مع اقتراب اسدال الستار عن المسرحية الكبيرة التي خدعت بها المنطقة والمتمثلة بتنظيم داعش، بدأ النظام الإيراني بالتعامل بطريقة أكثر جرأة وصراحة في محاولاته لوضع المشاهد الأخيرة لتلك المسرحية، فإيران تحاول إعادة توزيع عناصر داعش في الساحة السورية والساحة العراقية، بالطريقة التي تجعل من هذا التنظيم يؤدي دوره الجديد والأخير المناط به، وزجه في خضم صراعها مع الولايات المتحدة الامريكية للسيطرة على المنطقة وبالذات الحدود العراقية الإيرانية منها.
صراع الجناحين الشيعيين الرئيسيين في العراق
المناورات الإيرانية تلك، أدَّت إلى تفجير أزمة سياسية حقيقية في العراق، وبالذات بين جناحي العبادي وأتباعه ذوي الهوى الأمريكي، وبين جناح المالكي وأتباعه من مليشيات وسياسيين ذوي الميول الإيرانية. بلغت ذروتها بعد إبرام اتفاق بين تنظيم داعش وحزب الله اللبناني والذي تم بموجبه نقل عناصر داعش من الحدود السورية اللبنانية إلى الحدود السورية العراقية، مقابل افصاح داعش عن معلومات عن مصير تسعة مختطفين من عناصر حزب الله كما أدعى الاخير عن ذلك، في عملية مفضوحة لا تنطلي على عاقل.
فمتى كان قتلى عناصر حزب الله لهذه الدرجة من الأهمية لكي تسمح مليشيا حزب الله لمئات من مقاتلي داعش بالانتقال من منطقة الى منطقة أخرى مقابل معلومات عن أسراه؟ وهو الذي يزج عناصره في قتال مع المقاومة السورية منذ ستة سنوات غير آبه بدمائهم.
إيران قد نفضت يديها من العبادي وإنها قد وقَّعت على قرار التخلص منه، سواء عن طريق الانتخابات القادمة
شَعَرَ جناح العبادي ان في هذه العملية تمثل تهديد خطير لكل الإنجازات التي يعتقد أنه حققها في صراعه الطويل مع تنظيم داعش في العراق. مما حدا بالعبادي ان يوجه انتقادات شديدة لهذا الاتفاق ويوجه اللوم للنظام السوري لعدم احاطة حكومته بتفاصيل الاتفاق ومعرفة رأيه في موضوعٍ يعتبره حسب تقديره، موضوعاً خطيراً.
قام بعده كل المحسوبون حديثاً على المعسكر الأمريكي السعودي، بتوجيه انتقادات لتلك الصفقة مشابهة لانتقادات العبادي، الأمر الذي جعل المالكي غريم العبادي وإزاء انتقادات العبادي لحزب الله والقيادة السورية، يتصدى له مدافعاً عن “حسن نصر الله” ومهدداً بكشف المستور في صفقة تهريب عناصر داعش من تلعفر، من خلال تساءله للعبادي السؤال الأهم (حسب تعبير المالكي): “من سمح للمئات من داعش بالانسحاب من تلعفر وبطوابير بعد أن سلموا أسلحتهم الى قوات البيشمركة؟
حتى علم الجميع أن تلعفر لم تحرر بقتال إنما باتفاق” وهو بهذا التساؤل غير البريء يرسل المالكي للعبادي رسالة فحواها (أنك لست بأفضل حالاً من حسن نصر الله عندما اتفق مع داعش، ذلك لأن من تقول عنهم انهم قواتك، قد فعلتها من قبل في تلعفر) ليضع العبادي في موقف محرج يجعله غير قادر على رد إهانات المالكي عندما وصفه له (بالجهل وقلة العقل) عندما اعترض على صفقة حزب الله مع داعش، وعندما عقد الجيش العراقي ومليشيا الحشد اتفاقاته مع داعش في تلعفر وهو لا يعلم من الامر شيئاً، أو إنه يعلم لكنه غير قادر على الإفصاح عن عدم سيطرته على تلك القوات، وان أمر تلك القوات والمليشيات هو مناط بالقيادة الإيرانية جملة وتفصيلا.
وجد العبادي نفسه مضطراً لنفي اتهامات المالكي والتي تجعله في موقف صعب أمام مؤيديه، وتخدش الصورة التي يريد ان يرسمها عن نفسه باعتباره بطل التحرير الذي قام باسترداد الأراضي التي فرط بها المالكي
وتساؤل المالكي يوحي أيضاً وبما لا يقبل الشك، ان الذي يُدير الأمور من خلف الكواليس هو النظام الإيراني، وقد وصل هذا النظام في مراحل تخطيطه إلى مستويات متقدمة، للدرجة التي بدأ فيها لا يفكر في موضوع تعزيز سيطرته على العراق وسوريا، لان ذلك حاصل تحصيل قد انتهت القيادة الإيرانية من تحقيقه، إنما انتقلت إيران الان، لمرحلة التعامل مع المنافس الأمريكي وكيفية ترويضه. فالنظام الإيراني يعرف ان الولايات المتحدة تريد السيطرة على الحدود العراقية السورية، فقامت إيران بنقل عناصر داعش لتلك المنطقة لكي تشاغل بهم القوات الأمريكية ومن معها من مليشيا قوات سوريا الحرة والجيش السوري الحر، وقامت من قبلها بتهريب عناصر داعش من تلعفر لترسلهم الى نفس المنطقة ولنفس الغرض.
العبادي ينفي عنه تهم المالكي
وجد العبادي نفسه مضطراً لنفي اتهامات المالكي والتي تجعله في موقف صعب أمام مؤيديه، وتخدش الصورة التي يريد ان يرسمها عن نفسه باعتباره بطل التحرير الذي قام باسترداد الأراضي التي فرط بها المالكي، فأوعز لقادته بنفي حدوث أي اتفاق بين داعش والقوات العراقية بتلعفر وتهريبهم منها، رافق ذلك حملة إعلامية من الوسائل الإعلامية الحكومية تنفي هذه التهمة وتقول ان ما حدث في تلعفر، هو عملية تحرير للمدينة وبعد قتال كبيراً وقع بين القوات الحكومية والحشد الشعبي من جهة وعناصر داعش في تلعفر من جهة أخرى، وإن القوات العراقية قد حررتها بقوة السلاح وتم القضاء على عناصر داعش جميعاً.
بل وصلت الجرأة بحكومة العبادي للدرجة التي ترد على وكالة انباء إيرانية ذكرت بأن الحكومة العراقية ممثلةً بالعبادي كانت على علم بالاتفاق بين داعش وحزب الله وكانت موافقة عليه، وأصدر بيان من مكتب رئيس الوزراء يكذب ما ورد على لسان تلك الوكالة الإيرانية جملة وتفصيلا.
ميليشيا الحشد تنفلت من طاعة العبادي
ولطالما استفاد الحشد من الغطاء الشرعي الذي وفره العبادي لميلشياتهم في مواجهة من يريدون حله وإلغائه، إلا ان الامور عندما تصل الى مرحلة التهجم على حسن نصر الله والتهجم على المناورات الإيرانية في تحريك داعش، فلا طاعة للعبادي في معصية خامنئي، فقد أسرع أبو مهدي المهندس (وهو القائد الفعلي لمليشيا الحشد الشعبي) بأرسال برقية تهنئة لحسن نصر الله على الانتصارات المزعومة التي حققها في جبهة جرود القلمون وجرود عرسال، وعلى ذكاءه الخارق في إبرامه للاتفاق مع داعش، متجاهلاً موقف العبادي المعترض على هذا الاتفاق، ووضع الحكومة العراقية بنفس الوقت بموقف حرج جعلها مفضوحة أمام العالم بحقيقة ان لا سلطة حقيقية للحكومة العراقية على تلك المليشيات، وأن هذه المليشيا ما هي إلا جزء من التحالف الذي تقوده إيران، وأن لا طاعة لهم من يخرج عن هذا الحلف ليلتحق بحلف الولايات المتحدة والسعودية.
موقف العبادي هذا الذي يتحدى فيه إيران ومن يواليها في العراق وفي سوريا، من المؤكد إنه لا يبنيه على فراغ، إنما يفكر بالدعم الأمريكي بالإضافة الى الدعم السعودي الجديد له في مواجهته الحامية مع غرمائه
على ماذا يراهن العبادي بموقفه المتحدي هذا؟
وموقف العبادي هذا الذي يتحدى فيه إيران ومن يواليها في العراق وفي سوريا، من المؤكد إنه لا يبنيه على فراغ، إنما يفكر بالدعم الأمريكي بالإضافة الى الدعم السعودي الجديد له في مواجهته الحامية مع غرمائه. ومستنداً على قاعدة شعبية تتمثل بالتيار الصدري. ولكن السؤال، هل الولايات المتحدة والعرب سيبقون داعمين للعبادي على طول الخط؟ ذلك لأن هذين الطرفين لهم تاريخ حافل بالتخلي عن أصدقائهم في الأوقات الحرجة، وثبت في تاريخهم ان لا صداقات لهم طويلة الأمد. أما الصدر ذو المواقف المتذبذبة، هل سيبقى داعما للعبادي على طول الخط؟ وهل لديه الاستعداد للدخول بمواجهة عسكرية محتملة مع باقي المليشيات لأجل سواد عيون العبادي؟ هذا ما نشك به كثيراً نظراً لسجله السياسي السابق.
ماذا ينتظر العبادي في الأيام القادمة؟
وعلى ما يبدوا من طبيعة رد الفعل التي قامت بها الأطراف الموالية لإيران لانتقادات العبادي لحزب الله وللنظام السوري، ان إيران قد نفضت يديها من العبادي وإنها قد وقَّعت على قرار التخلص منه، سواء عن طريق الانتخابات القادمة أو عن طريق التخلص منه بواسطة ميليشياتها العاملة بالعراق في حالة تجرئه وقيامه بتأجيل الانتخابات النيابية القادمة بنصيحة أمريكية، والاشهر القليلة القادمة ربما ستكون حاسمة لمصير العبادي. وسنرى الى مدى ستقف الولايات المتحدة والسعودية مدافعة عنه ضد الهجمة الشرسة التي ستقوم بها إيران وأذنابها عليه.