنا أشكال الدعم لأسرة شريف وأثبتنا لها السخاء وكنا نتوقع منها أن تشد من أزرنا وتكون بجانبنا أو لا تصافح عدونا على أقل تقدير”.
بعد انتهاء فترة حزب الشعب وتولي نواز رئاسة الوزراء في 2013 قدمت له السعودية 1.5 ميليار دون مقابل، فحكومة نواز من بدايتها اضطرت إلى الاقتراب من السعودية بسبب احتياجاتها المالية، من جهتها قامت الأحزاب السياسية بإفشاء الوثائق والمعلومات التي تثبت علاقة نواز بالسعودية، مؤكدة عدم شرعية حكومتها وبلغت الموجة ذروتها عندما تسربت “أوراق بنما” العام الماضي وأظهرت أن ابنة شريف واثنين من أبنائه يمتلكون شركات خارجية مسجلة في جزر العذراء البريطانية، وأنها استخدمت لشراء عقارات في لندن.
كما أن وزير المالية إسحاق دار تم إقالته بتهمة الفساد المالي وامتلاك العقارات الفاخرة في لندن، ويعتبر دار صهر نواز شريف وهو من الشخصيات الأكثر نفوذًا في حكومته.
حاول نواز أن يستعين بأحد أعضاء الأسرة الحاكمة القطرية ليبرر موارده المالية الهائلة ولكنه لم يتمكن من تقديم أدلة مقبولة إلى المحكمة.
بعد فضيحة أوراق بنما تأتي قضية مخجلة أخرى ألا وهي إقامة قادتنا في بعض الدول العربية وحصولهم على مناصب ضئيلة في تلك الدول رغم مناصبهم الحكومية في باكستان
وفي سياق موازٍ قام عمران خان زعيم حزب حركة الإنصاف بمناقشة قضية الإقامة وجواز العمل لرئيس الوزراء وبعض من وزرائه في الدول العربية، وعبر عمران خان في مؤتمر صحفي عن وزراء الحكومة الذين يتعلقون ماليًا بالدول الأجنبية بـ”criminal enterprise” و”of the nation criminals” ويتساءل خان: هل رأيتم بلدًا ديمقراطيًا يحصل رئيس وزرائه على إقامة دولة أجنبية ومن ثم يصبح رئيسًا لشركة في نفس البلد؟!
وحتى وزیر الدفاع الباکستاني خواجه آصف حاصل على إقامة إحدى الدول الخليجية، كما اتهم عمران وزيرًا آخر في حكومة نواز بأنه حصل على الإقامة وجواز العمل في إحدى الدول وبالمقابل هدده خصمه بأنه سيكشف أسماء اثنين من قادة حزب الإنصاف للجهات القضائية وسيلاحق القضية بجدية.
ومن جانبه قال المتحدث باسم حركة الإنصاف فؤاد شودري: “بعد فضيحة أوراق بنما تأتي قضية مخجلة أخرى ألا وهي إقامة قادتنا في بعض الدول العربية وحصولهم على مناصب ضئيلة في تلك الدول رغم مناصبهم الحكومية في باكستان، الأمر الذي يجعل الشعب الباكستاني يشعر بالمهانة والخجل”.
وأكد شودري أن وزراء حزب مسلم ليك كانوا يرمون لإيجاد ملجأ للهروب إليه في تلك الدول بعد انتهاء فترة حكمهم في باكستان، إذ يتوقعون أنهم سوف يخضعون للاستجواب بشأن التهم التي وجهت إليهم بسبب نقضهم القانون.
ولحد الآن لم يرد على هذه التهم إلا أحسن إقبال أحد وزراء نواز شريف عبر رسالة نشرها على صفحته في موقع الرسائل القصيرة تويتر، مؤكدًا أنه حصل على الإقامة وجواز العمل في السعودية لمدة سنتين وزعم أنه من عام 2004 حتى 2006 عمل مستشارًا لأمير المدينة المنورة في مجال الاقتصاد الرقمي، مضيفًا أنه لم يرتكب شيئًا يخالف القانون.
يذكر أن نواز شريف ليس الأول ولا الأخير من بين المتهمين بالدعم والتمويل الأجنبي، فهناك أسماء كثيرة أخرى بين الشخصيات والمسؤولين الباكستانيين الذين اتهموا بالفساد السياسي والمالي، وهذه القضية – أي انتماء بعض القادة والمسؤولين الباكستانيين إلى دول خليجية منها السعودية والإمارات – تثير قلق الشعب الباكستاني بشأن عدد الشخصيات الحزبية والدينية المنتمين الى الدول العربية، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على المستقبل السياسي والاقتصادي في هذا البلد.
تصريحات للوزير الهندي استهانة كبيرة بحق الشعب الباكستاني المسلم ولكن من المؤسف جدًا أن كلامه عن قائد الجيش الباكستاني مدعوم بالأدلة والحقائق التي لا تنكر
ويبلغ الأمر ذروة الفظاعة عندما صرح وزير الدفاع الهندي أرون جيتلي للصحفيين أن الأمريكيين محقون في قولهم “الجيش الباكستاني قابل للشراء والتجنيد بسهولة”، وربما لا يصدق هذا الكلام أصدقائي في الجيش ولكن مرور الزمن سيثبت لهم الأمر، وأضاف جيتلي: كان رحيل يعتبر نفسه قائدًا منيعًا للجيش الباكستاني وهو اليوم غادر بلده من أجل حفنة الدولارات السعودية وأصبح أجيرًا يعمل لحساب الرياض، والجنود الباكستانيون جاؤوا في طليعة جيوش التحالف يفدون أنفسهم في الحدود اليمنية السعودية من أجل الدولارات.
وقال الوزير الهندي ساخرًا من رحيل شريف: “منذ البداية كنت أشاطر الرأي مع الأمريكان بأن باكستان قابلة للشراء وجيشها قابل للاستئجار واليوم قد تبين للجميع أن السلطات الباكستانية خاصة رحيل شريف والجنود الباكستانية متعطشين للدولارات ونحن على استعداد تام لدفع تكلفة أكثر من السعودية لرحيل شريف وغيره من الزعماء الباكستانيين لتوظيفهم في الجيوش الهندية”.
تعتبر هذه التصريحات للوزير الهندي استهانة كبيرة بحق الشعب الباكستاني المسلم ولكن من المؤسف جدًا أن كلامه عن قائد الجيش الباكستاني مدعوم بالأدلة والحقائق التي لا تنكر.
فنتلخص إلى القول بأن باكستان تعاني من فساد زعمائها وقادتها السياسيين وهؤلاء باعوا هويتها واستقلالها مقابل الدولارات الأجنبية ولكن لا شك أن الشعب الباكستاني البطل لن يقبل هذا التنكيل والإهانة ولن يسمح بأن يسجل هذا العار في صفحة تاريخهم.