في الوقت الذي ما زال العالم يصم أسماعه عن ما يتعرض له مسلموا الروهنجا في إقليم أراكان، حيث تجددت أعمال الإرهاب من قتل وإبادة واغتصاب جماعي بحقهم خلال الأسبوع المنصرم بشكل كبير، حيث يقول الإعلام الرسمي هناك إن قرابة 400 شخص قُتلوا، وتقول الأمم المتحدة أن قرابة 50 ألف شخص فروا من ميانمار خلال الأسبوع الماضي، العديد منهم يبحثون عن ملجأ في بنغلاديش منذ بدء القتال بين قوات الأمن في ميانمار ومسلحين من الروهينغا.
شهادات مروعة نقلتها وكالة أنباء أراكان في حسابها على تويتر مقاطع فيديو جديدة توثق عمليات الإبادة التي تتعرض لها أقلية الروهينغا من قبل جيش ميانمار الذي يشن منذ أسبوع حملة عسكرية بذريعة تطهير مناطق في أراكان ممن يصفهم بالإرهابيين. حيث ذكر شهود عيان في إفادات مروعة كيف نجوا بأعجوبة من القتل بيد الجيش ومليشيات بوذية، وذكر الناجون أن أقاربهم ممن لم يستطيعوا الهرب قتلهم الجيش وأحرق جثثهم.
وتظهر الصور عمليات حرق مساكن الروهينغا خلال موجة العنف الأخيرة التي نفذها الجيش ضد القرويين في أراكان لإرغامهم على النزوح، كما تظهر جثثا لأطفال ونساء وشيوخ من الروهينغا لقوا حتفهم غرقا في نهر ناف خلال محاولتهم الهرب إلى بنغلاديش من موجة العنف المتصاعدة ضدهم في أراكان.
الأمم المتحدة التي تكتفي بالتنديد
وفي الوقت الذي تتواصل عمليات الإبادة الجماعية وتهجير آلاف المدنيين وترويعهم؛ لم يتوانى اليوم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ليعبر عن “عميق قلقه” إزاء التقارير التي أشارت إلى “وقوع تجاوزات أثناء العمليات التي تقوم بها قوات الأمن في إقليم أراكان بميانمار، ودعا إلى التهدئة وضبط النفس لتجنب وقوع كارثة إنسانية”.
ويأتي موقف غوتيريش بعد أن قالت مصادر في الأمم المتحدة إن قرابة أربعين ألف مدني من الروهينغا فروا إلى بنغلاديش، ولا يزال نصفهم تقريبا عالقين في الحدود بين البلدين، وانتشلت أمس جثث عشرين من الروهينغا بعدما غرق مركبهم في نهر ناف.
كما دعت بدورها المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نكي هيلي حكومة ميانمار إلى “عدم مهاجمة المدنيين في أراكان والالتزام بالقانون الدولي الإنساني”، على حد وصفها.
دعوات لقمة إسلامية
وفي الوقت نفسه، قالت تركيا إنها ستدعو لعقد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي لمناقشة أوضاع مسلمي الروهينغا في ميانمار والبحث عن “حل جذري لمشكلتهم”، حيث نقلت وكالة الأناضول للأنباء عن وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو قوله مساء الجمعة، إن قمة ستعقد بمبادرة من الرئيس رجب طيب أردوغان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في الـ 19 من الشهر الجاري.
وأضاف الوزير التركي أن عددا من زعماء الدول المهتمة بالأزمة سيشاركون في القمة، كما أنه سيحضرها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مؤكدا أن بلاده تعمل من أجل إنهاء الظلم الذي يتعرض له الروهينغا في إقليم أراكان وأن الرئيس أردوغان بحث في وقت سابق اليوم الأوضاع هناك في اتصالات هاتفية مع عدد من زعماء العالم”.
أردوغان يدعو لحراك دولي
من جانبه تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعرض قضية مسلمي الروهينغا الذين يتعرضون لحملة عسكرية في ميانمار خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق من الشهر الحالي، واصفاً ما يتعرضون له بأنه إبادة جماعية.
وقال أردوغان في كلمة ألقاها اليوم الجمعة أمام أعضاء بحزب العدالة والتنمية الحاكم في مدينة إسطنبول بمناسبة عيد الأضحى إنه سيستمر بوصفه رئيسا لمنظمة مؤتمر التعاون الإسلامي في العمل من أجل تحريك قضية مسلمي إقليم أراكان. وأضاف أنه سيثير ما يتعرض له مسلمو ميانمار في اللقاءات الثنائية التي سيعقدها على هامش اجتماعات الجمعية العامة التي ستعقد بمقر المنظمة الدولية في نيويورك.
وصرح الرئيس التركي بأنه “سيكون هناك اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ19 من الشهر الحالي، إن شاء الله سنقوم بطرح القضية هناك بطريقة مختلفة وسنشرحها هناك”. وقال إنه يجري منذ ثلاثة أيام اتصالات مع رؤساء الدول، كما أنه أجرى اتصالا مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. كما قال متحدثا عما تمارسه قوات ميانمار ضد الروهينغا “توجد إبادة جماعية هناك، كل أولئك الذين يصرفون أنظارهم عن هذه الإبادة التي تشن تحت ستار الديمقراطية هم أيضا جزء من هذه المذبحة”. وكان أردوغان دعا أمس الخميس مجددا المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لحل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الروهينغا في أراكان.
ويعيش الروهينغيا منذ عقود في غرب ميانمار، ويتحدث هؤلاء المسلمون السنة شكلا من أشكال الشيتاغونية، وهي لهجة بنغالية مستخدمة في جنوب شرق بنغلادش. ويقيم نحو مليون منهم مخيمات لاجئين خصوصا في ولاية راخين (شمال غرب البلاد)، ويرفض نظام ميانمار منحهم الجنسية البورمية.
تنفي سو تشي وجود حملة تطهير عرقي لمسلمي الروهينغيا في البلاد، بالرغم من تأكيد كثير من التقارير الدولية تعرضهم للقمع والتعذيب
ويذكر آن الآلاف منهم فروا من ميانمار في السنوات الأخيرة بحرا باتجاه ماليزيا وإندونيسيا، كما اختار آخرون الفرار إلى بنغلادش حيث يعيش معظمهم في مخيمات. حيث يعتبر أفراد الروهينغيا أجانب في ميانمار وهم ضحايا العديد من أنواع التمييز مثل العمل القسري والابتزاز والتضييق على حرية التنقل وقواعد الزواج الظالمة وانتزاع أراضيهم، كما أنه يتم التضييق عليهم في مجال الدراسة وباقي الخدمات الاجتماعية العامة.
ومن تناقضات الموقف في ميانمار أن رئيسة الحكومة هي، أون سان سو تشي، الحاصلة على جائزة نوبل في السلام والتي برزت على الساحة السياسية بعد عقود من الدكتاتورية العسكرية. وتعرضت حاملة نوبل لانتقادات خلال السنوات الأخيرة بسبب موقفها من حقوق وحماية الروهينغيا المضطهدين في البلاد، حتى إن الزعيم الروحي البوذي العالمي الدالاي لاما غضب من صمتها إزاء محنتهم، فناشدها علنا اتخاذ موقف.
وتنفي سو تشي وجود حملة تطهير عرقي لمسلمي الروهينغيا في البلاد، بالرغم من تأكيد كثير من التقارير الدولية تعرضهم للقمع والتعذيب، إذ اعتبرت في مقابلة مع “بي بي سي”، استخدام عبارة “تطهير عرقي” لوصف وضعهم في البلاد يعد “أمرا مبالغا فيه”.