يواجه الرئيس الأمريكي ترامب 3 قضايا من الوزن الثقيل، يتعلق إحداها بالتحقيقات في شأن تدخل روسيا بالانتخابات الأمريكية لصالح إنجاح حملة الرئيس ترامب ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وطالت التحقيقات حتى شخص الرئيس نفسه وابنه.
والقضية الثانية تتعلق بالخصومات الواسعة التي خلقها الرئيس بينه وبين المؤسسات الأمريكية مثل وكالة الاستخبارات الأمريكية والمؤسسة الإعلامية ممثلة بالصحف الكبرى التي تسرب معلومات عن إدارته، فيما تعد القضية الثالثة مؤهلاته المشكوك فيها والتي ظهرت خلال طريقة إدارته للملفات الأمنية والسياسية سواء على الصعيد المحلي أو حتى العالمي، وكان آخرها حادث ولاية فرجينيا العنصري، الذي عرّض ترامب لانتقادات من الديمقراطيين والجمهوريين على السواء لعدم تنديده بالعنصرية بشكل مباشر.
وقد شهدت شوارع وساحات مدينة سان فرانسيسكو التابعة لولاية كاليفورنيا، أمس السبت، تظاهرات عارمة ضد الرئيس ترامب ومنظمة “كوكلكس كلان” العنصرية البيضاء، وردد المتظاهرون هتافات تندد بسياسات ترامب والمنظمة التي تفضّل البيض على السود.
4 سنوات فترة طويلة لترامب
يرى أمريكيون أن مدة 4 سنوات لترامب في السلطة قد تكون وقتًا طويلًا للانتظار، خاصة بعد الأحداث الكارثية التي حدثت خلال الأشهر الماضية من تسلمه زمام الأمور في البلاد، وهو ما قاد البعض للتفكير في خيار ثانٍ، وهو إقالة ترامب أو استقالته، مع ارتفاع أصوات عدد من رجال الكونغرس وعناوين الصحافة الأمريكية التي تطالب بذلك، وبموجب الدستور الأمريكي يمكن أن تصوت أغلبية مجلس النواب على قرار سحب الثقة من ترامب بتهمة الخيانة أو الرشوة أو ارتكاب جرائم أو مخالفات خطيرة.
راهن ترامب على مايك بينس بأنه سيضمن له تصويت المسيحيين الإنجيليين الذين يعتبرون من أهم الشرائح الانتخابية، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يضمن له الاكتساح في منطقة راست بيلت الصناعية في الشمال الشرقي حيث تقع ولايتا أوهايو وإنديانا ذواتا التأثير القوي في السباق الرئاسي
خلال حملته الرئاسية كان ترامب قد أطلق وعودًا غريبة وتعهد بأشياء لم يعتد عليها الأمريكيون أنفسهم والعالم على حد سواء، وبينما كانت دول كثيرة تراهن أن ترامب لن ينفذ تلك الوعود وأنه يسعى بها للوصول للرئاسة وحسب، أقر ترامب قرارًا بمنع المسافرين من 7 دول غالبية مواطنيها من المسلمين للدخول إلى الولايات المتحدة إضافة إلى حظر قبول الولايات للاجئين، وكانت هذه أولى انتكاسات الرئيس بعدما علقت محكمة فيدرالية العمل بالقرار معتبرة إياه انتهاكًا صارخًا للدستور الأمريكي.
ومن ثم أصدر قرارًا بإغلاق حدود الولايات المتحدة أمام مواطني 7 دول لمدة 90 يومًا وأمام جميع اللاجئين لمدة 120 يومًا، ومرة أخرى علقت المحاكم الفيدرالية العمل بهذا المرسوم، كما أنه ذهب إلى أبعد حد في بناء جدار مع المكسيك وأثار أزمة مع الدولة الجارة، ودفعت تصرفاته الهوجاء رئيس المكسيك لإلغاء زيارته الرسمية إلى واشنطن، وقال بعض المسؤولين المكسيكيين إن خطط الجدار الحدودي لترامب يمكن أن تتسبب في حرب شاملة، وليس حربًا تجارية.
كما هدد بنشوب حروب تجارية بعد تبنيه سياسات انعزالية وطلاقه لسياسات العولمة التي أسهمت أمريكا بتأسيسها في العقود الماضية، وهو ما أثار موجة عارمة من الانتقادات والمخاوف لدى دول العالم وبالأخص الصين، وأشارت صحيفة “واشنطن بوست” أن ترامب يطلق تصريحات علنية تناقض تصريحاته في السر، وذكرت تحليلات لخطابات ترامب أن 84% من كلام ترامب غير صحيح.
في حال تسلم بينس للسلطة سيكون مخلصًا لمؤسسة الإستبليشمنت التي حقد عليها ترامب، وسيؤكد التزامه وإيمانه باستقلالية السلطات الثلاثة: التنفيذية، التشريعية، القضائية، ويعيد الثقة مع مؤسسة الاستخبارات والصحافة المحلية
أحد أبرز انتكاسات ترامب أنه دخل مع حاشيته التي اعتمد عليها بشكل كبير خلال حملته الرئاسية، واليوم يكاد لا يخلو أسبوع من استقالة أو إقالة أحدهم من إدارته، وكان آخرهم ستيف بانون كبير مخططي الاستراتيجيات السياسية في البيت الأبيض، وقبله استقال 3 من المجلس الاستشاري في البيت الأبيض، في لجنة المصنعين الأمريكيين، وأقال جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، الذي أثارت إقالته موجة كبيرة من التساؤلات بعد قول كومي إن ترامب طلب منه شخصيًا وقف التحقيقات الجارية في ملف التحقيقات بتدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بلقاء مايكل فلين والسفير الروسي في واشنطن.
كما استقال أيضًا مدير الاتصالات في البيت الأبيض مايك دوبكي وكبير المسؤولين رينش بريبوس والمتحدث الرسمي في البيت الأبيض شون سبايسر، وأقيل مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايكل فلين، ووصلت حد الاستقالات إلى الاعتقاد بأن وزير الخارجية تيلرسون سيستقيل، ولو استقال تيلرسون فعلًا سيكون ضربة من العيار الثقيل لإدارة ترامب وفترته الرئاسية.
كل تلك العوامل ساهمت بشكل جدي للتفكير بشكل أكبر بنائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، فيما إذا سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة.
مايك بينس كن مستعدًا
في بداية الشهر الحالي دعت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية نائب الرئيس مايك بينس للاستعداد لتولي زمام الأمور في البلاد، إذا جرت محاكمة الرئيس ترامب أو الطعن في أهليته، فإذا ما حصلت إقالة لترامب سيصبح مايك بنس عاشر نائب رئيس في التاريخ يبلغ قمة السلطة من دون أن ينتخب رئيسًا، وكان الأخير جيرالد فورد في 1974 بعد استقالة ريتشارد نيكسون.
أشار المقال المنشور في فورين بوليسي للكاتبين سوزان هينسي وبينامين ويتيس، أنهما يتوقعان أن يصبح “بينس” رئيسًا للولايات المتحدة في أي لحظة، في ظل حالة عدم الاستقرار التي يشهدها البيت الأبيض، مشيرين إلى أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ صرح مسبقًا بأن رئاسة ترامب بدأت تمضي نحو حالة بداية النهاية.
وأكد الكاتبان أنه حري به التوقف عن التصرف كأنه أحد أفراد حاشية ترامب، داعيين إياه للبدء بالتصرف بوصفه خليفة الرئيس المنتظر، وأن يدرس مثال تولي “جيرالد فورد” زمام الأمور إثر استقالة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في أغسطس/آب عام 1974، حيث تمكن من اتخاذ قرارات أثبتت أهميتها في قدرته على قيادة البلاد وتخليصها من فضيحة “ووترغيت“.
بينس يوصف بالحكمة وأنه متعدد المهارات والمواهب خصوصًا في المناصب التنفيذية، فيما ترامب يوصف بالتهور
يُعرف بينس بنزعته الاجتماعية المحافظة القوية، ويمكن أن تكون حظوظه كبيرة بحصوله على توافق الحزبين الجمهوري الديمقراطي، حيث يجمع بين كليهما، وصفه البعض بأنه جمهوري بجذور ديمقراطية، إذ اُنتخب كثالث أكبر قيادي في الحزب الجمهوري في حين أنه نشأ ديمقراطيًا بين عائلة ديمقراطية، وبينس من أصول إيرلندية ويبلغ من العمر 59 عامًا، حاصل على شهادة الدكتوراه في القانون في العام 1986 من كلية القانون بجامعة إنديانا.
تدرج بينس في العمل كمحام وترأس بعدها مؤسسة بحثية عن سياسة ولاية إنديانا ذات التوجه المحافظ في العام 1991 ومن ثم أصبح عضوًا في شبكة سياسة الولاية، وقدم برامج إذاعية في الولاية في 1994 وبرامج تليفزيونية في الفترة بين 1995 و1999، وفي عام 2000 انتخب للمرة الأولى عضوًا في مجلس النواب الأمريكي، ثم ترأس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري عام 2009، قبل أن ينتخب عام 2012 حاكمًا لإنديانا.
بخصوص مواقفه الدولية فقد أيد مايك بينس حرب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على العراق في 2003، وعارض مقترحات الرئيس باراك أوباما لإغلاق معتقل غوانتانمو، ودعا لتقديم المقاتلين من أعداء الولايات المتحدة للمحاكم العسكرية، كما أيد بينس ما يعتبره حق “إسرائيل” في مهاجمة أهداف بإيران، لمنعها من تطوير أسلحة نووية حسب وصفه، ودافع عن استخدامها للقوة المفرطة في حربها على قطاع غزة، وساند قوات حلف شمال الأطلسي “الناتو” للإطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي.
وتعد مواقف بينس من اللاتينيين والسود شديدة التطرف، فضلًا عن إعلانه سابقًا أن ولاية إنديانا لن تقبل أي لاجئ سوري، ولكل من ترامب وبينس اختلافاتهما في الشخصية، فبينس يوصف بالحكمة وأنه متعدد المهارات والمواهب خصوصًا في المناصب التنفيذية، فيما ترامب يوصف بالتهور، فضلًا عن الاختلاف في المواقف السياسية، إذ يؤيد بينس صفقات تجارية مع دول العالم عارضها ترامب، كما انتقد الحظر المقترح الذي يدعو إليه ترامب لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة في حين أن ترامب أقر قوانين تحظر دخول مسلمين إلى الولايات المتحدة.
كما يختلف بينس في وجهة نظره عن ترامب في القضية السورية، فبينس يدعو لأن توجه الولايات المتحدة ضربات عسكرية، من أجل فرض منطقة آمنة في سوريا، وكذلك يعد بينس أحد المسيحيين المتشددين المحافظين، فيما يستهتر ترامب بالمدارس العقائدية، وهو أيضًا أكثر صلابة وانضباطًا من رئيسه المعروف باندفاعه ويصعب التكهن بردود فعله.
بدأ بينس بالتقرب أكثر من كبار المانحين الجمهوريين ودعوتهم على العشاء في بيته بواشنطن، لضمان وقوفهم بجانبه في وقت ما قد يحتاجهم فيه
بعد اختيار ترامب لبينس نائبًا له، وصف الأخير ترامب أنه يعد بالنسبة للكثير من الجمهوريين بطلاً، ووصفه بأنه رجل خيّر وسيكون رئيسًا عظيمًا، ولكن ومع انطواء الأسابيع والشهور على ولاية ترامب وتأزم إدارة ترامب وارتباكها، من المعتقد أن بينس غير من وجه نظره تجاه ترامب، ومع احتدام التحقيقات ضده بشأن تدخل الروس في الانتخابات الأمريكية لا بد أن بينس بدأ يتجهز لسيناريو B وهو أن يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة.
فمع حالة التخبط في البيت الأبيض بسبب سياسات ترامب المتخبطة والقضايا الثلاثة التي أنهكته، بدا أن حلم الرئيس لبينس أوشك أن يصبح حقيقة، في أيار/مايو الماضي شكل اثنان من المقربين منه لجنة عمل سياسي، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، يجمع العاملون فيها المال ويمكن أن تكون مفيدة جدًا لتمويل ترشيح محتمل، كما بدأ بينس بالتقرب أكثر من كبار المانحين الجمهوريين ودعوتهم على العشاء في بيته بواشنطن، لضمان وقوفهم بجانبه في وقت ما قد يحتاجهم فيه، ومن غير المستبعد أن يبدأ بينس بالمشاركة وحضور المناسبات العامة كمراسم الجنازات والمناسبات ذات المقاصد العامة وإلقاء خطابات ذات محاور مهمة بالنسبة للشعب الأمريكي.
لم يكن ترامب يدري أن الشخص الذي اختاره ليكون نائبًا له سيجلس محله يومًا ما، وهو الذي _ترامب_ يود أن يترشح لفترة رئاسية ثانية، وكان اعتمد ترامب قد على بينس في إقناع الناخبين الجمهوريين بالتصويت لصالح مرشح الحزب للرئاسة، كما راهن عليه أيضًا بأنه سيضمن له تصويت المسيحيين الإنجيليين الذين يعتبرون من أهم الشرائح الانتخابية، بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يضمن له الاكتساح في منطقة راست بيلت الصناعية في الشمال الشرقي حيث تقع ولايتا أوهايو وإنديانا ذواتا التأثير القوي في السباق الرئاسي.
في حال تسلم بينس للسلطة سيكون مخلصًا لمؤسسة الإستبليشمنت التي حقد عليها ترامب، وسيؤكد التزامه وإيمانه باستقلالية السلطات الثلاثة: التنفيذية، التشريعية، القضائية، ويعيد الثقة مع مؤسسة الاستخبارات والصحافة الأمريكية، وسيكون أكثر انفتاحًا من ترامب من حيث الاقتصاد والتجارة إذ سيدعو إلى استمرار سياسات الحرية التجارية وإبعاد شبح حرب تجارية مع الصين ودول أخرى، فضلًا عن الاستمرار في دعم حلفاء أمريكا في العالم.