عرقلت الحكومة البريطانية استثمارات إماراتية بمليارات الدولارات في شركات كبرى بشكل مفاجئ، على رأسها صفقة الاستحواذ على حصة قدرها 14.6% من مجموعة فودافون للاتصالات، إلى جانب صفقة استحواذ أخرى على مجموعة تلغراف الإعلامية.
بررت الحكومة البريطانية الخطوة بقولها إن “حصة مجموعة الإمارات للاتصالات في فودافون تعتبر خطرًا على الأمن القومي، فيما يتعلق بالعقود الحكومية للشركة البريطانية”، وذلك في بيان لها انتشر سريعًا على الإنترنت، وفقًا لصحيفة “فاينانشال تايمز”.
UK sees UAE group’s stake in Vodafone – a critical national infrastructure – a security risk https://t.co/RHCuUmnU7i
— Dr Andreas Krieg (@andreas_krieg) January 25, 2024
وأوضح بيان الحكومة البريطانية أنه “يتعيّن على فودافون اتخاذ خطوات لإدارة المخاطر”، مشيرًا إلى أن مجموعة الإمارات للاتصالات، المعروفة أيضًا باسم “اتصالات والمزيد”، تعدّ أكبر مساهم في فودافون بحصة نسبتها 14.6%.
في السياق نفسه، أكدت حكومة المملكة المتحدة أنه “يتعيّن على الشركة البريطانية تشكيل لجنة للأمن القومي، من أجل الإشراف على الأعمال الحسّاسة التي يمكن أن يكون لها تأثير على الأمن القومي، وأن هذه اللجنة يجب أن تستوفي المتطلبات المتعلقة بأعضاء مجلس الإدارة”.
وأضافت أن المخاطر تتعلق بدور فودافون في توفير الاتصالات لقطاعات واسعة من الحكومة المركزية، وفي حماية الأمن الإلكتروني في البلاد، فيما لم تعلق مجموعة فودافون على بيان الحكومة.
الاستحواذ الإماراتي على صحيفة “التلغراف”
توازيًا مع عرقلة حكومة المملكة المتحدة لصفقة فودافون، تدخلت وزيرة الثقافة البريطانية مجددًا في صفقة الاستحواذ الإماراتية المقترحة على مجموعة تلغراف الإعلامية، المالكة لصحيفتَي “ديلي تلغراف” و”ذا صنداي تلغراف” ومجلة “سبكتاتور”، من قبل صندوق مدعوم من أبوظبي، فقد أصدرت الوزيرة أمرًا تنفيذيًّا يقضي بمنع أي نقل لملكية مجموعة تلغراف الإعلامية من دون إذنها، ويوقف أيضًا أي تغييرات في هيكلها أو كبار موظفي التحرير.
وقالت الوزيرة لوسي فريزر إن شركة “ريد بيرد آي.إم.آي”، “المدعومة من الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الإمارات”، قدمت مقترحًا جديدًا يتعلق بعزمها الاستحواذ على صحيفة “التلغراف”، ما سيدفع الحكومة إلى فتح تحقيق جديد لأسباب تخصّ المصلحة العامة.
وتسبّب القلق المتزايد من احتمال التدخل الأجنبي في الأمور التحريرية للصحيفة التي تميل إلى تيار اليمين في دفع وزيرة الثقافة إلى التدخل، حيث أمرت هيئة سوق المال البريطانية وهيئة تنظيم وسائل الإعلام بفتح تحقيق في الأمر، وفق “رويترز”.
بريطانيا: حصة الإمارات للاتصالات في فودافون تشكل خطرا على الأمن القومي pic.twitter.com/CRsjx39318
— Reuters | عربي (@araReuters) January 25, 2024
كانت فريزر قد حذّرت في وقت سابق من أن محاولات أبوظبي للاستحواذ على الصحيفة البريطانية المفلسة “التلغراف”، يمكن أن تقوض “حرية التعبير” وتمنع “التمثيل الدقيق للأخبار”.
واندلعت معركة على الملكية العام الماضي عندما سيطر بنك لويدز على الصحيفة ومجلة “سبكتاتور”، بعد نزاع طويل الأمد بشأن ديون حجمها 1.2 مليار جنيه إسترليني مستحقة على عائلة باركلي التجارية.
إذ لعبت شركة “ريد بيرد آي.إم.آي” المدعومة من نائب رئيس الإمارات، دورًا في استعادة العائلة البريطانية السيطرة على الصحيفة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن طريق المساعدة في سداد الديون.
وكان من المقرر بموجب الخطة أن تسيطر الشركة المدعومة من الشيخ منصور بن زايد سريعًا على أصول المجموعة الإعلامية من خلال مبادلة الديون بأسهم، إلى أن تدخلت الحكومة.
وقالت الوزيرة فريزر في بيان مكتوب إلى البرلمان، الاثنين الماضي، “غيّرت “ريد بيرد آي.إم.آي” هذا الأسبوع هيكل الشركة للاستحواذ المحتمل على مجموعة تلغراف الإعلامية، وهذا يوجب خلق وضع اندماج جديد ذي صلة”، وذكرت أنها تعتزم فتح تحقيق جديد.
ذراع علاقات عامة للإمارات
على ذكر البرلمان البريطاني، هاجم نواب بارزون في مجلس العموم صفقة الاستحواذ المقترحة المدعومة من نائب رئيس الإمارات على صحيفة “التلغراف”، محذّرين من أنه من المستحيل “الفصل بين الشيخ والدولة” في الإمارات، ودعوا إلى إجراء مزيد من التحقيقات قبل أن “يتحول الاتفاق إلى كارثة للحكومة”.
جاء ذلك خلال استجواب جوليا لوبيز، وزيرة الدولة البريطانية للإعلام والبيانات والبنية التحتية الرقمية، في مجلس العموم، بعد تقديم سؤال عاجل عن مخاوف بشأن صفقة عائلة باركلي المعقدة، لنقل السيطرة على مجموعة التلغراف الإعلامية إلى الشركة المدعومة إماراتيًّا.
من جهته، حذّر جون نيكولسون، النائب عن الحزب الوطني الأسكتلندي وعضو لجنة الثقافة والإعلام والرياضة، من احتمال أن تصبح “التلغراف” “ذراع علاقات عامة خاسرة لدولة أجنبية، مع إمكانية الوصول إلى دورة الأخبار اليومية لدينا”، وقال: “هذا غير صحّي من حيث المبدأ لديمقراطيتنا”.
وطالب 28 نائبًا برلمانيًّا بفحص الصفقة التي مكّنت عائلة باركلي من تسوية القروض، وذلك بمساعدة من شركة “ريد بيرد آي.إم.آي” المدعومة من نائب رئيس الإمارات، التي لعبت دورًا في استعادة العائلة البريطانية السيطرة على الصحيفة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
شركات الاتصالات وحساسية الأمن القومي
حاور “نون بوست” مهندس الاتصالات (م. أ) عن المقصود بتهديد الصفقة الإماراتية للأمن القومي البريطاني، فأجاب قائلًا إن معظم الخدمات الحكومية وأعمال البنية التحتية للدول تتمّ حاليًّا عبر شركات الاتصالات، مثل نظام الربط الحكومي وأنظمة الربط بين المصارف الداخلية والخارجية وأنظمة الكهرباء والمياه، لذلك تتعامل الحكومات بحذر شديد مع إصدار تراخيص لشركات اتصالات أجنبية، وكذلك يتم التعامل بحذر مع طلبات الاستثمار الأجنبي في حصص شركات الاتصالات الوطنية.
وأضاف أن المعلومة التي أثارت انتباهه في الصفقة الإماراتية، هي إعلان مجموعة فودافون البريطانية في العام الماضي أن حاتم دويدار، الرئيس التنفيذي لشركة اتصالات الإماراتية، سينضم إلى مجلس إدارة المجموعة.
وكشف مهندس الاتصالات (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) أن عضو مجلس الإدارة في شركة الاتصالات يتمتع بصلاحيات نفوذ حصرية، على سبيل المثال لديه إمكانية الحصول على معلومات حسّاسة للغاية كبيانات البنك المركزي للبلد، والبيانات المتعلقة بالأمن السيبراني، موضحًا بقوله: “تخيّل أن أحد أعضاء مجلس الإدارة عدو أو شخص غير جدير بالثقة، وتكون بحوزته معلومات دقيقة كهذه”.
كما أشار المهندس (م. أ) إلى أن الجانب الآخر في تأثير شركات الاتصالات على الأمن القومي، يتمثل في كونها تقوم بمراقبة المحادثات الهاتفية واعتراضها والتجسُّس عليها بطلب من الأجهزة الأمنية والقضائية، مستطردًا أن “أعضاء مجلس الإدارة لديهم صلاحية الاطّلاع على تلك البيانات”.
أضاف أيضًا أن جميع الدول تدقّق في طلبات الاستثمار الأجنبية في شركات الاتصال، ولا توافق على طلبات الاستثمار/ الاستحواذ المقدمة من شركات مرتبطة بدول لديها مشاكل مع البلد، خاصة طلبات الاستثمار في شركات الاتصال الوطنية التي يعتمد عليها البلد المعنيّ في تسيير الحياة اليومية، مثل أنظمة العمل الحكومية وأنظمة القطاع المصرفي، بما في ذلك نظام البنك المركزي.
أزمة ثقة بريطانية في الإمارات
وصفت الباحثة في شؤون السلام والأزمات، كارولين فرامبتون، قرار الحكومة البريطانية عرقلة الاستثمارات الإماراتية الأخيرة، بأنه يعكس أزمة الثقة في دولة يفترض أنها شريك مقرّب من المملكة المتحدة.
وقالت الخبيرة الأيرلندية لـ”نون بوست” إن خطوة بريطانيا تشكّل ضربة لأبوظبي التي تهدف إلى الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الأصول والاستثمارات في الغرب، ضمن جهودها لتقديم نفسها كقوة إقليمية منافسة للقوى الدولية.
واستدركت بأن الشكوك في الاستثمارات الإماراتية لم تكن وليدة اليوم، فقد واجهت ضربة مماثلة من قبل في الولايات المتحدة قبل نحو عقدَين، عندما عرقل الكونغرس الأمريكي صفقة لشركة موانئ دبي العالمية كانت ستخوّلها إدارة 6 موانئ في الأراضي الأمريكية، وجاء الاعتراض الأمريكي على تلك الصفقة بمخاوف مماثلة تتعلق بالأمن القومي.
أوضحت فرامبتون أن موانئ دبي اضطرت لاحقًا بيع كافة أصولها في الولايات المتحدة الأمريكية، والمتمثلة في امتياز تشغيل موانئ نيويورك ونيوجرسي وفيلادلفيا وبالتيمور وتامبا ونيو أورليانز، لمشترٍ أمريكي هو شركة “إي. آي. جي غلوبال إنفسمنت غروب”.
وتوقعت في حديثها لـ”نون بوست” أن تقلص حكومة المملكة المتحدة حصة شركة اتصالات الإماراتية في فودافون عملاق الاتصالات البريطانية، والبالغة 14.6%، بهدف إبعاد رئيس الشركة الإماراتية من عضوية مجلس الإدارة، موضحة أن الإمارات متهمة بالتجسُّس على معارضين عرب وأجانب.
واختتمت الباحثة في شؤون الأزمات حديثها قائلة: “إن الاستثمارات الإماراتية في الشرق الأوسط تشكّل خطرًا حقيقيًّا على الأمن القومي وعلى البنية التحتية على حد سواء”، مشيرة في هذا الصدد إلى أن مجموعة اتصالات الإماراتية تمتلك نحو 67% من شركة اتصالات مصر، ما يعني وقوع قطاع الاتصالات المصري بأكمله تحت سيطرة أبوظبي، إضافة إلى تملّكها حصصًا ضخمة في قطاعات البنوك والوقود والأغذية والصحة.
#بريطانيا رفضت استثمارات إماراتية لأنها خطر على الأمن القومي.. ماذا عن أمن #مصر؟ منذ الانقلاب العسكري، سمح #السيسي لأبو ظبي بالتغلغل في الاقتصاد والاستحواذ على أبرز القطاعات الحيوية في البلاد.. فما الذي ينتظر المصريين؟ pic.twitter.com/Mzp9FWbso5
— مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) January 31, 2024
أخيرًا، لم تعلق الإمارات رسميًّا على عرقلة لندن لاستثماراتها، لكن صحيفة “العرب” التي تموّلها أبوظبي أرجعت الأمر إلى “وجود حملة ضد الإمارات في بريطانيا، خاصة أن الحكومة البريطانية صادقت على ذلك في البداية ثم تراجعت ورفضت عملية الاستحواذ”.
وأضافت الصحيفة في تقريرها: “لا يوجد مبرر سياسي واضح يدعو الحكومة البريطانية إلى الرفض، وهناك جهة تحرّض ضد الإمارات وتسعى إلى عرقلة استثماراتها في بريطانيا”، دون أن تذكر اسم تلك الجهة.