ترجمة وتحرير: نون بوست
آثار “الصوم المتقطع” اهتمام الكثيرين وأصبح معتمدا على نطاق واسع. ولكن الأمر ليس مجرد نزعة مآلها الزوال. ففي الواقع، أثبتت الدراسات التي أجريت على مثل هذا النوع من حميات الصوم، الذي يقتضي الحد من الأكل لفترات محددة ولكن ليس في جميع الأوقات، أن الصوم المتقطع له فوائد جمة. بيد أن أكثر النتائج إثارة للدهشة تتمثل في إمكانية معالجة حمية الصوم المتقطع لمرض السكري.
في الواقع، نشأت فكرة حمية الصوم المتقطع على خلفية إعجاب العلماء بآثار تقييد السعرات الحرارية بشكل مستمر. وقد أظهرت بعض الدراسات، التي أجريت على العديد من الحيوانات المختلفة، أن تناول الطعام وفقا لنظام غذائي مقيد طوال مرحلة البلوغ، من شأنه أن يؤدي إلى تحسينات دراماتيكية على مستوى عمر وصحة الإنسان العامة.
في المقابل، لا تزال الأسباب الكامنة وراء هذا التحسن غير جلية للباحثين. وفي الأثناء، يبدو أن جزءا من هذا التحسن على مستوى صحة الإنسان، يوعز إلى أن البقاء من دون طعام يوفر لخلايا الجسم الوقت الضروري حتى تعمل على إصلاح وتجديد نفسها. في الوقت نفسه، يجبر نقص الغذاء أيضا الخلايا على اللجوء إلى مصادر بديلة للطاقة على غرار الكيتونات، وهي الجزيئات التي ينتجها الكبد من الدهون المعاد تدويرها، والتي تتميز بمنافع متعددة.
من جانب آخر، تكمن المشكلة بشأن حمية الصوم المتقطع في أن تقييد السعرات الحرارية المستمر لا يعد أمرا عمليا، حيث من السهل أن يفرض العلماء على حيوانات المختبر مثل هذا النظام الغذائي المقيد، ولكن من الصعب على البشر أن يلزموا أنفسهم بمثل هذا النظام في الواقع.في المقابل، يوجد حل بديل، حيث ليس من الضروري أن يخضع الإنسان لتقييد السعرات الحرارية بشكل مستمر، في حين أنه قد ثبت أن حمية الصوم المتقطع لها حزمة من الفوائد أيضا.
عموما، هناك نوعان رئيسيان من حمية الصوم المتقطع، يعرف النوع الأول باسم “التغذية وفقا لمواعيد محددة“، الذي يستوجب تناول الطعام خلال ساعات محددة من اليوم فقط، أي بين الساعة العاشرة صباحا إلى حدود الساعة السادسة مساء. وفي الأثناء، يمنح مثل هذا النظام الغذائي الجسم فرصة للخلود إلى الراحة والتخلص من الآثار السلبية للطعام كل ليلة، فضلا عن أنه يعزز الإيقاع اليومي أو ما يعرف “بالنظم الليلي النهاري”.
يجب إجراء المزيد من الاختبارات على البشر ليتأكد العلماء من مختلف تأثيرات الصوم المتقطع
من جهة أخرى، يعرف النوع الثاني من الصوم المتقطع باسم “الصوم الدوري”. وينطوي هذا النظام الغذائي على التناوب بين فترات طويلة من الأكل غير المقيد وفترات قصيرة يلتزم خلالها متبع الحمية بكمية محددة من الطعام تناول الطعام بشكل طبيعي طوال خمسة أيام، ومن ثم التقيد باستهلاك سعرات حرارية محددة خلال يومي الصيام). في الواقع، ليس من الواضح بعد أي نظام غذائي من بين هذين النوعين من حمية الصوم المتقطع أفضل، ولكن تشير البيانات، إلى حد الآن، إلى أن كلا النظامين ناجعين ويعملان بشكل رائع.
عموما، ركزت الدراسات الأخيرة حول آثار الصوم المتقطع على مرض السكري، على دراسة وتحليل “حمية الصوم الدوري” بشكل خاص. في المقام الأول، شرع الباحثون، بقيادة فالتر لونغو في جامعة جنوب كاليفورنيا، باختبار ما إذا كانت حمية الصوم الدوري قادرة على علاج مرض السكري لدى الفئران. وفي هذا الصدد، بادر الباحثون بتطبيق تجاربهم على الفئران الطافرة، التي تفتقر إلى هرمون اللبتين الذي يساعد على تنظيم عملية استهلاك الطعام. والجدير بالذكر أن هذه الفئران تعاني من الإفراط في الأكل كما أنها مصابة بالبدانة ومرض السكري خاصة بعد مرحلة البلوغ.
اتضح أن الصوم الدوري يحفز البنكرياس على إنتاج الأنسولين من جديد
بعد بضعة أشهر فقط من إخضاع الفئران لحمية الصوم الدوري، حيث سمح لهم بتناول الطعام بشكل غير مقيد لسبعة أيام ومن ثم تم تقييد نسبة الطعام المستهلك على امتداد أربعة أيام، اكتشف الباحثون أن الفئران قد شفيت من مرض السكري. حقيقة، تعد هذه النتيجة مذهلة، ولكن أكثر ما يثير الدهشة هو السبب وراء ذلك. في الواقع، فقدت الفئران الكثير من وزنها على خلفية اتباع حمية الصوم الدوري. وقد ساعد ذلك بشكل نسبي في قهر مرض السكري. ولكن ذلك ليس جوهر الأمر، فقد أوجد الصوم الدوري حلا فعليا لمصدر المشكل الأساسي، ألا وهو البنكرياس.
والجدير بالذكر أن مرض السكري يتسم في الغالب بزيادة في معدل السكر في الدم، مما يعني في الحقيقة زيادة نسبة الجلوكوز في الدم. وبالتالي، تتطلب المشكلة تدخلا من خلال الأنسولين. بالنسبة للأشخاص الطبيعيين، يساعد الأنسولين الخلايا على امتصاص حاجياتها من الجلوكوز في الدم. ولكن، إثر الإصابة بمرض السكري، تتوقف عملية امتصاص الجلوكوز نظرا لخلل على مستوى الخلايا، حيث تفقد العديد منها الحساسية للأنسولين. فضلا عن ذلك، يتوقف البنكرياس عن إنتاج الأنسولين.
في سياق متصل، اتضح أن الصوم الدوري يحفز البنكرياس على إنتاج الأنسولين من جديد. ويعزى ذلك إلى أنه وخلال الأيام التي تجبر فيها الفئران على التقيد باستهلاك قدر معين من الطعام، استكان البنكرياس للراحة مما خول له التخلص من الخلايا الميتة وإعادة تجديد العديد من خلاياه. وبالتالي، وعندما استعادت الفئران نظامها الغذائي الطبيعي مرة أخرى، ظهرت خلايا جديدة قادرة على إنتاج الأنسولين. ففي الواقع، وخلال الأيام الأربعة التي تقيدت خلاها الفئران بسعرات محددة، تقلص حجم البنكرياس، لينمو من جديد خلال الأيام السبعة التي استهلكت فيها الطعام بشكل طبيعي. وبعد عدة دورات من التقلص وإعادة التدوير والنمو، تحسنت وظائف البنكرياس وعاد للعمل بنجاعة من جديد.
يبدو أن حمية الصوم المتقطع لها منافع أكثر على الأشخاص الذين يعانون من زيادة في الوزن
لسائل أن يسأل: هل للصوم المتقطع الآثار نفسها على البشر؟ في حقيقة الأمر، لا يزال الجواب غير واضح، ولكن المؤشرات الأولية التي أحالت إليها التجارب السريرية التي أجريت في المرحلة الثانية، والتي نشرت مؤخرا، بقيادة لونغو، كانت واعدة.
في خضم هذه الدراسة، مرّ حوالي 100 شخص بسلسة من الدورات التي تقتضي الخضوع لحمية الصوم الدوري، في حين أن كل دورة تمتد 30 يوما. في هذا الإطار، تمتع المشاركون في الدراسة لمدة 25 يوما بنظام غذائي غير مقيد وخمسة أيام من الأكل المقيد. بعد ثلاث دورات فقط، شهد الأشخاص الذين كانوا يعانون من ارتفاع في نسبة السكر مع انطلاق الدورات، تحسنا كبيرا. والأهم من كل ذلك أنه لم تظهر أي آثار جانبية أو أضرار لهذا النوع من الحمية. وبالتالي، يدعم ذلك العديد من الأدلة الداعمة لحمية الصوم المتقطع. ولكن هل يعني ذلك أن علينا تجربتها؟ في الواقع، ليس بالضرورة.
من جانب آخر، يبدو أن حمية الصوم المتقطع لها منافع أكثر على الأشخاص الذين يعانون من زيادة في الوزن. وفي حين ثبت أن لهذا النوع من النظام الغذائي فوائد ومنافع على الحيوانات الموجودة في المختبر، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان الأمر نفسه ينطبق على البشر. ومن المقرر أن تنطلق قريبا تجربة تنطوي على أكثر من ثلاث مراحل لحمية الصوم المتقطع على البشر والتي من شأنها أن توضح الكثير من الحيثيات. ومن دون شك، ستكون النتائج مثيرة جدا.
المصدر: الاندبندنت