أثار إعلان شباب جزائريين في عدد من الزوايا الصوفية اعتناقهم “طريقة” دينية جديدة قادمة من المغرب تسمى ” الطائفة الكركرية”، جدلا كبيرا يضاف إلى الجدل الذي أثرته “الطائفة الأحمدية”، في البلاد بداية السنة الحالية.
بداية القصة
الشهر الماضي، أعلن شاب من بلدية حجاج شرقي مدينة مستغانم غرب الجزائر يدعى موسى بلغيت ويعمل كمؤذّن لأحد المساجد اعتناقه للطائفة الكركرية، وظهر المؤذن الجزائري، يتحدث في شريط فيديو عن تجربته مع الطريقة الكركرية التي بدأها منذ 11 سنة، إذ قال إن الطريقة تقوم بتجديد الدين، وإن الشيخ سيدي محمد فوزي الكركري هو مجدد الدين لهذا العصر. واللافت في الأمر أن الشريط ليس جديدا، إذ نُشر على حساب الزاوية الكركرية في يوتيوب شهر يناير من السنة الحالية، إلا أن وقعه كان كبيرا هذه المرة.
وشرع المؤذّن موسى بلغيث، وهو يرتدي ملابس غريبة عبارة عن عباءة تجمع عدة ألوان مختلفة من الأحمر للأزرق للأصفر، وهو الملبس المميز لرواد الطريقة في كل دول العالم والأماكن التي تنتشر بها، ويحضر به مريدي الطريقة الحضرة أو الخلوة، في وصف ما أسماه جلال الأنوار الإلهية والمحمدية، بعدما أكرمه شيخه بتلقينه “أسرار الطريقة الربانية”، حينما أدخله غرفة منعزلة طويت له داخلها مسافة المكان والزمان بفضل نور النبي.
ويفسر أتباع الكركرية على صفحتهم الرسمية بالانترنت سبب اختيارهم للألوان أنه اقتداء بلباس الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكيف كان يخيط رقعة من القماش على ثوبه المهترئ كلما تقطع من جديد وتكون القطعة بلون مغاير. ومؤخرا انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي لأتباع الطائفة وهم يجولون بلباسهم المتعدد الألوان في ولاية مستغانم، كما أظهرت لقطات فيديو تم تصويرها من طرف مستخدمي فيسبوك بالولاية، أتباع هذه “الطائفة” وهم يؤدون بعض طقوسها داخل مسجد “زاوية” مما أثار غضبا وردود أفعال من قبل جهات مختلفة
ومن أنشطة مثل هذه الزوايا، ما يعرف بـ “الحضرة”، وهو تجمع لعدد من الأشخاص، يرددون ابتهالات دينية بإيقاع واحد، ينغمسون خلالها في جوانبهم الروحية، كما يقوم أفرادها بالسياحة الدينية، إذ يحرصون على زيارة الزاوية الأم، أو ينتقلون من بلد إلى بلد لأجل اللقاء بمريدين آخرين.
جمعية العلماء المسلمين تحذّر
هذا الفيديو للمؤذن الجزائري وهو يحكي عن تجربته ضمن “الطريقة الكركرية”، أثار جدلا واسعا بالجزائر، جعل عددا من الجزائريين يهاجمون هذه الطريقة، حيث أنهم لا يرون أن هذه “الطريقة” الجديدة لا تمت بصلة للمذهب المالكي الذي يمثل المرجعية الدينية الوطنية في هذا البلد العربي. من جانبها حذّرت جمعية العلماء المسلمين في بيان لها من طريقة انتشار الطريقة الكركرية التي قالت إنها “شبيهة بطريقة انتشار خلايا عناصر الشيعة الروافض التي فككت منها عناصر الأمن الكثير من الشبكات، وكذا شبكات التنصير وطوائف القادينة والبهائية والإلحاد وغيرها من الطوائف التي واجهها الأمن الوطني بحزم كبير“.
يطالب الجزائريون سلطات بلادهم، بمنع تجمعات هذه الطائفة الجديدة التي بدأت في الانتشار في البلاد والتبليغ عن شيوخها
وناشدت الجمعية ممثلة في فرعها بولاية مستغانم، وزارة الداخلية والجماعات المحلية والأمن الوطني، بضرورة التدخل لوقف تحرك عناصر الطريقة الطريقة الكركرية التي ظهرت مؤخرا في ولاية مستغانم، وقطع الطريق أمام نشاطها الذي أصبح معلنا في عديد ولايات الوطن. وحذّرت ذات الجهة من الخطر الذي باتت تشكله هذه الفرق والطوائف على أمن الجزائر واستقرارها، مقترحة تشكيل لجنة أمنية يترأسها وزير الداخلية والجماعات المحلية للبحث عن معاقل هذه الجماعات التي تسعى إلى بث سموم الفكر الضال المضل الذي يهدف إلى ضرب المجتمع الجزائري في هويته وعقيدته.
أتباع الطائفة الكركرية يبايعون شيخهم على الولاء والطاعة
ويطالب بعض الجزائريين سلطات بلادهم، بمنع تجمعات هذه الطائفة الجديدة التي بدأت في الانتشار في البلاد والتبليغ عن شيوخها، باعتبارها خارجة عن الملة والمعتقد، لأنها تدعي نسبها إلى جبريل وهو ملاك لا يتزوج ولا ينجب، مما يؤكد أن اعتقادها باطل وتدعي زعامات وهمية هدفها التشويش على العقيدة الحقيقية في الجزائر. في غضون ذلك، فتحت السلطات الأمنية في مدينة مستغانم تحقيقاً أمنياً حول القضية أمام مروجي هذه الأفكار وخلفياتهم السياسية، وقامت مصالح أمن ولاية مستغانم بالتحقيق مع رئيس الطريقة الكركرية بلقاسم بناني وكل الأشخاص الناشطين معه للتحقيق في طريقة نشاطات تلك الطريقة، بحسب ما نشرته وسائل إعلام جزائرية.
أهدافها المعلنة
تعرّف الطريقة الكركرية نفسها في موقعها الرسمي على أنها طريقة تربوية تهدف إلى إيصال العباد إلى تحقيق مقام الإحسان حتى يتمكنوا من الجمع بين العبادة والشهود ( أن تعبد الله كأنك تراه ) البخاري وبين السلوك والمعرفة حتى تكون حياتهم كلها لله رب العالمين…لذلك تدعوا أتباعها إلى الإلتزام بالكتاب والسنة في كل أحوالهم لأننا نؤمن أن وراء كل فعل من أفعال الشريعة المطهرة سر ملكوتي وقبضة نورانية تجمع العبد على مولاه وتنسيه كل ما سواه…ولكن لا يتم ذلك إلا بإتباع منهج الشيخ المربي الذي يصف الدواء المناسب لكل سالك مصداقا فهي طريقة حية لسريان النور المحمدي فيها وذلك عبر سلسلة ذهبية تربط الخلف بالسلف…فهي طريقة يتصل سندها بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مرورا بالإمام الشاذلي قدس الله سره كما تدعي الكركرية.
من الأهداف الكبرى التي تضعها الطريقة أمام عينيها وتبتغي تحقيقها- حسب ما تعرف به نفسها- هو الوصول إلى الله تعالى
وتقول الطريقة أن شيخها فوزي الكركري “هو الإمام الأكبر والكنز الأفخر الذي من وجده وجد الكبريت الأحمر، ومن صحبه نال العز الأكبر، الساطعة شمسه في سماء الحقيقة، ووارث سر الذات، والمؤيد بنور الصفات”، وتشير الطريقة أن شيخها فوزي الكركري ولد سنة 1974 بقبيلة تمسمان بريف المغرب، وتلقى تعليمه الأولي والإعدادي في مدينة الحسيمة، ثم سافر إلى مدينة تازة ليكمل تعليمه الثانوي، إلا أنه أوقف تعليمه الدراسي وانفتح على مدرسة الكون الكبرى، حتى يتأهل لحمل أعباء الولاية، بحسب زعمه.
ومن الأهداف الكبرى التي تضعها الطريقة أمام عينيها وتبتغي تحقيقها- حسب ما تعرف به نفسها- هو الوصول إلى الله تعالى و التحقق من معرفته المعرفة القلبية على بساط الشهود والمشاهدة، كما تهدف إلى نشر المحبة والسلام بين الخلق، فهي دعوة تصالح مع الخالق والمخلوق و بين الذات والغير…و تهدف إلى تخليص المريد من قيود الهوى والنفس، حتى يكون حرا مما سوى الله تعالى…ولكي يصل إلى مبتغاه عليه أن يتحقق بالقاعدة الكبرى في الطريقة وهي: إستحقر نفسك وعظم غيرك…فمن نظر إلى نفسه بعين النقص وإلى غيره بعين الكمال قلت عيوبه وكثرت حسناته وعظم نوره.
فوزي الكركري شيخ الطريقة الكركرية
ويوجد مقر الزاوية في مدينة العروي شمال المغرب، ولها مريدون من عدة دول حتى من غير الناطقة بالعربية، ويعود اسمها إلى جبل كركر بجماعة أفسو، وتقول الزاوية إن أول شيوخها هو أحمد العلوي المستغانمي، الذي ينحدر من مدينة مستغانم الجزائرية، حيث يوجد قبره حاليا، وإن ثاني شيوخها هو الشيخ الطاهري الكركري الذي ينحدر من جبل كركر.