ترجمة وتحرير: نون بوست
منتجع مطل على البحر الأبيض المتوسط، ومحكمة متعددة الطوابق بنيت سنة 2018، وعشرات المنازل نُسفت في ثوان بضغطة زناد. وُثّقت الأضرار التي سببها الهجوم الجوي الإسرائيلي على غزة بشكل جيد، لكن القوات البرية الإسرائيلية نفذت أيضًا موجة من التفجيرات الخاضعة للرقابة غيرت المشهد بشكل جذري في الأشهر الأخيرة.
أدت ما لا يقل عن 33 عملية هدم خاضعة للرقابة إلى تدمير مئات المباني، بما في ذلك المساجد والمدارس وأجزاء كاملة من الأحياء السكنية، منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، وذلك حسب ما يظهره تحليل أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” للقطات عسكرية إسرائيلية ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الصناعية.
ردًا على أسئلة حول عمليات الهدم، قال متحدث باسم قوات الاحتلال إن الجنود “يحدّدون ويدمرون البنى التحتية الإرهابية الموجودة، من بين أمور أخرى، داخل المباني” في المناطق المدنية، مضيفًا أنه في بعض الأحيان تكون أحياء بأكملها بمثابة “مجمعات قتالية” لمقاتلي حماس.
عمليات الهدم الخاضعة للرقابة في غزة
تحققت صحيفة “التايمز” من أكثر من عشرين انفجارًا في مقاطع فيديو نُشرت في الفترة من 15 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 24 كانون الثاني/يناير.
قال مسؤولون إسرائيليون، تحدّثوا دون الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالحديث علنًا عن هذه القضية، إن “إسرائيل” تريد هدم المباني الفلسطينية القريبة من الحدود كجزء من جهد لإنشاء “منطقة عازلة” أمنية داخل غزة، مما يزيد من صعوبة تنفيذ المقاتلين هجمات عبر الحدود مثل تلك التي وقعت في جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
لكن معظم مواقع الهدم التي حددتها صحيفة “نيويورك تايمز” كانت خارج ما يسمى بالمنطقة العازلة. وقد لا يكون عدد عمليات الهدم المؤكدة – بناءً على توفر الأدلة المرئية – سوى جزء من العدد الفعلي الذي نفذته “إسرائيل” منذ بدء الحرب.
من أجل تنفيذ عمليات الهدم هذه، يدخل الجنود إلى المباني المستهدفة لوضع ألغام أو متفجرات أخرى، ثم يغادرون للضغط على الزناد من مسافة آمنة. وفي معظم الحالات، قامت القوات الإسرائيلية بتطهير المناطق المحيطة وتأمينها. لكن في مناطق القتال النشط، لا تخلو عمليات الهدم من المخاطر.
قُتل 21 جنديًا إسرائيليًا الأسبوع الماضي بينما كانت وحدتهم تستعد لتفجير عدة مبانٍ بالقرب من الحدود في وسط غزة. وقال مسؤولون إسرائيليون إن مقاتلين فلسطينيين أطلقوا قذيفة صاروخية في اتجاههم مما أدى إلى انفجار العبوة الناسفة. وكان الجنود يقومون بتطهير المنطقة للسماح لسكان جنوب “إسرائيل” بالعودة بأمان إلى منازلهم، وذلك وفقًا للأدميرال دانييل هاجاري، المتحدث الرئيسي باسم الجيش الإسرائيلي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، إن إنشاء منطقة عازلة على طول حدود غزة مع “إسرائيل” البالغ طولها 36 ميلاً تقريبًا سيكون “انتهاكًا” لموقف واشنطن طويل الأمد ضد تقليص الأراضي في غزة. ويقول خبراء في القانون الإنساني إن عمليات الهدم، التي من شأنها أن تمنع بعض الفلسطينيين من العودة في نهاية المطاف إلى منازلهم، يمكن أن تنتهك قواعد الحرب التي تحظر التدمير المتعمد للممتلكات المدنية.
وفي أحد مقاطع الفيديو لعملية هدم تعود لأواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أدى انفجار مراقب إلى تدمير ما لا يقل عن أربعة مباني سكنية شاهقة على بعد بنايات من مستشفى كبير في مدينة غزة. ودمرت عملية هدم أخرى في كانون الأول/ ديسمبر أكثر من 12 مبنى حول ساحة فلسطين المركزية بالمدينة، التي قال الجيش الإسرائيلي إنها تضم شبكة كبيرة من الأنفاق.
عملية الهدم الخاضعة للرقابة في ساحة فلسطين بمدينة غزة
وفقًا لتقديرات تحليل الأقمار الصناعية، تضررت أو دُمرت ما لا يقل عن نصف المباني في غزة منذ بداية الحرب. وفي حين أن الكثير من الأضرار ناجمة عن الغارات الجوية والقتال، فإن عمليات الهدم الكبيرة الخاضعة للرقابة تمثل بعضًا من أكثر الأحداث تدميراً.
في بلدة خزاعة، على طول المنطقة العازلة إلى الشرق من خان يونس، في جنوب غزة، تظهر مقاطع فيديو تعود إلى أوائل كانون الثاني/يناير جنودًا يقومون بعدة تفجيرات، مما أدى إلى تدمير ما يقارب 200 منزل. وتظهر مقاطع فيديو أخرى الجنود وهم يطلقون القنابل المضيئة ويصفقون أثناء قيامهم بعملية الهدم.
عملية الهدم الخاضعة للرقابة في خزاعة
نُفّذت إحدى أكبر عمليات الهدم التي حددتها “التايمز” في حي الشجاعية، وهو حي سكني يقع على مشارف مدينة غزة. وعلى مدى ثلاثة أسابيع، دُمرت عشرات المنازل في نفس الحي، وفقا لصور الأقمار الصناعية من كانون الأول/ديسمبر.
عملية الهدم الخاضعة للرقابة في الشجاعية، مدينة غزة
في بعض مقاطع الفيديو، يبدو أن عمليات الهدم تستهدف البنية التحتية تحت الأرض. وتصور مقاطع أخرى تدمير المساجد والمدارس التابعة للأمم المتحدة والمباني الجامعية – بما في ذلك هدم جامعة الإسراء في منتصف كانون الثاني/يناير، الأمر الذي أثار إدانة واسعة النطاق بعد انتشار الفيديو على الإنترنت.
عملية الهدم الخاضعة للرقابة لجامعة الإسراء في مدينة غزة
بعد أن أثار المسؤولون الأمريكيون تساؤلات حول قرار هدم الجامعة، قال الجيش الإسرائيلي إن الحادث “قيد المراجعة”. وبينما قامت القوات البرية الإسرائيلية بتطهير الموقع وتأمينه، قال مسؤولون عسكريون إنه كان في السابق بمثابة معسكر تدريب لحماس ومنشأة لتصنيع الأسلحة – وهو ادعاء لم تتمكن التايمز من التحقق منه.
قال ماركو ساسولي، أستاذ القانون الدولي في جامعة جنيف، الذي أكد أن عمليات الهدم هذه لا تتم إلا إذا كانت ضرورية للغاية للعمليات العسكرية: “إن استخدام مقاتلي العدو لها في السابق ليس مبررًا لمثل هذا التدمير، لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن يكون هذا هو الحال بالنسبة لجامعة أو مبنى برلمان أو مسجد أو مدرسة أو فندق في وسط قطاع غزة”.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن جميع الإجراءات التي تقوم بها القوات الإسرائيلية “تستند إلى الضرورة العسكرية وبما يتوافق مع القانون الدولي”.
أما بالنسبة للفلسطينيين، تعتبر عمليات الهدم رمزًا آخر للخسارة والدمار في غزة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة بعد عقود من التهجير والحرب.
قال حسام زملط، السفير الفلسطيني في بريطانيا، إن “خطة إسرائيل هي تدمير غزة وجعلها غير صالحة للعيش وخالية من الحياة، لقد كان هدف إسرائيل دائما جعل عودة شعبنا إلى أرضه مستحيلة”.
وبعد يومين من مقتل 21 جنديًا إسرائيليًا في وسط غزة، تم تصوير فيديو آخر لعملية هدم، وفيه يقول جندي إنه في ذكراهم سيتم تدمير 21 منزلا.
عملية الهدم الخاضعة للرقابة في بني سهيلة بخان يونس
يبدأ الجنود في الفيديو بالعد التنازلي، ويتبع ذلك انفجار ضخم.
المصدر: نيويورك تايمز