ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف تحقيق جنائي مشترك أجرته “أكسيس ناو” وسيتيزن لاب في معهد مونك للشؤون العالمية بجامعة تورنتو وشركاء محليين عن استهداف ما لا يقل عن 35 فردًا في الأردن ببرنامج التجسس بيغاسوس التابع لمجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية. ووسط تصاعد القمع والحملة على الفضاء المدني والحريات الصحفية والمشاركة السياسية في الأردن، يكشف تحقيقنا عن استخدام واسع النطاق بشكل مذهل لبرنامج بيغاسوس ضد صحفيين وناشطين سياسيين وجهات فاعلة في المجتمع المدني ومحامي حقوق الإنسان في البلاد والتجسس عليهم.
التحقيق
عثر تحقيق جنائي رقمي مشترك أجرته منظمة أكسيس ناو وسيتيزن لاب على آثار لبرنامج تجسس بيغاسوس على الأجهزة المحمولة لثلاثين ناشطًا وصحفيًا ومحاميًا وأعضاء من المجتمع المدني. وقد حددت الأعمال الإضافية التي قامت بها هيومن رايتس ووتش، ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، ومشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد خمسة ضحايا آخرين لبيغاسوس، ليصل إجمالي عدد أهداف بيغاسوس في الأردن الذي كشف عنه هذا التحقيق إلى 35 فردًا. وأحد هؤلاء الضحايا تم استهدافه سابقًا بواسطة بيغاسوس في مناسبات أخرى. ونعتقد أن هذا مجرد غيض من فيض عندما يتعلق الأمر باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس في الأردن، ومن المرجح أن يكون العدد الحقيقي للضحايا أعلى من ذلك بكثير.
القصة
وقعت أول حالة مؤكّدة علنًا لاستخدام برنامج بيغاسوس في الأردن في آذار/ مارس 2021 مع محامية حقوق الإنسان الأردنية هالة عاهد، التي كُشف عنها في كانون الثاني/ يناير 2022 بواسطة أكسيس ناو وفرونت لاين ديفندرز. وفي نيسان/ أبريل 2022، وجدت سيتيزن لاب وفرونت لاين ديفندرز أن أربعة آخرين من مدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين قد تم استهدافهم أيضًا بواسطة برنامج بيغاسوس، بما في ذلك مالك أبو عرابي، وأحمد نعمات، وصحفيتين أخريين.
أدت إشعارات التنبيه اللاحقة التي أرسلتها شركة آبل، وآخرها في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلى قيام عدد من الأشخاص في الأردن بمطالبة سيتيزن لاب وخط المساعدة للأمن الرقمي التابع لـ “أكسيس ناو” بالتحقّق من أجهزتهم المحمولة بحثًا عن برامج تجسس.
من تم اختراقه؟
يكشف تحقيقنا عن اختراق واسع النطاق لممثلي منظمات غير حكومية وناشطين وصحفيين ومحامي حقوق الإنسان في الأردن باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس. وتمتد الهجمات التي يشملها تحقيقنا من سنة 2019 حتى أيلول/ سبتمبر 2023، مع استهداف بعض الضحايا بفيروس بيغاسوس عدة مرات – مما يدل على الطبيعة القاسية لحملة المراقبة المستهدفة هذه.
على سبيل المثال، وجدنا أن هالة عاهد تم استهدافها مرة أخرى. ونظرًا لخطر الأعمال الانتقامية، رغب بعض الضحايا في عدم الكشف عن هويتهم. وفيما يلي معلومات تفصيلية عن الضحايا الـ 13 الذين وافقوا على الكشف عن هويتهم علنًا:
ممثلو منظمات غير حكومية 4 | نشطاء 5 |
---|---|
محامو حقوق الإنسان 8 | سياسيون 1 |
صحفيون وعاملون في المؤسسات الإعلامية 16 | أخصائيو تكنولوجيا المعلومات 1 |
ممثلو منظمات غير حكومية
هيومن رايتس ووتش
وجدت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش أن الأجهزة المحمولة الشخصية التابعة لاثنين من موظفي هيومن رايتس ووتش المقيمين في الأردن قد تم استهدافها ببرنامج التجسس بيغاسوس. وفي 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تم اختراق هاتف آدم كوغل، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس من خلال هجوم بصفر نقرة (يستخدم الهجوم الإلكتروني بدون نقرة ثغرات أمنية موجودة في نظام التشغيل لاختراق الجهاز دون أي إجراء من مالكه). ووقع الهجوم بعد أسبوعين بالضبط من نشر منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا يدين القمع الحكومي المتزايد في الأردن.
كما تم استهداف هبة زيادين، كبيرة الباحثين في هيومن رايتس ووتش في الأردن وسوريا، ببرنامج بيغاسوس. وفي 29 آب/ أغسطس 2023، تلقى كل من كوغل وزيادين إشعارات تنبيه من شركة آبل تحذّرهما من أن المهاجمين الذين ترعاهم الدولة حاولوا اختراق أجهزتهم المحمولة الشخصية عن بُعد. ومع ذلك، لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على نجاح المزيد من الهجمات.
منال كشت
منال كشت هي ناشطة أخرى في المجتمع المدني تم استهدافها ببرنامج التجسس بيغاسوس. منال كشت مترجمة أردنية ومؤسسة “شابات”، وهي منظمة مجتمع مدني تهدف إلى تمكين المرأة في السياسة.
محامو حقوق الإنسان
عمر عطعوط
عمر عطعوط محامي أردني وخبير دستوري وناشط سياسي، وهو يتحدث بصراحة عن القضايا المتعلقة بالأردن وفلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ويكتب عن مبادرات الإصلاح الأردنية في وسائل الإعلام، وهو أيضًا عضو مؤسس في الجمعية العربية للقانون الدستوري وعضو في نقابة المحامين الأردنيين.
وقد توصّل التحقيق الجنائي الرقمي الذي أجراه خط مساعدة الأمن الرقمي التابع لـ”أكسيس ناو” ومختبر”سيتيزن لاب” إلى أن هاتفه العطعوط قد تعرض للاختراق ببرنامج بيغاسوس في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2022 أو حوالي ذلك التاريخ. ووفقًا لعطعوط، فقد تلقى إخطارات متعددة من “آبل” تفيد بأن مهاجمين ترعاهم الدولة حاولوا اختراق جهاز “آيفون” الخاص به.
المنتدى الوطني للدفاع عن الحريات
تم استهداف خمسة أعضاء من المنتدى الوطني للدفاع عن الحريات – وهم مجموعة من محامي حقوق الإنسان الذين يقدّمون الدعم المجاني لسجناء الرأي والنقابات العمالية والأحزاب السياسية في الأردن – ببرنامج التجسس بيغاسوس. وقدم المنتدى المساعدة القانونية لعدد من السجناء السياسيين والصحفيين والمواطنين في الأردن المعتقلين بسبب الاحتجاج أو التعبير عن آرائهم عبر الإنترنت. والأعضاء الخمسة المستهدفون هم:
هالة عاهد
هالة عاهد محامية أردنية في مجال حقوق الإنسان حائزة على جوائز، وتعمل مع منظمات حقوق الإنسان للدفاع عن حقوق المرأة وحقوق العمال وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي في الأردن، وتدافع عن معتقلي الرأي والنقابات العمالية في الأردن، وهي عضو في الفريق القانوني الذي يدافع عن نقابة المعلمين الأردنيين، إحدى أكبر النقابات العمالية في الأردن، التي حلتها الحكومة الأردنية قسرًا في سنة 2020. وخلص تحقيقنا إلى أن جهاز عهد تم استهدافه من خلال برنامج التجسس بيغاسوس للمرة الثانية في 20 شباط/ فبراير 2023 أو حوالي ذلك، بعد اختراق ناجح سابق حدث في 16 آذار/ مارس 2021.
وحدثت محاولة الاختراق وسط حملة أوسع من المضايقات ضدها. وفي حزيران/يونيو 2023، بعد أن أعلنت منظمة أردنية غير ربحية أن عهد ستسهل سلسلة ورش عمل عبر الإنترنت حول النسوية، تعرضت لسيل شرس من الهجمات عبر الإنترنت وحملات التشهير على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنها تلقت تهديدات بالقتل.
علاء الحياري
علاء الحياري محامي أردني وناشط سياسي، وعضو المنتدى الوطني للدفاع عن الحريات، وعضو لجنة الحريات في نقابة المحامين الأردنيين، وعضو أيضًا في حزب الشراكة والإنقاذ السياسي. ووفقًا للتحليل الجنائي الرقمي الذي أجراه “سيتيزن لاب”، أصيب جهاز الحياري المحمول بفيروس “بيغاسوس” في 2 كانون الثاني/ يناير 2023 أو في وقت قريب من ذلك التاريخ
جمال جيت
جمال جيت هو محامي حقوق الإنسان وعضو المنتدى الوطني للدفاع عن الحريات. في تحقيقنا، حدد “سيتيزن لاب” نطاقًا مشبوهًا مرتبطًا ببرنامج تجسس “بيغاسوس” في إحدى رسائل جيت النصية القصيرة، التي تم استلامها على جهازه المحمول الذي يعمل بنظام “أندرويد” في 26 آذار/مارس 2020. مع ذلك، لم نتمكن من التأكد بشكل نهائي مما إذا كانت محاولة الاختراق ناجحة أم لا. وفي 12 كانون الثاني/يناير 2023، اعتقلت السلطات الأردنية جيت، ثم أُطلق سراحه بكفالة، بسبب كتابته منشورين على فيسبوك أحدهما ينتقد معاهدة سلام وادي عربة الموقعة بين إسرائيل والأردن في سنة 1994، وآخر يعبر عن دعم إضرابات واحتجاجات سائقي الشاحنات والاحتجاجات على أسعار الوقود، التي عُقدت في مدينة معان الجنوبية في كانون الأول/ديسمبر 2022.
عاصم العمري
عاصم العمري محامي أردني في مجال حقوق الإنسان وعضو المنتدى الوطني للدفاع عن الحريات. في 12 آذار/مارس 2020، تلقّى العمري رسالةً نصيّة قصيرة على هاتفه الذي يعمل بنظام “أندرويد”، تحتوي على نطاق مشبوه مرتبط ببرنامج التجسس “بيغاسوس” ولم نتمكن من التأكد مما إذا كانت محاولة الاختراق ناجحة أم لا.
لؤي عبيدات
لؤي عبيدات محامي أردني وقاضي سابق وعضو المنتدى الوطني للدفاع عن الحريات. وقد وجد التحليل الجنائي الرقمي الذي أجراه “سيتيزن لاب” أن هاتف “آيفون” عبيدات قد تم اختراقه باستخدام برنامج تجسس “بيغاسوس” ثلاث مرات، في 12 آب/أغسطس 2022 أو في وقت قريب من ذلك، ثم في 25 نيسان/أبريل أو حوالي 11 حزيران/يونيو 2023. وقبل ذلك، تم استهداف جهازه المحمول مرتين في منتصف آذار/مارس 2023 تقريبًا، لكن لم تكن هناك مؤشّرات على نجاح المحاولة.
الصحفيون والمؤسسات الإعلامية
يعد الصحفيّون في الأردن هدفًا رئيسيًا للمراقبة غير القانونية ويشكّلون معظم ضحايا برامج التجسس الذين تم تحديدهم في هذا التحقيق، واكتشفنا أن ما لا يقل عن 16 فردًا يعملون إما كصحفيين أو في مؤسسات إعلامية مستقلة في الأردن قد تعرضوا للاختراق باستخدام برنامج “بيغاسوس” بين سنتي 2020 و2023.
مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)
تبيّن أن اثنين من صحفيي مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد في الأردن قد تم استهدافهم عدة مرات ببرنامج التجسس “بيغاسوس”. ووفقًا لتحليل الأدلة الجنائية الذي أجراه مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد ومختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية، فإن رنا صباغ، كبيرة المحررين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد والمؤسس المشارك لمنظمة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية الحائزة على جوائز، تم استهداف هاتفيها ببرنامج التجسس “بيغاسوس”. وعثر مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد على أدلة على الاستهداف طوال شهري شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2021.
كما تعرضت لارا دعميس، وهي مراسلة استقصائية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، للاختراق أيضًا ببرنامج “بيغاسوس” في 18 حزيران/يونيو 2022. وعملت كلاهما على مواضيع محلية وإقليمية للعديد من التحقيقات العالمية العابرة للحدود في الفساد والأنظمة المالية الغامضة والشركات الخارجية.
داود كتّاب
داود كتّاب صحفي وناشط إعلامي وكاتب عمود فلسطيني أمريكي حائز على جوائز ومقيم في الأردن، وكان أستاذًا للصحافة في جامعة برينستون ويشغل حاليًا منصب المدير العام لشبكة الإعلام المجتمعي، وهي منظمة غير ربحية تشرف على المشاريع الثقافية والإعلامية بما في ذلك محطة الإذاعة المجتمعية راديو البلد، والموقع الإلكتروني للشبكة “AmanNet.Net“.
وفي الفترة بين شباط/فبراير 2022 وأيلول/سبتمبر 2023، تم اختراق جهاز كتّاب باستخدام برنامج تجسس بيغاسوس ثلاث مرات – في 21 شباط/فبراير و17 حزيران/يونيو 2022 أو في وقت قريب من ذلك، ومرة أخرى في 3 أيلول/سبتمبر 2023 أو في وقت قريب من ذلك. وفي 8 آذار/مارس 2022، أي بعد أسبوعين من حادث الاختراق الأول، تم اعتقال كتّاب لدى وصوله إلى مطار الملكة علياء الدولي خارج عمان، وتم احتجازه بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بسبب مقال كتبه في سنة 2019، قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد ساعات قليلة بكفالة.
كشف التحليل الجنائي الرقمي الذي أجراه “سيتيزن لاب” أيضًا عن سبع محاولات أخرى لإصابة جهاز كتّاب المحمول بفيروس بيغاسوس بين نيسان/أبريل وآب/أغسطس 2023، وكانت إحدى هذه الهجمات عبارة عن هجوم هندسة اجتماعية متطور تم إطلاقه في تموز/ يوليو 2023، حيث انتحل المهاجم شخصية صحفي من المنفذ الإعلامي “ذا كرادل” يستفسر عن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن أثناء إرسال عدة روابط ضارة.
حسام غرايبة
حسام غرايبة هو مدير إذاعة الحسنى ومقدم برنامجها الصباحي، وقد وجد “سيتيزن لاب” أن جهازه قد أصيب بنجاح تسع مرات بين آذار/مارس وآب/أغسطس 2020، وبين آذار/مارس ونيسان/أبريل 2021، ثم مرة أخرى لاحقًا في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أو في وقت قريب من ذلك التاريخ، وكانت هناك أيضًا ثلاث محاولات فاشلة لإصابة جهازه في كانون الأول/ديسمبر 2022 وكانون الثاني/يناير 2023.
كيف تم اختراقهم؟
تم استهداف ضحايا برنامج “بيغاسوس” الذين اكتشفناهم بهجمات النقرة الصفرية والنقرة الواحدة. وقد كشف تحليل الأدلة الجنائية للبرامج الضارة الذي أجرته “أكسيس ناو” و”سيتيزن لاب” عن حالات للجهات الفاعلة في مجال التهديد التي تستخدم عمليات استغلال النقر الصفري لمجموعة “إن إس أو” مثل “PWNYOURHOME” و”FINDMYPWN” و”FORCEDENTRY” و”BLASTPASS” للإيصال برامج التجسس “بيغاسوس”.
لاحظنا أيضًا هجمات الهندسة الاجتماعية المتطورة التي توفر روابط ضارة للضحايا عبر تطبيق “واتساب” والرسائل النصية القصيرة، وفي بعض الحالات، تظاهر الجناة بأنهم صحفيون، سعيًا للحصول على مقابلة إعلامية أو اقتباس من الضحايا المستهدفين، مع تضمين روابط ضارة لبرنامج التجسس “بيغاسوس” وسط رسائلهم وفيما بينها.
وفي إحدى الحالات، تلقّى أحد الضحايا رسالة عبر تطبيق “واتساب” من شخص يدعي أنه صحفي يعمل في المنفذ الإعلامي “ذا كرادل”، والذي تواصل مع الضحية وطلب تعليقًا بشأن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد في الأردن وتأثيره على الحريات في البلاد.
وكما ذكرنا سابقًا، أصيب العديد من الضحايا ببرنامج “بيغاسوس” عدة مرات، بما في ذلك خلال فترة التحقيق، ولاحظنا أيضًا أن تنشيط وضع التأمين لجهاز “آيفون” يبدو أنه قد منع بعض محاولات اختراق أجهزة “آبل” باستخدام “بيغاسوس”.
زيادة استخدام برامج التجسس وسط تصاعد حملة القمع على المجتمع المدني
على مدى السنوات الأربع الماضية، كثفت السلطات الأردنية قمعها لحقوق المواطنين في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. وفي سنة 2021، خفّضت منظمة سيفيكوس تصنيفها للفضاء المدني في الأردن من “معوق” إلى “مقموع”، في حين صنفت منظمة “فريدوم هاوس” الأردن على أنه “غير حر” في تقريرها عن الحرية العالمية و”حر جزئيا” في تقرير الحرية على الإنترنت لسنة 2023.
ويتعرض الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والنقابات العمالية والنشطاء من “الحراك” – وهي حركة احتجاجية تتعلق بالعدالة الاجتماعية وتدافع عن حقوق الإنسان والإصلاحات – للمضايقة والاحتجاز والمحاكمة بشكل روتيني بموجب قوانين غامضة وواسعة النطاق وقمعية، بما في ذلك قانون العقوبات الأردني لسنة 1960، وقانون مكافحة الإرهاب لسنة 2006، وقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015.
فعلى سبيل المثال، بين آذار/ مارس ونيسان/ أبريل 2022، اعتقلت السلطات مئات الصحفيين والسياسيين والناشطين بموجب أحكام غامضة في قانون العقوبات، وقانون الجرائم الإلكترونية، وقانون منع الجرائم المسيء، بهدف إسكات الانتقادات المناهضة للحكومة والمعارضة والاحتجاجات المنظمة. ووُجّهت إلى حوالي 12 معتقلاً تهم “نشر أخبار كاذبة” و”التحريض على الفتنة”. وفي الفترة نفسها، تم أيضًا اعتقال واستجواب ما لا يقل عن ستة صحفيين، من بينهم داود كتّاب، بسبب منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي أو عملهم الصحفي.
في أواخر سنة 2022 ومطلع سنة 2023، تم اعتقال العديد من المحامين والناشطين على خلفية الاحتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود في جنوب الأردن. ومن بين المعتقلين ضحية برامج التجسس جمال جيت. وفي كانون الأول/ ديسمبر 2022، حظرت السلطات تطبيق “تيك توك” بحجة إساءة استخدام المنصة، و”التحريض على العنف والفوضى” خلال الاحتجاجات.
في آب/ أغسطس 2023، استبدلت السلطات الأردنية قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 بقانون جديد صارم للجرائم الإلكترونية، حيث يُجرَّم التعبير عبر الإنترنت باستخدام مصطلحات غامضة مثل نشر “أخبار كاذبة”، و”الترويج للفجور أو التحريض عليه أو مساعدته أو التحريض عليه”، و”اغتيال شخصية عبر الإنترنت”، و”إثارة الفتنة” و”تقويض الوحدة الوطنية”.
وقامت السلطات بتعطيل الوصول إلى الإنترنت بشكل روتيني، لا سيما أثناء الاحتجاجات الجماهيرية، بما في ذلك خنق خدمات الإنترنت خلال الاحتجاجات المناهضة للتقشف في سنتي 2018 و2019، واحتجاجات نقابة المعلمين في سنة 2020، واحتجاجات كوفيد-19 في سنة 2021 التي أثارتها حادثة مستشفى السلط، واحتجاجات سائقي الشاحنات في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
حلّت السلطات الأردنية الأحزاب السياسية والنقابات العمالية انتقامًا من الاحتجاجات أو معارضة سياسات الدولة. فعلى سبيل المثال، واجه حزب الشراكة والإنقاذ الترهيب والاضطهاد المستمر من قبل الدولة منذ إنشائه في سنة 2018. وفي سنة 2020، قامت السلطات بحل نقابة المعلمين الأردنيين، وهي أكبر نقابة في الأردن، واعتقلت أعضاء مجلس إدارتها انتقاما على إضراب المعلمين الطويل الذي دام لشهر في سنة 2019 وما تلاه من احتجاجات حاشدة. كما أصدرت السلطات أمر حظر نشر يمنع وسائل الإعلام من تغطية القضية، واعتقلت حوالي 1000 معلم كانوا يحتجون على حل النقابة.
إن العديد من ضحايا برنامج بيغاسوس الذين تم التعرف عليهم من خلال تحقيقنا إما عملوا أو غطوا إضراب المعلمين، واحتجاز المعلمين وسجنهم، والإغلاق القسري لنقابة المعلمين. كما قام بعض الصحفيين المستهدفين بتغطية شؤون سياسية شديدة الحساسية، أو شاركوا في تحقيقات إعلامية مثل أوراق بنما، وأوراق باندورا، وتسريبات “سويس كريدي”، في حين أن بعض الضحايا هم ناشطون فلسطينيون يقيمون في الأردن، ويقودون حملات عامة منددة بالاحتلال الإسرائيلي واتفاق التطبيع مع الأردن.
دعوة للعمل
تُستخدم تقنيات المراقبة والأسلحة السيبرانية، مثل برنامج التجسس “بيغاسوس” التابع لمجموعة “إن إس أو” لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، وترهيبهم وثنيهم عن عملهم، والتسلل إلى شبكاتهم، وجمع المعلومات لاستخدامها ضد أهداف أخرى. وتنتهك المراقبة المستهدفة للأفراد حقهم في الخصوصية، وحرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي. كما أن ذلك يخلق تأثيرًا مخيفًا، حيث يجبر الأفراد على ممارسة الرقابة الذاتية والتوقف عن نشاطهم أو عملهم الصحفي، خوفًا من الانتقام.
يُظهر تحقيقنا في الاستخدام واسع النطاق لبرنامج التجسس “بيغاسوس” في الأردن مرة أخرى كيف تمكنت مجموعة “إن إس أو” من قمع الدولة وتسهيل انتهاكات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ولقد تم اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية نحو مساءلة شركات برامج التجسس.
تمت إضافة شركتي برامج التجسس الإسرائيلية “إن إس أو” و”كانديرو” إلى قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة الأمريكية في سنة 2021، مع انضمام أربعة كيانات أخرى من شركة “إنتليكسا” إليهما في تموز/ يوليو 2023. وقد حظر الرئيس الأمريكي بايدن الاستخدام العملي لبعض برامج التجسس التجارية من قبل الوكالات الحكومية الفيدرالية، في حين أن كلا من شركة “ميتا” و”آبل” رفعتا دعاوى قضائية ضد مجموعة “إن إس أو”. ورغم هذه الجهود، لا توجد أدلة تذكر على أن صناعة برامج التجسس تمارس أي قيود، في حين لا تظهر مجموعة “إن إس أو” أي علامة على إنهاء الأنشطة التجارية التي تنتهك الحقوق والتي تستفيد منها.
وفي ضوء ذلك، نحث الحكومة الأردنية على:
- ضمان إجراء تحقيق سريع ونزيه ومستقل في مزاعم القرصنة، وإنشاء آليات المساءلة والانتصاف لضحايا المراقبة.
- الالتزام بدستورها والتزاماتها في مجال حقوق الإنسان بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقّعته وصدقت عليه، لحماية الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
- الكف عن ترهيب ومضايقة واحتجاز وفرض الرقابة والمراقبة والملاحقة القضائية لممثلي ومنظمات المجتمع المدني، وإلغاء أو تعديل القوانين الصارمة التي تسمح بهذا القمع.
ونحث جميع حكومات العالم، بما في ذلك حكومة الأردن، على:
- وقف استخدام برامج التجسس “بيغاسوس”، وتنفيذ وقف فوري لتصدير وبيع ونقل وخدمة واستخدام تقنيات المراقبة الرقمية المستهدفة، حتى يتم وضع ضمانات صارمة لحقوق الإنسان لتنظيم مثل هذه الممارسات.
- عندما يكون هناك دليل على أن تكنولوجيا برامج التجسس التجارية تسهل أو تمكن من انتهاكات حقوق الإنسان، يجب حينها تنفيذ حظر على التكنولوجيا المذكورة وبائعيها.
- إعادة تأكيد الحماية لجميع الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، وحماية حرية الصحافة، من خلال الاعتراف بأن الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام ليسوا أهدافًا مشروعة للمراقبة لمجرد قيامهم بعملهم.
- مساءلة الشركات التي تقوم بتطوير وتوزيع تقنيات المراقبة المستهدفة، ومستثمريها، عن إخفاقهم في احترام حقوق الإنسان وعن الدور الذي يلعبونه في تمكين الاستخدامات النهائية المسيئة، ومطالبة الشركات المذكورة بالشفافية بشأن عملائها وممارساتها، لا سيما فيما يتعلق بجمع ومعالجة البيانات.
- فرض عقوبات على مجموعة “إن إس أو” وموظفيها والبائعين الخارجيين، وعلى بيع ونقل تقنيات برامج التجسس الخاصة بهم التي تهدد حقوق الإنسان وحرية الإعلام والسلام والأمن.
- إنشاء آليات مساءلة لضحايا المراقبة للوصول إلى الانتصاف والحماية.
المصدر: أكسيس ناو