رغم أن ألمانيا لا تصنّفه “كيانًا إرهابيًّا”، إلا أن المدّعي العام الاتحادي لدى محكمة العدل الاتحادية الألمانية، وجّه اتهامات ضد 3 مواطنين سوريين بالانتماء إلى لواء التوحيد، أحد أكبر وأقدم فصائل الجيش السوري الحر، باعتباره “منظمة إرهابية أجنبية”.
وجاء في بيان المدّعي العام: “لواء التوحيد جماعة إسلامية مسلحة عملت في محافظة حلب السورية بين عامَي 2012 و2014، وكانت تتألف ممّا يصل إلى 10 آلاف مقاتل، وكان هدفهم هو محاربة نظام بشار الأسد وإقامة دولة دينية على أساس الشريعة الإسلامية، وتحقيقًا لهذه الغاية تعاونت الجماعة مع تنظيمات إرهابية أجنبية أخرى في المنطقة، لا سيما جبهة النصرة وأحرار الشام”.
اللافت في البيان أن اثنين من العناصر الذين تمّ توجيه الاتهام إليهم هما مدنيان، يقتصر عملهما على المجال الإعلامي، فإلى جانب محمد ر. الذي كان قائد كتيبة ضمن لواء التوحيد، تمّ توجيه الاتهام إلى أنس ك. الذي كان متحدثًا صحفيًّا ومراسلًا للواء، ويوسف ك. الذي كان عضوًا في قطاع الإعلام في اللواء، وكان يرافق أنس ك. بشكل منتظم إلى مناطق القتال، ويعدّ التقارير والأفلام والصور الفوتوغرافية لأغراض دعائية.
سابقة خطيرة
بدأت في السنوات الأخيرة تظهر نتائج جهود عمل المؤسسات الحقوقية والناشطين السوريين، في مجال ملاحقة مرتكبي الانتهاكات بحقّ الشعب السوري ومجرمي الحرب من ضباط في الجيش والمخابرات على الأراضي الأوروبية، وتوِّجت هذه الجهود بإصدار مذكرة اعتقال فرنسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بحقّ المجرم بشار الأسد وأخيه ماهر واثنين من كبار الضباط التابعين للنظام، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية جرّاء هجمات اُستخدمت فيها أسلحة كيميائية محظورة صيف 2013 قرب العاصمة دمشق.
إلا أن هذا الادّعاء شكّل سابقة خطيرة، تمثلت بعدة معطيات:
- ملاحقة أبناء الثورة الذين انتفضوا في وجه الظلم والاستبداد، في خطوة تساوي بين الضحية والجلاد.
- الإجراء يلاحق من “ينتمي” لفصائل الجيش الحر لمجرد الانتماء، وليس بسبب شبهة ارتكابه انتهاكات.
- الأثر الرجعي لهذه الإجراءات، فلواء التوحيد هو فصيل ثوري قديم طويت صفحته عمليًا ولم يعد له وجود، وبالتالي فالإجراء القضائي يلاحق كل من انتمى في لحظة ما إلى فصائل الجيش الحر الذي يعدون بمئات الآلاف.
- ثمة ملايين السوريين لجؤوا إلى أوروبا، وهذه القرارات ستعني ملاحقة عشرات الآلاف منهم ممن سبق له رفع السلاح دفاعًا عن نفسه وعائلته وقريته بوجه آلة النظام الحربية.
تقول فاتن رمضان، مديرة منظمة بلا قيود المختصة بتوثيق الانتهاكات القانونية ومقرّها باريس، إنه ممّا يؤخذ هنا على ادّعاء القضاء الألماني هو عدم أخذ القضية ضمن سياقها الموضوعي، وهو سبب تشكيل هذه المكونات العسكرية، وحجم الإجرام الذي تعرّض له الشعب السوري من قبل نظام مجرم استخدم السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة، لقصف المستشفيات والأفران والمناطق الآهلة بالسكان لإخماد ثورة الشعب السوري.
وتكمل رمضان حديثها لـ”نون بوست” بالقول إن لواء التوحيد والكثير من التشكيلات العسكرية المعارضة كان إنشاؤها في هذا السياق، وأن بداية محاكمة عناصر سابقين في الجيش الحر واتهامهم بالإرهاب على غرار محاكمة مجرمي النظام السوري في المحاكم الأوروبية، تشكّل سابقة خطيرة لدى القضاء الألماني.
المحكمة الفيدرالية الألمانية توجه اتهامات لثلاثة سوريين بالعضوية في "لواء التوحيد" الذي وصفته بـ "منظمة إرهابية أجنبية".
رغم عدم تصنيف لواء التوحيد كمنظمة إرهابية في ألمانيا، أو في أي مكان سوى نظام الأسد.
لواء التوحيد وقائده عبد القادر الصالح هم أشهر رموز الجيش السوري الحر، في… pic.twitter.com/AYMqqZ7C8G
— أحمد أبازيد (@abazeid89) January 25, 2024
هل الادّعاء قانوني؟
لم تصنّف الداخلية الألمانية لواء التوحيد كمنظمة إرهابية، وذلك بحسب تقريرها السنوي لعام 2023 حول “حماية الدستور للجمهور”.
وجاء في التقرير الذي قدمته وزيرة الداخلية الفيدرالية الألمانية، نانسي فيرز، إلى رئيس البرلمان الاتحادي، توماس هالدينوانغ، في 20 يونيو/ حزيران 2023، أكثر من 20 منظمة إسلامية مصنّفة إرهابية في ألمانيا، وكان من بينها تنظيما الدولة الإسلامية والقاعدة في السعودية والمغرب، و”حزب الله” والإخوان المسلمون، إضافة إلى تنظيمات غير إسلامية مثل حزب العمال الكردستاني (PKK)، وتنظيمات يسارية ويمينية تركية متطرفة، فيما لم يحمل التقرير أي إشارة إلى لواء التوحيد.
إلا أن القانوني عمار عز الدين، مدير مكتب رابطة المحامين السوريين الأحرار في هاتاي جنوب تركيا، ذكر في تصريحات صحفية أن الاتهام جاء وفق القانون الجنائي الألماني الذي يحظر ويعاقب، وفق المادة 129 فقرة أ، الانتماء إلى منظمات إرهابية أجنبية، ويجرّم كل من ينتمي إلى منظمة تعاونت مع منظمات مصنّفة كإرهابية، ويشترط أن يكون الشخص عضوًا ناشطًا وله دور في نشاط هذه المنظمة.
وأكّد عز الدين أن اتهام الإعلاميين جاء بحسب القضاء الألماني بسبب نشاطهم بالترويج للمنظمة، وهي لواء التوحيد حسب قرار الاتهام، كونها تعاونت مع منظمات مصنّفة إرهابية كجبهة النصرة وأحرار الشام.
من ناحيته، اعتبر المحامي وعضو هئية القانونيين السوريين عبد الناصر حوشان الإجراء باطلًا، ﻷنه “لا يجوز محاكمة لاجئ وفق القانون الجنائي ومحاسبته على شيء جرى في دولة أخرى”، متسائلًا: “من هو المدّعي؟”، وأكّد حوشان في حديثه لـ”نون بوست” أن اللاجئ يجب أن يحاكم وفق القانون الدولي وليس الجنائي الخاص بالدولة الحامية له.
وبحسب موقع وزارة العدل الاتحادية الألمانية، فإن المادة 129 تنطبق على المجرمين والمنظمات الإرهابية خارج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولا تنطبق إلا إذا كان الجاني أو الضحية ألمانيًّا أو موجودًا في البلاد.
من يقف خلف القرار؟
غالبًا ما تكون أصابع النظام وأعوانه في أوروبا ممّن يحسبون على المعارضة أو مخبريه المنتشرين في كل البلدان، من تقدّمَ بأخبار أو وشاية إلى السلطات الألمانية، ومن المعروف أن مجرد تقديم الأخبار يجبر النيابة أو الادّعاء العام على التحقيق واستدعاء المشتبه بهم، خاصة فيما يُسمّى “مكافحة الإرهاب”، هذا المصطلح الفضفاض الذي يمكّن إنزال التهمة بأي شخص وفقًا لقناعة أو تصور أجهزة الأمن أو الادّعاء العام، وذلك بحسب المحامي حوشان.
وينوّه حوشان إلى وجود عشرات المراكز والمنظمات الحقوقية السورية وغير السورية مختلفة الانتماء (عربية – كردية – مسيحية – آشورية…)، تقوم على رصد الشباب السوريين الذين شاركوا في عمليات عسكرية في مناطقهم وتلاحقهم أمام السلطات الأوروبية، ويعتقد الحقوقي السوري أن شباب لواء التوحيد ضحايا أحد هذه المراكز.
وفي السياق ذاته، تؤكد فاتن رمضان أن الآلة الإعلامية التابعة للنظام وحلفائه تقف وراء تلفيق تهم وأدلة كيدية ومزيفة للفصائل المعارضة، سواء أكانت من الجيش الحر سابقًا أو الجيش الوطني حاليًّا، إذ تعمل هذه الآلة على اتهام هذه الفصائل بالإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان.
تبعات خطيرة على الشباب السوري في أوروبا
كما ذكرنا سابقًا، أثار الادّعاء الألماني حفيظة آلاف الشباب السوريين الذين دفعهم ظلم النظام وبطشه إلى حمل السلاح للدفاع عن أرضهم وعرضهم، أمام تغوُّل الشبيحة والميليشيات الإيرانية.
ويؤكد على ذلك العقيد عبد الجبار العكيدي، القيادي السابق في الجيش الحر، إذ يرى أن لهذا الادّعاء تبعات خطيرة على آلاف الشباب السوريين في دول اللجوء، فهو يفتح باب التصنيف بـ”الإرهاب” لكل من انتسب للجيش الحر، أو حتى الشباب الذين كانوا يعملون في المجال الإعلامي ولم يحملوا سلاح.
ويشدد العكيدي في حديثه لـ”نون بوست” على أن هذا الموضوع إن لم تتم معالجته بشكل صحيح مع الدول، فستتمّ ملاحقة كل من ناهض النظام وثار بوجهه، سواء أكان مدنيًّا أو عسكريًّا أو إغاثيًّا أو إعلاميًّا، أو كل من رفض الظلم والاستبداد، وطالب بأن تصبح سوريا دولة وطنية ديمقراطية.
أما عضو هيئة القانونيين السوريين عبد الناصر حوشان فيذهب إلى أبعد من ذلك، إذ يرى أن تطور هذه القضية يحمل مؤشرًا خطيرًا يهدد مصير مئات الشباب السوريين الذين لجأوا إلى تلك البلاد، حيث سيكون مصيرهم السجن، ومن ثم إسقاط حق اللجوء أو الجنسية لمن اكتسبها.
وأعرب عدد من الناشطين السوريين في أوروبا عبر صفحاتهم على وسائل التواصل، أن صدور مثل هكذا اتهام سيدفع إلى ملاحقة كافة أبناء الثورة في أوروبا على أنهم إرهابيون، وهذا بدوره سيساهم في تخلي الكثير من أبناء الثورة الذين فرّوا إلى أوروبا من بطش النظام عن دعم الثورة وتأييدها، أو المشاركة في مشاريع التقاضي والمساهمة في ملاحقة المجرمين الحقيقيين من رجالات النظام وأتباعه.
الحكومة السورية المؤقتة تستنكر والائتلاف صامت
قالت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة إنها تستغرب قرار المدعي العام الاتحادي الألماني، وتوصيفه لـ”المجموعة الثورية السورية لواء التوحيد” باﻹرهابية، داعيةً إلى الحذر من الحملة التي تستهدف هذه “المجموعة غير النشطة حاليًّا”.
ودعت الوزارة، السبت 27 يناير/ كانون الثاني، السلطات الألمانية إلى توخّي الحذر من الانجرار خلف حملة تستهدف لواء التوحيد غير النشط، مضيفة أنه “مجموعة ثورية” خاضت حربًا دفاعية ضد النظام السوري وحلفائه، لاستعادة الحقوق الأساسية في الحياة وممارسة الديمقراطية المسلوبة.
وحذّر البيان من خطر استغلال نظام الأسد وحلفائه للحركات اليمينية المتطرفة والمناهضة للاجئين في أوروبا، وتحوُّل المحاكمات إلى حملة “بعيدة عن اﻹنصاف”، لمطاردة تستهدف ملايين اللاجئين وآلاف المناضلين من أجل الحرية.
من جانبه، لم يصدر عن الائتلاف الوطني المعارض أي تعليق على هذا الموضوع، رغم مناقشة هذا الموضوع في اجتماع الهيئة السياسية يوم الخميس 25 يناير/ كانون الثاني، وذلك بحسب تصريح مصدر خاص بالائتلاف الوطني لـ”نون بوست”.
وأضاف المصدر أن عددًا من الأعضاء في رئاسة الائتلاف رفضوا صدور أي تعليق أو بيان عن الائتلاف، بحجّة أن الموضوع قانوني وليس له بُعد سياسي.
من جانبه، ينبّه العقيد العكيدي مؤسسات المعارضة الرسمية، خاصة الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة، على ألا يقتصر دورها على إصدار البيانات فقط، بل يجب عليها مخاطبة المجتمع الدولي والدول، وتوكيل محامين حتى لا يتطور الموضوع أكثر.
وقد تشكّل اللواء من مجموعة من الكتائب المسلحة التي توحّدت عام 2012، قبل أن تُطلق معركة “الفرقان” للسيطرة على مدينة حلب، ونجحت في تحرير 70% منها قبل أن تتدخل ميليشيات “حزب الله” وإيران لتُحدث تراجعًا نسبيًّا في السيطرة.
ويعتبر قائده، الراحل عبد القادر الصالح أحد أبرز أيقونات الثورة السورية، بسبب عفويته وبُعده عن التشدد والتفاف الجماهير حوله.