رغم ما سجّلته الاستراتيجية المغربية القائمة على مراعاة الأبعاد الدينية والأمنية والقانونية في آن واحد، من نجاحات في التقليل من حدة المخاطر الإرهابية التي تواجهها المملكة، ما جعلها الدولة المغاربية الوحيدة التي لا تتمركز على أراضيها جماعة جهادية، حسب مسؤوليها، فإن المغرب ما فتئت تواجه أصابع الاتهام كونها مصدرا للإرهاب والإرهابيين وتدعّم ذلك عقب الهجمات التي طالت مدن أوروبية عدة الشهر الماضي، حتى أنّ صحيفة فرنسية كتبت “الإرهاب ولد في المغرب“.
“ذئاب منفردة”
“الإرهاب ولد في المغرب”، عنوان غلاف العدد الأخير لمجلة “جون أفريك” الفرنسية، عنوان أعاد إلى الواجهة علاقة الإرهاب بالمملكة المغربية التي تقول إنها تمكّنت من القضاء على هذه الظاهرة وتحييد المشتبه بهم في الانتماء للجماعات الإرهابية المختلفة بعد أن عاشت فترات عصيبة خلال السنوات الماضية وذلك بعد أن ضربت تفجيرات عديدة مناطق متفرقة من البلاد تبناها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
وتقول الصحيفة الفرنسية في نص عنوان الغلاف الذي احتوى ألوان العلم المغربي (الأحمر والأخضر) والنجمة الخماسية، ويساندها في ذلك الكثير من الأوروبيين “الإرهاب ولد في المغرب: وُلدوا في المغرب، أصبحوا متطرفين في أوروبا، وتم توظيفهم من قبل داعش، من مريرت إلى برشلونة، تحقيق حول جنود الجهاد القَتَلة”، ورافقت النص بصور للإرهابين المغاربة الذين نفذوا هجمات برشلونة.
الذئاب المنفردة هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما
ومؤخرا، وجّهت أصابع الاتهام لمغاربة بالضلوع في الهجمات التي استهدفت مدن أوروبية عدّة في شهر أغسطس الماضي والتخطيط لها، وقالت تقارير إعلامية عقب ذلك إن عديد المغاربة تحوّلوا إلى “ذئاب منفردة” تقلق أمن دول أوروبا، خاصة بعد تراجع تنظيم الدولة وانحسار نفوذه في سوريا والعراق وليبيا بعد الضربات التي تلقاها من قبل التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكي.
والذئاب المنفردة هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، وبات يطلق هذا الوصف أيضًا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين أو 3 كحد أقصى، وهي استراتيجية تعتمدها الجماعات الجهادية وخصوصًا تنظيم داعش، ووصفت صحيفة “واشنطن بوست” ظاهرة الذئاب المنفردة في وقت سابق بـ “الكابوس الجديد”، بينما اعتبرت صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية منع الذئاب المنفردة من ارتكاب أعمال إرهابية يمثل التحدي الأكبر للأجهزة الأمنية في الغرب.
محدودية الاستراتيجية
تصدر أسماء مغربية، تحمل صفة المقاتلين وأيضا القادة الجهاديين، عناوين الصحف العالمية، وتورطهم في التخطيط وتنفيذ هجمات إرهابية ضربت عدداً من مدن القارة الأوروبية، مرورا بعملية باريس في نوفمبر من العام 2015، وصولا إلى الهجمات الإرهابية الذي استهدف برشلونة وكامبريلس الإسبانيتين وتوركو الفنلاندية قبل أيام، يؤكّد حسب خبراء محدودية الاستراتيجية التي اتبعتها المملكة منذ سنوات للتوقّي من خطر الإرهاب.
وتقول عديد التقارير الإعلامية والأمنية إن الشباب المغربي أصبح فريسة سهلة للعديد من شبكات التجنيد الإرهابية المتواجدة في عدد من دول العالم خاصة الأوروبية، وكانت أولى نشاطات الجهاديين المغاربة في أوروبا هجمات مدريد الإسبانية سنة 2004. ويؤكّد خبراء أمنيون، أن أغلب هؤلاء الشبان المسلمون من أصول مغربية، من الجيل الثاني والثالث، إن لم يكونوا قد ولدوا في أوروبا، فهم عاشوا فترة طويلة من عمرهم في القارة العجوز، حيث درسوا في مدارسها وتربوا وسط مجتمعاتها.
مغاربة في قفص الاتهام في تفجيرات برشلونة
ويضيف الخبراء، هؤلاء الشباب جمعهم الفشل في الدراسة، وعدم الاندماج في مجتمعاتهم، فلم يجدوا عملا يليق بطموحاتهم، إضافة إلى أن تكوينهم الديني كان ضعيفا إن لم يكن منعدما، وهويتهم فوق المحك، فأصبحوا فرائس سهلة لنسور “داعش”، يسهل استقطابها. وفي منتصف يوليو 2015، كشف وزير الداخلية المغربي خلال عرض داخل البرلمان عن مجموعتين من المقاتلين المغاربة في سوريا والعراق، واحدة مكونة من 1122 فردًا جاؤوا مباشرة من المغرب للانضمام للتنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، والثانية تضم ما بين 1500 و2000 جهادي يقيمون في الدول الأوروبية، وتحتلّ المملكة المغربية للمرتبة الثالثة في قائمة الدول المصدرة لمقاتلين لـ ” داعش” بعد تونس والسعودية.
مدن الريف
والملاحظ أن جلّ المغاربة المتهمين بالقيام بعمليات إرهابية أو التخطيط لها، ينتمون إلى مدن الريف المغربي التي تعاني التهميش، وذكر موقع مجلة “فورين بوليسي“، أنه “بعدما كانت جبال الريف شمالي المغرب، موطنا للباعة المتجولين والمهربين والخارجين عن القانون لعدة قرون، فقد أصبح الآن عدد من المنحدرين منها يقفون وراء العمليات الإرهابية التي تعيشها أهم عواصم أوروبا”.
يؤكّد مراقبون أنّ التهميش الذي عاشته منطقة الريف وعدد من مدن الشمال في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، شجع على تمدد الفكر المتطرّف في أوساط ساكنتها
وأوضحت المجلة، أن “بعض أطفال الريف الذين انتقلوا للعيش في أوروبا رفقة عائلاتهم، عاشوا بعضاً من طفولتهم في هذه المنطقة المهمشة، التي يجتمع فيها الإجرام بالتطرف، وهو الشيء الذي أفرز عددا من المتطرفين الذين هاجموا فرنسا، بلجيكا وإسبانيا في وقت سابق، التي تعتبر بلداناً عاشوا فيها أكثر من نصف حياواتهم”. ويؤكّد مراقبون أنّ التهميش الذي عاشته منطقة الريف وعدد من مدن الشمال في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، شجع على تمدد الفكر المتطرّف في أوساط ساكنتها، قبل أن يهاجر عدد منها بداية سبعينيات القرن الماضي إلى أوروبا.
استراتيجية متعدّدة الأبعاد
بالرغم من أن تورط شباب مغاربة في أكثر من عملية إرهابية في الدول الغربية وخارج مناطق النزاع وداخلها بات يؤرق الأجهزة الأمنية المغربية، التي تدخلت كثيرا لفك خيوط عدد من الخلايا الإرهابية الناشطة في الخارج؛ فإن السلطات المغربية ما فتئت تؤكّد نجاح استراتيجيتها التي جمعت الأبعاد الدينية والأمنية والقانونية في آن واحد، في الحدّ من خطر الإرهاب.
*الجانب القانوني
وبذلت الرباط جهودًا مكثفة لمواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله، حيث سعت حكومة المغرب إلى فرض كافة القيود التي تحول دون انتشار الفكر المتطرف داخل أراضيها أو خارجها، فبعد أقل من أسبوعين من تفجيرات الدار البيضاء في 2003، أصدرت الحكومة المغربية قانونًا جديدًا لمواجهة الإرهاب، تضمن ذلك القانون تغليظ العقوبات لتشمل السجن بعشر سنوات لمن يتورط في أعمال الإرهاب، والسجن المؤبّد إذا تسببت الأعمال الإرهابية في إحداث إصابات جسيمة للآخرين، وعقوبة الموت إذا أودت بحياة أية ضحايا. علاوة على ذلك، تم إصدار قانون لمحاربة غسل الأموال في 2007، يسهّل تجميد الحسابات المشكوك بها، وإنشاء وحدة استخبارات مالية للتحري والتحقيق في القضايا المالية والإرهابية ذات الصلة.
مجهودات كبيرة للأمن المغربي للتصدّي لخطر الإرهاب
وفي إطار التجديد المستمر في القانون الجنائي والذي يستحدث ما بين الحين والأخر عقوبات جديدة على كافة المتورطين في أي جرائم إرهابية تمت داخل الأراضي المغربية أو تنوي القيام بها في الخارج، تم تخصيص فصل جديد في القانون الجنائي لتوقيع عقوبات على كل شخص “التحق أو حاول الالتحاق بشكل فردي أو جماعي، في إطار منظم أو غير منظم، بكيانات أو عصابات، أيا كان شكلها أو مكان وجودها، ولو كانت الأفعال لا تستهدف الإضرار بالمغرب وبمصالحه”، إضافة إلى ذلك فإن التعديلات الجديدة التي طرأت على القانون تعتبر أن “التدريبات أو التكوينات كيفما كان شكلها، داخل أو خارج التراب الوطني بقصد ارتكاب أفعال إرهابية داخل المغرب أو خارجه سواء وقع الفعل أو لم يقع”، إضافة إلى “تجنيد أو تدريب أو دفع شخص أو أكثر من أجل الالتحاق بكيانات أو تنظيمات”، وكانت العقوبة بـ “السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات وغرامة مالية تراوح بين خمسين ألف درهم (4500 يورو) وخمسمائة ألف درهم (45 ألف يورو)”.
*الجانب الديني
وفي سياق جهود المملكة لمكافحة وتطويق الإرهاب، قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي تعد من أبرز وزارات السيادة في المملكة ويشرف عليها أحمد التوفيق لقرابة 15 سنة متتالية منذ تعيينه من لدن الملك محمد السادس سنة 2002، قامت بإيفاد بعثة علمية من 366 مشفعا وواعظا وواعظة إلى 09 دول أوروبية، وهي فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا والدنمارك والسويد وهولندا وكندا وألمانيا، في رمضان الماضي، بهدف “تأطير الجالية المغربية وإمدادها بما تحتاج إليه دينيا وروحيا”. وتعتمد التوعية الدينية على “المحاضرات والخطب الدينية والدروس الحسنية والبرامج الدينية التي تبث في الإذاعة والتلفزة”، وتستند على ثلاثة أسس، هي “التوعية الدينية” و”إحياء التراث الإسلامي” و”بعث الثقافة الإسلامية”.
*الجانب الأمني
مع تنامي تهديدات الجهاديين، عملت الأجهزة الأمنية المغربية، وفي مقدمتها المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني، على تطوير مقاربات ومبادرات مستدامة للتنسيق والتعبئة من أجل احتواء الأخطار المستقبلية. وتمكّنت الأجهزة الأمنية المغربية المختصة بتفكيك عشرات الخلايا الإرهابية والقبض على مئات المشتبهين بالانتماء إلى الجماعات الإرهابية، وتؤكّد السلطات المغربية أن الارتفاع المسجل في عدد قضايا الإرهاب يرتبط بالتطورات التي عرفتها بعض بؤر التوتر، خصوصا تلك المرتبطة بالوضع في بعض دول الساحل وسورية والعراق، وما نتج عن ذلك من عودة بعض الشباب المغاربة ذوي الميول المتطرفة من هذه البؤر او محاولتهم الالتحاق بها.
*مصالحة
إلى جانب ذلك يؤكّد مسؤولون مغاربة، أن المندوبية العامة لإدارة السجون، استطاعت أن تفتح الباب للعمل المدني داخل المؤسسات السجنية للمصالحة مع المعتقلين المحكومين في قضايا الإرهاب في السجون المغربية، وأفرز ذلك عن الافراج عن عدد من المعتقلين بعفو من العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، وأشارت وزارة العدل في بيان لها إلى أن هؤلاء الأشخاص (المحكومين بقضايا الإرهاب) أعلنوا بشكل رسمي تشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها وبالمؤسسات الوطنية، وتمت مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهم للتطرف والإرهاب، وأكدوا أنهم رجعوا إلى الطريق القويم.
في تقرير سابق حول حصيلة عملها، أشادت المندوبية العامة لإدارة السجون بالشراكة المهمة التي جمعتها بالرابطة المحمدية للعلماء وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، حول محاربة التطرف والإرهاب، ونشر مبادئ الإسلام المعتدل داخل السجون.
حسب معطيات لجنة مستقلة، فإن عدد المحكوم عليهم على خلفية تفجيرات 16 مايو 2003، الذين لا يزالون في السجون المغربية، بعد استفادة مجموعة الأخيرة من العفو، يبلغ 132 موقوفًا
وأكد التقرير أن البرنامج يهدف لإتاحة الفرصة للمعتقلين في إطار قضايا التطرف و”الإرهاب” لمراجعة أفكارهم لتأهيلهم وإعادة دمجهم بالمجتمع، لافتا إلى أن إدارة السجون تهدف لتحصين السجون حتى لا تصبح وسطا خصبا لترويج الأفكار المتطرفة. وكانت إدارة السجون وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، قد أعلنوا في يوليو/تموز 2017، عن بدء المرحلة الثانية من مشروع تعزيز قيم التسامح ومحاربة التطرف في مؤسسات السجون في المغرب الذي يستمر إلى غاية 2020، بعد انتهاء المرحلة الأولى التي امتدت من مارس/آذار 2016 إلى غاية يونيو/حزيران 2017 وشملت 7 سجون.
ملك المغرب أقر عفوا على مجموعة من المتهمين بالإرهاب في إطار “المصالحة”
وحسب معطيات اللجنة المشتركة للدفاع عن “المعتقلين الإسلاميين” (حقوقية غير حكومية)، فإن عدد المحكوم عليهم على خلفية تفجيرات 16 مايو/أيار 2003، الذين لا يزالون في السجون المغربية، بعد استفادة المجموعة الأخيرة من العفو، يبلغ 132 موقوفًا. وفي 16 مايو/أيار 2003، شهد المغرب تفجيرات إرهابية راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، وتم على إثرها توقيف حوالي 3 آلاف شخص، حُكم عليهم بالسجن لفترات مختلفة تصل إلى المؤبد (السجن مدى الحياة) والإعدام، وقضى بعضهم محكوميته، في حين استفاد البعض من قرارات عفو.