منذ أن نزح الفلسطينيون بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبدل شكل الحياة اليومية لعشرات الآلاف، نتيجة حياة النزوح والعيش في العراء دون أي أفق بانتهاء الحرب التي يشنها الاحتلال.
في بداية الأمر كان النزوح موزعًا بين المناطق التي تقع جنوب وادي غزة من وسط القطاع حتى جنوبه بمدينة رفح، قبل أن ينحصر النازحون في مدينة رفح ودير البلح وسط القطاع، مع تصاعد حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
ومع انحسار النازحين الفلسطينيين في رفح، بات قرابة 1.3 مليون نسمة يشغلون مساحة 20% فقط من القطاع، ما أدى إلى تكدس شوارع وأزقة كل المناطق التي كانت تفاصيل يومها تختلف عما وصلت إليه حاليًّا.
يبدأ اليوم في مدينة رفح عادةً مع ساعات الصباح الباكرة عند السادسة من صباح كل يوم، حين ينتشر أفراد العائلات للمهام اليومية، ويتشارك الجميع غالبًا في المهام، ما بين البحث عن مياه الشرب وملء الأواني البلاستيكية، مرورًا بالبحث عن قوت يومهم.
بات قرابة 1.3 مليون نسمة يشغلون مساحة 20% من القطاع
وتعتبر المهام التي تقوم بها العائلات حاليًّا قاسية وشاقة، إذ تصنع السيدات الخبز نتيجة توقف غالبية المخابز عن العمل، ما يضطرهن إلى صناعته بطرق بدائية، سواء على الفحم أم الأخشاب الموجودة.
وتستغرق هذه المهمة عادة ما بين 3 إلى 4 ساعات، وهي مهمة شاقة في ظل نقص الدقيق والكثير من مواد صناعة الخبز، عدا عن وجود النازحين بالخيام في مناطق مكشوفة، وعدم توافر منازل كافية لاستقبالهم، إلى جانب تكدس مراكز الإيواء والمدارس.
مدارس ممتلئة وطوابير في كل مكان
في رفح تمتلئ المدارس الموجودة بعشرات آلاف النازحين الفلسطينيين الذين تعود مناطق إقامة الكثير منهم إلى شمال قطاع غزة ومدينة غزة، حيث تتشارك الكثير من العوائل الفصول الدراسية للإقامة، ويتم الفصل بين الرجال والنساء في الكثير منها.
فيما تحصل عائلات أخرى على فصول بعينها، لا سيما العائلات الممتدة أو التي يزيد عدد أفرادها على 20 فردًا، وفي غالب الأحيان فإن هذه العوائل بالأساس قد نزحت منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، أي قبل أن ينزح الكثير من السكان نحو جنوب القطاع.
أما دورات المياه فهي الأخرى تشهد “طابورًا كبيرًا”، حيث ينقسم النازحون داخل المدارس إلى قسمين ما بين الرجال والفتية والشباب والنساء، أمام عدد قليل من دورات المياه لا يكفي للتعامل مع أعداد النازحين في المدرسة الواحدة التي تصل في بعض الأحيان إلى قرابة 20 ألف نازح.
في الوقت ذاته، باتت المساجد والطرق الرسمية الملجأ الرئيسي للآلاف في ظل عدم وجود أراضٍ فارغة أو خيام أو مناطق نزوح تتسع لاستيعاب هذا الكم الكبير من النازحين في رفح التي تبلغ مساحتها الإجمالية 55 كيلومترًا مربعًا.
وعند محطات التحلية شحيحة العدد والإمكانات يصطف كبار السن والرجال وبعض النسوة لملء كميات محدودة من مياه الشرب، وسط نقص شديد في المياه نتيجة تعمد الاحتلال الإسرائيلي تدمير عشرات الآبار وقصفها من الجو والبر.
أما المخابز التي ما زالت تعمل، فهي الأخرى تشهد توافد الكثير من النازحين، للحصول على كميات بسيطة من الخبز لا تكفي إلا لبعض وجبات اليوم، باعتبار الخبز أحد السلع الأساسية للفلسطينيين في ظل شح بقية السلع الأخرى كالخضراوات والفواكه، نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
مواصلات بدائية.. الدواب وشاحنات تجارية
خلافًا لما كان سائدًا، تحولت رفح هي الأخرى كما بقية المدن الفلسطينية في قطاع غزة للاعتماد على الوسائل البدائية في المواصلات، حيث عادت العربات التي تجرها الدواب للظهور بكثرة من أجل نقل النازحين من مكان لآخر خلال عمليات تنقلهم اليومية.
وظهرت الحافلات التجارية التي يقف النازحون بها هي الأخرى، في ظل توقف السيارات وسيارات الأجرة عن العمل كنتيجة طبيعية لغياب الوقود وارتفاع أسعاره في السوق السوداء، جراء منع الاحتلال الإسرائيلي إدخاله منذ بدء العملية العسكرية على غزة.
وتعتمد السيارات التي بقيت تعمل على خلط السولار (أحد مشتقات البترول) بزيت الطهي أو ما يعرف فلسطينيًا بـ”السيرج”، فيما يلجأ آخرون للاعتماد على هذا الزيت بشكلٍ كامل في تشغيل مركباتهم، في حين توقفت السيارات التي تعمل بالبنزين كليًا واختفت تمامًا.
علاوة على ذلك فإن التنقل من مكان لآخر بات بدوره مهمة شاقة نتيجة تكدس المناطق الجنوبية للقطاع في ظل وجود قرابة 1.3 مليون نسمة يتجمعون في مساحة لا تزيد على 55 كيلومترًا مربعًا، وفي ظل بنية تحتية غير صالحة لهذا الكم.
كما تشهد الكثير من الشاحنات تكدس أعداد كبيرة من النازحين بداخلها دون أي وسيلة حماية أو وقاية، وهو أمر يتكرر في الكثير من الأحيان نتيجة غياب وسائل المواصلات وصعوبة التنقل والحركة بين المناطق بفعل عمليات القصف والتدمير الإسرائيلية المتواصلة.
لا كهرباء.. الطاقة الشمسية وسيلة بديلة
منذ أن توقفت محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسبقها بذلك قطع الاحتلال الإسرائيلي جميع الخطوط الواردة لغزة عبر الأراضي المحتلة، عم الظلام أرجاء قطاع غزة وباتت المولدات الخيار الوحيد قبل أن تتوقف هي الأخرى تمامًا عن العمل.
في أعقاب ذلك، بات الفلسطينيون في غزة يعتمدون على شحن هواتفهم وأجهزتهم البسيطة عبر خلايا الطاقة الشمسية المتبقية في القطاع، وأصبحت الطاقة الشمسية الوسيلة الوحيدة لتوفير الكهرباء للكثير من الفلسطينيين ولو بشكلٍ مؤقت يوفر لهم عمليات شحن بسيطة يوميًا.
في المقابل فإنه ومع حلول ساعات المساء يعم الظلام والسواد أرجاء القطاع إلا من بعض النوافذ التي تمتلك خلايا شمسية تمكنها من توفير الطاقة والكهرباء بشكلٍ محدود لساعات بسيطة، فيما بات الحديث عن الكهرباء رفاهية للغزيين، مقابل آلة الدمار والقتل التي يعيشون بها.