رغم الحديث عن تحسن العلاقات بين البلدين العربيين، المغرب والجزائر، في السنوات الأخيرة، وما نتج عنه من تبادل للتهاني بين الشقيقين على مستوى الزعماء في كل مناسبة وطنية تمر، وتأكديهما على ضرورة النهوض بالعلاقات بينهما لما فيه صالح البلدين والمغرب العربي ككل، فإن هذا الحديث لم يتنزل على أرض الواقع وظل حبيس الوقت ينتهي بانتهاء المناسبة التي أرسل خلالها، وهو ما أكده وزير مغربي مؤخرًا.
طريق مسدود
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، قال في حديث أجرته معه الأسبوعية الدولية “جون أفريك”، إن العلاقات بين المغرب والجزائر دخلت طريقًا مسدودًا على جميع المستويات، وأوضح بوريطة أن العلاقات المغربية الجزائرية جامدة منذ سنوات ولم تشهد أي تطور، إذ إن الزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين الجارين توقفت منذ أكثر من سبع سنوات، مشيرًا إلى أن هذا الوضع جعل التنسيق يصل إلى درجة الصفر.
أدى سوء العلاقات بين المغرب والجزائر، إلى انحسار التخاطب بين سلطات البلدين في رسائل التهنئة الرسمية بين قادة الدولتين
واتهم بوريطة الجزائر بالقيام بحملات دبلوماسية وإعلامية شرسة عقب إعلان الرباط في يوليو 2016 عزمها العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي من أجل تعطيل هذا الرجوع الذي وافقت عليه الأسرة الإفريقية، حيث قال: “ما يؤكد توقف العلاقات بين البلدين أن المغرب عندما أعلن نيته العودة إلى الاتحاد الإفريقي، قادت الجزائر عدة حملات دبلوماسية وإعلامية قوية ضده”.
ويعتبر المغرب أن النشاط الدبلوماسي الجزائري في إفريقيا الغاية منه إضعاف الموقف المغربي تجاه القضية الصحراوية، وتصرّ المملكة على أن الجزائر الطرف الأساسي في النزاع بشأن الصحراء الغربية وليس جبهة البوليساريو.
وأدى سوء العلاقات بين المغرب والجزائر، إلى انحسار التخاطب بين سلطات البلدين في رسائل التهنئة الرسمية بين قادة الدولتين، وكانت آخرها تهنئة الرئيس الجزائري لملك المغربي محمد بمناسبة الذكرى الـ64 لثورة الشعب والملك.
الصحراء الغربية
هذه الأزمة أرجعها الوزير المغربي إلى موقف الجزائر من قضية الصحراء الغربية وكان تخلي إسبانيا عن إقليم الصحراء الغربية بموجب اتفاقية مدريد عام 1975 وإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 بحق شعب الصحراء في تقرير المصير والاستقلال وظهور جبهة البوليساريو كقوة عسكرية تلقى الدعم من الجزائر قد جعل من إقليم الصحراء محورًا مهمًا من محاور عدم الاستقرار في العلاقات المغربية – الجزائرية.
تصر جبهة البوليساريو على الانفصال الأمر الذي يرفضه المغرب
وسيطر المغرب على معظم مناطق الصحراء الغربية في نوفمبر/تشرين الثاني 1975 بعد انتهاء الاحتلال الإسباني، مما أدى لاندلاع نزاع مسلح مع جبهة البوليساريو استمر حتى العام 1991، وتنشر الأمم المتحدة هناك بعثة مينورسو منذ العام 1991 للسهر على تطبيق وقف إطلاق النار في المنطقة التي تقترح لها الحكومة المغربية حكمًا ذاتيًا واسعًا تحت سيادتها، في وقت تطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
ويعتبر المغرب الصحراء الغربية الشاسعة والغنية بالمعادن من “أقاليمه الجنوبية”، وعرض حكمًا ذاتيًا موسعًا للمنطقة، ولكن جبهة البوليساريو تصر على تقرير المصير من خلال استفتاء للسكان المحليين، ولم يحدث ذلك بسبب خلافات كبيرة أبرزها الخلاف بشأن قوائم الناخبين.
العهد الاستعماري الفرنسي
إلى جانب قضية الصحراء الغربية، يرى عديد من المراقبين أن تأزّم العلاقات بين المغرب والجزائر يعود تاريخه إلى العهد الاستعماري الفرنسي، عندما أعادت باريس ترسيم الحدود بين البلدين المتجاورين بإدخال “الحاسي البيض” و”كولومب بشار” ضمن المقاطعة الفرنسية للجزائر آنذاك.
أواخر السنة الماضية، بدأت الجزائر في أشغال بناء جدار عازل على حدودها مع المغرب، يقدّر ارتفاعه بسبعة أمتار وعرضه بمترين
وعقب حصول الجزائر على استقلالها من فرنسا عام 1962، بدأت العلاقات بينها وبين المغرب في التوتر والصدام، وصلت حدّ المواجهة العسكرية المفتوحة، بعد أن خاضا في بداية الستينيات ما عرف بحرب الرمال بسبب مشكلة الحدود بينهما، ويساهم العامل الخارجي وتحديدًا السياسة الفرنسية في استدامة “صورة العداوة” في العلاقات الجزائرية المغربية، وذلك لاعتبارات جيواستراتجية تتعلق بالحفاظ على فرنسا باعتبارها القوة الكبرى الأكثر نفوذًا في منطقة المغرب العربي.
ويتواصل غلق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب للسنة الـ22 بعد إغلاقه منتصف سنة 1994، على خلفية حادث مراكش الإرهابي الذي قرّر عقبه الملك الراحل الحسن الثاني فرض التأشيرة على الجزائريين، ليأتي قرار الرئيس اليامين زروال بغلق الحدود البرية بين البلدين.
وفي أواخر السنة الماضية، بدأت الجزائر في أشغال بناء جدار عازل على حدودها مع المغرب، يقدّر ارتفاعه بسبعة أمتار وعرضه بمترين، ويمتد على مسافة 271 كلم انطلاقًا من ولاية تلمسان كخطوة أولى، وتقول السلطات الجزائرية، إن الغرض من هذا الجدار العازل، تأمين حدودها مع المغرب والتصدي لعمليات التهريب، خاصة تهريب المخدرات.
توتر كبير على الحدود بين البلدين
وسبق للمغرب بناء جدار مماثل، يتجاوز طوله 100 كلم، تم تشييده خلال العامين الماضيين، وبرّرت السلطات المغربية هذا الجدار بغرض محاربة الجريمة المنظمة ومنع تسلّل مقاتلين ينشطون في جماعات متطرفة من الجزائر إلى المغرب. وتبلغ الحدود البرية بين المغرب والجزائر نحو 1601 باحتساب أراضي منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتعرف الحدود بعض التوتر من حين لآخر، حيث ينشر الجانبان قوات عسكرية لهما دون أن يصل ذلك إلى أيّ تشابك عسكري.
حرب تسلح بين البلدين
توتر العلاقات بين البلدين أدّى إلى سباق التسلح بينهما، دفعهما إلى تخصيص ميزانيات ضخمة لشراء الأسلحة قصد تعزيز دفاعاتها العسكرية حتى أصبحتا من أبرز الدول التي تتسابق من أجل اقتناء الأسلحة، شكل مجموع ما تستورده دولتا الجزائر والمغرب من الأسلحة 56% من إجمالي واردات إفريقيا بين سنتي 2011 و2015، حسب أحدث تقرير عن تجارة السلاح في العالم لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمية، رغم ما تعانيه الدولتان من مشاكل اقتصادية كبيرة دفعتها للتوجه إلى السوق المالية العالمية للتداين.
وصلت نسبة واردات المغرب من الأسلحة إلى 26%
وفي وقت سابق، ذكر المركز الأمريكي “ستراتفور” بأن الجزائر استغلت عائداتها النفطية من أجل رفع ميزانية التسلح والدفاع العسكري إلى 176% منذ 2004، حيث تخصص الجزائر حاليًا ميزانية تصل إلى 10.5 مليار دولار سنويًا، وهي ميزانية تتجاوز بثلاث مرات ما يخصصه المغرب في هذا المجال، الأمر الذي دفع المغرب الذي وصلت نسبة وارداته من الأسلحة إلى 26%، إلى اتباع سياسة بناء تحالفات قوية مع البلدان الصديقة، على غرار ما يحدث مع بلدان مجلس التعاون الخليجي والاستفادة من دعم هذه الدول للمملكة.
المغرب العربي
هذه الأزمة المشتعلة بين المغرب والجزائر منذ عقود عدّة كان لها الأثر الكبير على بناء المغرب العربي الكبير، فالخلاف الجزائري المغربي كان من أبرز العراقيل التي تواجه اتحاد المغرب العربي منذ تأسيسه لتفعيل هياكله وتحقيق الوحدة المغاربية، وتبلغ مساحة دول اتحاد المغرب العربي مجتمعة نحو 5.782.140 كلم² وتشكل ما نسبته 42% من مساحة الوطن العربي، وتشكل مساحة الجزائر وحدها ما نسبته 41% من مساحة الاتحاد، ويبلغ طول الشريط الساحلي نحو 6505 كلم، أي 28% من سواحل الوطن العربي بأكمله.
خسائر كبيرة لدول الاتحاد نتيجة توتر العلاقات بينها
وتؤكد العديد من الدراسات الاقتصادية أن “اللامغرب عربي” قد كلّف بلدان هذه المنطقة خسارة حجم مبادلات تجارية بنحو 6.1 مليار دولار، وأن التأخير في إنشاء المغرب العربي يفقد بلدان الاتحاد المغاربي سنويًا ما يقارب 2 إلى 3 نقاط نمو، وهو ما يمثل لتونس تقريبًا خسارة تقدر بـ50 ألف موطن شغل مباشر كل سنة هي في أمس الحاجة إليها، هذا بالإضافة إلى الآلاف من مواطن الشغل غير المباشرة المهدورة.
ولا تمثل المبادلات التجارية بين البلدان المغاربية إلا 2% من قيمة معاملاتها الخارجية، وهو الرقم الأضعف في العالم إذا نظرنا إلى حجم المبادلات التجارية بين بلدان المنطقة الواحدة كبلدان الاتحاد الأوروبي أو بلدان جنوب شرق آسيا أو بلدان أمريكا اللاتينية.