بدأت احتجاجات سكّان الريف المغربي بالشموع والورود ومرّة بالطنطنة وإطفاء الأنوار، ووصلت إلى البحر، وعلى شواطئه هربا من الطوق الأمني المفروض عليهم داخل المدن وأحيائها، وها هم الأن يدعون لشكل جديد من الاحتجاج يتمثّل في مقاطعة شعيرة عيد الأضحى المبارك، لكنه شكل جديد لاقى رفضا كبيرا لدى الكثير في الأوساط المغربية باعتباره “خلط بين عيد ديني وقضية سياسية”.
اصرار على المقاطعة
نتيجة رفض السلطات المغربية الافراج عن أبنائهم، قرّرت عائلات معتقلين “حراك الريف” مقاطعة شعيرة عيد الأضحى تحت شعار: “لا عيد لنا ومعتقلونا وراء القضبان”، حيث تتمثل شعيرة عيد الاضحى بالمغرب في نحر الكبش وتبادل التهاني، ووجهت دعوات لشباب الريف لشكل آخر من اشكال الاحتجاج، وعقب هذه الدعوة مباشرة، أعلنت عائلات في مدن الريف شمال المملكة مقاطعة شعيرة العيد تضامنا مع عائلات المعتقلين.
ولم تتضمن قائمة المتمتعين بالعفو الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، أي اسم من معتقلي حراك الريف الذين يتجاوز عددهم الـ 300 معتقل داخل السجون المغربية، ما خلّف خيبة أمل كبيرة لديهم ولدى عائلتهم، خاصة وأنهم بادروا في الفترة الأخيرة إلى التهدئة كبادرة حسن نية.
يخضع ما لا يقل عن 50 موقوفاً للتحقيق حالياً على ذمة تهم تتعلق بأمن الدولة
ومنذ مايو/ أيار 2017، قامت الشرطة المغربية، باعتقال أكثر من 270 شخصاً على خلفية الاحتجاجات بمنطقة الريف، وأُلقي القبض على الكثير من هؤلاء بشكل تعسفي، وبينهم ناشطون سلميون وبعض الصحفيين. ولا تزال الغالبية العظمى منهم قيد الاحتجاز، وصدرت بحق الكثير منهم أحكام بالسجن على خلفية تهم تتعلق بالاحتجاج. ويخضع ما لا يقل عن 50 موقوفاً للتحقيق حالياً على ذمة تهم تتعلق بأمن الدولة، بينما يخضع شخص آخر للتحقيق على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب. وقد يُحكم على البعض منهم بالسجن المؤبد جراء ذلك، حسب منظمة العفو الدولية.
وأعلنت عائلات نشطاء الريف المعتقلين ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، ونوال بنعيسى، وسليمة الزياني، وجواد بلعالي، ومحمد الهانين، وآخرين، تأييد فكرة عدم شراء الأضحية، والابتعاد عن الاحتفال بطقوس العيد، في خضم تواصل اعتقال أبنائها، وقالت أسرة المعتقل محمد الهاني إنها عازمة على عدم شراء أضحية عيد الأضحى وتعتبر يوم العيد يوما جعله الله لدخول الفرحة، التي تفتقدتها أسر الريف بعد اعتقال فلذات أكبادها، «لا عيد لنا من دون إطلاق سراح معتقلي الحراك الشعبي الريفي جميعًا، وأية خطوة من جانبنا لنحر كبش العيد هي بمثابة نحر معتقلنا محمد الهاني الذي تولى هذا العمل منذ وفاة رب الأسرة، ونحر معتقلينا كلهم».
يطالب أهالي المعتقلين بضرورة الافراج عن أبنائهم
وقالت نوال بنعيسى القائدة الميدانية للحراك إنها وأسرتها قرروا مقاطعة شعيرة عيد الأضحى هذه السنة تضامنا مع «عائلات معتقلينا في السجون»، واضافت «أتأسف لأطفالي الصغار الذين اعتادوا على فرحة هذه الشعيرة الدينية ولكننا في بلاد الظلم، تقتل الفرحة في قلوبنا فشخصيا لا أستطيع أن أفرح أو أمثل الفرح وأنا قلبي يحترق على إخواني الأبرياء في سجون العار».
رفض من شيوخ دين
دعوات مقاطعة الاحتفال بعيد الأضحى تضامناً مع “حراك الريف” وعائلات المعتقلين، لقى رفضا من أوساط دينية، إذ نقل موقع “هسبريس” عن الشيخ حسن الكتاني أن “الدعوة إلى مقاطعة العيد باطلة ومردود عليها، ولا توجد أي علاقة بين احتفال المغاربة بالشعيرة الإسلامية وبين معاناة أهل الريف”.
وأضاف الكتاني: “الداعون إلى مقاطعة الأعياد ليسوا مؤهلين، وليسوا من أهل العلم، ولا يجوز لهم أن يتحدثوا في أمور الدين”، متهماً إياهم بـ “محاربة الإسلام وضرب المغاربة في شعائرهم”، وأضاف: “المغاربة يقدسون عيد الأضحى بحيث يمكن لهم أن يفرطوا في بعض الأحكام الشرعية ولكنهم لن يتنازلوا عن هذه المناسبة”. كما أكد الكتاني أن “عيد الأضحى شعيرة من شعائر الإسلام وليس من حق أي أحد أن يوقف شعائر الإسلام لأي سبب من الأسباب”.
تراجع؟
النقد والرفض الكبير الذي لقيه هذا القرار من قبل عديد الأوساط المغربية خاصة الدينية، دفع عائلات المعتقلين إلى التأكيد بأنها “لا تقاطع شعيرة العيد، وإنما تقاطع الاحتفال الملازم لهذه الشعيرة، لأن الظروف التي تمر بها، لا تسمح لها بالاحتفال بينما يقبع الأبرياء في السجون“.
أوضحت العائلات ذاتها، أنها ستؤدي صلاة عيد الأضحى، وتصل أرحامها كما دأبت على فعل ذلك، موردة أن مقاطعة احتفالات العيد والاستغناء عن نحر الأضحية في منازل المعتقلين خطوة اتخذتها عائلات المعتقلين لنفسها ولا تلزم أحدا بذلك.
تواصل حراك الريف رغم التطمينات الحكومية
وتشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين الخدمات العامة في هذه المنطقة المهمشة ورفع التهميش ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من أمزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته الاعتصام بها، لمنع مصادرة أسماكه.