كشفت القناة 12 الإسرائيلية عن تفاصيل صفقة محتملة لتبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحكومة الاحتلال، قدمها رئيس الموساد دافيد بارنياع، أمام مجلس الحرب الإسرائيلي تحت عنوان “وثيقة مبادئ” تتضمن إطلاق سراح 35 من الأسرى والرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (لم تُحدد أعدادهم بعد).
وتأتي تلك الصفقة – المسربة – المحتملة كأحد مخرجات الاجتماع الذي عُقد الأحد 28 يناير/كانون الثاني 2024، في العاصمة الفرنسية باريس بمشاركة “إسرائيل” والولايات المتحدة ومصر وقطر، للتباحث حول صفقة إنسانية جديدة تتم عبر 3 مراحل.
وكان رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية، قد أعلن أمس الأربعاء أن الحركة تسلمت مقترح الصفقة وأنها بصدد دراسته، فيما أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، قبل 3 أيام خلال مقابلة مع شبكة “إم إس إن بي سي” التلفزيونية، أن المفاوضات الرامية للتوصل إلى صفقة بين المقاومة و”إسرائيل” أفضت إلى “إطار عمل يمكن أن يؤدي إلى اتفاق نهائي”.
وتبذل أمريكا مع قطر ومصر خلال الآونة الأخيرة اتصالات مع قادة حماس وحكومة الاحتلال للتوصل إلى اتفاق ثان لتبادل الأسرى ووقف مؤقت لإطلاق النار في القطاع، غير أن المعضلة الكبرى إزاء تلك الجهود المخاوف المتصاعدة من إفشال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لأي صفقة محتملة في ظل إصراره على المضي قدمًا في مساره التصعيدي العسكري.. فلماذا يرفض “بي بي” أي اتفاقات بشأن تبادل الأسرى رغم الضغوط الداخلية والخارجية عليه؟ وما مقارباته في استمرار الحرب حتى لو كانت على حساب الأسرى والرهائن الإسرائيليين؟
تفاصيل الصفقة المحتملة
تتضمن الصفقة في مرحلتها الأولى هدنة تستمر لمدة 35 يومًا تشمل الإفراج عن 35 إسرائيليًا محتجزًا لدى المقاومة من النساء والمصابين وكبار السن، مع إمكانية التمديد أسبوعًا إضافيًا كمرحلة انتقالية للتمهيد للمرحلة الثانية التي تتضمن إطلاق سراح الشباب، وكل من تصفهم حماس بالجنود، وفق ما جاء في الوثيقة التي قدمها رئيس الموساد، فيما لم يُحدد العدد المقترح إطلاق سراحه من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
وأشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية إلى أن حماس تصر على أن تتضمن الصفقة أسماء 3 من كبار الأسرى المعروفين، أولهم القيادي في فتح مروان البرغوثي، صاحب الشعبية الكبيرة والمرشح المفضل لرئاسة السلطة بعد محمود عباس أبو مازن، والثاني هو الأمين العام للجبهة الشعبية، أحمد سعدات، الذي رفضت سلطات الاحتلال إطلاق سراحه ضمن صفقة المجند جلعاد شاليط عام 2011، إذ وصفته بأنه مثل البرغوثي، “شخصية شعبية مهمة في المجتمع الفلسطيني”.
وسائل إعلام إسرائيلية تنشر تسريبات لبنود صفقة تبادل محتملة بين المقـ ـاومة وإسرائيل.. هذه أبرز تفاصيلها
تابع 👇🏻 pic.twitter.com/nRyrqZqRxO
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) February 1, 2024
أما الأسير الفلسطيني الثالث الذي تتمسك حماس بأن يكون ضمن الصفقة المحتملة فهو عضو الحركة وأحد قادة جناحها العسكري في الضفة، عبد الله البرغوثي، المحكوم عليه بـ67 مؤبدًا، وهو الحكم غير المسبوق في “إسرائيل” حسبما تقول الصحيفة العبرية.
وتشير الصحيفة إلى أن جوهر الخلاف من الجانب الإسرائيلي بشأن تلك الصفقة يتمحور حول نوعية تلك الأسماء، فلطالما رُفض الإفراج عن الشخصيات ذات الشعبية الجارفة – المتورطين وفق السردية الإسرائيلية في هجمات أفضت إلى قتل إسرائيليين – التي يمثل إطلاق سراحها انتصارًا للجانب الفلسطيني في معركة الصمود والتحدي، وهو ما تحاول دولة الاحتلال أن تتجنبه طيلة السنوات الماضية، فذلك “سيكون من الصعب على الجمهور والسياسيين هضمه”.
مخاوف من نسف “بي بي” للصفقة
أثارت تصريحات نتنياهو تعليقًا على الصفقة المحتملة مخاوف البعض بشأن إفشالها وعدم إتمامها، خاصة أنها ليست المقترح الوحيد الذي لم يكتمل بسبب تعنت رئيس الحكومة وأعضاء اليمين المتطرف داخل مجلس الوزراء، ففي مقطع فيديو نشره “بي بي”، أمس، قال إن الجهود مستمرة من أجل التوصل إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى، مستدركًا أنها لن تتم بأي ثمن، منوهًا أن لديه خطوطًا حمراء، من بينها عدم وقف الحرب وعدم سحب قوات الجيش من قطاع غزة وعدم الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، وتابع “نحن نعمل لإطلاق سراح مختطفينا والقضاء على حماس وضمان ألا تشكل غزة تهديدًا بعد، نحن نعمل على تحقيق الأهداف الثلاث معًا ولن نتخلى عن أي منها”.
وتعليقًا على تلك التصريحات نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤول إسرائيلي مطلع على سير المفاوضات قوله إن هناك مخاوف “من أن يكون الهدف من التطرف في تصريحات نتنياهو في الأيام الأخيرة تشجيع حماس على التشدد في مواقفها ونسف الصفقة”، مضيفًا: “مثل هذه الخطوة قد تسمح لإسرائيل بمواصلة القتال مع تحميل حماس مسؤولية فشل المحادثات”.
في ظل الحديث عن صفقة جديدة لتبادل الأسرى.. نتنياهو: لن نطلق سراح آلاف الإرهابيين ولن نسحب الجيش من #غزة#حرب_غزة pic.twitter.com/rtoJ5XvLwk
— قناة الجزيرة (@AJArabic) January 30, 2024
ويتخندق نتنياهو مع وزيري الأمن القومي والمالية المتطرفين، بن غفير وسموتيرتش، في ذات الخندق الرافض لأي صفقات أو هدن مع المقاومة تقضي بوقف الحرب ولو لفترات مؤقتة، مجيشين آلتهم الإعلامية والسياسية والعقدية لدعم مسار الاستمرار في الحرب حتى تحقيق أهدافها كاملة حتى لو كلف ذلك أرواح المحتجزين لدى حماس، وهو المسار الذي يتعارض مع توجهات شريحة كبيرة من النخبة والعامة في الداخل الإسرائيلي.
3 أسباب وراء التعنت
المتابع لتصريحات نتنياهو منذ بداية الحرب على غزة يجدها تغرد في معظمها خارج السرب الميداني، ففي الوقت الذي يعترف فيه الجيش بتكبد خسائر فادحة لم يتكبدها منذ عام 1948 يُصر رئيس الحكومة على أن جيشه يحقق انتصارات مدوية وأن المقاومة تتهاوى أمام جحافله العسكرية التي يتغنى بنصرها ليل نهار.
وبينما يرفع نتنياهو شعار تحقيق الحرب لأهدافها وأنها تسير بخطى ثابتة، لم يحقق الجيش أي من أهدافه الثلاث المعلن عنها سابقًا (القضاء على حماس وتحرير الأسرى وضمان ألا تشكل غزة منطقة تهديد للداخل الإسرائيلي)، وذلك بشهادة الجميع في الداخل الإسرائيلي، بما فيها هيئة البث الرسمية وبيانات الجيش التي تنعي يوميًا العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح ومصاب بأمراض نفسية وعصبية.
واتساقًا مع تلك الأجواء المتناقضة شكلًا ومضمونًا تأتي عنتريات رئيس الحكومة بالتلويح برفض أي صفقات مع المقاومة تقتضي تقديم أي تنازلات، حتى لو كان وقفًا مؤقتًا لإطلاق النار، وهو التعنت الذي يمكن إرجاعه إلى 3 مبررات أساسية.
الأول: أن القبول بصفقة لتبادل الأسرى للمرة الثانية منذ الحرب تعني اعترافًا علنيًا بأن “إسرائيل” فشلت مرتين في تحقيق أهدافها من الحرب وعلى رأسها تحرير أسراها المحتجزين، إذ لم ينجح جيش الاحتلال في تحرير أسير واحد حي على مدار أكثر من 110 أيام من المعارك، حسبما أشار الكاتب الإسرائيلي عاموس هارئيل الذي كشف في مقال له في صحيفة “هآرتس” أن الموافقة على تلك الصفقة تعني “اعترافًا من الحكومة والجيش بأنهما فشلا مرتين، أولًا: في شن هذه الحرب، وثانيًا في تحقيق الأهداف الطموح التي وضعاها لأنفسهما بعد بدايتها، وهي هزيمة حماس وتفكيك قدراتها”.
لكن في الوقت ذاته ليس هناك خيار لدى “إسرائيل” إلا القبول بتلك الصفقة كما بعض كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، فكل الأهداف التي وضعتها الحكومة قبيل الحرب لم تتحقق ولم يبق هناك إلا تحرير الأسرى بصفته الهدف الوحيد الذي يمكن تحقيقه حقًا في الوقت الحاليّ عبر الصفقات والهدن المؤقتة، وفق ما أشار هارئيل.
اتهامات داخلية لنتنياهو بمحاولة إفشال مفاوضات صفقة تبادل الأسرى المحتملة.. فهل يرضخ في النهاية لمطلب وقف الحرب على غزة؟@zomareen pic.twitter.com/esAAR8pI3g
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 1, 2024
الثاني: خشية أن تتسبب تلك الصفقة المتوقع أن تصل إلى 35 يومًا قابلة للزيادة في تراجع زخم الحرب رويدًا رويدًا، ما يعني وقفًا كاملًا ونهائيًا لإطلاق النار وإنهاء الحرب بشكل رسمي، وهو ما يمثل في ضوء الوضعية الحاليّة هزيمة لـ”إسرائيل” وانتصار كبير للمقاومة، الأمر الذي يضع مستقبل نتنياهو السياسي على المحك، ويجعله عرضة للمحاسبة وفتح ملفات الفساد القديمة التي يُحاكم بسببها، الطريق الذي قد يزج به في السجن بقية حياته.
لذا يحاول رئيس الحكومة وجنرالاته ووزراؤه المتطرفون إطالة أمد الحرب قدر الإمكان، كما أنه ليس هناك مانع من توسعة دائرتها لتشمل جنوب لبنان والعراق وإيران إن لزم الأمر، طالما أن ذلك سيمنح نتنياهو المزيد من الوقت على أمل تحقيق أي انتصار يجُب ما قبله من فشل وفساد.
الثالث: يعلم نتنياهو أن إطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية كما أنه أمر مرهق للاحتلال فهو كذلك بالنسبة للمقاومة، خاصة في ظل الحصار المشدد عليها من كل الجبهات، وما لذلك من تأثير على ترسانتها ومخزونها التسليحي، هذا بجانب أن استمرار الكارثة الإنسانية في القطاع يمثل في حد ذاته ضغطًا قويًا على فصائل المقاومة المختلفة.
ومن هنا قد يهدف رئيس الحكومة المتأزم عبر تلك التصريحات العنترية التي يغلق معها أي أفق سياسي نحو الحلول الدبلوماسية ممارسة الضغط على حماس وأشقائها وممارسة نوع من الحرب النفسية على المقاومة الفلسطينية، لتقديم أي تنازلات تصب في صالح الأهداف الإسرائيلية، وهي الحرب التي لم تؤت أكلها المرة الماضية ويحلم نتنياهو أن تحقق أي نتيجة خلال المرحلة الحاليّة، يتسول بها انتصارًا وهميًا يرفع به رأسه المثقلة بسلاسل الإقالة والمحاسبة والاحتقان الشعبي.
وفي الأخير فإن نتنياهو رغم كل تلك العنتريات سيضطر في نهاية الأمر إلى الرضوخ لصفقة تبادل أسرى مع المقاومة في ظل الضغوط التي يتعرض لها وفريقه سواء من الداخل عبر المعارضة وعائلات الأسرى والرهائن أم من الخارج عن طريق حلفائه الأمريكان والأوروبيين، فضلًا عن الفشل الميداني في تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة، لكنها الصفقة التي ستُنزع منه نزعًا، لتصبح الكرة في ملعب المقاومة وهنا التساؤل: ماذا لو لم تفض الصفقة إلى وقف نهائي للحرب؟ هل تقبل المقاومة بها تحت ضغوط الوسطاء؟