بدأ الجيش السوداني في أواخر يناير/ كانون الأول المنصرم، بتنفيذ هجمات عسكرية على قوات الدعم السريع في عدد من أحياء العاصمة الخرطوم، لينتقل بذلك من وضعية الدفاع إلى الهجوم لأول مرة منذ اندلاع الحرب الشرسة بين الطرفَين في أبريل/ نيسان 2023.
استطاع الجيش، وفقًا لفيديوهات ينشرها على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تدمير آليات حربية لقوات الدعم السريع، ويقول إنه يُطارد عناصرها في منازل المدنيين التي تمّ احتلالها بعد طرد ملّاكها أو بعد فرارهم من العنف، وذلك بدعم من بعض الحركات المسلحة وجهاز المخابرات العامة والمقاومة الشعبية.
وبالتزامن مع هذا التقدم العسكري، تعمل الحكومات المحلية في الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش على حشد مزيد من المدنيين للانخراط في المقاومة الشعبية، بينما تجمّعت قوات تابعة لحركة تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، وفصيل حركة تحرير السودان بزعامة مصطفى تمبور، في ولاية القضارف المحاذية لولاية الجزيرة التي سيطر عليها الدعم السريع في أواخر العام المنصرم.
وظهرت بوادر توتر بين قوات الحركتَين، لكن سارع المسؤولون إلى حلّها، حيث يتوقع أن يدفع الجيش بهؤلاء المقاتلين في الصفوف الأمامية إلى استعادة السيطرة على ولاية الجزيرة.
ـ المكسب الاستراتيجي لقواتنا المسلحة السودانية الذي نجحت فيه من تحرير واسع النطاق لأم درمان القديمة (
المظاهر ـ حي العرب ـ المسالمة ـ البوستة ـ سوق أمدرمان ) يتضمن الحصول على قاعدة للتموضع والسيطرة في منطقة إستراتيجية مهمة للغاية في ميدان المعركة، وفتح الطريق لتقدم نحو أهداف… pic.twitter.com/Gp92en2QHc
— القدرات العسكرية السودانية🇸🇩 (@Sudanesearmy1) January 31, 2024
استعادة الثقة
وتحدث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يوم الثلاثاء، أمام حشد من الجنود، عن إصداره تعليمات للقوات المسلحة وقوات الحركات المسلحة لشنّ هجوم شامل على الدعم السريع وطردها من أيّ مكان، مشيرًا إلى أن الجيش والحركات يتقدمان بخطى ثابتة لإنهاء تمرد قوات الدعم السريع.
جميع المؤشرات تؤكد على أن الجيش في طريقه لتحقيق انتصارات عسكرية في الأسابيع المقبلة، بعد حصوله على أسلحة جديدة ومقاتلين جدد
وتابع: “لن ندافع بعد اليوم بل سنهاجم وسنتحرك ومعنا قوات الحركات من كل الجهات، من دارفور ومن ولايات الشرق وولايات الوسط وولايات الشمال، مستندين على إرادة وعزيمة الشعب السوداني الذي اصطفّ حول قواته المسلحة لمواجهة هؤلاء المتمردين”.
وجدّد البرهان شروطه لابتدار التفاوض مع قوات الدعم السريع، وهي خروج عناصرها من المنازل، والانسحاب من المدن، وإعادة الأموال التي نهبتها، مشددًا على أن الانتصار يمكن أن يتحقق عبر التفاوض، رغم “أن ما أُخذ بالقوة لن يُسترد إلا بالقوة”.
ويأتي تصريح البرهان فيما يتعلق بالتفاوض في خضمّ ضغوط محلية ودولية لإنهاء الحرب من خلال الحلول السلمية، لكن قائد الجيش أغلق في اليوم التالي باب التفاوض والنشاط السياسي في البلاد إلا بعد القضاء على تمرد قوات الدعم السريع، داعيًا القوى السياسية إلى التعاون مع الجيش لتحقيق هذا الانتصار.
ولا يمكن فهم حظر البرهان للنشاط السياسي في البلاد، حيث إنه وافق يوم الثلاثاء على دعوة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” لعقد لقاء معه، شريطة أن يحدث ذلك في البلاد، رغم أن توقيعها لإعلان سياسي مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” مطلع هذا العام، أثار حفيظته.
ويمكن إرجاع تصريحات قائد الجيش الرافضة لأي تفاوض، إلى الهجمات العسكرية وحشود الحركات المسلحة والمقاومة الشعبية في ولايات وسط وشمال وشرق السودان، حيث أدّى ذلك، إلى جانب الأسلحة الجديدة، إلى إعادة الثقة في قدرة القوات المسلحة والحركات والمقاومة الشعبية على تحقيق انتصارات عسكرية.
وتقول تقارير صحفية إن الجيش السوداني تلقّى شحنات من طائرة مهاجر-6، وهي مسيّرة مزوّدة بمحرك واحد، تمّ تصنيعها في إيران بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجّهة بدقة.
#صورة
بلأقمار الصناعية لقاعدة وادي سيدنا العسكرية تثبت من خلالها الطائرات المسيرة الإيرانية (مهاجر-6).#الاحداث_السودانية pic.twitter.com/zq74LnUxWc
— الاحداث السودانية (@SudanUrgentNews) January 26, 2024
قد لا يستطيع التعويل على الحركات
يبدو أن الطائرات المسيّرة التي حصل عليها الجيش من إيران، بغضّ الطرف عن أن ذلك يثير قلقًا إقليميًّا ودوليًّا، أحدثت نجاحًا في تقدم الجيش العسكري متبوعًا بغارات الطيران الحربي، ما دفعه إلى ترتيب أوضاعه، حيث بدأ بالإعداد لعملية عسكرية لإعادة السيطرة على ولاية الجزيرة، وفقًا لموقع “دارفور 24”.
ويقول الموقع نقلًا عن مصدر عسكري، إن العملية المرتقبة ستكون فاصلة لوضع الجيش العسكري، وهذا صحيح، حيث إن أي هزيمة جديدة للقوات المسلحة ربما تفقده الشعبية، والتي تتمثل في تدافع آلاف المدنيين للتسليح وإبدائهم الاستعداد للقتال إلى جانبه.
كل العوامل أصبحت لصالح الجيش لاستعادة المناطق التي فقد السيطرة عليها منذ اندلاع الحرب، غير أن عامل الوقت يمكن أن يشكّل ضغطًا هائلًا عليه
أيضًا، يستطيع الجيش حال استمر في تحقيق التقدم العسكري، كسب مقاتلين جددًا من الحركات المسلحة التي لا تزال تقف على الحياد في الحرب، فيما تقود أي هزيمة إلى انفضاض المقاومة الشعبية المسلحة والحركات عنه، خاصة أن هذه الحركات لم تُشارك حتى الآن في معارك رغم إعلانها الخروج عن الحياد منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
ويتوقع أن تشارك حركتان على الأقل إلى جانب الجيش في معارك إعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، لكن في حال لم يتم تحقيق تقدم فأن الحركات سوف تسحب مقاتليها من الميدان، لأنهم يمثلون رأسمال قادتها السياسي.
تكهُّن بما سيحدث
يدرك الجيش جيدًا أنه لا يستطيع التعويل على مقاتلي الحركات في المعارك، لكنه يفضّل أن تصطفّ إلى جانبه وتدعمه سياسيًّا، خاصة أن القوى المؤيدة للديمقراطية لا تزال تضغط في اتجاه إنهاء الحرب عبر الطرق السلمية، في وقت لا يستطيع الجيش الانخراط في مفاوضات جادّة إلا بعد تحقيق تقدم عسكري يضمن فيه فرض شروطه على قوات الدعم السريع.
جميع المؤشرات تؤكد على أن الجيش في طريقه لتحقيق انتصارات عسكرية في الأسابيع المقبلة، بعد حصوله على أسلحة جديدة ومقاتلين جدد، لكن من الصعوبة الجزم بقدرته على استعادة السيطرة على المناطق التي استولت عليها قوات الدعم السريع بسرعة.
ويمثل تشتُّت قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة وأربعة من أصل خمسة ولايات في إقليم دارفور ومناطق من كردفان الكبرى، نقطة ضعف يرجّح أن يستغلها الجيش لصالحه، لا سيما أن الأولى اعتمدت على كثافة النيران ومحاصرة قواعد القوات المسلحة في المناطق التي سيطرت عليها، وهذا لن يتوفر لها في ظل تفرُّق عناصرها في بقاع شاسعة.
وبالفعل، بدأت قوات الدعم السريع تفقد مصادر قوتها، والتي كانت تتمثل في تواجد قواتها في منطقة واحدة، إذ إن انتشارهم يصعّب عليها إعادة تجميعهم، علاوة على فقدانها مقاتليها الأشداء إما بقتلهم وإما تفضيلهم العودة إلى قواعدهم الاجتماعية في دارفور، حيث باتت تعتمد على قادة حرب جدد، كما تواجهها صعوبة في تجنيد مزيد من المقاتلين، وهذا يصبّ في مصلحة الجيش.
إذًا، كل العوامل أصبحت لصالح الجيش لاستعادة المناطق التي فقد السيطرة عليها منذ اندلاع الحرب، غير أن عامل الوقت يمكن أن يشكّل ضغطًا هائلًا على قادته، إذ إن إطالة أمد النزاع تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية، وتضاعف هواة الاستقطاب الأهلي.
صباح الخير
القوة المميته خلاص كتمت 🚁☄️☄️☄️
بل_بس ،،
وشكرانيين ،، pic.twitter.com/9nUXyPR3Qu
— 🫡الحصه-وطن🦅💥🇸🇩 (@afokado1997) February 1, 2024
وبما أن الجيش لا يملك ترف الوقت، على الأغلب سيبدأ في تطويق ولاية الجزيرة وحصارها من 3 اتجاهات جغرافية، حشد فيها جندًا بشكل كثيف طوال الفترة السابقة، على أن يبدأ الهجوم عليها بعد توفر المعلومات الاستخباراتية، وستكون المعارك تحت غطاء جوي من الطائرات المسيّرة والطائرات القتالية.
يمتلك الجيش أسلحة جديدة وعناصر مقاتلة إضافية ودعمًا شعبيًّا مسلحًا، ولهذا تحوّل من وضعية الدفاع إلى الهجوم، غير أن مواصلة الهجوم لاستعادة العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة يحتاج إلى أشهر، وإن تحقق ذلك فسيكون أمامه استعادة دارفور، وقد يتطلب ذلك سنوات طويلة.