أكّدت تقارير حقوقية تراجع الحريات العامة وحقوق الإنسان في موريتانيا في الفترة الأخيرة بعد تزايد وتيرة الاعتقالات والاستجواب لشخصيات سياسية ونقابية وصحفية من قبل قوات الأمن والحديث عن حالات تعذيب داخل المعتقلات والسجون، في وقت تتّهم فيه المعارضة السلطات الحاكمة بإعادة “البلد إلى عهود الدكتاتورية والضيق بالصوت والرأي المخالف”.
اعتقال سناتور
في أحدث بيان له، قال المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، الأحد، إن الحريات العامة في بلاده في تراجع مستمرّ، وذلك بعد موجة الاعتقالات التي شهدتها البلاد مؤخرا، وأوضح المرصد في بيان له أن هذا النوع من الممارسات يزيد من المخاطر والتهديدات لحرية الرأي ويشكل تراجعا عن سقف الحريات العامة في البلد. ويوم العاشر من شهر أغسطس الحالي، منع الأمن الموريتاني السيناتور محمد ولد غده أكبر معارضي الرئيس ولد عبد العزيز، والمنسق المعتمد بين المعارضة الموريتانية والمليونير الموريتاني المعارض محمد بوعماتو المقيم في المملكة المغربية، من عبور الحدود الجنوبية للبلاد حيث كان ينوي السفر إلى السنغال قبل أن يتم اعتقاله عقب عودته إلى نواكشوط.
النيابة العامة وجهت إلى ولد غده تهمة زعزعة الأمن الوطني والتنسيق في ذلك مع جهات في الخارج
وقبل اعتقاله بساعات كتب السناتور تدوينة على حسابه الخاصة في فيس بوك أكّد فيها منعه من “حقه الدستوري والطبيعي في السفر لحرمانه من إجراء فحوصات لمشاكل ضيق التنفس التي سببها استهدافه بالغاز مباشرة من الشرطة”. وأضاف: “ليس ذلك فقط بل تمت مصادرة بطاقة تعريفي من دون وصل، ورفضت فرقة الدرك تسليمي وصلا عن رخصة السياقة المسحوبة مني وبقيت بدون أي وثائق، ولم يبق لولد عبد العزيز إلا شطبي من سجلات الحالة المدنية”.
وحسب مصادر أمنية فإن التحقيق مع السناتور غده متواصل حول عدة أمور بينها المعلومات التي التقطت من جواله وبصوته، وسربت لوسائل الإعلام بخصوص مبالغ مالية تلقاها من المليونير بوعماتو وصرفها في نشاطات المعارضة؛ بالإضافة إلى التسجيل الذي نشره السناتور مؤخرا لمقطع فيديو تضمن شهادة صوتية للرقيب محمد ولد محمد امبارك تنفي الرواية الرسمية لحادثة تعرض الرئيس محمد ولد عبد العزيز لطلق ناري يوم 13 أكتوبر / تشرين الأول 2013.
وأشار المرصد، في بيانه، إلى انهم تابعوا ما تعرض له السناتور محمد ولد غدة منذ اعتقاله في العاشر من الشهر الجاري حيث اكتنفت عملية اعتقاله الكثير من المخالفات والخروقات القانونية فانتهكت حصانته البرلمانية وقضى أسبوعا كاملا في وضعية اختطاف لا علم لذويه بمكان محبسه. وكانت النيابة العامة قد وجهت إلى ولد غده تهمة زعزعة الأمن الوطني والتنسيق في ذلك مع جهات في الخارج. وأضاف أنهم سجلوا ما تعرضت له بعض الشخصيات السياسية والنقابية والصحفية من استجواب ينافي حرية الرأي والتعبير من طرف شرطة الجرائم الاقتصادية، حسب البيان الذي أكّد أيضا أن ما حدث يعد انتهاكا لحرمة أشخاص ومؤسسات من طرف جهات كان ينبغي أن تكون ضامنة للحريات وللحقوق الأساسية كما هو مرسم دستوريا وقانونيا.
العودة إلى عهد الدكتاتورية
قبل ذلك، اتهمت مؤسسة المعارضة الديمقراطية في موريتانيا النظام الحاكم بقيادة محمد ولد عبد العزيز بأنه يعيد “البلد إلى عهود الدكتاتورية والضيق بالصوت والرأي المخالف”، واصفة خطوة توقيف ثلاثة من الصحفيين واستدعاء آخرين بـ “الخطوة الغريبة”. وأدانت المؤسسة في بيان لها “بشدة المضايقات التي يتعرض لها الصحفيون من اعتداءات متكررة من طرف الأجهزة الأمنية، فالاعتقال ومصادرة الكاميرات والأشرطة والضرب، معتبرة أن كل هذه الأمور “أصبحت سلوكا عاديا في تصرف هذه الأجهزة مع الصحفيين أثناء تأديتهم لمهامهم وتغطيتهم لمختلف الفعاليات الاحتجاجية”.
قالت تنسيقية المعارضة الديمقراطية في موريتانيا أن هذا الأسلوب يعتبر تراجعا في مساحة الحريات
وطالبت المؤسسة التي يرأسها الحسن ولد محمد “بإطلاق سراح الموقوفين فورا والاعتذار لهم ولمؤسساتهم عما لحق بهم من ضرر مادي ومعنوي”، مشددة على “ضرورة احترام الصحافة وحقها المقدس في السعي للحصول على المعلومة ونقلها للرأي العام ونرفض العودة بالبلد لعصور المنع والمصادرة والتكميم”، و “إطلاق سراح السيناتور محمد ولد غده فورا والكف عن استخدام القضاء وأجهزة الأمن لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين”.
إلى جانب ذلك، قالت تنسيقية المعارضة الديمقراطية في موريتانيا أن هذا الأسلوب يعتبر تراجعا في مساحة الحريات و”خرق القانون الذين أصبحا السمة البارزة لما أطلق عليه عتاة متزلفي النظام الجمهورية الثالثة لينذر بدخول البلاد مرحلة جديدة من الفوضى وانعدام الأمن والعبث بأبسط حقوق وحريات الناس”.
وقف الدعم عن موريتانيا
مؤخرا نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا قالت فيه إن اتحاد النقابات العمالية الأمريكية حذر الحكومة الموريتانية من استمرار الانتهاكات ضد الرقيق في الجمهورية الأفريقية، مشيرة إلى أن النقابات تحدثت عن إمكانية حظر المساعدات الأمريكية عن نواكشوط.
وأشار التقرير”، إلى أن الانتهاكات الروتينية للموريتانيين الرقيق، بما في ذلك الاغتصاب والضرب وعدم دفع الأجور، قد تكون حائلا عن تلقي موريتانيا المنافع التجارية الأمريكية، وتقول الصحيفة إن موريتانيا هي واحدة من الدول التي تنتشر فيها نسبة العبودية اليوم، وتم انتقادها بشدة؛ بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنها على قائمة الدول التي تستفيد من برنامج “قانون فرصة التنمية الأفريقية”، حيث يتيح هذا القانون، الذي صدر لدعم التنمية الاقتصادية في الدول التي تظهر أنها تحترم حقوق الإنسان، وتطبق المعايير في مجال العمالة، للدول الأفريقية تصدير منتجاتها دون ضريبة للولايات المتحدة.
وتفيد الصحيفة بأن الفيدرالية الأمريكية للعمال ومجلس منظمة الصناعة الممثل التجاري الأمريكي طالبا شطب موريتانيا من قائمة الدول التي تتلقى الدعم، ويورد التقرير نقلا عن عريضة للنقابتين العماليتين، قولها: “فشلت الحكومة الموريتانية، وبشكل روتيني، في إجراء تحقيق في حالات من الرق، ومن النادر أن تلاحق الأشخاص المسؤولين عن هذه الممارسات، وفشلت في التأكد من مساعدة الضحايا”، وأضافت أن الدولة تتحرش بالناشطين المعادين للعبودية، وترفض الاعتراف بوجود ممارسة العبودية في البلاد، لافتا إلى أن النقابيين الأمريكيين اعتبروا أن “هذا الأمر يمثل فشلا ذريعا في اتخاذ خطوات ذات معنى من أجل تأكيد الحرية للعمالة القسرية.