على نحو مفاجئ وفي ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة للشهر الرابع على التوالي، ظهرت أزمة جديدة تتمثل في زعم مشاركة عدد من موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في عمليات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تعد “أونروا” جهة فاعلة أساسية لملايين الفلسطينيين، منذ إنشائها في ديسمبر/كانون الأول 1949 بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الأولى التي اندلعت غداة إعلان قيام الدولة العبرية.
نتيجة لهذه الأزمة اتخذت المؤسسة الأممية قرارًا بفصل 7 موظفين فورًا وفتح تحقيق دون أي تأخير للكشف عن الحقيقة، وذلك حفاظًا على قدرة الوكالة والاستمرار بتقديم المساعدات الإنسانية، إلى جانب مهاجمة ما جرى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول والمطالبة بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين دون شروط.
الصادم أن الموقف الأوروبي الأمريكي جاء متناغمًا مع الموقف الإسرائيلي، من خلال الإعلان السريع عن وقف التمويل بشكلٍ مؤقت، فقد أعلنت مجموعة دول منها الولايات المتحدة وألمانيا وقف تمويلها بشكلٍ مؤقت تحت ادعاء التحقيق فيما جرى.
واقع الأونروا
قبل تأسيس الأونروا كان برنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، الذي أنشئ عام 1948، يؤدي مهامّ إغاثية للاجئين الفلسطينيين، وقد تولت الوكالة الوليدة المهام التي كانت موكلة لهذا البرنامج، كما كُلفت بالاستجابة بطريقة أكثر فعالية للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية لمجمل اللاجئين الفلسطينيين.
منذ بدء النزاع العربي الإسرائيلي وحتى إقرار الهدنة في يناير/كانون الثاني 1949، اضطر أكثر من 760 ألف فلسطيني للفرار من منازلهم أمام تقدّم القوات الصهيونية، أو تم تهجيرهم وطردهم من منازلهم بالقوة، وقد لجأ معظم هؤلاء إلى دول مجاورة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت الأونروا، في غياب أي جهة أخرى ذات صلاحية، الهيئة الوحيدة الضامنة للوضع الدولي للاجئين الفلسطينيين.
بداية الأزمة كانت عام 2018، حين أوقفت الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار وحينها رحبت “إسرائيل” بالقرار الأمريكي
وبحسب بيانات المنظمة فإن هناك نحو 5.9 مليون فلسطيني مسجّلين لديها، ويمكنهم الاستفادة من خدماتها، التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك خلال الفترات التي تشهد نزاعًا مسلحًا، علاوة على وجود ما مجموعه 58 مخيمًا للاجئين تعترف بهم الوكالة الأممية، بينهم 19 مخيمًا في الضفة الغربية التي تحتلها “إسرائيل” عسكريًا منذ 50 عامًا، حيث يدرس أكثر من 540 ألف طفل في مدارس الأونروا.
ويضم القطاع الصغير 8 مخيمات وما يقارب 1.7 مليون نازح، أي الأغلبية الساحقة من السكان، وفقًا للأمم المتحدة، فيما يبلغ إجمالي عدد سكان غزة نحو 2.4 مليون نسمة، في الوقت الذي يقدر فيه عدد موظفي الوكالة بـ30 ألفًا، يعمل 13 ألف شخص في قطاع غزة، موزّعين على أكثر من 300 منشأة موجودة على مساحة 365 كيلومترًا مربعًا، وفقًا لموقع الوكالة.
بداية الأزمة كانت عام 2018، حين أوقفت الولايات المتحدة (أكبر مساهم في الأونروا) برئاسة دونالد ترامب، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار، وحينها رحبت “إسرائيل” بالقرار الأمريكي، متهمة الوكالة الأممية بـ”إطالة أمد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني” من خلال تكريسها للمبدأ – الذي تعارضه الدولة العبرية – بأن الكثير من الفلسطينيين هم لاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، أي الأراضي التي فرّوا أو طردوا منها عند قيام دولة “إسرائيل”.
في المقابل، لا يفوّت الفلسطينيون التذكير بأن الولايات المتحدة تقدم سنويًا أكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية لـ”إسرائيل”، وفي مايو/أيار 2019، دعا مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للشرق الأوسط، إلى إنهاء عمل وكالة الأونروا، متهمًا إياها بأنها “فشلت في مهمّتها”، قبل أن تستأنف واشنطن تقديم التمويل ابتداءً من العام 2021، بعد انتخاب جو بايدن رئيسًا.
ماذا وراء الأزمة؟
لا يمكن اعتبار أن ما جرى أمر عابر، خاصة في ظل المشاريع الواضحة الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لهذه الحرب عبر سلسلة من الطروحات التي ثبت لاحقًا فشلها أمام الصمود الشعبي الملحمي للفلسطينيين وصمود المقاومة واستبسالها ميدانيًا.
إذ سبق وأن تحدث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن خروج الأونروا من قطاع غزة هو ومجموعة من الوزراء الإسرائيليين لا سيما ممثلي الصهيونية الدينية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سمويتريتش في الحكومة الحاليّة التي تعتبر الأكثر تطرفًا.
تبدو الأونروا اليوم أمام واحد من أصعب الاختبارات بسبب التحريض المستمر عليها من أكبر الممولين سواء الولايات المتحدة أم ألمانيا أم بريطانيا
ويبدو أن الحكومة الحاليّة معنية بإنهاء الأونروا عبر التحريض عليها أو خنقها ماليًا من خلال الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين بما يؤدي إلى تقليص خدماتها تدريجيًا وجعل برامجها معرضة ومهددة طوال الوقت بالتوقف بفعل العجز المالي وهو أمر كان واضحًا خلال السنوات الأخيرة.
تراجعت خلال السنوات الماضية حجم المشاريع التي تنفذها المؤسسة الأممية لصالح اللاجئين الفلسطينيين من خلال تقليص أعداد التعيينات وتراجع قيمة السلة الغذائية التي يتسلمها اللاجئ الفلسطيني، علاوة على الإشكاليات الإدارية والمالية التي عصفت بالمؤسسة أكثر من مرة.
تبدو الأونروا اليوم أمام واحد من أصعب الاختبارات من خلال التحريض الواضح عليها من أكبر الممولين سواء الولايات المتحدة أم ألمانيا أم بريطانيا أم غيرهم من الدول، في وقتٍ يبدو فيه اللاجئ الفلسطيني أكثر احتياجًا لاستمرار عملها.
علاوة على ذلك، فإن المساس بالأونروا يشكل تطبيقًا عمليًا لأحد أهم بنود صفقة القرن المتمثل في إنهاء حق العودة وعدم المطالبة به، حيث يعتبر بقاؤها شاهدًا عليه، وهو ما تسعى “إسرائيل” للقضاء عليه وردمه عبر إنهاء هذه المؤسسة تمامًا وبشكلٍ نهائي.
يمكن القول إن الأونروا تواجه أزمة وجودية قد لا تؤدي بالضرورة إلى إنهائها تمامًا، إلا أن التحريض الإسرائيلي عليها سيقود مرحليًا لتضييق الخانق المالي عليها أكثر ويجعل تقديم خدماتها لصالح اللاجئين والنازحين أمرًا صعبًا ستتضح ملامحه خلال الفترة المقبلة.