لم يفتأ الرئيس التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم رجب طيب أردوغان، في الآونة الأخيرة، يشير إلى وجود “ترهل” داخل إدارة حزب العدالة والتنمية وكوادره، مؤكدًا أنه حان الوقت لإجراء تغييرات جذرية في داخله، ومشيرًا إلى أن عملية التغيير ستكتسب حيوية بعد عقد أول مؤتمر عام للحزب، فهل يشهد حزب العدالة والتنمية، فعلًا، تغييرات كوادره العليا والدنيا، وما دلائل توقيت التغييرات؟
إن اتجاه الرئيس أردوغان نحو إجراء تغييرات في كوادر الحزب، كان أمرًا معلوما ومنتظرًا، منذ اللحظة الأولى لرجوعه إلى قيادة الحزب، عقب الاستفتاء الشعبي الذي أُجري في 16 من نيسان/أبريل 2017، والذي وافقت عليه نسبة 51% من أصحاب الحق في التصويت، والذي كانت تقضي إحدى مواده تولي رئيس الجمهورية قيادة حزبه السياسي، وتنبع حاجة الرئيس أردوغان لإجراء هذا التغيير من نقطتين أساسيتين:
1ـ استرجاع قوته في ضبط كوادر الحزب وتوجهه، بعد تخليه عن قيادته لأحمد داوود أوغلو الذي ترك الحزب، مضطرًا، بعد خلافٍ عميق بينه وبين الرئيس أردوغان بشأن عدة مواضيع أهمها رغبة أردوغان في إحراز نظام رئاسي يكفل للرئيس صلاحيات واسعة، على النقيض من رغبة داوود أوغلو في صياغة نظام رئاسي يشارك صلاحياته مجلس وزاري.
حديث أردوغان عن إجراء عملية تغيير جذرية في كوادر الحزب التي “تفعل في الحزب، وتعمل من أجل منفعتها الشخصية، ومن أجل تحقيق علاقة شخصية وتنظيمية مع الدولة تستفيد من خلالها”، يوحي بأن التغييرات قد تشمل عددًا كبيرًا من النواب ورؤساء البلديات
2ـ تقوية أواصر التماسك الحزبي، في ظل حاجة الرئيس أردوغان لإجراء تطهير كامل للحزب من عناصر جماعة غولن، كآخر مؤسسة لم تطلها عملية التطهير حتى الآن، حرصًا على عدم إحداث تفكك بداخل الكودار، قبل عملية الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي، ولكن بعد انتهاء عملية الاستفتاء، بات حزب العدالة والتنمية مستعدًا لإجراء تصرف مرحلي بنتائج جذرية.
إن حديث أردوغان عن إجراء عملية تغيير جذرية في كوادر الحزب التي “تفعل في الحزب، وتعمل من أجل منفعتها الشخصية، ومن أجل تحقيق علاقة شخصية وتنظيمية مع الدولة تستفيد من خلالها”، يوحي بأن التغييرات قد تشمل عددًا كبيرًا من النواب ورؤساء البلديات ورؤساء الحزب في المدن والنواحي، لا سيما أن الحزب لم تُجرَ عليه عملية تطهير شاملة حتى الآن، كما أسلف ذكره.
وفي ظل الفراغ الكبير الذي قد يظهر في الكوادر نتيجة هذه التغييرات، ستصبح هناك حاجة لتعيين شخصيات جديدة، وعلى الأرجح، قد يتم اتباع ذات المعايير التي تم اتباعها خلال التعديلات التي طالت الحكومة مؤخرًا، وهي:
ـ الولاء وصلة القرابة للنخبة التنظيمية المقربة جدًا من شخص الرئيس أردوغان، بمعنى أن يتم اختيار أسماء مقربة جدًا من شخص الرئيس أردوغان، أو نخبته المقربة جدًا منه، والتي تشاركه عملية اتخاذ القرار، ولا شك أن عامل ثقة أردوغان في هذه الأسماء يؤدي دورًا أساسيًا.
ـ السن: إذ قد يتم اختيار الشباب أكثر من كبار السن، نظرًا لأن الشباب ليس لهم عدد المعارف التي يملكها كبار السن، وبالتالي سيظهرون ولاءً أكبر لقيادة الحزب.
ـ الصلاحيات المحدودة: بمعنى أن يحصل الشخص غير القيادي على موقع واحد لا أكثر، للحد من إمكانيات توسيع نفوذه داخل الحزب والدولة.
يمر حزب العدالة والتنمية بمرحلة اختبار صعبة، فبينما هو أمام إجراء تحولات جذرية في بنية الدولة لتطهيرها من أتباع جماعة غولن وتحويلها إلى دولة رئاسية، يجد نفسه مضطرًا للحفاظ على تماسكه استعدادًا لانتخابات 2019
يُتوقع أن يُعلن نتائج التغيير في المؤتمر الذي يزمع عقده في 12 من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، وفي ضوء الإجراءات الاحترازية التي تسعى للحفاظ على الانضباط وميزان القوى داخل الحزب لصالح أردوغان، قد يتجه أردوغان لإعادة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، الذي يمثل بذاته أحد تيارات حزب العدالة والتنمية.
ففي ظل الاستعداد لإجراء عملية تطهير الحزب من أتباع غولن، وفي ضوء الاستعداد لانتخابات 2019 البرلمانية والرئاسية والمحلية، يصبح هذا الأمر من أفضل الخيارات أمام أردوغان، لا سيما في ظل انعدام الأسماء البديلة لأحمد داوود أوغلو، والتي يمكن أن تحدث التوازن المنشود من قبل أردوغان، وبالأخص في ظل استمرار داوود أوغلو في الحفاظ على نسبة تأييد عالية من التيار المحافظ الذي يحتاج الرئيس أردوغان إلى استرجاع أصواته، بعد حدوث تراشق إعلامي فيما بينهما، نتيجة الاتفاق بالتطبيع مع “إسرائيل”، حيث وصف التيار المحافظ الاتفاق بـ”المخزي” الذي لم يصل إلى تطبيق الشروط التركية القاضية برفع الحصار كاملًا عن قطاع غزة مقابل عقد المصالحة.
وردًا على ذلك، صرح الرئيس أردوغان في حينه، مهاجمًا المعترضين على الاتفاق، بأن الذين ذهبوا بسفينة “مافي مرمرة” لم يأخذوا الإذن من الحكومة، واليوم يأتون لتحميل الحكومة المسؤولية، الأمر الذي فسره المحافظون على أنه تخلٍ واضح من الرئيس أردوغان عن المبادئ التي يدين بها، ويشاركها إياهم.
وفي خضم استمرار الخلاف، يبدو داوود أوغلو، مع أحمد داميرجان الذي يعد أحد أهم وزراء حكومة الزعيم نجم الدين أربكان، الذي يعد الأب الروحي للتيار المحافظ في تركيا، قد يضمنان للرئيس أردوغان كسب خاطر التيار المحافظ.
في المحصلة، يمر حزب العدالة والتنمية بمرحلة اختبار صعبة، فبينما هو أمام إجراء تحولات جذرية في بنية الدولة لتطهيرها من أتباع جماعة غولن وتحويلها إلى دولة رئاسية، يجد نفسه مضطرًا للحفاظ على تماسكه استعدادًا لانتخابات 2019، وهذا ما قد يجعله يتخذ قرارات وتغييرات حاسمة فعلية في المستقبل القريب.