ترجمة وتحرير نون بوست
يتجادل أعداء الشعب الفلسطيني الغربيون حول كيفية تشكيل قيادة فلسطينية جديدة. وهم يتصوّرون أن هذه القيادة ستواصل توفير كل الخدمات التي قدّمتها السلطة الفلسطينية لإسرائيل والغرب منذ سنة 1993، لكنّها هذه المرة فقط ستُحافظ على شرعيتها في نظر الشعب.
لكن هؤلاء المتآمرين الغربيين فشلوا في الاعتراف بأن وظيفة السلطة الفلسطينية باعتبارها المتعاون الرئيسي مع إسرائيل هي على وجه التحديد سبب فقدانها لشرعيتها بين الفلسطينيين، بل إنهم يلقون باللوم على فسادها وسوء حكمها في الضفة الغربية، وفي غزة قبل سنة 2006، كما لو أن سوء الحكم هذا لا يرتبط بشكل مباشر بدورها في المتعاون مع إسرائيل وحلفائها الغربيين.
قامت الولايات المتحدة مؤخرًا باختبار مقترحات من قبل بعض الدول العربية والصحافة الغربية السائدة المناهضة للفلسطينيين. ويقترح البعض تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تضم حماس منزوعة السلاح، بعد تجريدها من التزامها بالكفاح المسلح ضد التفوق اليهودي والاستعمار الاستيطاني، ويصر آخرون على أنه في حين يجب إصلاح السلطة الفلسطينية، فلن يكون هناك مكان لحماس فيها.
يبدو أن أعداء الفلسطينيين الغربيين لا يعرفون، أو بالأحرى لا يكترثون، تاريخ المحاولات الفاشلة العديدة السابقة لتصميم قيادة فلسطينية تتناسب مع احتياجات “إسرائيل” الاستعمارية والعنصرية اليهودية، لذا قد تكون المراجعة مفيدة.
محاولات فاشلة
بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين في كانون الأول/ديسمبر 1917، شرعت السلطات البريطانية وأتباعها الصهاينة في تنمية القادة الفلسطينيين الذين سيتعاونون مع المستعمرين الغزاة ويحلوا محل القيادة الوطنية للجمعيات الإسلامية المسيحية الفلسطينية ونضالها من أجل الاستقلال.
في عشرينيات القرن العشرين، أنشأ البريطانيون والصهاينة هيئتين متعاونتين، بما في ذلك الجمعية الوطنية الإسلامية الطائفية، التي سعت إلى تقسيم القيادة الفلسطينية وتقويض الجمعيات الإسلامية المسيحية، وكان الحزب الزراعي، بقيادة عائلة مقدسية بارزة، عبارة عن مجموعة أخرى تعاونت مع الصهاينة لاغتصاب أراضي الفلاحين الفلسطينيين، وقد عرّف الفلسطينيون هذه المنظمات على الفور بأنهم “خونة” ولم يكتسبوا الشرعية قط.
وفي سنة 1938، أنشأت العصابات الاستعمارية الصهيونية والجيش البريطاني “فصائل السلام“، وهي قوة مرتزقة فلسطينية بدأ أعضاؤها بقتل الثوار الفلسطينيين في محاولة لقمع الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939. وفي المقابل، اغتال الوطنيون الفلسطينيون العديد من قادة “فصائل السلام” الذين دخلت أسماؤهم في خانة العار.
بعد قيام إسرائيل، تم تجنيد شيوخ القرى الفلسطينية، أو المخاتير، للتعاون معها. ولكن لم يحظ هؤلاء المخاتير أبدًا بالشرعية بين الشعب الفلسطيني الأسير، الذي أخضعته إسرائيل لحكم الفصل العنصري العسكري منذ سنة 1948 حتى سنة 1966.
في أعقاب إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964 واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة في سنة 1967، حاولت إسرائيل مرة أخرى تجنيد المزيد من المتعاونين لنزع الشرعية عن التحالف الشعبي لكنها فشلت. وأجرت السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة انتخابات بلدية في سنتي 1972 و1976 وشكلت روابط القرى في سنة 1978 لتنصيب وتعزيز القادة الفلسطينيين المتعاونين. ومع ذلك، فقدَ رؤساء البلديّات المنتخبون في سنة 1972 مصداقيتهم، وتم استبدالهم برؤساء بلديات مؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1976، والذين قامت إسرائيل بإزاحتهم لاحقًا من السلطة لأنهم رفضوا تنفيذ أوامرها.
وفي الوقت نفسه، اعترفت حركة عدم الانحياز في سنة 1973، وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة في سنة 1974، بمنظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت تهيمن عليها حركة فتح، والتي كانت أكبر جماعة تحرير فلسطينية وأفضلها تمويلاً في ذلك الوقت)، باعتبارها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. أما بالنسبة لروابط القرى، فإن أي شخص يتعاون معها يُوصف بالخائن على الفور، ليس فقط من قبل منظمة التحرير الفلسطينية وإنما أيضًا من قبل الحكومة الأردنية، وفشل المشروع فشلًا ذريعًا.
الطريق إلى الخيانة
في أواخر الثمانينيات، وفي خضم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، بدأت عزيمة منظمة التحرير الفلسطينية تضعف، وقبلت صفقة سرية. وفي مقابل الاعتراف الرسمي من إسرائيل والغرب، يتعين على منظمة التحرير الفلسطينية أن تعترف “بحق إسرائيل في الوجود” كدولة عنصرية يهودية.
بعد عدة عثرات، تم إبرام الصفقة في سنة 1993 باتفاقيات أوسلو، التي سمحت لمنظمة التحرير الفلسطينية بإقامة السلطة الفلسطينية كمقاول من الباطن للاحتلال. وعلى هذا النحو، فقدت السلطة الفلسطينية كل شرعيتها بعد وقت قصير من توليها السلطة، باستثناء النخب الفلسطينية التي دعمتها لفترة من الوقت، لكن حتى تلك النخب لم تعد قادرة على الحفاظ على دعمها لها كما فعلت في السابق.
بدأ طريق خيانة منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح في الجزائر العاصمة عندما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية رسميًا حل الدولتين في تشرين الثاني/نوفمبر 1988. وكان ذلك بعد مرور أقل من سنة على ظهور حماس في كانون الأول/ديسمبر 1987، والتي كانت سمتها المميزة هي تطورها إلى جناح سياسي وعسكري وديناميكية فهمها لطبيعة إسرائيل واحتلالها. ويتجلى ذلك في التغييرات التي طرأت على ميثاقها وتصريحاتها حول طبيعة النضال الفلسطيني، كما أثبت ذلك الباحثون في تاريخها.
وعلى النقيض من منظمة التحرير الفلسطينية، اختارت حماس، ومعها حركة الجهاد الإسلامي، التي تشكلت في سنة 1981، مواصلة المقاومة، وظل كلاهما الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين خارج منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي حول غزة في سنة 2005، بذل الغرب محاولات، عبر الأنظمة العربية، لضم حماس إلى صفوفه. وكان الهدف تحويلها إلى منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى من خلال دفعها إلى التخلي عن النضال الوطني من أجل التحرير والاستقلال، والانضمام إلى جعجعة “عملية السلام” التي اخترعتها الولايات المتحدة، والتي كان هدفها دائمًا ترسيخ التفوق اليهودي الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني وهزيمة النضال الفلسطيني من أجل التحرير الوطني.
جرت محادثات بين حماس والسلطة الفلسطينية في القاهرة، وبدأت القيادة السياسية لحركة حماس تتردد في معارضتها التامة لاتفاقيات أوسلو وما تلاها من إجراءات، وقررت المشاركة في انتخابات 2006 لقيادة السلطة الفلسطينية التي كانت تعمل تحت الاحتلال الإسرائيلي. حققت حماس انتصارًا ساحقًا، الأمر الذي عجل بانقلاب الولايات المتحدة وإسرائيل وفتح ضدها في سنة 2007. كان الانقلاب ناجحًا في الضفة الغربية، حيث أعيدت السلطة الفلسطينية التي تحكمها فتح، ولكنه فشل في غزة حيث استمرت حماس المنتخبة في الحكم.
ومنذ سنة 2007، شنّت إسرائيل حملات قصف متعددة لتدمير حماس، أو على الأقل لحمل حماس على التخلي عن المقاومة المسلحة والانضمام مرة أخرى إلى السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح، والتي أطاحت بحماس عندما فازت في الانتخابات الأخيرة. ومرة أخرى، شارك الجناح السياسي لحركة حماس، مترددًا، في محادثات جديدة عقدت في القاهرة قبل ثلاث سنوات في شباط/فبراير 2021، ووافق على إجراء انتخابات جديدة للسلطة الفلسطينية، التي رفضت السلطة الفلسطينية إجراءها منذ سنة 2006 خوفا من فوز حماس مرة أخرى.
رغم المرونة والتنازلات التي قدمها الجناح السياسي لحماس، تراجع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن الاتفاق ولم يعقد انتخابات جديدة قط. وفي الوقت نفسه، واصلت السلطة الفلسطينية التعاون (ما تسميه “التنسيق الأمني”) مع إسرائيل وقمع أي مقاومة فلسطينية للاحتلال.
وبعد شهر من محادثات القاهرة، في آذار/ مارس 2021، تم انتخاب يحيى السنوار الزعيم الحالي لحركة حماس لولاية ثانية. والسنوار قريب من الجناح العسكري لحركة حماس، وهو أحد مؤسسيه. وحتى أيار/مايو 2021، أعرب السنوار عن انفتاح حماس على إجراء محادثات مع السلطة الفلسطينية من أجل “ترتيب البيت الفلسطيني”، ورفض التخلي عن الكفاح المسلح لأن اقتراحه سعى إلى الجمع بين “المقاومة المسلحة، وشرعية مؤسسات السلطة [الفلسطينية]، والجهود السلمية على طريق التحرير والعودة”. ومع ذلك، استمرت السلطة الفلسطينية ورعاتها الغربيون في المماطلة.
التصاميم الغربية
أثناء حرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها إسرائيل على غزة والانهيار الكامل لسمعة السلطة الفلسطينية باعتبارها كيانًا خائنًا، بدأ أعداء الفلسطينيين في الغرب، الذين كانوا يموّلون ويسلحون ويدافعون عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، في التخطيط لقيادة فلسطينية جديدة. وبما أن السلطة الفلسطينية قد قامت بدورها التعاوني بكل ثقة ولكنها فقدت كل شرعيتها في هذه العملية، فإن الأميركيين يريدون تصميم هيئة فلسطينية جديدة متعاونة من أجل “عملية السلام” التي لا نهاية لها.
بعد عدة أسابيع من بدء الحرب على غزة، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تشرين الثاني/نوفمبر أن “الحلّ الوحيد، كما يقول العديد من الفلسطينيين، هو إيجاد طريقة لضم حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكلاهما يديرهما عباس وفتح”.
وأكدت الصحيفة أن “منظمة التحرير الفلسطينية الأكثر تمثيلًا يمكنها إجراء انتخابات جديدة لسلطة فلسطينية أكثر تمثيلاً، والتي سيكون لها مصداقية أكبر بكثير في كل من غزة والضفة الغربية، وفقًا لهذا التفكير. ولكن الأمر سيتطلب أيضًا موافقة حماس الضعيفة على قبول وجود إسرائيل والالتزام بالتفاوض على إقامة دولة فلسطينية إلى جانبها”، وهذا يبدو أشبه بالتفكير الأمريكي، الذي تكلمت عنه صحيفة التايمز، وليس تفكير الفلسطينيين.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، أشارت مجلة “فورين أفيرز” إلى أن “الفلسطينيين سيحتاجون إلى إحياء ليس فقط مؤسسات الحكم والأمن، بل أيضًا – وبشكل أكثر جوهرية – السياسة. فهم يفتقرون إلى قيادة سياسية فعالة بسبب تدهور المؤسسات السياسية الفلسطينية، ولا سيما السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. لذلك فإن أي مناقشة حول “اليوم التالي” يجب أن تقوم على تشجيع ظهور قيادة سياسية فلسطينية موحدة ومتماسكة. وسوف يكون لزامًا على الزعماء الفلسطينيين أن يضعوا جانبًا التزاماتهم الفصائلية، كما يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة أن تتخلى عن الفكرة غير الواقعية على الإطلاق بأن حماس يمكن استبعادها إلى الأبد من السياسة الفلسطينية”.
قالت المصادر الفلسطينية والإقليمية إن المقترحات المطروحة في الدوائر الحاكمة الأمريكية تشمل اقتراحًا يمكن بموجبه لعباس تعيين نائب له وتسليم صلاحيات تنفيذية أوسع لرئيس وزرائه وإدخال شخصيات جديدة في قيادة المنظمة.
وقد أصرت الولايات المتحدة، القوة العالمية الأكثر تشاؤمًا عندما يتعلق الأمر بدعم الحكم الديمقراطي في أي مكان في العالم، من خلال وزارة الخارجية على أن “خيارات القيادة كانت مسألة للشعب الفلسطيني ولم توضح الخطوات اللازمة لتنشيط السلطة”.
وبينما كشفت استطلاعات الرأي عن تزايد شعبية حماس وتراجع شعبية عباس وسلطته الفلسطينية، الأمر الذي سيؤدي إلى فوز آخر لحماس في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن الولايات المتحدة “تعتقد أنه سيكون من السابق لأوانه إرسال الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع بعد انتهاء الحرب مباشرةً. ويدرك المسؤولون الأمريكيون فوز حماس في الانتخابات التشريعية لسنة 2006، التي شجعتها واشنطن وحكومات غربية أخرى. وفي حين تصر وزارة الخارجية على أن الشعب الفلسطيني لابد وأن يقرر من هو قادته، فإنها تؤكد أنه “لابد من استبعاد حماس كلما أجريت انتخابات”.
المتعاونون العرب
تزامنت مثل هذه المقترحات مع الخطة المصرية الجديدة التي أُعلن عنها في أواخر كانون الأول/ ديسمبر، التي تدعو إلى “تشكيل هيئة حكم جديدة من الفلسطينيين للإشراف على الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما إسرائيل. ومن شأن ذلك أن يوجه عملية إعادة إعمار غزة بعد الحرب ويتيح إجراء انتخابات مستقبلية محتملة لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وبسبب المعارضة الإسرائيلية والأمريكية، ورد أن هذا الجزء من الخطة “تم حذفه من النسخة الأخيرة المكونة من صفحتين للاقتراح”. مع ذلك، يزعم المصريون أنه “كان من المتوقّع مناقشة القيادة الفلسطينية المستقبلية في المحادثات مع مصر، ومن المتوقع أن تكون جزءًا حاسمًا من أي اتفاق”.
ومن جانبها، رحّبت السلطة الفلسطينية بالخطة المصرية. وقد أكد رئيس الوزراء محمد أشتية أن “أي اقتراح للقيادة المستقبلية في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب ألا يتحايل على منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها دوليًا”. وإحياء السلطة الفلسطينية المفاجئ لمنظمة التحرير الفلسطينية المحتضرة هو أمر جدير بالملاحظة، نظرًا لأن السلطة الفلسطينية نفسها، كجزء من استراتيجية أوسلو، هي التي دمّرت المنظمة وأفلستها ماليًا منذ سنة 1994.
وبالفعل، فقد تردّد مؤخرًا أن محمود عباس بعث رسائل غير رسمية إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي أبلغهما فيها أن المنظمتين لا تستطيعان الحصول على أكثر من مقعد واحد لكل منهما لتمثيلهما في منظمة التحرير الفلسطينية، على الرغم من أن المنظمتين تتمتعان بشعبية أكبر بين الفلسطينيين مقارنة بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الـ11، بما في ذلك فتح، مجتمعةً.
ومن المثير للاهتمام أن توماس فريدمان، كاتب العمود الصهيوني البارز في صحيفة نيويورك تايمز، لم يدعو مؤخرًا إلى “نسخة معدلة من السلطة الفلسطينية الحالية التي يوجد مقرها في رام الله – والتي تبنت اتفاق أوسلو للسلام مع إسرائيل وعملت مع قوات الأمن الإسرائيلية – أو مؤسسة جديدة تمامًا تسميها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني”. وأضاف فريدمان أن “الفلسطينيين، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، سيخوضون عملية خاصة بهم لتسمية سلطة حكم انتقالية – قبل إجراء انتخابات لاختيار سلطة دائمة – وسيساعد الغرب والدول العربية هذه السلطة في بناء مؤسسات مناسبة، بما في ذلك قوة أمنية لغزة والضفة الغربية”.
كان فريدمان واضحا في أن أيًا من هذا لا يصب في مصلحة الفلسطينيين على الإطلاق. وعلى العكس من ذلك، فإن كل ذلك يهدف إلى حماية نظام الفصل العنصري اليهودي المتعصب في إسرائيل: “لذلك المفتاح إلى أن لا تظل غزة تهديدًا وعبئًا دائمًا على إسرائيل هو وجود هيكل حكم فلسطيني بديل يُنظر إليه على أنه شرعي لأنه جزء من حل الدولتين وفعال لأنه يحظى بتمويل ودعم من الدول العربية”. ولا يبدو أن فريدمان يضم حماس إلى القيادة الجديدة لأنه يُعرّف حماس – حسب بنيامين نتنياهو – بأنها “منظمة مرعبة مكرسة لتدمير الدولة اليهودية”.
ويضغط أحمد سميح الخالدي، المفاوض السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية المناهض لحماس، من أجل تشكيل قيادة جديدة في مناشدة موجهة إلى إسرائيل وداعميها الغربيين، نُشرت في صحيفة الغارديان. وخلافًا لفريدمان، يدرك الخالدي أن أي قدر من الإصلاح في السلطة الفلسطينية لن يمنحها الشرعية وأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعل ذلك هو انضمام حماس إليها: “وفيما يتعلق بإعادة إنشاء سلطة سياسية قادرة على الاستمرار في قطاع غزة وإعادة تشكيل هيئة تمثيلية فلسطينية قادرة على اتخاذ القرارات والحفاظ عليها، فإن القضية الحقيقية هي كيفية دمج حماس و”روح المقاومة” المرتبطة بها في السلطة الفلسطينية الجديدة، بدلًا من كيفية إلغائها أو استئصالها”.
ويضيف الخالدي أنه “داخل مثل هذه السلطة أو المرتبطة بها، يمكن أن تكون حماس جزءًا من الحل؛ وفي الخارج، سيظل مفسدًا وقطبًا معاكسًا لجذب الانتباه”. لكن يبدو أن ما لا يأخذه الخالدي في الحسبان هو أنه إذا تحولت قيادة حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى وتنازلت عن حق إسرائيل في البقاء كدولة استيطانية استعمارية ذات سيادة يهودية فإن حماس أيضًا ستهدر رأسمالها التحرري الوطني وتصبح سلطة فلسطينية أخرى.
ويشعر الخالدي بالقلق من أنه “بدلًا من سحق حماس” فإن التأثير الأكثر احتمالًا لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل “سيكون إعادة أسطورة لمفهوم المقاومة وزرع بذور الحركات المستقبلية التي قد تكون مستوحاة من حماس”. وفي حين أن استمرار المقاومة ضد الاستعمار حتى التحرير الوطني هو كفاح عريق تبناه الفلسطينيون منذ عشرينيات القرن الماضي، فإن الخالدي محق في أن ذلك لن يكون أمرًا جيدًا لإسرائيل وأعداء الفلسطينيين الغربيين.
والأمر الواضح من هذه المخططات هو أنه لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها العرب لديهم أفكار جديدة. وبدلاً من ذلك، يريدون الاستمرار في نفس الإستراتيجية الفاشلة التي تم اتباعها منذ أوائل السبعينيات، والتي استخدمها البريطانيون والإسرائيليون منذ عشرينيات القرن الماضي. لقد نجح اتفاق أوسلو بالفعل لفترة قصيرة في خداع عدد كبير من الفلسطينيين وجعلهم يعتقدون أن قيادة السلطة الفلسطينية التي دعمتها كانت شرعية، لكن الأغلبية سرعان ما تخلت عن هذه الأوهام.
تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل أنه من غير الممكن أبدًا أن تكون هناك قيادة فلسطينية شرعية تقبل حق إسرائيل في البقاء دولة استعمارية يهودية متفوقة، بغض النظر عن الحكم الذاتي أو الدولة الصغيرة المحرومة الممنوحة للفلسطينيين. ولهذا السبب، يتعين عليها أن تخطط لإنتاج قيادة تبدو شرعية فقط، بينما تعمل في الوقت نفسه على تدمير أو استمالة أي قيادة فلسطينية شرعية موجودة.
وقد نجحت إسرائيل وأعداء الفلسطينيين الغربيين لفترة قصيرة في سنة 1993 عندما حولوا منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية. لكن فرصهم اليوم في تحويل السلطة الفلسطينية مرة أخرى إلى منظمة التحرير الفلسطينية، مع حماس أو بدونها، أقل احتمالًا بكثير للنجاح.
المصدر: ميدل إيست آي