قبل أسابيع تعالت الأصوات في بلاد الرافدين (بلد الحضارات) الذي أصبح بلدًا للفساد والنكبات والخيبات، تعالت الصرخات وهو مفجوع من حجم الفساد وعلى خلفية هروب واختفاء محافظين (محافظ البصرة جنوب العراق، محافظ الأنبار غرب العراق)، الأول هرب إلى ما وراء الشمس، ولا يمكن الوصول إليه لطول الطريق وقلة الزاد، إلى جهة خارج الشبهات بكل حال من الأحوال، وأول حرف من اسمها إيران، والثاني اختفى إلى جهة مجهولة ربما داخل الخضراء أو خارجها (مثل فص ملح وذاب). الأول ينتمي للمجلس الأعلى الإسلامي ويحمل الجنسية الأسترالية، هذا السياسي عندما قرر الهروب لم يقصد أستراليا الدولة التي يحمل جنسيتها ولجأ إليها أيام الجهاد ومقارعة الظلم والفساد لأنه يعلم أن هذه الدولة الكافرة حسب أدبيات “حزبه الإسلامي” لا تتسامح مع الفاسدين واللصوص وليس لأحد أن يتبجح ويعلن نفسه فوق القانون، فهناك دستور وسيادة للقانون ولا يحق لحامل جنسية هذه الدولة وغيرها من الدول الكافرة ممارسة الفساد والجريمة حتى لو كان في وطنه الأم ويحتمي به ويفلت من العقاب، بل فضل الذهاب لدولة إسلامية جارة شعارها حب الدين والعدل والمساواة ونصرة الموالين ولو كانوا ظالمين. أما الثاني فهو من كتلة “المتحدون” المنضوي تحتها أحد الأحزاب الإسلامية أيضًا، بكل الأحوال هذه الأحزاب والقوائم والكتل لم تجلب لنا إلا العار والفاسدين، لكن أعتقد أن هذا المحافظ لم يحالفه الحظ بالهروب خارج الوطن إلى الجارة العزيزة ولم يسعفه الوقت لتقديم التنازلات والولاء المطلق كما فعل عرابه من قبل من أجل المنصب والمال السُحت، فلهذا صار كالطريدة الشاردة.
في عراق اليوم، لقصص الاحتيال والفساد طرق ومهارات، وآخرها ما سمعناه من برلمانية ظهرت على شاشات الفضائيات تتحدث عن برلمانين يسحبون تواقيعهم عن استجواب لوزير مقابل ابتزازه بمبالغ مادية
فنصيحة مجانية للسياسيين، بادروا من الآن للتنسيق مع دول الجوار المحبة للعراق وأهله، قدموا ما يمكن تقديمه وعلى حساب الوطن يعني (سويلك بكل خرابة گرابه) كي تتنعموا فيما بعد بما حملتم من غنائم، فلربما يحدث خطأ أو سهو ويتم فتح ملف من ملفات الفساد وأنتم غافلون، أو رتبوا الأمور داخليًا مع بقية الكتل والأحزاب دون الحاجة إلى السفر، فالفرصة ما زالت قائمة، وساحة الغنائم مفتوحة، والعراق مستباح أمامكم!
المحافظ درجة وظيفية تعادل درجة وكيل وزير، ولا يمكن مقارنته بدرجة البرلماني أو الوزير، والأرقام الجديدة لحجم فسادهم ليست بالملايين ولا بالمليارات بل وصلت الأرقام الآن إلى شيء اسمه “التريليون”، نعم التريليون، حتى إنني أجد الصعوبة في استيعابه! وهذا الرقم يتداوله الآن الإعلام وبعض البرامج وشبكات التواصل الاجتماعي التي تتمتع إلى هذه اللحظة بشيء من الحرية وبمساحة كافية من نشر الغسيل، إذًا، كم حجم الميزانية والمال المتاح للمناصب والدرجات الوظيفية الأعلى من المحافظ كالرئاسات الثلاثة، الوزراء، البرلمانيين، الكتل والأحزاب الرئيسية؟ سؤال يحتاج إلى جواب، وليس لديّ الجواب.
ولكن ما أعرفه أن لقصص النجاح والإبداع أثر وعبر، في عراق اليوم لقصص الاحتيال والفساد طرق ومهارات، وآخرها ما سمعناه من برلمانية ظهرت على شاشات الفضائيات تتحدث عن برلمانين يسحبون تواقيعهم عن استجواب لوزير، مقابل ابتزازه بمبالغ مادية تبدأ من 100000 دولار وتنتهي بـ2000 دولار فقط، طبعًا هذا سعر التوقيع، ويعتمد على حجم البرلماني وحجم كتلته السياسية في البرلمان!
بالله عليكم هل سمعتم بمثل هكذا مساومات سياسية! بصراحة لا أتخيل مثل هذه المساومات في غرف الدعارة، فلكم أن تتخيلوا حجم هؤلاء البشر!
الحكومات التي بها فاسد واحد لا يمكن لها أن تستمر، فكيف بحكومة مستمرة ومنذ أكثر من عقد وليس بها إلا الفاسدين؟! وألا لعنة الله على الفاسدين جميعًا
حجم الفساد في الدولة العراقية بلغ مستويات قياسية خطيرة وأرقام مهولة، فمنظمة الشفافية العالمية (Transparency International) ويرمز لها (TI) صنفت العراق من ضمن الدول الـ10 الأكثر فسادًا في العالم، ولم لا، فخلال الـ14 سنة الماضية لم نسمع بمحاسبة أحد من الفاسدين من قبل الدولة أو على الأقل محاولة فتح ملفات فساد حقيقية وأمام الرأي العام، لماذا، لأن حيتان الفساد معروفون، فهم لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.
الحقيقة التي لا تقبل الجدل أنه لا توجد حكومة في العالم يجهر أحد من وزرائها أو برلمانيها أو أي جهة سياسية تمثلها بالفساد إلا الحكومة العراقية، حيث يعترف أحد المنتسبين لهذه الحكومة على شاشات الفضائيات ونُشر لقائه على شبكات التواصل الاجتماعي، بكل وقاحة ويقول “كلنا لصوص، كلنا حرامية، كلنا مرتشون”، ويعترف أيضًا على نفسه بأنه أخذ مليوني دولار رشوة من أحد الفاسدين مقابل غلق ملفات فساد بحقه، ويقول أيضًا الكل يأخذ الرشوة، المعمم، الأفندي، أبو العقال، فكلنا مرتشون والذي لا يأخذ الرشوة جبان! إذًا أصبح ميزان الفخر والمنجزات عند هذه الحكومات المتعاقبة على العراق ليس تقديم الأفضل للمواطن وإنما الرشوةُ والفساد!
الثابت أن الحكومات التي بها فاسد واحد لا يمكن لها أن تستمر، فكيف بحكومة مستمرة ومنذ أكثر من عقد وليس بها إلا الفاسدين؟! وألا لعنة الله على الفاسدين جميعًا، إذًا الموضوع ليس له إلا تفسير واحد فقط، إنه (الثمن)، نعم الثمن الذي يقبضه هؤلاء سلفًا مقابل تنفيذ أجندات خاصة مرسومة لهم وبشكل محكم يدفع الشعب العراقي ثمنه الباهظ، ويتم التغاضي عن فسادهم داخليًا وخارجيًا.
فما هذه الأجندات وما حجم هذه المؤامرات التي لا يعادلها كل هذه المليارات والتريليونات؟! الجواب باختصار، فقدان الأمن، ظهور داعش ومن قبلها القاعدة، تشكيل المليشيات وعصابات الخطف والقتل، تشجيع الهجرة من الوطن والشتات في البلاد، عدم توفير الخدمات عمدًا، تدمير البنى التحتية، نسف المنظومة التعليمية، ضياع الشباب وهدر طاقاتهم كي يفقدوا الأمل بالحياة، وفي النهاية تقسيم العراق إلى أقاليم ودويلات ثم إشعال الفتن بين مكوناته، هذا هو ثمن السكوت على فساد الفاسدين في العراق، فلهذا يا فاسدون، أنتم باقون، وقدَرُنا شئنا أم أبينا، إلى أن تكتمل الخطة وينتهي البلد.