تختلف عادات وتقاليد الشعوب العربية والإسلامية في الاستعداد لعيد الأضحى الكريم أو كما يسميه البعض “العيد الكبير” من بلد إلى آخر وحتى داخل البلد الواحد، فتونس مثلا لها الكثير من العادات والتقاليد المتوارثة في هذا المناسبة تميزها عن غيرها من الدول لم تغير الأيام ولا السنون منها، يحرص التونسيون على إحيائها كل عام.
استعدادات مبكرة
استعدادات العائلات التونسية للعيد الكبير تبدأ مبكرة، فقبل حلول العيد بنحو عشرة أيام، تنتشر أسواق بيع الأغنام بمختلف أنواعها في كافة مدن ومناطق البلاد، في حركة تجارية نشطة، ووفرت السلطات التونسية حوالي 1 مليون و200 ألف رأس غنم هذا العام، مسجلة زيادة بـ 70 ألف رأس غنم مقارنة بالعام الماضي.
إلى جانب شرائه من الأسواق، تعمد بعض العائلات التونسية إلى تربية خاروف العيد في بيوتها حتى يشعر أطفالهم بالسعادة
وركّزت السلطات أكثر من 15 نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك (نقاط بيع للخراف من المنتج إلى المستهلك دون وساطة) لتوفير الأضاحي للتونسيين بأسعار مقبولة وتوافق إمكانياتهم المادية بالإضافة إلى التصدي للتوريد العشوائي، وهو من الممارسات التي تسبب زيادة الأسعار بشكل كبير. وبحسب العديد من المصادر تتراوح أسعار الأضاحي هذا العام بين 300 و700 دينار (ما يعادل مبالغ تتراوح بين 120 و320 دولارا).
إلى جانب شرائه من الأسواق، تعمد بعض العائلات التونسية إلى تربية خاروف العيد في بيوتها حتى يشعر أطفالهم بالسعادة وفرحة العيد أثناء تخضيب الخروف بالحنّاء، وتزيينه، في وقت يشتغل فيه النساء في ترتيب البيت وتنظيفه، وتحضير الطعام وتقطيع الخضراوات وحفظها في الثلاّجات، فيما ينشغل الرجال في مهمّة شراء الإضحيّة وتحضير معدّات ذبح.
مهن موسمية
مع قدوم عيد الأضحى تنتشر مهن موسمية مرتبطة بالأضحية وتزدهر على طول أيام العيد، وتختفي بعد أن تضرب موعدا في العام القادم، ويتخلص كثير من العاطلين من عطالتهم ويرتمون في عطالة مقنعة، وينخرطون في تجارة موسمية مربحة.
ومن المهن التي تزدهر خلال هذه المناسبة الدينية في تونس لا سيما في الأوساط الشعبية، فتسيطر تدريجيا على شوارع وأزقة ودروب مختلف أحياء المدن والقرى، بيع معدات الذبح والطهي، وسنّ السكاكين وشحذها، وبيع أواني الفخار ومعدات «الشواء»، كما تنتعش تجارة الفحم، وغيرها من المهن التي لا يكتمل العيد إلا بوجودها والتي تنتهي صلاحيتها بانتهاء العيد وصخبه.
ويلفت انتباهك وأنت تتجول في أزقة المدن والأسواق الشعبية عدداً من الشباب اتخذوا من مداخل الأحياء نقاطا لبيع التبن والعلف المخصص لأضحية العيد، يقتني الشباب حزما من التبن والعلف ويتنافسون على بيعها، وجلب أكبر عدد من الزبائن، حتى تستثمر المناسبة بشكل جيد. وتلقى تجارة التوابل أيضا رواجا مهما، حيث تحرص الأسر التونسية على اقتناء مختلف صنوفها لاستخدامها في تحضير وجبات خاصة مثل “العصبان”، وتجفيف اللحم تحت أشعة الشمس “القديد”، فضلا عن أكلات أخرى تختلف من منطقة إلى أخرى.
في صباح يوم العيد، بعد الصلاة مباشرة ينتشر في شوارع المدن جزارون يعلنون استعدادهم لنحر و«سلخ» الأضاحي
وفي صباح يوم العيد، بعد الصلاة مباشرة ينتشر في شوارع المدن جزارون يعلنون استعدادهم لنحر و«سلخ» الأضاحي منهم المحترفون والهواة، تبدأ مهمة هذه الفئة في الصباح وتنتهي قبل صلاة الظهر، إذ يجهزون العتاد ويتوجهون رفقة مساعدين لهم إلى المنطقة التي ألفوا الاشتغال فيها، ومنهم من يتوفر على زبائن كثر، بحيث تتم عملية الذبح بعد الاتفاق على ثمن الخدمة مع الزبون.
خرجة العيد
صباح يوم العيد، ينظم التونسيون، خاصة من سكان الأحياء العتيقة بمدينة تونس “خرجة العيد” في اتجاه المساجد هناك، لجمع أكبر عدد ممكن من المصلين، وخرجة العيد هي مسيرة يتجمع فيها المصلون نساء ورجالا، هاتفين “الله أكبر الله أكبر ولله الحمد لا إله الا الله”، مرورا بمنازل الحي وأزقته ليلتحق بهم السكان ويتجهوا أفواجا لأداء صلاة العيد.
وخلال خرجة العيد يردد المصلون أدعية من أجل “رأب الصدع بين المسلمين ونصرتهم، وأن يتم حجاج بيت الله مناسكهم وأن ينير قلوب الناس”، وتعدّ خرجة العيد من العادات التي منعها نظام زين العابدين بن علي خلال سنوات حكمه الـ 23، وعادت عقب الثّورة التونسية.
“العصبان” و “القلاية”
خلال عيد الأضحى يعرف التونسيين بأكلة “العصبان“ التي تعدّ أساسا من “كرش” وأمعاء الأبقار أو الخرفان أو الماعز، ففي مواسم عيد الأضحى لا يخلو منزل من صناعة العصبان، فتتحولق حوله الصبايا لمساعدة الأم على التحضير، ويتنافسن على ذلك لأن الأشد كفاءة منهن سوف تحظى برضى أفراد العائلة والزوار وينسب إليها إعداده وتحضيره وخاصة لذته.
إضافة إلى عنصر اللحم تعتبر الخضار عنصرًا أساسيًا حتى تكتمل أكلة العصبان
في البداية، تقوم النساء بتنظيف الكرشة والأمعاء بشكل جيد ثم يقمن بتقسيم الكرشة لأجزاء متساوية ويقمن بخياطتها على شكل الجيوب، أو كرات صغيرة الحجم ويتركن جزءاً منها مفتوحاً وذلك لإدخال الحشو الذي سوف يعددنه لاحقا. في مرحلة أخرى يقمن بتنظيف كل من اللحم والقلب والرئتين والكبد وبعد القيام بتنظيف هذه العناصر يقمن بتقطيعها قطعاً صغيرة ووضعها في قدر ممتلئ ماء وتركها تغلي على النار مدة زمنية معينة.
إضافة إلى عنصر اللحم تعتبر الخضار عنصرًا أساسيًا حتى تكتمل أكلة العصبان، فنقوم بتقطيع كل من البصل والسبانخ والمعدنوس والثوم ونضيف إليها كل من النعناع المجفف والطماطم المعلبة والهريسة العربي والزيت الطبيعي، والتوابل والفلفل الأسود والأرز ثم نظيف قطع اللحم التي سبق وقمنا بإعدادها ونمزجها جيداً بالأيدي ونتركها حتى ترتاح، وتُسارع بعض المناطق في الجنوب التونسي لطبخ العُصبان في أوّل وجبة تلي حفل الشّواء، في حين تترك بقية المناطق العصبان للأيام المُوالية.
وفي النهاية يقمن بحشو أكياس الكرشة بهذا الخليط المتكون من عناصر غذائية أساسية يستفيد منها جسمنا وذو نكهة ومذاق طيب ونقوم بخياطة ما تبقى من الكيس حتى نحافظ على تماسك هذا الكيس العجيب، ذو الطابع المتميز والرائحة الزكية الذي تحبذه جل العائلات التونسية الغنية منه والفقيرة. إلى جانب أكلة “العصبان” تعرف العائلات التونسية بأكلة “القلاية”، وهي عبارة عن مرق باللحم يكون اللحم فيها مُقطّعا أجزاء صغيرة، أو “المُصلي” وهو طبق لحم وخضار يتم إعداده في الفرن، بالإضافة إلى الكمونية و”المرقة الحلوة” التي تختص فيها محافظة صفاقس.