رغم انخفاض أسعار الأضاحي وملئها لأسواق قطاع غزة على غير العادة، فإن ذلك لم يكن كافيًا وشافعًا للفلسطينيين لشراء أضحية العيد وإحياء سننه، جراء الأوضاع الاقتصادية والأزمات الإنسانية الحادة التي يعيشونها منذ أكثر من 10 سنوات وأثقلت من معاناتهم وحياتهم.
وخلال تجوالك في أسواق القطاع تجد الكثير من المواطنين يتجمهرون حول الأماكن المخصصة لبيع الأضاحي داخل الأسواق، لكن الكثير منهم يكتفون بالنظر نحو أضحية العيد بعيون من الحسرة، وكأن لسان حالهم يقول: “العين بصيرة.. واليد قصيرة”.
فتعاقب مواسم الأعياد والمناسبات على أهل غزة، أضاف إلى كاهلهم عبئًا جديدًا جعلهم يفكرون بأمور أخرى أكثر أهمية تنشل أسرهم من الفقر والجوع، عن شراء أضحية العيد التي باتت بالنسبة لهم حلمًا يصعب تحقيقه، خاصة بعد رفع الجمعيات الخيرية يدها عن فقراء غزة.
لا أضحية للفقراء
ويعاني قطاع غزة أزمات معيشية وإنسانية حادة، جراء الحصار الإسرائيلي المشدد على القطاع للعام العاشر على التوالي، وكذلك الخطوات التصعيدية القاسية التي اتخذها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، منها تقليص رواتب موظفي الحكومة في غزة، وإحالة الآلاف منهم إلى التقاعد المبكّر، وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة في اليوم.
وبشكل كبير، كان اقتصاد غزة يعتمد على رواتب الموظفين الشهرية التي تدفعها الحكومة في الضفة الغربية، فيما يعاني قطاع غزة ارتفاعًا كبيرًا في معدلات البطالة، خاصة بين الشباب وصلت لنحو 60% بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية.
عدد من التجار والمواطنين أرجع تدني عملية الشراء إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المواطن الفلسطيني في ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها القطاع المحاصر، فيقول المواطن ياسر الشاعر، إنه غير قادر على شراء أضحية العيد لهذا العام، وتوجه إلى السوق عله يجد أضحية رخيصة الثمن لكنه لم يجد.
ويضيف لـ”نون بوست”: “يبدو أن الفقراء هذا العام لن تكون لهم أضحية وسيكتفون بالنظر لها لا أكثر”، مشيرًا إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة والقاسية التي يعاني منها أهل غزة من حصار وكهرباء ورواتب وتلاحق مواسم الأعياد والمدارس أثقلت حياتهم وزادتها ألمًا ووجعًا”.
فصول الألم والحسرة لم تتوقف عند المواطنين والفقراء في غزة فقط، بل انتقلت كذلك لتجار المواشي الذين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة جراء حركة الشراء الضعيفة للأضاحي هذا الموسم، وتكبدوا خسائر مالية كبيرة.
يستهلك قطاع غزة شهريًا 2000 عجل، حيث تم استهلاك 14 ألف عجل منذ بداية العام، فيما يتبقى 8 آلاف عجل رصيدًا لعيد الأضحى
فيقول تاجر المواشي والخراف محمود أبو وردة، لـ”نون بوست”: “هذا الموسم كان كارثيًا نتيجة حجم الخسائر التي تكبدها عشرات تجار المواشي في قطاع غزة”، مشيرًا إلى أنه ورغم قرب قدوم عيد الأضحى المبارك فإن الحركة الشرائية لا تزال ضعيفة للغاية.
وعزا التاجر أبو وردة، حالة الركود وعزوف المواطنين عن شراء أضاحي العيد لهذا الموسم، إلى الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الخطيرة التي يعاني منها السكان منذ سنوات طويلة، وقد تفاقمت خلال الشهور الأخيرة.
ويستهلك قطاع غزة شهريًا 2000 عجل، حيث تم استهلاك 14 ألف عجل منذ بداية العام، فيما يتبقى 8 آلاف عجل رصيدًا لعيد الأضحى، بالإضافة إلى المواشي التي يتم استيرادها والمقدرة بنحو 6000 رأس.
حرمان من الأضحية
ويبدو أن هذا العيد سيكون كذلك عاجزًا عن إدخال الفرحة والبهجة على الكثير من الأسر الفقيرة في قطاع غزة، ففي كل عام ومع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، تسارع الجمعيات الخيرية في قطاع غزة للتحضير والبدء بشراء الأضاحي باختلاف أنواعها، من أجل نشر المحبة والبهجة في قلوب مئات الفقراء والمحتاجين، لكن هذا العام سيكون مختلفًا فهي لن تتمكن من القيام بدورها المعتاد في تنفيذ مشاريع توزيع لحوم الأضاحي على الفقراء كافة، بسبب تقليص التمويل المقدم لها والذي وصل إلى الحد الأدنى مقارنة بالسنوات السابقة.
وتعاني العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية في القطاع هذا العام من ضعف التمويل والتبرعات الخارجية، إضافة إلى التقليصات المالية بحق موظفي السلطة والتي أدت إلى نقص التبرعات الموجهة إلى المؤسسات الخيرية، وكذلك إغلاق العديد من المؤسسات الدولية أبوابها في القطاع المحاصر منذ أكثر من 10 سنوات.
ومن جانبه، أكد علاء الغفير مدير جمعية أرض السلام الخيرية أن الجمعيات الخيرية في القطاع تقلص عملها بشكل كبير مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، فقد اقتصر ذلك على المراسلة بين الأصدقاء والمؤسسات المانحة من أجل تحصيل ولو جزء بسيط من التمويل اللازم لتنفيذ مشروع توزيع الأضاحي على الفقراء.
وأوضح الغفير أن الأوضاع السياسية والاقتصادية المحيطة بفلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، جعلت التمويل الخارجي معدومًا وفي أصعب مراحله، فالقليل من المؤسسات المانحة تستطيع إرسال التمويل والدعم للقطاع، في ظل عدم دخول القوافل والمساعدات إلى القطاع، كما حدث مؤخرًا مع القافلة الجزائرية التي ما زالت عالقة على معبر رفح، مشددًا أن تلك الإجراءات أكبر العوائق التي تواجه الجمعيات الخيرية في غزة.
وأضاف كذلك: “كل عام في هذه الفترة يكون مشروع الأضاحي جاهزًا، لكن هذا العام لا يوجد جاهزية حتى اللحظة نظرًا لانعدام التمويل الخارجي للمشروع، معربًا عن أمله في أن تتمكن المؤسسات المناحة من إرسال التمويل الخاص خلال الأيام القليلة المتبقية”.
وبين الغفير أن مشروع الأضاحي سينفذ هذا العام بالحد الأدنى حسب الأموال التي تتوافر وإلى الآن لا تتوافر أي أموال لدى الجمعية لتقدير عدد المستفيدين، لافتًا إلى أن الجمعية توزع اللحوم عادة على مناطق قطاع غزة كافة، وآخر مشروع نفذته استفادت منه 250 ألف أسرة.
وضعفت حركة المواطنين على مزارع الأبقار والمواشي بغزة، التي كانت في السابق مسرحًا يجمع المواطنين للتنافس على شراء الأضاحي، ووفق وزارة الزراعة فإن حركة شراء الأضاحي هذا العام ضعيفة، رغم انخفاض أسعار الأضاحي مقارنة بالعام الماضي.
وقال تحسين السقا مدير دائرة التسويق بوزارة الزراعة: “أسعار المواشي من فئة البقر والعجول هذا العام أقل من العام الماضي بنحو 255 دولارًا للبقرة الواحدة، البالغ سعر الكيلوغرام (الحي) منها نحو 15 شيقلاً (4.2 دولار)، أما أسعار الخراف فيتراوح سعر الكيلوغرام (الحي) منها بين 4-5 دينارات أردنية (5.6-7 دولارات) بفارق نصف دينار عن العام الماضي.
ولفت أن وزارته أدخلت إلى القطاع، عن طريق معبر “كرم أبو سالم” التجاري الخاضع لسيطرة “إسرائيل”، 21 ألف رأس من الأبقار والعجول، و30 ألف رأس من الخراف منذ بداية العام الحالي، إضافة إلى وجود ثلاثة آلاف بقرة في المزارع المحلية بغزة.
ويقول مدير دائرة الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة بغزة، طاهر أبو حمد: “هناك وفرة في كميات الأضاحي الموجودة في السوق الغزية مع انخفاض في السعر، حيث يوجد نحو 16 ألف رأس من الماشية و30 إلى 40 ألفًا من الأغنام وهو ما يكفي لحاجة الغزيين”.
ويوضح أبو حمد أن وزارته رصدت تراجعًا واضحًا في حجم الإقبال على شراء الأضحية لهذا العام حيث لم يتجاوز حجم المبيعات 40% رغم قرب حلول عيد الأضحى، مقارنة مع مبيعات الأعوام السابقة رغم الانخفاض الواضح والملموس في أسعار الأضاحي.
ويشير المسؤول الحكومي أن إجمالي حاجة الغزيين لموسم الأضاحي الواحد يصل إلى 12 ألف رأس من الماشية و30 ألفًا من الأغنام، في الوقت الذي لا تتمكن فيه وزارته من تحديد الأسعار ويترك الأمر للسوق المحلية لاختيار السعر المناسب وفقًا لحجم الحركة الشرائية.
بدوره أوضح، الخبير الاقتصادي معين رجب، أن القدرة الشرائية لسكان غزة متدنية للغاية، وفئة قليلة جدًا القادرة على شراء الأضحية، في ظل ازدياد الأوضاع الاقتصادية صعوبة وعدم توفر السيولة، “يعيش فلسطينيو غزة ظروفا لم يعيشوها من قبل”.
أحد أسباب ضعف الإقبال على الأضاحي هو استمرار انقطاع التيار الكهربائي الذي وصل إلى 20 ساعة قطع متواصلة
وأرجع رجب ضعف الإقبال إلى استمرار انقطاع التيار الكهربائي الذي وصل إلى 20 ساعة قطع متواصلة، مضيفًا: “حتى من يستطيع أو يرغب في الاستفادة من التسهيلات في بيع الأضاحي مثل انخفاض السعر وتوفر نظام التقسيط، ستكون لحومها عرضة للتلف في اليوم التالي لعدم توفر الكهرباء لحفظها، وهو عائق كبير أمامه وسبب في عزوفه عن فكرة الأضحية”.
كما شدد رجب على أن ضعف الإقبال على الشراء يؤثر سلبًا على سوق بيع الأضاحي بشكل كامل، معربًا عن أمله في عدم استمرار الأزمة أو عدم وصولها إلى ذروتها، وأن يجد المواطن طريقة لحفظ اللحوم مثل الوسائل البدائية والاستفادة من انخفاض أسعار الأبقار والمواشي وتوفرها.