موجات متتالية من الانتهاكات شهدها أهالي سيناء منذ إعلان القوات المسلحة المصرية الحرب على الكيانات المسلحة بها منذ قرابة ثلاث سنوات، تجرعوا خلالها ويلات القتل والتشريد والتعذيب والخطف والتهجير القسري، ما بين مطرقة قوات الأمن وسندان تلك الجماعات.
ورغم فرض حالة الطوارئ للعام الثالث على التوالي وما تبعها من حزمة من الإجراءات التأمينية فإن قطار الانتهاكات لم يتوقف، مما دفع الكثيرين من أبناء تلك المنطقة إلى النزوح لمناطق أخرى مجاورة هربًا من الحرب الدائرة بين الأمن وهذه الكيانات التي يدفع السيناويون وحدهم فاتورتها من دمائهم وأرواحهم وممتلكاتهم.
منظمة سيناء لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية مستقلة) وثقت بالرصد والتحليل الانتهاكات التي واجهتها سيناء خلال النصف الأول من هذا العام 2017، في محاولة للوقوف على ملامح الخارطة الحياتية لهذه البقعة الملتهبة التي تحولت إلى مقبرة لقوات الجيش والشرطة والعناصر المسلحة والمواطنين المدنيين بما فيهم من نساء وأطفال وعجزة.
435 انتهاكًا و203 قتلى مدنيين
خلال الفترة من 1 من يناير وحتى 30 من يونيو 2017 وثقت منظمة سيناء لحقوق الإنسان ما يقرب من 435 انتهاكًا ومقتل 203 مدنيين، وإصابة 195، في مناطق سيناء المختلفة، تصدرتها مدينة العريش بواقع 180 انتهاكًا ثم رفح في المرتبة الثانية بواقع 153انتهاكًا.
تشكلت معظم تلك الانتهاكات في القصف المدفعي وتبادل إطلاق النار بين قوات الأمن المصرية (الجيش والشرطة) وعناصر الجماعات المسلحة المنتشرة في سيناء، على رأسها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فضلًا عن عمليات الخطف وزرع القنابل المتفجرة والتعذيب وما صاحبه من تهجير قسري في كثير من الأحيان.
التقرير الصادر عن المنظمة الحقوقية وثق بشكل خاص بعض الانتهاكات التي سلط الضوء عليها كونها علامات بارزة في مسيرة الانتهاكات الممارسة ضد السيناويين، منها مقتل 10 شباب من مدينة العريش في يناير الماضي، قالت وزارة الداخلية المصرية إنهم متورطون في جرائم استهداف جنود من الجيش، رغم شهادات بعض المواطنين بأن 6 من بين العشرة المستهدفين كانوا معتقلين لدى السلطات المصرية خلال الفترة التي وقعت فيها عمليات استهداف عناصر الأمن التي أشارت لها الداخلية في بيان اتهامها لهؤلاء الشباب وتبرير تصفيتهم.
وفي نفس الشهر تقريبًا، يناير 2017، تم تصفية 4 من أهالي سيناء كانوا محتجزين لدى قوات الأمن المتمركزة في المنطقة، وذلك بعد أن قيدتهم من الخلف ثم أطلقت النار عليهم أمام جمع من الأهالي مما كان له وقع سيئ على نفوس الحاضرين وسكان سيناء بصفة عامة.
خلال الفترة من 1 من يناير وحتى 30 من يونيو 2017 وثقت منظمة سيناء لحقوق الإنسان ما يقرب من 435 انتهاكًا، ومقتل 203 مدنيين، وإصابة 195 في منطقة سيناء
كما أدى تبادل إطلاق النار بين قوات الأمن والعناصر المسلحة إلى سقوط العشرات من أهالي سيناء، منهم بحسب التقرير، عادل شوقي، 55 عامًا، الذي قتل بتاريخ 12 من فبراير نتيجة لإطلاق النار عليه في حي السمران جنوب غرب العريش، كما قتلت الطفلة جيهان محمد أبو مازن البالغة من العمر 13 عامًا، نتيجة لإصابتها بطلق ناري عشوائي، في تاريخ 23 من يونيو.
وفي المقابل أدى النزال بين قوات الأمن وتنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” إلى إصابة الأهالي بالهلع والخوف، بدءًا من فرض حالة الطوارئ في يناير 2014 وما تلاها من قرارات آخرها الذي حمل الرقم 334 ، والمنشور في العدد 7 من الجريدة الرسمية بتاريخ 16 من فبراير لسنة 2017، والذي يقضي بحظر حركة وسير الدراجات النارية في مناطق شمال ووسط سيناء لمدة عام، وما لهذه الخطوات من تضييق الخناق على المواطنين بصورة تزيد من صعوبة الحياة المعيشية.
في مقابل تهديد التنظيمات المسلحة للأهالي بالقتل والذبح حال تعاونهم مع رجال الأمن، وهو ما جسدته المشاهد التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام لمسلحين يعتقد أنهم من تنظيم “ولاية سيناء” كونوا كمائن تفتيش أمنية في بعض طرقات الشيخ زويد ورفح، ووزعوا فيها بيانات، أحدها حمل عنوان “تحذير ووعيد لمن أعان جنود الردة”، حذروا فيه المواطنين من التعامل مع القوات الأمنية، وفرضوا أيضًا أحكامًا عقابية تجاه أشخاص اعتبرتهم “مذنبين” لحملهم السجائر وارتكابهم لأعمال تعدّها “مخالفات تستحق التعزير والعقاب”.
كمائن لتنظيم “ولاية سيناء” في العريش وتهديد للأهالي
196 انتهاكًا و96 قتيلًا خلال الربع الثاني
المنظمة الحقوقية في تقريرها الأخير الذي تناول رصد الانتهاكات في الربع الثاني من 2017 خلال الفترة من 1 من أبريل حتى 30 من يونيو، كشف عن وقوع ما لا يقل عن 196 انتهاكًا، كان لرفح النصيب الأكبر منها بواقع 94 انتهاكًا، تلتها العريش بواقع 69 انتهاكًا، ثم الشيخ زويد ووسط سيناء.
التقرير رصد وفق البيانات التي تم الحصول عليها إما عن طريق المواطنين أو فريق عمل المنظمة نحو 96 قتيلاً مدنيًا، وإصابة ما لا يقل عن 83، من بينهم نساء وأطفال وشيوخ، هذا بخلاف اختطاف نحو 24 مواطنًا خلال الأشهر الثلاث المذكورة عن طريق الجماعات المسلحة.
تصدر شهر يناير قائمة الأشهر الأكثر انتهاكًا، حيث شهد وحده مقتل ما لا يقل عن 44 مدنيًا، من بينهم 4 نساء و3 أطفال، وإصابة نحو 39، من بينهم 10 نساء و9 أطفال
أما عن الأطراف الفاعلة في مجال الانتهاكات الممارسة ضد المواطنين في سيناء، فأشارت المنظمة إلى أن الطرف الأبرز فيها القوات الأمنية تليها الجماعات المسلحة على رأسها “ولاية سيناء”، والتي مارست وعلى نحو متفاوت العديد من الاعتداءات ضد المدنيين، عن طريق استخدام الذخيرة الحية والمدفعية والصواريخ وإطلاق النار العشوائي على المنازل.
التقرير أدان ما تمارسه السلطات المصرية من منع وعرقلة لعمل الصحفيين والحقوقيين والباحثين في هذه المنطقة مما يصعب عملية الرصد والتحليل للانتهاكات الممارسة، ويضع العديد من علامات الاستفهام عن الدوافع الحقيقية وراء هذا التعتيم المتعمد على ما يحدث على أرض الواقع.
262 انتهاكًا و107 قتلى في الربع الأول
يذكر أن المنظمة في تقريرها عن الربع الأول من نفس العام خلال الفترة من 1 من يناير وحتى 30 من مارس، رصدت ما يقرب من 262 انتهاكًا متنوعًا، أغلبها إطلاق قذائف مدفعية عشوائية، سواء من قوات الأمن أو الجماعات المسلحة، حيث تصدرت منطقة العريش ورفح قائمة المناطق الأوفر حظًا ونصيبًا من هذه الانتهاكات بواقع 199 انتهاكًا بنسبة 76%، ثم تأتي منطقة الشيخ زويد ووسط سيناء في المرتبة الثانية بواقع 47 انتهاكًا بنسبة 18% من إجمالي الانتهاكات، تليها منطقة جنوب سيناء بواقع 15 انتهاكًا، وآخرها منطقة بئر عبد بواقع انتهاك واحد فقط.
وبلغ عدد القتلى خارج إطار القانون من المدنيين قرابة 107 قتلى، 88 منهم من الرجال، 10 من النساء، 9 من الأطفال، بينما بلغ عدد المصابين من المدنيين نحو 111 حالة، 62 من الرجال، 28 من النساء، 21 من الأطفال.
تصدر شهر يناير قائمة الأشهر الأكثر انتهاكًا، حيث شهد وحده مقتل ما لا يقل عن 44 مدنيًا، من بينهم 4 نساء و3 أطفال، وإصابة نحو 39، من بينهم 10 نساء و9 أطفال، بينما شهد فبراير مقتل 35 مدنيًا بينهم 4 نساء و3 أطفال، وإصابة نحو 27 من بينهم 8 نساء وطفل واحد، أما مارس فقد بلغ عدد القتلى فيه من المدنيين 28، من بينهم امرأتان و3 أطفال، وإصابة نحو 45 من بينهم 10 نساء و11 طفلًا.
التقرير رصد وفق البيانات التي تم الحصول عليها إما عن طريق المواطنين أو فريق عمل المنظمة نحو 96 قتيلا مدنيًا خلال الربع الثاني من 2017
نزوح عشرات العائلات القبطية من سيناء
3 أعوام من الطوارئ
الوضع الكارثي الذي يحياه أهالي سيناء في ضوء المعلن عنه في التقارير الحقوقية يضع العديد من التساؤلات عن جدوى فرض حالة الطوارئ والتي جاوزت عامها الثالث دون تحقيق تقدم في ملف انحسار حزمة الاعتداءات التي يتعرص لها سكان تلك المنطقة فضلاً عن استهداف رجال الجيش والشرطة.
“نون بوست” في تقرير له كشف أن حالة الطوارئ المفروضة في سيناء منذ أكتوبر 2014 وحتى الآن باتت تمثل عبئًا على الوضع الحقوقي للأهالي، كونها تعطي الضوء الأخضر لمزيد من الانتهاكات وتضييق الخناق بين الحين والآخر، وهو ما تجسد في فرض قيود على التحرك والتنقل، فضلًا عن الاعتقالات التعسفية التي يتعرض لها الكثير من أهالي سيناء.
التقرير رصد شكاوى الأهالي من المضايقات الأمنية التي يتعرضون لها بسبب كثرة الكمائن المنتشرة في شوارع سيناء لا سيما العريش ورفح، وهو ما نجم عنه اعتقال العشرات من أبناء المنطقة بدعوى الاشتباه، فضلًا عن اقتحام قوات الأمن للعديد من المنازل دون سابق إنذار وهو ما تسبب في استياء الأهالي بصورة كبيرة.
ويلاحظ خلال النصف الأول من هذا العام أن استهداف المدنيين في سيناء لا يقتصر على المسلمين وفقط، بل تجاوز ذلك إلى الأقباط أيضًا، حيث شهد الربع الأول من هذا العام استهداف ما لا يقل عن 8 أقباط على أيدي مسلحين في منازلهم، مما أثار حالة من الهلع والرعب في نفوس أقباط سيناء دفعت 140 عائلة منهم إلى النزوح للإسماعيلية والقاهرة.
وهكذا تواصل التقارير الحقوقية بما تكشفه من أرقام وإحصائيات عن الواقع المأساوي في سيناء تكذيب مزاعم السلطات المصرية فرض سيطرتها على الوضع وإحكام قبضتها عليه، ليواصل أهالي سيناء تشبثهم بتلابيب الحياة رغم ما يعانونه من موجات متلاطمة من الانتهاكات والاعتداءات سواء من الجماعات المسلحة أو قوات الأمن.