رغم سعيه المتكرر لتنقية صفوفه من الجواسيس والتشديد في أموره الأمنية، فإن تنظيم الدولة الإسلامية فشل في الحفاظ على الرعيل الأول من قياداته التي خططت منذ سنوات طويلة لتطبيق “الخلافة الإسلامية” في العراق والشام.
قصة استهداف قيادات الصف الأول بتنظيم الدولة لم تبدأ فصولها مؤخرًا، ففي فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، قتلت القوات الأمريكية والعراقية مدعومة بمقاتلي الصحوات السنية والمليشيات الشيعية العشرات من القياديين في تنظيم القاعدة ودولة العراق الإسلامية وعلى رأسهما الأردني أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي.
حجي بكر
في شهر يناير 2014، وبعد أشهر من تمدد تنظيم الدولة إلى سوريا، قُتل حجي بكر أحد أخطر سواعد البغدادي والذي يطلق عليه “مهندس الدولة”، في أثناء تبادل لإطلاق النار بينه وبين مقاتلي “مجاهدو ريف حلب الشمالي” في منطقة تل رفعت شمال حلب.
في أبريل 2015، ذكرت مجلة “دير شبيغل” الألمانية أن سمير عبد محمد الخليفاوي المعروف باسم “حجي بكر”، هو ضابط سابق في جيش الرئيس العراقي السابق صدام حسين وعضو في المجلس العسكري لتنظيم الدولة و”أهم استراتيجي” فيه.
رأى حجي بكر أن في سوريا فرصة ومدخل للسيطرة على العراق، وفي ظل الفوضى العارمة التي ضربت سوريا كان من السهل دخولها، بل والسيطرة على أجزاء كبيرة، وتستند خطته أساسًا على إنشاء هياكل “الدولة الإسلامية” من القمة وصولاً للمستوى المحلي
المجلة الألمانية نشرت مسودة وثيقة متكونة من 31 صفحة قالت إن “بكر” كتبها بخط يده تظهر برنامجًا محددًا لإقامة الخلافة في شمال سوريا، من خلال زرع خلايا تجسس في المدن والقرى والقيام باغتيالات وعمليات خطف كمقدمة لتولي السلطة.
رأى حجي بكر أن في سوريا فرصة ومدخل للسيطرة على العراق، وفي ظل الفوضى العارمة التي ضربت سوريا كان من السهل دخولها، بل والسيطرة على أجزاء كبيرة، وتستند خطته أساسًا على إنشاء هياكل “الدولة الإسلامية” من القمة وصولاً للمستوى المحلي، وجمع قوائم متعلقة بالتسلسل التدريجي للقرى والمناطق التي سيسيرها التنظيم.
أبو محمد العدناني
هو طه صبحي فلاحة من بلدة بنش في محافظة إدلب شمالي سوريا، ولد عام1977، ويعتبر أحد أبرز قادة تنظيم الدولة الإسلامية، والمتحدث السابق باسمه، التحق بتنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي وكان واحدًا من أوائل المقاتلين الأجانب الذين حاربوا القوات الأمريكية في العراق بعد غزوه عام 2003، وفي الخامس من مايو/أيار 2015، أعلنت الخارجية الأمريكية أنها ستمنح مكافأة يبلغ قدرها خمسة ملايين دولار مقابل معلومات عنه.
أطلق أنصار تنظيم الدولة على العدناني لقب “المنجنيق”، كونه المصدر الرئيسي لنشر الرسائل الرسمية
يعتبر العدناني المسؤول الأول عن العمليات الخارجية لتنظيم الدولة، وأحد أبرز من أشرفوا على عمليات الدعاية ونشر تسجيلات تحريضية وأخرى لتجنيد المقاتلين، أو التشجيع على شن هجمات دهس وطعن، كما أنه أول من أعلن إقامة “الخلافة” وتنصيب أبي بكر البغدادي “خليفة” في يونيو 2014.
أطلق أنصار تنظيم الدولة على العدناني لقب “المنجنيق”، كونه المصدر الرئيسي لنشر الرسائل الرسمية، كما يصدر تسجيلات صوتية تتناول عمليات التنظيم في العراق وسوريا، واشتهر بتهديداته وتصريحاته التي طالت العديد من دول العالم، والتي من أبرزها “إننا نريد باريس قبل روما، ونريد كابول وكراتشي والرياض وعمان وأبوظبي وغيرها”.
في 30 من أغسطس/آب 2016، أعلن تنظيم الدولة مقتل العدناني في أثناء تفقده “العمليات العسكرية في ولاية حلب”.
أبو علي الأنباري
عبد الرحمن القادولي، المكنى بـ”أبو علي الأنباري”، مواليد بلدة “تلعفر” العراقية من أسرة تركمانية بين عامي 1957 و1959، ألقابه متعددة ويقال إنها 7، منها أبو جاسم العراقي، أبو عمر قرداش، أبو علي الأنباري، علاء قرداش، حجي إيمان، أبو علاء العفري، الحجي، في حين كانت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” تطلق عليه اسم حجي إمام، وهو ما جعله رجلاً غير عادي بالتنظيم ومكنه من الإمساك بعصب التنظيم ماليًا وأمنيًا ليصبح الرجل الأقوى.
في 14 من مايو 2014، أعلنت الولايات المتحدة الأنباري “إرهابيًا عالميًا”
درس القادولي الفيزياء والعلوم الشرعية، ثم عمِل مدرسًا للفيزياء والعلوم الدينية، وتفيد الرواية الأمنية العراقية بأنه سافر عام 1998 إلى أفغانستان أين التقى هناك بزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، قبل أن يعود إلى العراق ويبايع تنظيم “أنصار الإسلام”، الذي كان ناشطًا في إقليم كردستان، ثم أسس بعدها “جماعة سرايا الجهاد” في تلعفر، لقتال الأمريكيين، ثم بايع “مجلس شورى المجاهدين” وصولاً إلى “دولة العراق الإسلامية” عام 2006.
في 14 من مايو 2014، أعلنت الولايات المتحدة الأنباري “إرهابيًا عالميًا”، وفي الخامس من مايو عام 2015 رصدت وزارة الخارجية الأمريكية مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه أو قتله.
في 25 من مارس 2016، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية مقتل “الأنباري” في غارة جوية على دير الزور شرق سوريا.
أبو مهند السويداوي
إسماعيل لطيف عبد الله السويداوي، الملقب بأبي مهند السويداوي أو حجي داوود أو أبو عبد السلام الدليمي، الذي اكتسب اسم السويداوي من اسم العشيرة “البوسودة”، يُعد من أوائل المحرضين على قتال القوات الأجنبية، حيث جمع المزيد من الأسلحة التي تركها الجيش العراقي السابق.
التحق السويداوي في وقت مبكر بصفوف تنظيم القاعدة، وبرز كقائد عسكري ذي خبرة ودراية أهلته لتولي منصب الأمير العسكري لولاية الأنبار، ثم الإشراف على العمل الأمني فيها قبل أن يتم اختياره عضوًا في مجلس الشورى وواليًا على الأنبار إلى حين مقتله في 20 من كانون الثاني/يناير 2014.
أبو عبد الرحمن البيلاوي
عدنان إسماعيل البيلاوي، من مواليد العام 1974 في محافظة الأنبار العراقية، أحد أبرز قادة تنظيم الدولة منذ تأسيسه، ويُعتقد أنه تولى منصب رئيس مجلسه العسكري.
انضم إلى صفوف الحرس الجمهوري العراقي إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين وتدرج في الرتب العسكرية وصولاً إلى رتبة مقدم، وفي أثناء الاحتلال الأمريكي، انتقل “البيلاوي” إلى صفوف تنظيم القاعدة في العراق، ثم اعتقل عام 2007 في مدينة البصرة، وتم سجنه في معقتل “بوكا” الذي كان يديره الجيش الأمريكي، وبعد خمسة أعوام تم تسليمه إلى السلطات العراقية التي أودعته سجن أبوغريب الواقع في العاصمة العراقية بغداد.
في يوليو 2013، استطاع أبو عبد الرحمن البيلاوي الهرب من السجن، بعد هجوم منظم من مسلحي تنظيم الدولة وهربوه رفقة عدد من السجناء.
في 5 من يونيو 2014، أعلنت قيادة عمليات الجيش العراقي في محافظة نينوى مقتله، في منطقة حي المزارع بالجانب الأيسر من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى.
أبو مسلم التركماني
فاضل أحمد عبد الله الحيالي، هو أحد الأركان الأساسية في تنظيم الدولة الإسلامية، من أبناء قضاء تلعفر غربي الموصل مواليد 1959 من عشيرة “الحيالي” العراقية.
سجن “الحيالي” من قبل الأمريكان بعد سقوط بغداد في معتقل “بوكا” بمدينة البصرة العراقية، أين تعرف على قيادات تنظيم القاعدة منهم أبو بكر البغدادي، وانضم إليهم بعد خروجه من السجن
بدأ حياته العسكرية ضابطًا في الجيش العراقي، عمل برتبة مقدم في الاستخبارات العسكرية العراقية، ثم أصبح ضابطًا عسكريًا في القوات الخاصة التابعة للحرس الجمهوري، لينتهي برتبة عقيد عسكري في الفيلق الثالث الذي كان له دور كبير في معركة (الفاو) العسكرية مع إيران، متوغلاً داخل الأراضي الإيرانية حينها، كما شارك في حرب الخليج الثانية وفي الحرب العراقية الأخيرة التي انتهت بسقوط بغداد عام 2003.
سجن “الحيالي” من قبل الأمريكان بعد سقوط بغداد في معتقل “بوكا” بمدينة البصرة العراقية، أين تعرف على قيادات تنظيم القاعدة منهم أبو بكر البغدادي، وانضم إليهم بعد خروجه من السجن.
في 22 من آب/أغسطس 2015، خصصت الولايات المتحدة مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه، بلغت 20 مليون دولار، وفي شهر أكتوبر 2015، نعى المتحدث السابق باسم تنظيم الدولة أبو محمد العدناني في تسجيل صوتي أبو مسلم التركماني قائلاً: “فرحت أمريكا وطارت بقتل الشيخ أبي معتز القرشي وأوهمت نفسها بأن هذا نصر كبير”.
تركي البنعلي
داعية بحريني ولد في العام 1984 كتب أبحاثًا وكتبًا مختلفة بأسماء كثيرة أبرزها أبو همام الأثري، أبو سفيان السلمي، أبو حذيفة البحريني، درس القرآن والعلوم الشرعية في مرحلة الطفولة بالمحرق والبسيتين، وفي المرحلة الجامعية درس في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي، لمدة عام ونصف، قبل أن تداهم السلطات الإماراتية منزله في الشارقة، وتعتقله لمدة عام، وتعيده إلى البحرين التي سجن بها لفترات متفاوتة، ثم خرج للدراسة بكلية الإمام الأوزاعي في بيروت، وتخرج منها، قبل أن يعود إلى البحرين ويتخرج من معهد البحرين للعلوم الشرعية.
يعرف عن البنعلي وقوفه وراء الحرب على “الغلاة” المعروفين بـ”الحازميين” داخل التنظيم
التحق بصفوف تنظيم الدولة في مارس 2015، وفي نفس العام أسقطت وزارة الداخلية الجنسية البحرينية عنه، وذلك في إطار إجراءات الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة المخاطر والتهديدات الإرهابية، كما يعرف عنه وقوفه وراء الحرب على “الغلاة” المعروفين بـ”الحازميين” داخل التنظيم، وهم مقاتلون وشرعيون وأمنيون يعتقدون كفر العاذر بالجهل على الإطلاق كانوا قد استمدوا منهجهم من الشيخ السعودي المعتقل أحمد بن عمر الحازمي.
في شهر يونيو الماضي، أعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم الدولة مقتل تركي البنعلي في ضربة جوية في بلدة الميادين السورية.
أبو عمر الشيشاني
طرخان تيمورازوفيتش باتيرشفيلي، ولد عام 1968 في قرية بيركياني، الواقعة في وادي بانكيسي شمال شرقي جورجيا، والتي كانت جزءًا من الاتحاد السوفياتي آنذاك.
شارك طارخان في حرب بلاده ضد روسيا عام 2008 بشأن إقليم أبخازيا، ثم صرف من الخدمة العسكرية عام 2010 بعد أن أصيب بمرض السل، ثم سُجن بتهمة شراء وتخزين السلاح لصالح المقاتلين الشيشان، قبل أن يطلق سراحه بعد أن أمضى 16 شهرًا فقط من مدة عقوبته التي حددت بـ3 سنوات بسبب تدهور حالته الصحية، فخرج في منتصف عام 2012.
أدرجت واشنطن اسم الشيشاني في قائمتها لـ”الإرهاب الدولي” وخصصت خمسة ملايين دولار للعثور عليه
غادر الشيشاني جورجيا في 2012 متوجهًا إلى إسطنبول، ومنها دخل لاحقًا إلى سوريا، وبمجرد وصوله إليها أصبح قائدًا لكتيبة من المقاتلين الأجانب تعرف بـ”كتيبة المهاجرين” وفي 2013 بايع الشيشاني زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي.
في 24 من سبتمبر/أيلول 2014، أدرجت واشنطن اسم الشيشاني في قائمتها لـ”الإرهاب الدولي” وخصصت خمسة ملايين دولار للعثور عليه، وذلك ضمن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” الذي يكافئ من يدلي بمعلومات عن “الإرهابيين” أو يساعد في القبض عليهم.
في 9 من مارس/آذار 2016، أعلن مسؤولون عسكريون أمريكيون أن الشيشاني “ربما قتل في ضربة جوية” نفذها في الرابع من الشهر نفسه التحالف قرب الشدادي، وأدت أيضا إلى مقتل 12 مجندًا كانوا بصحبته، لكن تنظيم الدولة أعلن في 13 من يوليو/تموز 2016 مقتل الشيشاني خلال معارك بمدينة الشرقاط العراقية.
ماذا يعني فقدان القيادات؟
عشرات القياديين العسكريين والشرعيين والاستراتيجيين داخل تنظيم الدولة الإسلامية لقوا مصرعهم خلال سنوات من القتال في العراق وسوريا، وقد كان للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية السبق في استهدافهم بغارات جوية خاطفة.
بمقتل قياداته وتشديد الخناق عليه، فقد تنظيم الدولة الإسلامية العديد من المدن والمناطق التي كان يسيطر عليها على غرار الرمادي والفلوجة وتكريت وعين العرب ومؤخرًا الموصل
تؤكد الاغتيالات المتتالية لقيادات الصف الأول داخل تنظيم الدولة أن الأخير مخترق وهو ما حاول أنصاره نفيه في أكثر من مناسبة، ولعل هذا الاختراق الذي أكد حدوثه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقاء جمعهما أواسط مايو الماضي، كان كفيلاً بمعرفة أسرار التركيبة الهرمية للتنظيم.
بمقتل قياداته وتشديد الخناق عليه، فقد تنظيم الدولة الإسلامية العديد من المدن والمناطق التي كان يسيطر عليها على غرار الرمادي والفلوجة وتكريت وعين العرب ومؤخرًا الموصل، بينما لا يزال مقاتلوه يخوضون معارك شرسة ضد القوات العراقية والسورية والكردية على أسوار “تلعفر” و”الرقة”، مما يؤكد وجود مشاكل كبيرة في تعويض خسارة “كوادر الخلافة” الذين كانوا النواة الأولى في بناء “الدولة الإسلامية” في يونيو 2014.