“صاحب الحاجة أرعن”، مثل شعبي يقال لتبرير حالة الإهتزاز والإرتباك التي تصيبنا عندما نكون في موضع الحاجة وسؤال الأخر المقتدر ماديا.
لقد تحقق هذا المثل لدى العديد من العائلات الأردنية التي دفعها الفقر والعوز، إلى حلول غاية في الخطورة على استقرارها، إذ لجات للحصول على قروض مالية صغيرة تمويلية، بحجة افتتاح مشروع مدر للدخل، لتتمكن من سد عوزها وهي لا تدري أنها دخلت إلى أدغال شائكة لا تعرف كيف تخرج منها.
حسب بعض التقارير الصحفية، فإن نحو 34 ألف سيدة أردنية مطلوبة للقضاء، لعدم قدرتهن على سداد قروض تمويلية لجهات قامت بتمويلهن، بهدف إقامة مشاريع إنتاجية صغيرة تعمل على تحسين مستوى معيشتهن وأسرهن.
هذه القروض المالية ما هي إلا فخاخ ومصائد مرعبة للنساء -خصيصاً في المناطق النائية أو الفقيرة في الأردن
ومعظم النساء اللواتي حصلن على القروض، غير قادرات على التسديد في الوقت الذي يتم فيه رفض عمل تسوية وإعادة هيكلة هذه القروض، عوضا عن ذلك يتم رفع قضايا عليهن في المحاكم ويدفعن رسوم وأتعاب المحامين، عدا عن الغرامات المترتبة على التأخير في التسديد.
يرى البعض، أن هذه القروض المالية ما هي إلا فخاخ ومصائد مرعبة للنساء -خصيصاً في المناطق النائية أو الفقيرة في الأردن مثل القرى والمخيمات وغيرها- يجب إيجاد حلول لها ومخارج مع الأخذ بالاعتبار أن ما حصلن عليه من قروض، هي حقوق للجهات الممولة لا تضيع ولا بد من إعادتها بطريقة بعيدة عن المطاردة القانونية.
نساء مطلوبات قضائياً
وفي ذكر بعض قصص تلك السيدات، قال المواطن خالد.س إن “زوجته كانت من ضمن النساء اللواتي أخذن قرضا من إحدى الجهات التمويلية، للعمل في مشروع صغير من داخل المنزل”.
وأضاف خالد لـ”أردن الإخبارية” أن “زوجته قامت بفتح مشروع خياطة للأقارب والمعارف، فاشترت ماكينة وقماش وبدأت بتفصيل الملابس”، لافتا إلى أن “المشروع لم ينجح ولم تستطع زوجته رد القرض ولا فوائده الكثيرة، موضحا أن “زوجته ملاحقة قانونياً وأنه يعمل على توفير مبلغ القرض لدفعه للجهة التمويلية وإنهاء القضية دون أي أزمات أو تهديد أمني أو قضائي لها”.
بينما أكد المواطن عامر.ط ، على أن “زوجته مطلوبة للتنفيذ القضائي، عقب عجزها عن دفع قيمة القرض الذي وصل إلى 500 دينار مع فائدة بقيمة تتراوح بين 200 و 300 دينار”.
وقال عامر إن “زوجته اضطرت للاقتراض لمساعدتي في توفير تكاليف ومصاريف البيت ، فعملت في إنتاج الحلويات من داخل المنزل، لكن المشروع لم يسير وفق ما كان مخطط له”.
أم سعيد: “بعد أن قمت بتسديد القرض مع فوائده بطلوع الروح، قررت ألا اعيد الكرة مرة أخرى، فقد كنت في كابوس”
أما المواطنة أم سعيد فهي أرملة وبحاجة للمال كيف تسد احتياجات اولادها التي لا تنتهي، وفق وقلها. قالت أم سعيد، “دفعتني الحاجة للحصول على قرض من إحدى شركات تمويل المرأة، لكن طريقة التعامل وتحصيل المبلغ، كانت تجربة سيئة خصوصا لجهة الفوائد المرتفعة”.
وأردفت أم سعيد بقولها “بعد أن قمت بتسديد القرض مع فوائده بطلوع الروح، قررت ألا اعيد الكرة مرة أخرى، فقد كنت في كابوس”، مشددة على أنه “لن أكرر هذه التجربة مرة أخرى مهما كانت الظروف”.
شروط تعجيزية لسداد القروض
لكن المواطنة خيرية جمال، فقد أبدت رضاها عن تجربة القروض، لكنها لن تخف استيائها من بعض الشروط، فهي تتعامل مع هذه القروض منذ سنوات، وملتزمة في السداد لكن بصعوبة”.
وأوضحت جمال أنه “ممنوع تأخير الدفعة ولو ليوم واحد، وإذا حدث ذلك فسيترتب غرامات وفوائد تضاف على القرض الأصلي، وحياتك كلها ستهدد”.
السمهوري: 75% من السيدات المحتجزات في مراكز الإصلاح تم إيقافهن على قضايا مالية جراء قروض المرأة
ولتجربتها المريرة مع شركات التمويل، رأت المواطنة وفاء عمرو أنها “باتت تفضل الجمعيات الشهرية على تلك القروض، فهي على الأقل لا يترتب عليها فوائد ولا غرامات عند التأخير”، مؤكدة على أنها “لن تعود لتلك القروض أو الترويج لها لما لها من سيئات ومضار على العائلات”.
صندوق المرأة: 22.8 مليون دينار إجمالي القروض الممنوحة للنساء
إلى ذلك، فقد صرح رئيس “جمعية جذور لحقوق المواطنين” المحامي فوزي السمهوري، خلال حديثه لإذاعة “حياة اف ام” بأن 75% من السيدات المحتجزات في مراكز الإصلاح والتأهيل، تم إيقافهن على قضايا مالية، جراء قروض المرأة”.
وفي السياق، وحسب آخر تقرير سنوي صادر عن صندوق المرأة، فإن “قيمة إجمالي القروض الممنوحة بلغت 22.8 مليون دينار”، مع الإشارة إلى أن 97% من المقترضين نساء”.
وطبقا للتقرير، بلغت إيرادات الفوائد على تلك القروض نحو 12.2 مليون دينار، أما قيمة عمولة الدفعات المتأخرة فكانت حوالي مليون و 38 ألف دينار.
من ناحيتها، أكدت المحامية إنعام العشا من “جمعية تضامن النساء”، على أن “كثير من النساء المقترضات يعانين من التبعات القانونية والإجتماعية لتعثرهن في سداد قروضهن”.
المحامية العشا: كثير من النساء المقترضات يعانين من التبعات القانونية لتعثرهن في سداد قروضهن
وقالت العشا لـ”أردن الإخبارية” إن “أغلب النساء اللواتي حصلن على قروض فشلن في مشاريعهن، وبدلا من النجاح والاستمرار أصبحن يفكرن في طرق لسداد تلك القروض وفوائدها”.
وتساءلت الحقوقية عن أسباب “التساهل من قبل مؤسسات التمويل في منح النساء قروض مالية، بالرغم من أن الكثير من المقترضات لا يعملن ولا دخل لهن، فضلا عن عدم وجود ضمانات لديهن للقرض”.
ورأت أن “هذا التساهل يعرض المقترضات إلى مواجهة عدم القدرة على السداد، مما يضطرهن إلى جدولة قروضهن، وفي حالة لم يستطعن سداد قيمة القرض فإن ذلك يعرضهن للملاحقة القانونية”.
المحامية العشا دعت أيضًت إلى “إعادة النظر بالأسس التي يتم بناءا عليها الموافقة على إقراض النساء، وتوفير ضمانات للقروض تكفل السداد المريح، والبعد عن اللجوء الى عقوبة السجن كوسيلة إكراه وضغط في حالة العجز عن السداد”.
مطالب باعادة النظر بأسس منح القروض للنساء
بدورها، طالبت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، الحكومة بإعادة النظر في التشريعات القانونية والخاصة بالمؤسسات، التي تعطي قروضا للمواطنيين لتمويل مشاريعهم الانتاجية الأهلية، وذلك لمزيد من الصدقية والجدية في العملية الإقراضية لضمان نجاح هذه المشاريع الإنتاجية.
وقال رئيس الجمعية الدكتور محمد عبيدات إن “مثل هذه الإجراءات في منح القروض من قبل المؤسسات الإقراضية، يصب في صالحها لتحقيق أرباحا مادية وليس في صالح المقترض، فالتيسير في إعطاء القرض قد يكون فخا للمقترض أكثر مما هو عملية تمويلية”.
وأضاف أن “غالبية المقترضين يلجؤون إلى المؤسسات الاقراضية، لتسديد احتياجاتهم اليومية الاعتيادية لضعف دخولهم المادية، وليس لإنشاء مشاريع إنتاجية”.
وطالب عبيدات الحكومة إلى “إعادة صياغة التشريعات والقوانين الناظمة لهذه العملية الإقراضية، بحيث لا تعطى لا لمشاريع إنتاجية حقيقية موجودة على أرض الواقع، من خلال دراسات اقتصادية علمية”.
طالب مدير الأمن العام بإعادة دراسة الاجراءات الشرطية في كل ما يتعلق في الطلبات المالية البسيطة ووضع اجراءات جديدة في مثل تلك الحالات تصب بمصلحة المواطن وتسهل عليه
إلى ذلك، وعلى إثر حادثة وقعت قبل يومين، أمر فهيا مدير الامن العام اللواء أحمد سرحان الفقيه بفتح تحقيق بشكوى مواطنة حول اجراءات التنفيذ القضائي بحقها واعادة النظر بكافة الاجراءات المتعلقة بالطلبات القضائية المالية البسيطة .
وجاء تشكيل هيئة التحقيق بعد أن وصلت لمدير الأمن العام شكوى من سيدة تم إيقافها من قبل احدى الدوريات وتبين أن بحقها طلب قضائي مالي بقيمة 900 دينار.
وهنا، طالب مدير الأمن العام بإعادة دراسة الاجراءات الشرطية في كل ما يتعلق في الطلبات المالية البسيطة ووضع اجراءات جديدة في مثل تلك الحالات تصب بمصلحة المواطن وتسهل عليه، وتتيح له إنهاء طلبه باسرع وقت ممكن وبما يضمن المحافظة على الحقوق .
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور مازن السعيد أن “سياسة قروض المرأة غير صحيحة”، وفي تفسيرمنه لسبب تعثر سداد القروض، اعتبر أن ذلك يعود إلى “غياب المعرفة بأسس الإدارة المالية المنزلية”.
ودعا السعيد في حديث لـ”أردن الإخبارية” المرأة المقترضة إلى “الابتعاد عن عقلية المستهلك والتفكير بعقلية المستثمر، بحيث يتم تنمية رأس المال لا استهلاكه واستنفاذه بالصرف منه على حاجيات المنزل”.
مطالب باعادة النظر بأسس منح القروض للنساء
المصدر: أردن الإخبارية