الغضب الألماني من تدخل أردوغان في انتخاباتها؛ حرام عليكم حلال علينا

ترجمة وتحرير نون بوست
في حال قام أحد السياسيين بتوجيه تعليمات لمواطنين في دولة أخرى، فمما لا شك فيه أن ذلك سيثير حفيظة البعض فضلا عن ردود فعل ثائرة. عموما، تنامت وتيرة مثل هذه التدخلات بشكل ملحوظ، وذلك لسبب بسيط. ففي الواقع، تشابكت وتعقدت العلاقات والروابط المشتركة بين الدول أكثر من أي وقت مضى.
في الواقع، بات التدخل في شؤون الدول الأخرى يحظى بشعبية كبيرة على الساحة السياسية الدولية. وفي الأثناء، يعد الأمر شبيها بقضية العنف في ملاعب كرة القدم، حيث يندد الجميع به، في حين يطالبون بالتزام الروح الرياضية. ولكنهم، في الوقت نفسه، يستمتعون بمشاهدته.
في هذا السياق، تواترت ردود الأفعال الغاضبة فيما يتعلق بتصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي دعا الأتراك في ألمانيا إلى عدم التصويت لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر. وفي الأثناء، طغى التشنج على تصريحات أنجيلا ميركل، حيث أكدت أنها لن تتسامح مع أي شكل من أشكال التدخل في الشأن الداخلي الألماني. من جهته، تطرق مارتن شولز زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلى هذا الموضوع، قبل بضعة أيام، على قناة “إي .آر. دي”؛ واعتبر أن ما قام به أردوغان يعد بمثابة خرق خطير لكل الأعراف الدبلوماسية الدولية.
في المقابل، دعونا لا ننسى أمرا بالغ الأهمية. فقبل أربعة أشهر فقط، لم يتوان هذا السياسي، مارتن شولز عن التدخل في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، حيث أخذ على عاتقه مسؤولية تفسير الأسباب التي يجب أن يأخذها الناخبون الفرنسيون بعين الاعتبار وأن لا يصوتوا لمرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان. وفي هذا الإطار، أدلى شولز برأيه فيما يتعلق بالمرشحين للرئاسة الفرنسية، في حين وصف لوبان على أنها عنصرية. وقد اعتبر شولز أن استطلاعات الرأي التي تصب في صالحها مثيرة للقلق، وحذر من أن فرنسا قد تقع بين يدي قيادة متطرفة.
لن يستطيع أردوغان التخلص من خصومه في برلين بهذه السهولة، وذلك عبر توجيه الناخبين الأتراك. والجدير بالذكر أن هذه التدخلات التي أزعجت السياسيين الألمان
في سياق متصل، أقدم سيغمار غابرييل، وزير الخارجية الألماني على تقديم وجهة نظره في هذا الصدد، حيث عبر عن مساندته لإيمانويل ماكرون ووصفه بأنه صديق جيد وأنه شخص يستحق الدعم. أما المستشارة الألمانية التي لطالما عرفت بمواقفها المتحفظة وعدم التدخل في مثل هذه المسائل، فقد أكدت أنها “ستكون سعيدة، إذا فاز إيمانويل ماكرون في الانتخابات”.
في الأثناء، قد يدعي البعض أن هناك اختلافا شاسعا بين تصريحات الزعيم التركي ومواقف السياسيين الألمان. وقد يشيرون أيضا إلى أن المستشارة الألمانية، حافظت على مسافة فيما يتعلق بالانتخابات الفرنسية، حيث أنها شددت على أن “هذا الأمر يبقى رهينة قرار الناخبين الفرنسيين وهذا أمر لا أسمح لنفسي بأن أتدخل فيه”. على الرغم من كل ذلك، تبقى كل هذه الفروق هامشية، في حين أن الحقيقة تحيل إلى أن كلا من ميركل وشولز وغابريال قد تدخلوا في الشؤون الداخلية الفرنسية قبل الانتخابات، في حين يرغبون الآن في منع أردوغان من إبداء رأيه فيما يتعلق بالانتخابات الألمانية.
الانتخابات الوطنية هي أيضا شأن أوروبي
عموما، قد تكون مثل هذه المواقف الحزبية التي يعبر عنها ممثلو الحكومات أمرا غير مرغوب، نظرا لأنه، في نهاية المطاف، كان سيتوجب على الألمان التعامل مع الرئيس الفرنسي مهما كانت هويته، حتى وإن كانت مارين لوبان. ومن هذا المنطلق، لن يستطيع أردوغان التخلص من خصومه في برلين بهذه السهولة، وذلك عبر توجيه الناخبين الأتراك. والجدير بالذكر أن هذه التدخلات التي أزعجت السياسيين الألمان لا تبرر في الواقع موجة الغضب التي اشتعلت في البلاد، حيث أنها تحدث لسبب وجيه.
في واقع الأمر، يمكن ملاحظة أن العديد من الدول الأوروبية أصبحت قريبة من بعضها أكثر من أي وقت مضى، على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وخاصة فيما يتعلق بمسألة التعامل مع المهاجرين والقضايا الاجتماعية. وبالتالي، يؤثر كل ما يحدث في بلد ما بشكل مباشر على بقية الدول، وخاصة عندما تكون دولة أوروبية. وينطبق هذا الأمر على كل البلدان سواء كانت ليبرالية أو اشتراكية، منفتحة كانت أو سلطوية. ونتيجة لذلك، اندثرت الحدود بين الدول التي كانت تفصلها في الماضي، ولم تعد موجودة فعليا. وبالتالي، تعتبر الانتخابات الوطنية في بلد ما، في الواقع، شئنا أوروبيا وليس محليا.
أعرب أردوغان عن موقفه فوق أمام الجميع، ولم يخف آراءه وأفكاره فيما تعلق بالانتخابات الألمانية
على العموم، شهدنا هذا الأمر في فرنسا وهولندا سابقا، ويتكرر الأمر ذاته في كل من ألمانيا والنمسا اللتين تستعدان لاحتضان انتخابات هامة في شهر تشرين الأول/أكتوبر. أما بالنسبة للاستفتاء الدستوري الذي شهدته تركيا، فقد كان له تأثيرات وأبعاد تتجاوز هذا البلد، علما وأن الجميع قد أقر بذلك، حتى أردوغان نفسه. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الشؤون الداخلية لدولة ما لم تعد داخلية بحتة كما كانت في الماضي.
ومن المثير للاهتمام أن هذه التفاعلات والتدخلات بين الدول باتت تتم بشكل علني، وليس بطريقة سرية أو من خلال التلميح للأمر مثلما كان يحدث في الماضي. فعلى سبيل المثال، أعرب أردوغان عن موقفه فوق أمام الجميع، ولم يخف آراءه وأفكاره فيما تعلق بالانتخابات الألمانية.
في المقابل، لا يعد ما اعتبره البعض تدخلا في الشأن الألماني، أمرا مثيرا للقلق، مقارنة بالطريقة التي يخاطب من خلالها الرئيس التركي مشاعر الجالية التركية، حيث عمد إلى انتقاء كلمات مدروسة خلال خطابه. وفي هذا الصدد، توجه الزعيم التركي إلى أتراك ألمانيا قائلا إنهم “مواطنو تركيا في ألمانيا”.
في الحقيقة، أشار أردوغان بذلك إلى حوالي 1.2 مليون ناخب ألماني ينحدرون من أصول تركية. في الحقيقة، هؤلاء الناخبين ليسوا مواطني أردوغان بل إنهم يعتبرون، بشكل رسمي، مواطنين ألمانيين. وفي الأثناء، يعتبر إصرار أردوغان على مخاطبتهم بهذا الشكل، وهو أمر لا يحدث للمرة الأولى، ليس مجرد تدخل في الشأن الألماني، بل هو إهانة لألمانيا.
على العموم، نحن لسنا في حاجة للدفاع عن الرئيس التركي، أمام الاتهامات الموجهة له. ولكن المستشارة ميركل، وشولز وكل السياسيين الألمان مطالبون بتوخي الحذر أثناء مهاجمتهم له، حتى لا يوجهوا له اتهامات خاطئة. في واقع الأمر، يجب أن يكونوا على قدر من العقلانية حتى لا يقعوا في مثل هذه الأخطاء.
المصدر: تسايت