يمر موسم الحج على السعودية هذا العام في ظروف حرجة، بعد الأزمة الخليجية التي عصفت بالمنطقة بين محور الرياض أبو ظبي والدوحة، والتقارير التي أشارت أن محمد بن نايف ولي العهد السابق يقبع في الإقامة الجبرية، بعد استلام محمد بن سلمان ولاية العهد بدلا عنه، إلى جانب الحرب في اليمن والتي تحاول الرياض إنهاءها بشتى الطرق بعد سلسلة من التقارير الدولية التي تتهم المملكة بانتهاك حقوق الإنسان وتمويل القاعدة، إضافة إلى القرارات الاقتصادية الحازمة والتي فرضت صعوبات كثيرة على الاقتصاد السعودي.
وبعيدًا عن تلك الأحداث التي تؤرق السعودية، يعكف عشرات من الحرفيين في مصنع كسوة الكعبة في مكة المكرمة لتجهيز الكسوة السوداء المطرزة بالذهب لتغطية الكعبة المشرفة، حيث تحاك الكسوة من الحرير والقطن وتزين بآيات من القرآن الكريم تخط بخيوط ذهبية.
توقعت دراسة سعودية حديثة بعنوان “واقع اقتصاديات الحج والعمرة”، أن تتجاوز عوائد الحج لهذا العام حاجز الـ16 مليار ريال أو ما يعادل 4.2 مليار دولار.
ويقول المدير العام لمصنع الكسوة في مكة، محمد بن عبد الله باجودة، إن السلطات السعودية أمرت باستبدال آلات المصنع الممتد عمرها إلى ثلاثين عامًا بآلات حديثة حيث من المتوقع أن تدخل الخدمة في العام الجديد، مضيفًا أن السلطات أمرت كذلك بتعيين طاقم وظيفي جديد بدلا من العمال الحاليين الذين سيحالون للتقاعد. ويبلغ وزن الكسوة نحو 670 كيلوغرامًا لتغطي الكعبة بأكملها. ويُجلب الحرير الذي تصنع منه الكسوة من إيطاليا، أما الذهب والفضة الذي يزين قماش الكسوة فيجلب من ألمانيا، وتقدر تكلفة الكسوة الواحدة كل عام بنحو 6 ملايين دولار.
تقدر كلفة كسوة الكعبة بـ6 مليون دولار
يُذكر أن مسؤولية صناعة الكسوة انتقلت بعد ضعف العباسيين إلى سلاطين مصر خاصة أيام الفاطميين ثم المماليك، ثم انتقل أمرها بعد ذلك إلى العثمانيين، ليعود بعد ذلك إلى المصريين أيام دولة محمد علي باشا حيث أنشئ عام 1818 مصنع دار كسوة الكعبة في حي “الخرنفش” بالقاهرة، وكانت تحمل من هناك سنويًا إلى مكة في احتفال كبير يسمى “المحمل“، وبقيت في مصر حتى العام 1962 وكانت باللونين الأخضر والأحمر أو الأبيض، لكنه تغير الآن إلى اللون الأسود مع تطريز مذهب.
موسم الحج 2017
بلغ عدد الحجاج القادمين لأداء مناسك الحج من الخارج عبر الموانئ الجوية والبرية والبحرية منذ بدء القدوم وحتى نهاية يوم 19 أغسطس/آب الحالي بـ 1.070.951 حاجًا، بزيادة بلغت 204.302 حاج عن عدد القادمين لنفس الفترة من العام الماضي، وبنسبة قدرها 24%، وذلك وفق الإحصائية التي أصدرتها المديرية العامة للجوازات .
وأوضحت المديرية العامة للجوازات أن عدد الحجاج القادمين عن طريق الجو بلغ 1.015.482 حاجًا ، والقادمين عن طريق البر 50.554 حاجًا ، والقادمين عبر البحر 4.915 حاجًا .ويتوقع أن يصل عدد الحجاج هذا العام اكثر من مليوني شخص، حسب السلطات، علمًا أنه بلغ العام الماضي نحو 1.8 مليون حاج. ومن المقرر أن تستعين مكة بحوالي 128 ألف موظف وموظفة لخدمة حجاج بيت الله الحرام.
وقد وجه الملك سلمان، بفتح أبواب السعودية للحجاج القطريين ومنحهم التصاريح الإلكترونية لدخول البلاد لأداء مناسك الحج، وتأمين طائرات خاصة تقل الحجاج القطريين من الدوحة إليها، ومن جانبها، رحبت قطر على لسان وزير الخارجية القطري بقرار فتح الحدود البرية أمام الحجاج، بعد إغلاق الحدود معها بسبب الأزمة الخليجية.
وكانت قطر اتهمت السعودية أواخر الشهر الماضي بتسييس الحج بعد أن حذرت الرياض من أن الحجاج القطريين سيواجهون قيودًا لأداء مناسك الحج، فيما ذكرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية حينها إنها خاطبت المقرر الخاص بالأمم المتحدة، المعني بحرية الدين والعقيدة، بشأن “العراقيل والصعوبات أمام حجاج دولة قطر من المواطنين والمقيمين، من أداء مناسك الحج”.
أشارت توقعات بأن يشهد الاقتصاد السعودي أكبر تباطؤ في النمو منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5% فقط خلال العام الجاري، وهذا يهدد الخطط الحكومية لتنويع مصادر الدخل وسعودة الوظائف ويضعها على المحك.
يُذكر أن قطر تخضع منذ 5 يونيو/حزيران الماضي لمقاطعة من أربع دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر، في ما وصف بأسوأ أزمة دبلوماسية في المنطقة منذ سنوات. وأغلقت تلك الدول الحدود البرية مع قطر، وأمرت رعاياها بالمغادرة، كما أغلقت مجالها الجوي وحدودها البحرية أمام الطيران والسفن القطرية. وقد اعتبر مراقبون أن خطوة فتح الحدود أمام الحجاج القطريين تعد إشارة نوايا حسنة إلا أن الأزمة حتى الآن بعيدة كل البعد عن الحل.
أثناء زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى الرياض
إلى جانب الأزمة الخليجية، يمر موسم الحج هذا العام على السعودية مع استمرار تأزم الحرب في اليمن، وتواجه السعودية تقارير دولية عدة بانتهاك حقوق الإنسان بسبب عاصفة الحزم التي أطلقتها المملكة ضمن مساعيها لوقف سيطرة الحوثي على السلطة في البلاد ومحاربة القاعدة هناك. إضافة إلى تقارير بتمويل السعودية والإمارات لمجموعات مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية، حيث أدى ذلك الدعم إلى تفكك كيان الدولة وقامت مقامها تنظيمات إرهابية تحمل السلاح وتؤمن بالعنف ولا تعترف بشرعية الدولة، بحسب مراقبون.
كما سببت الحرب هناك أوضاعًا معيشية صعبة، إذ أدت الحرب بمعاناة ثلثي الشعب اليمني تقريبًا، يجدون قوت يومهم بصعوبة، منهم حوالي 7 ملايين في انتظار الموت البطيئ بسبب المجاعة إن لم يتم تدارك الأمر في أسرع وقت، ما يضع اليمن على قائمة الدول الأكثر تعرضًا لأزمة أمن غذائي في العالم.
تعويل كبير على إيرادات الحج
توقعت دراسة سعودية حديثة بعنوان “واقع اقتصاديات الحج والعمرة”، أن تتجاوز عوائد الحج لهذا العام حاجز الـ16 مليار ريال أو ما يعادل 4.2 مليار دولار، على أن تقفز إلى 21.2 مليار ريال أو 5.6 مليار دولار، بعد 5 سنوات، وأشارت الدراسة إلى ارتفاع معدل إنفاق الحجاج، إذ تستحوذ الهدايا وحدها على نحو 14% من مجمل الإنفاق، بحسب الدراسة التي أعدها باحثون من مركز السجيني للاستشارات الاقتصادية والإدارية.
وبتحليل إنفاق الحاج، بينت الدراسة أنه يتوزع على قطاعات عدة، يأتي في المرتبة الأولى الإسكان، إذ يخصص له نحو 40%، من مجمل الإنفاق، يليه النقل والمواصلات الذي يمثل 31%، ثم الهدايا الذي يمثل الإنفاق عليها نحو 14%، من مجمل الإنفاق، يتبعه الإنفاق على الغذاء بنحو 10%، في حين تذهب 5% المتبقية على أوجه الإنفاق المختلفة
يُذكر أن رؤية 2030 ركزت على الحج والعمرة بشكل كبير، إذ حددت النشرة التفصيلية لبرامج الرؤية ثلاثة أهداف رئيسية لبرنامج خدمة الحجاج. بينها تيسير استضافة المزيد من المعتمرين وتسهيل الوصول إلى الحرمين، وخصص الهدف الثاني تقديم خدمات ذات جودة عالية للحجاج والمعتمرين، والهدف الثالث يتعلق بإثراء التجربة الدينية والثقافية للحجاج والمعتمرين.
ولي العهد محمد بن سلمان
وكانت توقعات أشارت بأن يشهد الاقتصاد السعودي أكبر تباطؤ في النمو منذ الأزمة المالية العالمية 2008، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.5% فقط خلال العام الجاري، وهذا يهدد الخطط الحكومية لتنويع مصادر الدخل وسعودة الوظائف ويضعها على المحك، كما هو مخطط بحسب الرؤية.
وقد طالبت الدراسة بالاستفادة الاقتصادية القصوى من خلال زيادة الدخل الناتج من الشراكات مع القطاع الخاص من 80 إلى 190 مليون ريال، ورفع عدد الشراكات الفاعلة مع القطاع الخاص من 1% إلى 17%، على اعتبار أن التعاون والتنسيق المستمر مع الجهات الداخلية والخارجية لمعالجة المعوقات التي تحد من استغلال الموارد التي يتيحها موسم الحج بالصورة المثلى سوف يرفع مستوى الكفاءة تدريجيًا حتى مرحلة الوصول للاستغلال الاقتصادي الأمثل.
كما طالبت بضرورة تغيير النظرة التقليدية للحج حتى يتم تطويره كصناعة سياحية تراعي الاعتبارات الدينية. وخلصت الدراسة كذلك إلى أهمية زيادة عدد الحجاج بما ينسجم مع أهداف رؤية التحول الوطني 2030 للحج والعمرة.