مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023، باعت شركة رأس المال الاستثماري Aramco’s Prosperity 7، التابعة لشركة “أرامكو فنتشرز (Aramco Ventures)” ذراع المشاريع الاستثمارية لشركة أرامكو السعودية، أسهمها بشركة Rain AI، وهي شركة أمريكية ناشئة في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون يدعمها سام ألتمان، المؤسس المشارك لشركة “أوبن إيه آي (OpenAI)”.
لم تبع السعودية أسهمها لأنها لم تعد مهتمة بالشركة التي تتخصص في تصميم رقائق تحاكي طريقة عمل الدماغ البشري، لخدمة الشركات التي تستخدم أدوات تعمل بالذكاء الاصطناعي، بل بسبب إجبارها من قبل الحكومة الأمريكية على سحب استثماراتها من شركة الذكاء الاصطناعي الأمريكية، في تطور جديد لحرب الرقائق قد يكون له آثار أوسع على استثمارات الدولة الخليجية المتنامية في التكنولوجيا الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
الإطاحة بالرياض من سوق الرقائق .. كيف بدأت القصة؟
تجني السعودية مليارات الدولارات من صادرات النفط كل عام، وقد شهدت زيادة في مواردها المالية بسبب المكاسب غير المتوقعة من عائدات النفط بعد ارتفاع أسعار الطاقة في العام الماضي، وتشرف أيضًا على بعض أكبر صناديق الاستثمار السيادية وأكثرها نشاطًا في العالم.
كما هو الحال مع أي شيء آخر، فإنها تلقي بهذا القدر من الأموال في أي مشكلة تواجهها وفي كل اتجاه، لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري، وهذا هو بالضبط ما حدث في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي تستثمر فيه الرياض بكثافة بتمويل كبير من صندوق الثروة السيادية، لتمكين مؤسسات البيانات الكبرى لتصبح رائدة عالميًّا في أبحاث وتطوير الذكاء الاصطناعي.
يسلط الخروج السعودي القسري من سوق الرقائق الضوء على الأضرار المحتملة التي قد تلحق بالاستثمارات السعودية المتزايدة في التكنولوجيا الأمريكية.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بدأت السعودية أولى خطواتها نحو تطوير صناعتها في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وأطلقت استراتيجيتها الوطنية لذلك، وأعلنت استثمار أكثر من 20 مليار دولار في هذ المجال بحلول عام 2030، والهدف: جذب استثمارات محلية وأجنبية، وإمداد الاقتصاد السعودي بنحو 135 مليار دولار في عام 2030.
وقتها أعلن المؤسس المشارك لشركة “أوبن إيه آي” التي طوّرت “شات جي بي تي (ChatGPT)”، سام ألتمان، استثمار 51 مليون دولار في شركة Rain AI الناشئة لإنتاج الرقائق، بالإضافة إلى استثمار شخصي بقيمة مليون دولار من أمواله في الشركة التي يقع مقرها على بُعد أقل من ميل واحد من المقر الرئيسي لشركة “أوبن إيه آي” في سان فرانسيسكو، وتعمل على شريحة تسمّيها “وحدة المعالجة العصبية (NPU)” التي تحفل شركات الهاتف بذكرها في حزمة الميزات المتقدمة.
وتقول الشركة الناشئة على صفحتها الرسمية على موقع “لينكد إن”، إنها تهدف إلى “إيجاد حلول فعّالة من حيث التكلفة والطاقة” لشركات الذكاء الاصطناعي، وأنها مدعومة أيضًا من رجل الأعمال الأمريكي دانييل غروس، أحد مؤسسي محرك البحث Cue الذي استحوذت عليه شركة آبل عام 2013، والشريك في أحد أكبر مسرّعات الأعمال لتمويل الشركات الناشئة في المرحلة المبكرة “واي كومبناتور (Y Combinator)”، التي ترأّسها ألتمان من عام 2014 إلى عام 2019.
وبينما كانت السعودية تشتري الرقائق اللازمة لتعزيز طموحات الذكاء الاصطناعي، قادت جولة تمويل استثمارية لجمع 25 مليون دولار لزيادة رأس مال شركة Rain AI لتصنيع الرقائق، بدلًا من شرائها من الشركات الأمريكية المهيمنة على سوق رقائق الذكاء الاصطناعي، مثل “إنفيديا (Nvidia)” ومنافستها “إي إم دي (AMD)”.
لكن طموحات السعودية اصطدمت بعقبات أمريكية، ففي أغسطس/ آب 2023 أصدرت شركة “إنفيديا” -المزود الوحيد لوحدات معالجة الرسوميات الضرورية للتدريب على نماذج اللغات الكبيرة (LLMs)، وتشغيل كل شيء من أجهزة الكمبيوتر العملاقة إلى السيارات والهواتف المحمولة الحديثة- إعلانًا غامضًا إلى حدٍّ ما، يحمل إجراءات قد تؤدي إلى إبطاء تطور الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط.
وفي خطوة اُعتبرت بمثابة حظر بيع لرقائق الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا في المنطقة، وسّعت الولايات المتحدة القيود المفروضة على رقائق الذكاء الاصطناعي خارج الصين إلى مناطق أخرى، وطلبت الهيئات الأمريكية من شركتَي “إنفيديا” و”إي إم دي” وقف تصدير رقائق أشباه الموصلات عالية المستوى، التي يصعب تطوير الذكاء الاصطناعي دونها، إلى “بعض” دول الشرق الأوسط.
يشهد العالم نقصًا حادًا في رقائق أشباه الموصلات لأسباب عديدة؛ لذلك تتجه السعودية نحو توطين هذه الصناعة، وأعلن وزير الاتصالات في أغسطس الماضي نجاح صناعة أول رقائق ذكية مصنعة محليًا في #السعودية pic.twitter.com/ZalNfG93UZ
— مشاريع السعودية (@SaudiProject) April 9, 2022
لم تذكر الحكومة الأمريكية أو الشركات التي تلقّت أوامر بحظر منتجاتها سبب القيود الجديدة أو الدول المتأثرة بها في الشرق الأوسط، لكن بالنسبة إلى العديد من المراقبين، كان ذلك علامة على وصول “الحرب التكنولوجية” بين واشنطن وبكين إلى المنطقة، ومع ذلك نفى المنظمون الأمريكيون منذ ذلك الحين الحظر الصريح لصادرات شرائح الذكاء الاصطناعي إلى منطقة الشرق الأوسط.
وهناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن المقصود هو هذه الدول: إيران والسعودية والإمارات، فقد أظهرت الأولى مستوى عاليًا من الكفاءة في “القرصنة”، وتمتلك الثانية والثالثة الإمكانات المالية، وفي كل هذه الحالات يبدو أن هناك مبررًا للأمن القومي، كما يقول أستاذ العلوم السياسية والسياسة الخارجية بجامعة واشنطن جون كالابريس.
بعدها، أجبرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الرياض على الخروج من شركة الذكاء الاصطناعي الأمريكية، وبيع حصتها بـ 25 مليون دولار لشركة Grep VC الاستثمارية في وادي السيليكون، بعد تدخُّل لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، وهي الهيئة الرقابية الرئيسية المسؤولة عن مراجعة الاستثمارات الأجنبية في الشركات والعقارات الأمريكية التي تنطوي على مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
وعادة ما يفرض المسؤولون الأمريكيون ضوابط على الصادرات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وتشير خطوة مماثلة أُعلن عنها العام الماضي إلى تصعيد الحملة الأمريكية على القدرات التكنولوجية للصين، لكن لم يتضح حينها المخاطر التي تشكّلها صادرات الرقائق إلى بعض دول المنطقة.
يسلط الخروج السعودي القسري من سوق الرقائق الضوء على الأضرار المحتملة التي قد تلحق بالاستثمارات السعودية المتزايدة في التكنولوجيا الأمريكية، وعلى الاتجاه الأوسع المتمثل في التدقيق المتزايد الذي تواجهه صناديق الثروة في الشرق الأوسط من قبل الحكومة الأمريكية، خاصة تلك التي يُعتقد أن لها علاقات وثيقة مع الصين.
وتعكس خطوة قطع روابط الشركة الأمريكية مع السعودية تركيز الحكومة الأمريكية المتزايد على الأمن القومي في الاستثمارات التكنولوجية، ويكتسب هذا التطور أهمية إضافية في سياق حملة البيت الأبيض لمواجهة التفوق التكنولوجي للصين، لا سيما في مجال أشباه الموصلات، وهي عنصر حاسم في الابتكارات المستقبلية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لوصف موقع Wion، فإن “رسالة الغرب إلى دول غرب آسيا بسيطة: إذا كنت تريد الوصول دون عوائق إلى تكنولوجيا الرقائق الأمريكية، فسيتعيّن عليك الحد من تعاون الذكاء الاصطناعي مع الصين”.
ما علاقة الصين؟ الشيطان يكمن في التفاصيل
في الوقت الحالي، تعمل العديد من دول الشرق الأوسط بنشاط على تعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي، حتى أصبح هذا المجال إحدى ساحات القتال الإقليمية للمنافسة الصينية الأمريكية في الخليج، وفي الوقت نفسه عقدت الرياض العزم على توسيع العلاقات التجارية المزدهرة مع بكين لتشمل نقل التكنولوجيا، مع الحفاظ أيضًا على العلاقات مع واشنطن شريكهما الأمني الرئيسي.
وتعمّق تعاون الصين مع السعوديين خلال السنوات الماضية في مجال الذكاء الاصطناعي، وأصبحت الشراكة بين البلدَين فيما يتعلق بالتكنولوجيا مصدر قلق محوري بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي تتوسّع في قيود المبيعات على رقائق الذكاء الاصطناعي التي تهيمن عليها شركاتها المحلية، حيث هذه الرقائق هي القوة العقلية وراء خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ما يمكّن الآلات من معالجة كميات هائلة من البيانات واتخاذ القرارات بسرعة ودقة غير مسبوقتَين.
وفي سعيها إلى قيادة التطوير الإقليمي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، تسعى الرياض إلى جذب شركات التكنولوجيا الصينية، ويمكن للشراكة السعودية أن تبشّر بتحوُّل في المشهد الجيوسياسي للتكنولوجيا، ومع اكتساب هذه الدولة مكانة بارزة بمجال الذكاء الاصطناعي، قد تحتاج القوى التكنولوجية إلى إعادة ضبط استراتيجيتها للحفاظ على نفوذها العالمي.
وأصبح التعاون التكنولوجي والعلمي بين السعودية والصين أقوى منذ حوالي 7 سنوات، وفق ما كتبه باحثون في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومقرها واشنطن، في دراسة أُجريت في أغسطس/ آب 2023، وأشارت إلى أن التعاون بين الجامعات السعودية ومختلف المنظمات البحثية في الصين قد نما بسبب الروابط الشخصية التي نشأت هناك.
بدأت جامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا “كاوست” أخيرًا التواصل مع الصين وتوقيع اتفاقيات مع جامعاتها لمشاركة القدرات البحثية وتبادُل المواهب، برئاسة عالم الرياضيات الأمريكي من أصول صينية توني تشان، الذي شارك في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في كتابة مقال في مجلة “فورين بوليسي” بعنوان “أمريكا لا تستطيع وقف صعود الصين وعليها أن تتوقف عن المحاولة”.
ويتجلى ازدهار التبادل السعودي الصيني في تزايد التركيبة السكانية للأكاديميين الصينيين في جامعة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، والذين يشكّلون 20% من الطلاب، و34% من باحثي ما بعد الدكتوراه، و9% من أعضاء هيئة التدريس وفقًا لموقع الجامعة الإلكتروني.
وتقدم الجامعات الصينية متدرّبين وطلابًا أكثر فعالية من حيث التكلفة قادرين على التعامل مع المهام الروتينية، مثل اختبار وحدات معالجة الرسومات وغربلة البيانات، ومع ذلك تقول الجامعة إن طلابها لا يختبرون وحدات معالجة الرسومات، وأن هذه المهمة يتولاها موظفو الجامعة الذين يعملون على أجهزة الكمبيوتر العملاقة.
تزايدت المخاوف داخل أكبر جامعة في السعودية من أن التعاون السعودي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي قد يثير غضب الحكومة الأمريكية.
وفي ربيع عام 2023، أطلق عالم الرياضيات الأمريكي الصيني في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، البروفيسور شو جين تشاو، مشروعًا يُسمّى AceGPT، وهو نموذج للذكاء الاصطناعي يركّز على اللغة العربية، بالتعاون مع جامعتَين صينيتَين: الجامعة الصينية في هونغ كونغ (CUHK) ومعهد شنتشن (Shenzhen) لأبحاث البيانات الضخمة.
وفقًا لصفحة المشروع على موقع “غيت هاب“، تمّ تصميم نموذج اللغة الكبير (LLM) على نموذج “لاما 2 (Llama 2)” لتوليد التعليمات البرمجية من شركة “ميتا”، ليكون بمثابة مساعد الذكاء الاصطناعي للمتحدثين باللغة العربية، ووصفته الجامعة السعودية بأنه “بحث فردي لأحد أساتذتنا لم يتم تشغيله على الكمبيوتر العملاق “شاهين 2″ التابع للجامعة”.
تزامن ذلك مع عمل جامعة الملك عبد العزيز على مبادرة الذكاء الاصطناعي بقيادة عالم الكمبيوتر الألماني يورغن شميدهوبر، لتطوير حاسوب عملاق أكثر قوة هو “شاهين 3 (Shaheen III)” باستخدام رقائق “إنفيديا” الأمريكية، والذي يهدف إلى توفير قوة حاسوبية أكبر بنحو 20 مرة من قوة نظامه الحالي، لكن الجامعة لم تكن تشتري الرقائق من “إنفيديا” مباشرة، وبدلًا من ذلك تعاقدت مع مؤسسة هيوليت باكارد الأمريكية لتكنولوجيا المعلومات لتسليم نظام “شاهين 3”.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية في منتصف أغسطس/ آب الماضي، حصلت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على 3 آلاف شريحة ذكاء اصطناعي H100 من “إنفيديا”، بسعر 40 ألف دولار للقطعة الواحدة بإجمالي 120 مليون دولار.
وهذه شريحة مخصّصة لمهامّ الذكاء الاصطناعي، وباتت مكوّنًا أساسيًّا فرضَ وجود “إنفيديا” على رأس الشركات المستفيدة من الثورة التي أحدثها الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي، وهو الذكاء التوليدي، إذ تقوم هذه الشريحة الخارقة بتسريع عملية تدريب الآلة على الاستجابة لطلبات المستخدمين.
لهذا السبب، تزايدت المخاوف داخل أكبر جامعة في السعودية من أن التعاون السعودي الصيني في مجال الذكاء الاصطناعي قد يثير غضب الحكومة الأمريكية، ويعرّض للخطر وصول الجامعة إلى الرقائق الأمريكية الصنع اللازمة لتشغيل هذه التكنولوجيا الجديدة.
لطالما أعرب المسؤولون الغربيون عن مخاوف طويلة الأمد بشأن تزايد وصول الصين إلى الرقائق الأمريكية المتقدمة، من خلال حلفائها التقليديين في الخليج مثل السعودية، ويرون أن الوجود المتزايد لشركات التكنولوجيا الصينية مثل “هواوي” في أسواق الشرق الأوسط جزء من الأسباب المثيرة للمخاوف.
سرعان ما تُرجمت المخاوف الأمريكية إلى مجموعة من ضوابط التصدير نشرتها إدارة بايدن، بما في ذلك إجراء لمنع الصين من بعض رقائق أشباه الموصلات التي يتم تصنيعها في أي مكان في العالم بمعدّات أمريكية، ووسّعت هذه الخطوة نطاق واشنطن بشكل كبير في محاولتها إبطاء التقدم التكنولوجي والعسكري لبكين.
ومن دون رقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها في الغالب شركات مقرّها الولايات المتحدة، لن تتمكن المؤسسات الصينية من تنفيذ ذلك النوع من الحوسبة المتقدمة المستخدمة في التعرُّف إلى الصور والكلام بفعالية من حيث التكلفة، من بين العديد من المهام الأخرى، حتى شركة “بيدو (Baidu)” الصينية تعتمد على “إنفيديا” في إمدادها بوحدة معالجة الرسومات.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ذهبت إدارة بايدن إلى أبعد من ذلك بفرضها قيود على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي عالية الأداء ووحدات معالجة الرسوميات، التي تصنعها شركتا “إنفيديا” و”إيه إم دي”، إلى الصين، ما أدّى إلى تقييد طموحات بكين في منافسة أمريكا بهذا القطاع المزدهر، وعرقلة وصول الكيانات الصينية إلى الرقائق المتطورة التي تشكّل أهمية حيوية في بناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
لدى إعلانها تشديد قيود التصدير، قالت الحكومة الأمريكية إن الرقائق التي تدعم الذكاء الاصطناعي هي “تقنيات تضاعف قوة التحديث العسكري وانتهاكات حقوق الإنسان”، لكن هذا الإعلان في الواقع يعكس، وفق محلّلين، نوايا الولايات المتحدة لتنظيم وتشكيل الانتشار العالمي وتطوير التقنيات المتقدمة، للحفاظ على التفوق على المنافسين مثل الصين.
ووفقًا للأستاذ بجامعة الصين لي هايدونغ، فإن خطوة الولايات المتحدة تهدف إلى منافسة القوى العظمى مع الصين، في محاولة لإبطاء تنمية الصين وتقييد التنمية السعودية أيضًا، وبحسب وصفه فإن نهج الولايات المتحدة غير أخلاقي إلى حدّ كبير، فهي تتصرف كما يحلو لها، ما أدّى إلى لعبها دور سلبي في العلاقات بين الصين والسعودية في منطقة الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تضرَّ قيود التصدير بالتنمية العالمية للذكاء الاصطناعي.
كذلك ترى واشنطن أن بكين ربما تحاول الالتفاف على العقوبات التقنية التي فرضتها الولايات المتحدة، وتسعى للوصول إلى الرقائق المتقدمة التي لا يمكنها شراؤها بطريقة أخرى، سوى عبر شراكتها مع السعودية.
وجدت دراسة أجراها مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة، ومقرّه الولايات المتحدة، عام 2022، والتي بحثت في المكان الذي يحصل فيه الجيش الصيني على رقائق الذكاء الاصطناعي، أن معظم عمليات الشراء لم تتم بشكل مباشر لكنها جاءت عبر وسطاء، بما في ذلك الموزعون المرخّصون رسميًّا والشركات الوهمية.
وربما يكون المسؤولون الأمريكيون أكثر قلقًا من أن تكون الرقائق الأمريكية أكثر عرضة للتجسُّس عند تفكيكها، لاستخراج المعلومات أو النقل غير المقصود إلى روسيا أو الصين، نظرًا إلى الوجود المتزايد للدولتَين الأخيرتَين في دول الخليج.
ولهذا السبب أعلنت وزارة التجارة الأمريكية عام 2022 أنها تقيّد صادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين وروسيا، وأضاف الإعلان الأخير الصادر في أغسطس/ آب الماضي طبقة أخرى إلى قيود التصدير هذه، ومع ذلك قد لا يكون هذا أيضًا كافيًا لمنع دول غرب آسيا من تطوير نموذج ذكاء اصطناعي خاص بها.
تبعات حرب الرقائق في الشرق الأوسط
منذ بعض الوقت، تحاول واشنطن تحقيق التقدم عندما يتعلق الأمر بتطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تغيّر العالم، وفي محاولة لإبطاء تقدم الذكاء الاصطناعي الصيني، كان التكتيك الأخير هو خنق قدرة بكين على الوصول إلى الرقائق أو أشباه الموصلات اللازمة لنماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا.
في حين أن الولايات المتحدة قد تحتكر الذكاء الاصطناعي كما هي اليوم، إلا أن هناك احتمالًا قويًّا بأن يكون هذا الاحتكار قصير الأجل، ومع شراكة السعودية وشركات التكنولوجيا الصينية، تواجه قبضة الولايات المتحدة على الذكاء الاصطناعي بشكل عام، ونماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، تحديًا خطيرًا.
أصبح التعاون التكنولوجي والاقتصادي متبادل المنفعة بين الصين وبعض دول الخليج الحليفة لواشنطن، هدفًا للسياسيين المناهضين للصين الذين يكثّفون جهودهم لإغراء هذه الدول بالابتعاد عنها.
وبينما تحاول الولايات المتحدة تقييد وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي، اكتسبت جهودها لتعزيز علاقاتها مع دول في الشرق الأوسط زخمًا، وسط تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وأوروبا، ووجدت السعودية في الصين الشريك المثالي لتطوير أجهزة الذكاء الاصطناعي، وفي مثل هذه الحالة فإن الصين سعيدة بتقديم خبرتها الفنية.
يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه السعودية بذل الجهود لتصبح رائدة إقليمية في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، وفي يوليو/ تموز الماضي تعاون البنك المركزي السعودي مع سلطة النقد في هونغ كونغ بشأن الرموز والمدفوعات، وقبل ذلك في فبراير/ شباط الماضي عقدت الحكومة السعودية شراكة مع منصة “ساندبوكس (Sandbox)” لتسريع خطط ميتافيرس المستقبلية.
وبعيدًا عن أعين الولايات المتحدة، تتمتع الصين والسعودية بمجموعة واسعة من مجالات التعاون، بما في ذلك النفط والذكاء الاصطناعي والتبادلات الشعبية، حيث تعمل مبادرة “الحزام والطريق” التي اقترحتها الصين على تنويع التعاون، بالإضافة إلى البنية التحتية التقليدية للطاقة بين البلدَين.
وفي خطوة مهمة تدل على انخراط الصين المتزايد في الشرق الأوسط، وقّعت الصين والسعودية مؤخرًا اتفاقية مبادلة العملة المحلية بقيمة 7 مليارات دولار تقريبًا، وضخّت “أرامكو” السعودية استثمارات كبيرة في قطاع الطاقة الصيني، حتى في الوقت الذي تسعى فيه السعودية إلى جذب شركات التكنولوجيا الصينية.
وتواجه الإمارات وضعًا مماثلًا فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، فقد أنشأت وزارة للذكاء الاصطناعي عام 2017، وأطلقت أبوظبي نسخة جديدة من نموذج الذكاء الاصطناعي “فالكون (Falcon)” الخاص بها، والذي يُزعم أنه أقوى بمرتَين من نموذج “لاما 2” للذكاء الاصطناعي الذي أصدرته شركة “ميتا”، والذي كان يُنظر إليه سابقًا على أنه النموذج “مفتوح المصدر” الأكثر تطورًا.
بالإضافة إلى ذلك، أصدرت شركة G42، وهي شركة يسيطر عليها مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، والتي تعاونت مع الصين في اللقاحات والاختبارات المعملية؛ نموذج لغة كبيرًا باللغة العربية.
أصبح هذا التعاون التكنولوجي والاقتصادي متبادل المنفعة بين الصين وبعض دول الخليج الحليفة لواشنطن، هدفًا للسياسيين المناهضين للصين الذين يكثفون جهودهم لإغراء هذه الدول بالابتعاد عنها، بما في ذلك دعم ممر للسكك الحديدية والشحن يربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه يثير الوجود الصيني المتوسع في الشرق الأوسط تساؤلات حول الديناميكيات الجيوسياسية في المنطقة.