يحتفل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعيد الأضحى المبارك في ظل أوضاع مأساوية يمرون بها داخل بلدانهم الإسلامية وخارجها نتيجة الحروب والأزمات والعنصرية والتطهير العرقي الذي يتعرضون له في أماكن متفرقة من العالم.
فهذا عيد جديد يمر على السوريين وسط الدماء والأشلاء وعلى الأنقاض بعد أن عجز المجتمع الدولي المتآمر عليهم، عن إنقاذهم من قصف البراميل المتفجرة والصواريخ الغبية والذكية التي تطلقها الطائرات السورية والروسية وطائرات التحالف الدولي.
أكثر من نصف مليون قتيل وضعفهم من الجرحى سقطوا بعد 6 سنوات ونصف من خروج السوريين إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والعيش الكريم، وما زال مجلس الأمن عاجزًا عن إصدار قرار بالإجماع يستنكر إجرام النظام البعثي الذي لم يرقب في شعب أعزل إلا وذمة.
يمر عيد الأضحى المبارك على الرقة وإدلب ودير الزور وريف دمشق ودرعا وغيرها من المدن السورية التي خرجت عن سيطرة النظام، والحصار يخنقهم من كل الجهات والطائرات لا تغادر سماءهم، فتارة تقصف منازلهم وطورًا تدمر مخابزهم ومستشفياتهم ومولدات مياههم وكهربائهم لتحرمهم من فرحة العيد السعيد.
ليس بعيدًا عن سوريا، دولة أخرى اسمها اليمن، فتتها الحرب وقسمتها إلى ثلاثة دول داخل دولة واحدة، هذه يحكمها الحوثيون وعلي عبد الله صالح وتلك تخضع لسيطرة التحالف العربي والأخرى خاضعة لنفوذ الانفصاليين المدعومين من دولة الإمارات العربية المتحدة التي قضت على ما تبقى من حلم توحيد اليمنيين تحت سقف دولة واحدة في المستقبل القريب.
هذه الموصل الجميلة، أرض التاريخ والحاضر، دمر مغول العصر بنيانها وشردوا أهلها بدعوى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية
اليمن السعيد أصبح حزينًا، فالكوليرا والأوبئة في كل مكان والفضل كله لا ينقص منه شيئًا لملك الحزم سلمان، الذي قاد البلاد في عهده “الرشيد” إلى الهاوية بعد أن تسببت غارات طائرات تحالفه العربي في إصابة أكثر من نصف مليون يمني بوباء الكوليرا إضافة إلى مقتل نحو ألفين آخرين نتيجة تدهور أوضاع النظافة والصرف الصحي وانقطاع إمدادات المياه.
قبل أسبوع، استهدف الطيران السعودي بعدة غارات، أحياءً سكنية، جنوب العاصمة اليمنية صنعاء، مما أدى إلى مقتل وجرح 38 مدنيًا، معظمهم نساء وأطفال، وقد أظهرت صور نشرتها وكالات أنباء عالمية جثثًا مشوهة وأشلاءً لضحايا لا ذنب لهم سوى أنهم مدنيون موجودون في مدينة يسيطر عليها الحوثيون.
مجازر التحالف العربي في اليمن ليست إلا قطرة في بحر التصفيات العرقية والمجازر الجماعية التي ترتكبها القوات والمليشيات العراقية ضد أهل السنة في الموصل وتلعفر وغيرها من المدن التي عانت الويلات من قصف الطائرات والرشاشات والدبابات، حتى أصبحت ركامًا بعد أن كانت مناراتها وصوامعها شامخة شموخ الجبال الراسية.
هذه الموصل الجميلة، أرض التاريخ والحاضر، دمر مغول العصر بنيانها وشردوا أهلها بدعوى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فطيلة 9 أشهر من الحصار الخانق، لم يهدأ القصف العشوائي على أهلها، ولم تتوقف المليشيات الشيعية الطائفية عن ممارسة إجرامها باستهداف المدنيين وتصفية المئات منهم خارج إطار القانون بزعم أنهم “دواعش”.
انتهوا من معركة الموصل بعد تدميرها، فانطلوا فرحين مسرورين لـ”تحرير” تلعفر وتقديم خدمة العمر لإيران بجعل المدينة نقطة ارتكاز لربط الجمهورية الإسلامية عبر طريق أرضي بسورية ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط عبر لبنان، استكمالاً لبناء الإمبراطورية الفارسية الكبرى وحصار مكة المكرمة والمدينة النبوية.
عراق هارون الرشيد وبغداد الشعراء والفقهاء والحكماء ليس بمفرده أسير الطائفيين والهوائيين والمستعمرين، فهذه مصر الكنانة ترزح تحت حكم عسكر “شر أجناد الأرض”، فبالكاد يمر يوم دون تصفية خارج إطار القانون أو اختفاء قسريًا قد يدوم السنون في غياهب المعتقلات السرية والسجون.
رغم كل ما ذكرنا وما نسينا وما حصل وما سيحصل، نقول للمسلمين في كل مكان افرحوا بالعيد السعيد فقد أمرنا رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – بذلك، ولكن لا تفرطوا بالفرحة وتذكروا إخوانًا لكم لم يقدروا على إظهار فرحتهم لسبب أو لآخر
أوضاع إنسانية واقتصادية صعبة وحريات شبه معدومة وصهينة للمجتمع غير مسبوقة، وتهجير لأهالي سيناء لتفريغ الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي من السكان حتى يتسنى للمستوطنين العيش بأمان حتى ولو استوجب ذلك نسف السيناويين وكل ما له علاقة بالإنسان والحيوان، وكل هذا والمصريون صامتون خانعون راضون بما فرضه العسكر عليهم.
ونحن نحتفل بالعيد السعيد، هل من الممكن أن نواصل حديثنا دون التعريج على حصار دولة عربية مسلمة من أشقائها؟ لا يمكن ذلك، فـ”حماة التوحيد” وملوك العزم والحزم يأبون إلا أن نشير إلى إنجازاتهم غير المسبوقة بحصار دولة خالفتهم الرأي وأرادت أن يكون قرارها مستقلاً عن إرادة الرياض وأبو ظبي.
في عز حرارة الصيف ومع جفاف الحلوق في شهر رمضان، قرر “حلف المتآمرين” حصار القطريين تأديبًا لأميرهم، فأغلقوا المنافذ البرية والبحرية والجوية في وجوههم وطردوهم من دولهم، وهددوهم بالاجتياح العسكري بعد أن منعوا عنهم الغذاء والماء والدواء، ثم قالوا إن في ذلك منفعة لمستقبل القطريين المحرومين من أداء العمرة والحج تنفيذًا لأهواء “طويل العمر”.
نحتم مقالنا في هذا العيد السعيد بالحديث عن إخوان لنا نسيناهم ولم ينسونا باستغاثاتهم المتكررة، فقبل أيام قليلة، قتل بوذيون في ولاية راخين في ميانمار المئات من مسلمي الروهينغا الذين عجز طيران الدول الإسلامية دون استثناء عن إنقاذهم، رغم ذبح رجالهم ونسائهم وأطفالهم بالسكاكين وتقطيعهم بالسواطير ولا ذنب لهم سوى أنهم مسلمون تُركوا فريسة سهلة للمتطرفين البوذيين.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل مُنع غالبية الهاربين من مسلمي الروهينغا من الدخول إلى جارتهم الإسلامية بنغلاديش، وقضى العشرات منهم غرقًا في الأنهار، في حين احتجزت قوات الأمن البنغلادشية أيضًا 75 لاجئًا آخرين من بينهم نساء وأطفال، عندما كانوا يحاولون عبور الحدود هربًا من بطش البوذيين.
رغم كل ما ذكرنا وما نسينا وما حصل وما سيحصل، نقول للمسلمين في كل مكان افرحوا بالعيد السعيد فقد أمرنا رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – بذلك، ولكن لا تفرطوا بالفرحة وتذكروا إخوانًا لكم لم يقدروا على إظهار فرحتهم لسبب أو لآخر، ولعل الله يكتب لنا أن نشهد عيدًا آخر والمسلمون متوحدون ومجتمعون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.