في سابقة هي الأولى في تاريخ القارة الإفريقية، ألغت المحكمة العليا في كينيا نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت الشهر الماضي، وأمرت بإجراء انتخابات جديدة خلال 60 يومًا، عقب موجة من العنف اجتاحت البلاد إثر إعلان مفوضية الانتخابات فوز الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا بدورة جديدة مدتها خمس سنوات، وخلفت عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين أنصار منافسه أودينغا.
انتخابات جديدة خلال 60 يومًا
قرار المحكمة العليا في كينيا أمس، ببطلان فوز الرئيس أوهورو كينياتا، جاء بسبب “تجاوزات ومخالفات” ارتكبتها لجنة الانتخابات خلال التصويت الأخير الشهر الماضي، مما أضر بنزاهة العملية، وكان زعيم المعارضة الكينية رايلا أودينغا قد أعلن مع بدء إعلان النتائج عبر نظام الفرز الإلكتروني، الذي يهدف إلى منع حصول تزوير: “هذه النتائج كاذبة، إنها مزورة، ولا يمكن أن تكون صحيحة”، وأضاف أن اللجنة الانتخابية لم تقدم وثائق تظهر كيف تم التوصل إلى تلك الأرقام، واتهم أودينغا (72 عامًا)، الذي يخوض الانتخابات الرئاسية للمرة الرابعة مرشحًا عن حزب “التحالف الوطني العظيم”، منافسيه بأنهم سرقوا منه الفوز عبر تزوير نتائج انتخابات 2007 و2013.
مساء الحادي عشر من أغسطس الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات في كينيا فوز الرئيس كينياتا بفترة جديدة
وتوصلت المحكمة إلى قرارها بغالبية أربعة قضاة مقابل اثنين من هيئة المحكمة العليا، ولدى تلاوة الحكم، قال القاضي ديفيد مراغا: “الانتخابات التي جرت في الثامن من أغسطس/آب لم تجر بما يتوافق مع الدستور “، وأضاف وهو ينطق بالحكم إن إعلان فوز كينياتا “باطل ولاغ”.
وقال: “جوابًا على ما إن كانت المخالفات قد أثرت على مصداقية الانتخابات، فإن رأي المحكمة هو كذلك فعلاً”، وأضاف القاضي إن كينياتا الذي تنافس مع رايلا أودينغا لم يُنتخب ولم يعلن رئيسًا بطريقة صالحة، وصدر هذا الحكم فيما كانت قوات كبيرة من الشرطة تنتشر في محيط المحكمة، وفور إعلانه علت هتافات أنصار أودينغا.
ومساء الحادي عشر من أغسطس الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات في كينيا فوز الرئيس كينياتا بفترة جديدة، وقال رئيس المفوضية وافولا تشيبوكاتي إن كينياتا حصل على 54.27% من الأصوات، بينما حصل زعيم المعارضة أودينغا على 44.74%، وخاض سباق الرئاسة ثمانية مرشحين لكن الانتخابات كانت بين متنافسين اثنين هما الرئيس كينياتا وأودينغا، وهما نجلان لشخصيتين في فترة الاستقلال: أول رئيس للبلاد جومو كينياتا ونائبه أوجينغا أودينغا.
المعارضة ترحّب
في أول تعقيب له على قرار المحكمة، رحب زعيم المعارضة الكينية رايلا أودينغا بهذا الحكم القضائي الذي وصفه بأنه
“تاريخي”، وقال: “يوم تاريخي للشعب الكيني وأيضًا لشعوب القارة الإفريقية”، ودعا أودينجا إلى محاكمة مسؤولي لجنة الانتخابات التي يرأسها وافولا شيبوكاتي نتيجة التجاوزات التي ارتكبتها.
وسبق أن تقدم أودينغا مرات عدة بطعن في نتائج انتخابات سابقة، لكنها المرة الأولى التي يلغي فيها القضاء النتائج، ورفضت المعارضة العملية الانتخابية معتبرة أنها “جرت بشكل سيئ وشابتها مخالفات بحيث لم يعد من المهم معرفة من فاز أو من تم إعلانه فائزًا”.
زعيم المعارضة الكينية رايلا أودينغا
وقال أودينغا للصحفيين في نيروبي “هذا حقًا يوم تاريخي جدًا لشعب كينيا، وبصورة موسعة لشعب قارة إفريقيا، للمرة الأولى في تاريخ الديمقراطية الإفريقية تصدر محكمة حكمًا بإبطال انتخابات رئاسية مخالفة للقواعد”، وأضاف “لا ثقة لدينا بالمرة في لجنة الانتخابات بهيئتها الحالية، فقد ارتكب أعضاؤها أعمالاً إجرامية، معظمهم في الواقع من أهل السجون، بالتالي نحن في سبيلنا للمطالبة بمحاكمة كل مسؤولي لجنة الانتخابات الذين تسببوا في هذه الجريمة الوحشية ضد شعب كينيا.”
الرئيس يمتثل
بعيد صدور حكم المحكمة العليا بإلغاء نتيجة انتخابات الثامن من أغسطس/آب الماضي واعتبار انتخاب الرئيس باطلاً، قال كينياتا (55 عامًا)، إنه شخصيًا لا يتفق مع قرار المحكمة ولكن يحترمه، ودعا في نفس الوقت إلى السلام في البلاد.
وتعتبر هذه الانتخابات، المرة الثانية التي يتواجه فيها الخصمان في الانتخابات الرئاسية، وتندرج المنافسة بينهما ضمن تاريخ طويل من الخصومة على مدى أكثر من نصف قرن بعد أن تحول والداهما جومو كينياتا وجاراموغي أودينغا من النضال المشترك في سبيل الاستقلال إلى خصمين لدودين، وينتمي الرجلان إلى اثنتين من المجموعات الإثنية الرئيسية في كينيا، كينياتا ينتمي إلى إثنية “كيكويو” وهي الأكبر، وأودينغا إلى إثنية “لويو”.
مخالفة البعثة الإفريقية والأوروبية
قرار المحكمة العليا في كينيا، أكد زيف تقارير مختلف بعثات المراقبة الدولية التي أكدت دعمها للجنة الانتخابية، حيث قالت بعثة الاتحاد الأوروبي إنها لم تلحظ أي دلائل على تلاعب رغم شكاوى المعارضين، فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري الذي ترأس بعثة مراقبة من مركز كارتر قائلاً: “حتى الآن لم تظهر أي مخالفات”.
أودينغا، أشار إلى دخول قراصنة لنظام فرز الأصوات بهوية مدير الاتصالات في اللجنة كريس مساندو الذي قتل قبلها بـ10 أيام
كما قال رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي لمراقبة الانتخابات ثابو مبيكي، حينها “يمكننا القول إن العملية الانتخابية وفق مراقبتنا مراحلها بدءًا من التصويت ومراقبة فرز الأصوات في مراكز الاقتراع، ونقلها إلى اللجنة المستقلة للانتخابات وغيرها من المراحل، جرت وفق معايير الاتحاد الإفريقي للانتخابات الديمقراطية”.
وكان أودينغا، قد أشار إلى دخول قراصنة لنظام فرز الأصوات بهوية مدير الاتصالات في اللجنة كريس مساندو الذي قتل قبلها بـ10 أيام وتحميل لمتتابعة خوارزمية تمنح أفضلية مستمرة 11% لمنافسه الرئيس أوهورو كينياتا، وتضمنت الوثائق التي قدمها أودينجا محاولات غير ناجحة للدخول باستخدام اسم وكلمة سر مساندو، وكذلك اسم المستخدم وكلمة السر الخاصة برئيس اللجنة وافولا تشيبوكاتي.
موجة عنف
يخشى الكثير من الكينين أن يعاد سيناريو موجة العنف التي أعقبت إعلان النتائج في الحادي عشر من الشهر الماضي، حيث سقط وفقًا لتقديرات 24 شخصًا، وشهدت أحياء كاريوبانجي وماثاري وداندورا بالعاصمة أعمال عنف، وأقدم مجموعات من الشباب على إشعال العجلات بالشوارع، وفي “كيبيرا” أحد أحياء الصفيح في مدينة نيروبي، نهب أنصار لأودينغا متاجر تعود لمؤيدين للسلطة، فتصدت لهم الشرطة وأطلقت أعيرة نارية باتجاه مثيري الشغب.
واتهمت حينها منظمة هيومان رايتس ووتش، الشرطة الكينية، باللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة ضد مؤيدى المعارضة، وقالت المنظمة: “الانتخابات الرئاسية فى كينيا تضمنت انتهاكات لحقوق الإنسان”، لافتة إلى أنها لم تجد دليلاً على أن المتظاهرين كانوا مسلحين أو تصرفوا بطريقة يمكن أن تبرر استخدام القوة لتفريقهم، داعية السلطات الكينية إلى فتح تحقيقات عاجلة وضمان مساءلة أفراد الشرطة المسؤولين“.
أعمال عنف عقب إعلان النتائج
كما يخشى سكان كينيا أيضًا، تكرر سيناريو ما بعد انتخابات عامي 2007 و2013، حيث شهدت البلاد أعمال عنف أدت لمقتل المئات وتشريد مئات الآلاف، ففي عام 2007 أثارت دعوة المرشح ريلا أودينغا لتنظيم احتجاجات في الشوارع بعد مشكلات في إحصاء الأصوات، موجة واسعة من العنف الطائفي أسفرت عن مقتل 1200 وتشريد 600 ألف، وسقط معظم القتلى في كيزيمو، وهي مدينة يقطنها مليون نسمة معظمهم من قبيلة “لو” التي ينتمي إليها أودينغا وتطل على ساحل بحيرة فيكتوريا، وقد تكدست أسواقها المفتوحة ومتاجرها أمس الأحد بالمشترين الذين سارعوا للتزود باحتياجاتهم الأساسية في اللحظات الأخيرة.