ترجمة وتحرير نون بوست
لن أنسى أبدا اليوم الذي أخذت فيه قوات الأمن المصرية أخي إبراهيم، وهو مواطن أيرلندي. لقد كنا في زيارة عائلية إلى القاهرة خلال العطلة المدرسية، في آب /أغسطس سنة 2013، عندما انضم إبراهيم إلى إحدى الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد حينها. وقد قامت القوات المصرية بفض الاحتجاج، في حين أطلقت النار على المتظاهرين، كما اعتقلت نحو 500 شخص. وفي الأثناء، أصيب إبراهيم نتيجة عيار ناري، ليتم إثر ذلك احتجازه. كان إبراهيم، آنذاك، يبلغ من العمر سبعة عشر سنة فقط.
في الواقع، لم يرتكب إبراهيم أي نوع من أعمال العنف، “جريمته” الوحيدة كانت أنه مارس حقه في حرية التعبير السلمي. على الرغم من ذلك، احتجز إبراهيم خلال السنوات الأربع الماضية في سلسلة من السجون المصرية القاتمة، في حين تم تعذيبه من قبل حرّاس السجن. ومن المثير للاهتمام أن إبراهيم قد تعرض لمحاكمة جماعية فوضوية شملت 494 معتقلا. ودون الاستناد إلى أي دليل، اتهمت مصر إبراهيم بجرائم عنف تصل عقوبتها للإعدام، وحاكمته مع مئات من البالغين، علما وأنه كان قاصرا عندما ألقي القبض عليه.
قبل يومين، أجّل القاضي محاكمة إبراهيم للمرة السابعة والثلاثين على التوالي خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وقد جاء هذا التأجيل الأخير، على الرغم من الضمانات التي حصل عليها رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فرادكار من قبل الرئيس المصري. وقد وعد عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الأيرلندي أن هذه المحاكمة ستنتهي خلال هذه الجلسة وأن إبراهيم سيعود قريبا إلى أيرلندا.
لا تعتبر محنة إبراهيم سابقة من نوعها وليست بالأمر النادر. ففي السنوات الأخيرة، دأبت المحاكم المصرية على محاكمة الأطفال على اعتبارهم ينتمون لفئة الراشدين
في الوقت الراهن، لا يزال إبراهيم يقبع في السجن في انتظار عقوبة الإعدام، الأمر الذي اضطر لمعايشته على امتداد الأربع سنوات الماضية. لقد عاش إبراهيم أربع سنوات وكأنه في جحيم، فحياته اليومية في السجن كانت مروعة. وفي الأثناء، مرض والدينا المسنين قلقا على ابنهما الوحيد، أما أنا وبقية أخواتي، فقد فقدنا الأمل لرؤية أخونا الصغير وهو يكبر أمامنا.
في الحقيقة، لا تعتبر محنة إبراهيم سابقة من نوعها وليست بالأمر النادر. ففي السنوات الأخيرة، دأبت المحاكم المصرية على محاكمة الأطفال على اعتبارهم ينتمون لفئة الراشدين، وذلك على خلفية تهم عقوبتها الإعدام، علما وأنها لم تتوان عن إصدار أحكام بالإعدام في حق بعض الأطفال. وفي هذا الإطار، حوكم مئات الأشخاص في الوقت نفسه ضمن محاكمات جماعية. ونتيجة لذلك، أكدت الأمم المتحدة أن مثل هذه الممارسات “لا تلبي [حتى] أبسط الضوابط الأساسية للمحاكمة العادلة”.
لقد اشتهرت الشرطة المصرية وحراس السجون بممارسة التعذيب ضد المعتقلين، وفي بعض الأحيان قد يختفي السجين قسرا بلا عودة. على ضوء كل هذه المعطيات، أشد ما يرعبني معرفة أن الاتحاد الأوروبي والحكومات الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، تعمل جميعها بشكل وثيق مع نظام العدالة الجنائية المصري. وفي هذا الصدد، اكتشفت منظمة “ريبريف” لحقوق الإنسان التي تدعم قضية إبراهيم، أن الاتحاد الأوروبي يقدم حوالي 10 ملايين يورو لدعم وتجهيز المحاكم المصرية بالمعدات اللازمة.
أكدت منظمة “ريبريف” لحقوق الإنسان أن الحكومة البريطانية قدمت ما يقارب عن 2 مليون جنيه إسترليني على شكل مساعدات للمشاريع الأمنية في مصر، على غرار موارد لدعم الشرطة
في إطار هذا المشروع بين الاتحاد الأوروبي ومصر، قامت هيئة حكومية في أيرلندا الشمالية، وهي منظمة أيرلندا الشمالية للتعاون العابر للمحيطات (ني-كو)، بتجديد محاكم الأحداث في مصر، وذلك من خلال توفير كراسي مضادة للماء للأطفال للجلوس عليها أثناء المحاكمات، بالإضافة إلى مقاعد مخصصة لجلسات الاستماع الجماعية، ناهيك عن قضبان فولاذية لتأمين أماكن الانتظار. لقد كتبت إلى منظمة ني-كو قبل أكثر من ثمانية أشهر، وطلبت منهم إعادة النظر في ملف أخي، كما طلبت عقد اجتماع لمناقشة قضية إبراهيم. وما زلت في انتظار ردهم.
في الأثناء، أكدت منظمة “ريبريف” لحقوق الإنسان أن الحكومة البريطانية قدمت ما يقارب عن 2 مليون جنيه إسترليني على شكل مساعدات للمشاريع الأمنية في مصر، على غرار موارد لدعم الشرطة ونظام العدالة الجنائية والأجهزة المكلفة بالتعاطي مع المعتقلين من الأحداث. من جهتها، رفضت المملكة المتحدة تقديم أي تفاصيل حول هذه المشاريع، بما في ذلك أي جهة تابعة للحكومة المصرية تمثل طرفا في هذه المشاريع.
على العموم، لا يبدو أن أيا من هذه المساعدات قد دفعت مصر إلى أن تفي بالتزاماتها فيما يتعلق بتحسين مجال حقوق الإنسان في البلاد. من المؤكد أن نظام العدالة الجنائية المصري يحتاج إلى عملية إصلاح شاملة، في حين ينبغي على أوروبا أن تلعب دورا فعليا في حث مصر على أن تكون أكثر ديمقراطية. في المقابل، لا يمكن تقبل فكرة أن يقدم الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مساعدات غير مشروطة للمؤسسات المصرية التي تصدر أحكاما بالإعدام ضد الأطفال، فضلا عن تعذيب المحتجزين في حين تحاكم أشخاصا، مثل أخي، ضمن محاكمات جماعية غير عادلة.
في حين تتظاهر بالإصلاح، تستمر الأجهزة المصرية في ممارسة العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في حق أشخاص مثل إبراهيم.
في حال كان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يعتزمان مساعدة القضاء والشرطة في مصر، فيجب على مصر أولا أن تلتزم بجملة من الإصلاحات المحددة في مجال حقوق الإنسان على غرار الإفراج الفوري عن أخي، وتجنب مقاضاة جميع الأحداث في محاكم للبالغين، فضلا عن إلغاء جميع المحاكمات الجماعية.
كان من الأجدر أن يبادر الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ومنظمة “ني-كو” بحث مصر على اتخاذ مثل هذه الخطوات البسيطة منذ البداية، ولكن للأسف لم يحدث ذلك مطلقا. ودون الحصول على أي ضمانات، يمنح الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة مصر الضوء الأخضر لمواصلة ممارساتها القمعية. وفي حين تتظاهر بالإصلاح، تستمر الأجهزة المصرية في ممارسة العديد من انتهاكات حقوق الإنسان في حق أشخاص مثل إبراهيم.
في واقع الأمر، يحتاج أخي إلى العودة إلى منزل العائلة في دبلن الآن، ويجب على مصر أن تضع حدا لتطبيقها لعقوبة الإعدام ضد الأحداث. كما يتعين على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ومنظمة “نيو-كو” أن يوقفوا دعمهم لنظام العدالة الجنائية في مصر حتى يصبح إبراهيم حرا، وحتى يتم إعفاء جميع الأطفال المصريين من مواجهة حبل المشنقة.
المصدر: الإندبندنت