ترجمة وتحرير نون بوست
يدعى اللغوي كين هيل أن “اندثار إحدى اللغات يعد بمثابة إسقاط قنبلة على أحد المتاحف، على غرار متحف اللوفر”. والجدير بالذكر أنه ومنذ وفاة كين هيل، وعلى امتداد 16 سنة، اختفت حوالي 50 لغة.في الحقيقة، من المستحيل قياس حجم ما هو مفقود على وجه التحديد، من حيث الثقافة والتراث والنباتات والإثنوغرافيا فضلا عن انقراض لغة. ولكن اللغويين يتفقون على أن هذه عملية استنزاف هذه الجوانب في تزايد، في حين تواجه نصف لغات العالم لغة أي حوالي 7000 لغة خطر الاندثار.
وفي هذا الشأن، صرح روس بيرلن مدير “تحالف اللغات المهددة بالانقراض” في نيويورك، الذي يعمل على رصد وتسجيل اللغات التي قد تندثر في المستقبل قائلا: “بالنسبة لي، تعتبر مهمة حماية اللغات المهددة بالانقراض بمثابة مسألة عدالة. في الحقيقة، لقد ترعرعت في كنف عائلة تتحدث اليديشية، وهي لغة من دون دولة. فقد أدى الهولوكوست فضلا عن القوى التاريخية إلى القضاء عليها، لذلك أشعر أنني على صلة بأغلبية لغات العالم التي تمر بوضع مماثل”.
وأضاف بيرلن “علاوة على ذلك، يعتبر الأشخاص الذين يتحدثون اللغات المهددة بالانقراض، بصفة عامة، أكثر الفئات تهميشا، وضحايا الإمبريالية، والاستعمار، وعمليات التوسع في السوق. وبالتالي، يتعلق هذا الأمر بالعدل، خاصة وأن المسألة تقتضي أن نتعامل مع هذا التنوع الذي كان جزءا أساسيا من كوكبنا، إلا أنه يواجه الآن خطر الاندثار، تماما مثل تنوع العالم البيولوجي”.
طالب ابتدائي في آيتا في بوراك، بامبانجا، شمال مانيلا في الفلبين. يذكر أن “آيتا ماغيندي” التي يتحدث بها 3000 شخص فقط فى التلال الواقعة شمال غربى مانيلا تعد واحدة من عشرات اللغات المهددة بالانقراض فى الأرخبيل الذي يضم 168 من أصل 6 آلاف لغة في العالم
عموما، عمل “التحالف للغات المهددة بالانقراض” بالفعل مع متحدثين بأكثر من 70 لغة، انطلاقا من منطقة البحر الكاريبي وصولا إلى الشرق الأوسط. وفي بعض الحالات، دعم هذه المنظمة جهود إحياء اللغات المهددة بالانقراض داخل المجتمعات وشجع الناطقين بها على تعليمها للمواطنين، على غرار استضافة الفصول الدراسية باللغة “الكيشية” لشعب المايا. في المقابل، وفي الكثير من الأحيان، كان ذلك يستجوب محاولة أخيرة لتوثيق أكبر قدر ممكن من اللغات قبل أن يموت متحدثي هذه اللغة بطلاقة.
طغيان أحادي الثقافات
تتمثل إحدى الأولويات الرئيسية للمنظمة في ترسيخ الاعتقاد بأن الشعوب الأصلية التي تتسم بلغات وثقافات مرنة، تتمتع بالقدرة الضرورية للدفاع عن نفسها ضد الاستبداد المستمر للثقافات الأحادية الأكبر، في حين أنها تسعى إلى أن يتعلم الأطفال على نحو أفضل باستخدام لغتهم الأم. وبالتالي، سيكون المثل الأعلى هو التعددية اللغوية، التي في الغالب يكون لها زخم من الفوائد المعرفية والثقافية.
والجدير بالذكر أن روس بيرلن يعتزم زيارة نادي المعلمين في دبلن في 25 من تموز/ يوليو بغية إلقاء خطاب في قسم الاتيمولوجيا، وهو مشروع فني يستكشف حياة ما بعد الموت وموت الأشياء. ويدير هذا القسم كل من الفنانة فيونا هالينان وكيت سترين. وسيكون التركيز في عرض بيرلن على مرحلة ما بعد اندثار اللغة، وكيف أن مفهوم المتكلم الأخير المثالي الذي هو بمثابة رمز يعكس جاذبية إحدى اللغات النادرة التي اندثرت، غالبا ما يتم الاستهانة به.
في هذا الصدد، أقر بيرلن أنه “بالإمكان الحفاظ على اللغات بطرق لا تعد ولا تحصى، بل إن اللغات تنتعش وتزدهر أحيانا من قبل ناشط واحد متحمس، مثل جيسي ليتل دو بيرد، الذي أحيى لغة ألغونكوين، التي تعود جذورها إلى شعب وامبانواغ، بعد مرور 150 سنة من انقراضها. وقد وظف في هذا الغرض الوثائق القديمة التي نجت من الاضمحلال. وفي الوقت الراهن، وفي ظل اندثار بعض اللغات، أصبح من المهم تخزين المواد والحفاظ عليها”.
في سياق متصل، يستشهد روس بيرلن بأشكال مختلفة من فترة ما بعد انقراض اللغة، على غرار فكرة ما بعد العامية، التي حدثت مع اليديشية. ففي الغالب، قد يتمكن الأشخاص من معرفة الأغاني اليديشية، لكنهم لن يستطيعوا تكوين جملة واحدة. وبالتالي، أصبحت اليديشية لغة يعتمدها الشعراء أكثر من المتكلمين.
علاوة على ذلك، يحيط الغموض بفترة ما بعد اندثار اللغة خاصة فيما يتعلق باللغات المهددة بالانقراض في المدن، حيث يصل المهاجرون الراغبين في العمل واللاجئون من الأزمات. إثر ذلك، يخضع هؤلاء لعملية الاندماج في وسط المجتمع الجديد، مما يدفعهم للتضحية بلغتهم الأم مقابل اللغة الإنجليزية أو الإسبانية أو الصينية أو عدد قليل من اللغات الأخرى المهيمنة. وفي الأثناء، يقتصر استخدامهم للغتهم المحلية داخل حدود شقتهم أو مسكن اللجوء، تماما مثل الأسماك التي تقطعت بهم السبل في بركة صخرية.
إعدام اللغات
في حقيقة الأمر، تتجسد مثل هذه المظاهر في أيرلندا أيضا، حيث يمكن رؤية الإعدام التدريجي للغات العالمية في صلب مدننا الرئيسية. عموما، يعد شارع مور في دبلن أحد أكثر المناطق اللغوية تنوعا في إيرلندا، حيث يحتضن العديد من اللغات على غرار الصينية والعربية والأفريقية والسلافية. ولسائل أن يسأل؛ ما هي اللغات التي جلبتها الأقليات المحلية معها واللهجات التي كانت تلك الأقليات تتكلم بها، والتي تخلص هؤلاء منها بمجرد مغادرتهم لقريتهم أو مجتمعهم الأصلي؟
قضى روس بيرلن سنوات في تتبع اللغات المهددة بالانقراض في نيويورك، التي تقدر بحوالي 800 لغة، والتي يتحدث بها بعض المئات من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، هناك لغات الهمالايا التي لا يتجاوز عدد المتحدثين بها في الوطن الفعلي للغة، عدد المتكلمين بها في كوينز، فضلا عن اللغات الباكستانية والأفغانية النادرة. علاوة على ذلك، توجد لغات أخرى مثل المانديك (اللغة السامية للأقلية المسيحية الصغيرة في العراق وإيران)، والشامورو (من جزر ماريانا)، وكاشوبيان (من بولندا)، والبخاري (وهي لغة يهودية بخارية، تضم عددا أكبر من المتكلمين في نيويورك منها في أوزبكستان أو طاجيكستان) وعشرات اللغات الأصلية في الأمريكتين.
بالنسبة لروس بيرلن، الذي أمضى ثلاث سنوات يدرس اللغات المعزولة في الصين والهيمالايا، يعد هذا التنوع المحفز الأساسي له لخوض هذه التجربة. وفي هذا الصدد أقر بيرلن: “أنا لغوي يحب اللغة، وبالتالي، من واجبي أن أحاول مساعدة، أو التواصل، مع أي شخص يتطلع إلى مواصلة التحدث أو تطوير لغته. وفي الأثناء، نلاحظ بشكل متزايد مجموعات تحاول تنشيط اللغات التي أخذت تتلاشى تدريجيا. ومن هذا المنطلق، يتمثل الهدف الأساسي المحوري لمنظمة “التحالف للغات المهددة بالانقراض”، في مساعدة هؤلاء المجموعات في المضي قدما في هذه العملية. حقيقة، أتطلع إلى رؤية كيف تتكيف اللغة الأيرلندية مع العالم الحديث خلال زيارتي”.
المصدر: أيريش تايمز